الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا، حَنِثَ.
ــ
4750 - مسألة: (وإن حَلَف لا يَبْتَدِئُه بكَلامٍ، فتَكَلَّما معًا، حَنِثَ)
لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما مُبْتَدِئٌ، إذ لم يتَقَدَّمْ كلامُه كلامَ سِوَاه.
فصل: وإن كاتَبَه، أو أرْسَلَ إليه رَسُولًا، حَنِثَ، إلَّا أن يكونَ أرادَ أن لا يُشافِهَه. وهذا قول أكثرِ (1) الأصحاب، ومذهبُ مالكٍ، والشَّافعيِّ في القَدِيمِ. وقد رَوَى الأثْرَمُ وغيرُه عن أَحمدَ، في رجلٍ حَلَف أن لا يُكَلِّمَ رجلًا، فكَتَب إليه كِتابًا؟ قال: وأيُّ شيءٍ كان سَبَبَ ذلك؟ إنَّما نَنْظُرُ إلى سَبَبِ يَمِينِه، ولِمَ حَلَف؟ إنَّ الكِتابَ يَجْرِي مَجْرَى الكلامِ، وقد يكونُ بمَنْزِلَةِ الكلامِ في بعضِ الحالاتِ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[يَحْنَثُ بالكتابِ، إلَّا أن تكونَ نِيَّتُه أو سَبَبُ يَمِينِه يَقْتَضِي هِجْرَانَه، وتَرْكَ صِلَتِه، فإن لم يَكُنْ كذلك، لم](1) يَحْنَثْ بكِتابٍ ولا رَسُولٍ؛ لأنَّ ذلك ليس بتَكْلِيمٍ في الحَقِيقَةِ، ولهذا (2) يَصِحُّ نَفْيُه، فيُقالُ: ما كَلَّمْتُه، إنَّما كاتَبْتُه، أو: راسَلْتُه. ولذلك قال اللهُ تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} (3). وقال: {يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلَامِي} (4). وقال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (5). ولو كانتِ الرِّسالةُ تَكْلِيمًا، لشارَك (6) مُوسى غيرُه من الرُّسُلِ، ولم يَخْتَصَّ بكَوْنِه كَلِيمَ اللهِ ونَجيَّه. وقد قال أحمدُ، حينَ ماتَ بِشْرٌ الحافِي: لقد كان فيه أُنْسٌ، وما كَلَّمْتُه قَطُّ. وقد كانت بينهما مُراسَلَةٌ. وممَّن قال: لا يَحْنَثُ بهذا. الثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ، وابنُ المُنْذِرِ، والشافعيُّ في الجَدِيدِ. واحْتَجَّ أصحابُنا بقولِ اللهِ تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (7). فاسْتَثْنَى الرسولَ التَّكْلِيم (8)، والأصْلُ أن يكون
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «هذا» .
(3)
سورة البقرة 253.
(4)
سورة الأعراف 144.
(5)
سورة النساء 164.
(6)
في الأصل: «لتساوي» .
(7)
سورة الشورى 51.
(8)
في م: «التكلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسْتَثْنَى مِن جِنْسِ المُسْتَثْنَى منه، ولأنَّه وُضِعَ (1) لإِفْهامِ الآدَمِيِّين، أشْبَهَ الخِطابَ. والصَّحِيحُ أنَّ هذا ليس بتَكْلِيمٍ، وهذا الاسْتِثْناءُ [في هذا](2) مِن غيرِ الجِنْسِ، كما قال في الآيةِ الأُخْرَى:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا} (3). والرَّمْزُ ليس بتَكْلِيمٍ. لكن إن نَوَى تَرْكَ مُواصَلَتِه، أو كان سَبَبُ يَمِينِه يَقتَضِي هِجْرانَه، حَنِثَ، ولذلك قال أحمدُ: إنَّ الكتابَ يَجْرِي مَجْرَى الكلامِ، وقد يكونُ بمَنْزِلَةِ الكلامِ. فلم يَجْعَلْه كَلامًا، إنَّما قال هو بمَنْزِلَتِه في بعضِ الحالاتِ إذا كان السَّبَبُ يَقْتَضِي ذلك. وإذا أطْلَقَ، احْتَمَلَ أن لا يَحْنَثَ؛ لأنَّه لم يُكَلِّمْه. واحْتَمَلَ أن يَحْنَثَ؛ لأنَّ الغالِبَ من الحالِفِ بهذه اليَمِينِ تَرْك (4) قَصْدِ المُواصَلَةِ، فتَتَعَلَّقُ يَمِينُه بما يُرادُ في الغالِبِ.
فصل: وإن أشارَ إليه، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ. قاله القاضي؛ [لأنَّه في مَعْنى المُكاتَبَةِ والمُراسَلَةِ في الإِفْهامِ. والثاني، لا يَحْنَثُ، ذَكَرَه أبو الخطابِ](5)؛ لأنَّه ليس بكَلامٍ (6)، قال اللهُ تعالى لمريمَ
(1) في م: «موضوع،.
(2)
زيادة من: الأصل.
(3)
سورة آل عمران 41.
(4)
سقط من: م.
(5)
سقط من: م.
(6)
في م: «بكلامه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليها السلام: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . إلى قولِه: {فَأَشَارَتْ إِلَيهِ} (1). وقال في زكَرِيَّا: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَويًّا} . إلى قولِه: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (2). ولأنَّ الكلامَ حروفٌ وأصْواتٌ، ولا يُوجَد في الإِشارَةِ، ولأنَّ الكلامَ شيءٌ مَسْمُوعٌ، وتَبْطُلُ به الصلاةُ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَام النَّاسِ» (3). والإِشارَةُ بخِلافِ هذا. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا} . قُلْنا: هذا اسْتِثْناءٌ من غيرِ الجنْسِ، بدِليل ما ذَكَرْنا، ولصِحَّةِ نفْيِه عنه، فيقالُ: ما كَلَّمَه وإنَّما أَشارَ إليه.
فصل: فإن ناداهُ بحيثُ يَسْمَعُ، فلم يَسْمَعْ، لتَشاغُلِه، أو غَفْلَتِه، حَنِثَ. نَصَّ عليه أحمدُ، فإنَّه سُئِلَ عن رجلٍ حَلَف أن لا يُكَلِّمَ إنْسانًا، فنَاداهُ، والمحلوفُ عليه لا يَسْمَعُ؟ قال: يَحْنَثُ. وهذا لكَوْنِ ذلك يُسَمَّى تَكْلِيمًا، يقالُ: كَلَّمْتُه فلم يَسْمَعْ.
فصل: وإن سَلَّمَ على المَحْلُوفِ عليه، حَنِثَ؛ لأنَّ السَّلامَ كلامٌ تَبْطُلُ
(1) سورة مريم 26 - 29.
(2)
سورة مريم 10، 11.
(3)
تقدم تخريجه في 3/ 557.