الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَرْتَشيَ، وَلَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ إلا مِمَّنْ كَانَ يُهْدِي إلَيهِ قَبْلَ ولايتهِ، بِشرْطِ أنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكُومَة.
ــ
صلى الله عليه وسلم في قِصَّةِ الزُّبَيرِ.
4852 - مسألة: (ولا يَحِلُّ له أن يَرْتشِيَ، ولَا يَقْبَلَ الهَدِيَّةَ إلَّا ممَّن كان يُهْدِي إليه قبلَ وكشه، بشَرْطِ أن لا يكونَ له حُكُومَة)
أمَّا الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ، ورِشْوَةُ العامِلِ (1)، فحرامٌ على الآخِذِ، بلا خلافٍ، قال اللهُ تعالى:{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (2). قال الحسنُ، وسعيدُ بنُ جُبَير، في تفسيرِه: هو الرشْوَةُ. وقال: إذا قَبِل القاضي الرشْوَةَ، بلَغتْ به إلى (3) الكُفْرِ. وروَى عبدُ اللهِ بنُ عمرو (4)، قال: لَعَن رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ والمُرْتَشِيَ. قال الترْمِذِيُّ (5): هذا حديث حسن صحيحٌ. ورَواه أبو هُرَيرَةَ، وزادَ:«في الحُكْمِ» (6). رَواه أبو بكر،
(1) في الأصل، م:«العالم» .
(2)
سورة المائدة 42.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «عمر» .
(5)
في: باب ما جاء في الراشي والمرتشي، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 81، 82.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في كراهية الرشوة، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 270، وابن ماجه، في: باب التغليظ في الحيف والرشوة، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 775. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 164، 190، 194، 212.
(6)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 387، 388. وابن حبان، انظر: الإحسان 11/ 467.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «زادِ المُسافرِ» (1)، وزادَ:«والرَّائِشَ» (2). وهو السَّفيرُ بينَهما. ولأن المُرتَشِيَ إنما يَرْتَشِي ليَحْكُمَ بغيرِ الحقِّ، أو ليُوقِفَ (3) الحُكْمَ عنه، وذلك مِن أعظمِ الظُّلْمِ. قال مَسْرُوق: سألتُ ابنَ مسعودٍ عن السُّحْتِ، أهو الرِّشْوَةُ في الحُكمِ؟ قال: لا، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} و {الظَّالِمُونَ} و {الْفَاسِقُونَ} (4). وإنما السُّحْتُ أن يَسْتَعِينَك على مَظْلَمَةٍ، فيُهْدِيَ لك، فلا تَقْبَلْ (5). وقال قَتادَةُ: قال كَعْبٌ: الرِّشْوَةُ تُسَفِّهُ الحلِيمَ، وتُعْمِيِ عينَ الحكيمِ. فأما الرَّاشِي، فإن رَشاه ليَحْكُمَ له بباطِل، أو يَدفعَ عنه (6)، فهو مَلْعُون، وإن رَشاه ليَدْفَعَ ظُلمَه، ويَجْزِيَه على واجِبِه، فقد قال عَطاء،
(1) ذكره ابن أبي يعلى، في ترجمته، في: طبقات الحنابلة 2/ 120.
(2)
وأخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 279. والطبراني، في: الكبير 2/ 89. والبزار، انظر: كشف الأستار 2/ 124. وقال الهيثمي: وفيه أبو الخطاب، وهو مجهول. مجمع الزوائد 4/ 198، 199.
(3)
في الأصل: «ليتوقف» .
(4)
سررة المائدة 44، 45، 47.
(5)
أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 10/ 139. وأبو يعلى في المسند 9/ 173، 174.
(6)
بعده في الأصل: «حقه» . وفي المغني 14/ 60: «حقا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجابِرُ بنُ زيدٍ، والحسنُ: لا بَأسَ أن يُصانِعَ عن نَفْسِه. قال جابِرُ [بنُ زيدٍ](1): ما رَأينا في زمنِ زِيادٍ (2) أنْفع لَنا مِن الرِّشا. ولأنه يَسْتَنْقِذُ ماله كما يَستَنْقِذُ الرجلُ أسيرَه.
فصل: ولا يَقْبَلُ الحاكمُ هَدِيَّةً؛ وذلك لأنَّ الهَدِيَّةَ يُقْصَدُ بها في الغالِبِ اسْتِمالته، ليَعْتَنِيَ به في الحُكمِ، فيُشْبِهُ الرِّشْوَةَ. قال مَسْرُوق: إذا قَبِل القاضي الهدِيَّةَ، أكَلَ السُّحْتَ، وإذا قَبِل الرِّشْوَةَ، بَلَغَتْ به الكفرَ. وقد روَى أبو حُمَيدٍ السَّاعِدِيُّ، قال: بَعَث رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلًا مِن الأزْدِ، يُقالُ له ابنُ (3) اللُّتْبِيَّةِ على الصدقةِ، فقال: هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ إليَّ.
(1) سقط من: م.
(2)
أي زياد بن أبيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فحَمِدَ اللهَ وأثْنَى عليه، ثم قال:«مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ، فيَجِئُ (1) فيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ! ألَا جَلَس في بَيتِ [أبِيه و] (2) أُمِّه، فيَنْظُرَ أيُهْدَى إلَيهِ أمْ لَا؟ والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّد بِيَدِه، لا نَبْعَثُ أحَدًا مِنْكُمْ، فَيَأخُذُ شَيئًا، إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُه [على رَقَبَتِه] (3)، إن كان بَعِيرًا لَهُ رُغَاء، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَار، أوْ شَاةً تَيعَرُ (4)» . فرَفَعَ يَدَيه حتى رَأيت عُفْرَةَ إبْطَيه (5). فقال: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» . ثلاثًا؛ مُتَّفَق عليه (6). ولأنَّ حُدُوثَ الهدِيَّةِ عندَ حُدوثِ الولايةِ يَدُلُّ على أنَّها مِن أجْلِها، ليَتَوسَّلَ بها إلى مَيلِ الحاكمِ معه على خَصْمِه، فلم يَجُزْ قَبُولُها، كالرِّشْوَةِ. فأمَّا إن كان يُهْدِي إليه قبلَ ولايته، جاز قَبُولُها منه بعدَ الولايةِ؛
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: تثغر.
وتيعر: تصيح، واليُعار: صوت الشاة.
(5)
عفرة الإبط: البياض الذي ليس بالناصع.
(6)
تقدم تخريجه في 7/ 230.
ويضاف إليه: وأخرجه البخاري، في: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الأيمان. صحيح البخاري 8/ 162. وأبو داود، في: باب في هدايا العمال، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 121، 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّها لم تكنْ مِن أجْلِ الولايةِ، لوُجودِ سَبَبِها قبلَها، بدليلِ وُجودِها قبلَ الولايةِ. قال القاضي: ويُسْتَحَبُّ له التنَّزَّهُ عنها. فإن أحَسَّ أنَّه (1) يُقَدِّمُها بينَ يَدَيْ خُصُومَةٍ، أو فَعَلَها حال الحُكُومَةِ، حَرُم أخْذُها في هذه الحالِ؛ لأنَّها كالرشْوَةِ. وهذا كلُّه (2) مَذْهَبُ الشافعيِّ.، ورُوِيَ عن أبي حنيفةَ وأصْحابِه أنَّ قَبُولَ الهدِيَّةِ مَكْرُوة غيرُ مُحَرَّم. وفيما ذَكَرْناه دَلالة على التَّحْرِيمِ. واللهُ أعلمُ.
(1) في الأصل: «به» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ ارْتَشَى الحاكِمُ، أو قَبِل هَدِيَّةً ليس له قَبُولُهَا، لَزِمَه (1) رَدُّها إلى أرْبابِها؛ لأنَّه أخَذَها (2) بغيرِ حَق، فأشْبَهَ المَأخُوذَ بعقدٍ فاسدٍ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَجْعَلَها في بيتِ المالِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَأمُرِ ابنَ اللتْبِيَّةِ برَدِّها إلى أرْبابِها. وقد قال أحمدُ: إذا أهْدَى البِطْرِيقُ لصاحبِ الجيشِ عَينًا أو فِضَّةً، لم تكنْ له دُونَ سائرِ الجيشِ. قال أبو بكر: يكونون فيه سواءً.
(1) سقط من: م.
(2)
بعده في م: «منهم» .