الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب وقت السحور
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَا يَمْنَعَنَّ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الأُفُقِ الَّذِى هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ.
(ش)(الرجال)(عبد الله بن سوادة) بن حنظلة البصرى. روى عن أبيه وأنس بن مالك. وعنه وهيب بن خالد وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية وعبد الوارث بن سعيد وثقه ابن معين والعجلى وقال النسائى لا بأس به. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى. و (القشيرى) نسبة إلى قشير بالتصغير ابن كعب بن ربيعة أبى قبيلة من هوازن و (أبوه) سوادة بن حنظلة البصرى. روى عن سمرة بن جندب هذا الحديث. وعنه ابنه عبد الله وشعبة، قال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب صدوق من الثالثة روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى
(المعنى)
(قوله لا يمنعن من سحوركم الخ) أى لا يمنعكم من السحور أذان بلال فإنه يؤذن بليل ليرجع القائم وينتبه النائم، ولا يمنعنكم البياض الذى يظهر فى السماء من الشرق مستطيلا كذنب الذئب فإنه يكون بليل وهو المسمى بالفجر الكاذب. وكلوا واشربوا حتى ينتشر البياض معترضا فى جانب السماء، وقوله هكذا" إشارة منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى البياض المستطيل ويستطير أى ينتشر، وفى رواية مسلم عن حماد بن زيد بسنده إلى سمرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا وحكاه حماد بيديه يعنى معترضا" وروى النسائى عن محمود بن غيلان قال ثنا أبو داود ثنا شعبة أنبأنا سوادة بن حنظلة قال سمعت سمرة يقول: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا وهكذا يعنى معترضا" قال أبو داود وبسط بيديه يمينا وشمالا مادًّا يديه. والبياض المعترض هو الفجر الصادق الذى يحرم به الأكل ويدخل به وقت الصبح. فقد أخرج الدارقطنى من طريق الوليد بن مسلم عن الوليد بن سليمان قال سمعت ربيعة بن يزيد قال سمعت عبد الرحمن بن عائش صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "الفجر فجران، فأما المستطيل فى السماء فلا يمنعن السحور، ولا تحل فيه الصلاة، وإذا اعترض فقد حرم الطعام فصلّ صلاة الغداة" قال الدارقطنى
إسناد صحيح، وأخرج أيضا من طريق الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه بلغه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "هما فجران فأما الذى كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرّمه، وأما المستطيل الذى عارض الأفق ففيه تحلّ الصلاة ويحرم الطعام" قال الدارقطنى هذا مرسل. وأخرج أيضا من طريق أبى أحمد الزبيرى قال ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الفجر فجران فجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام وفجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، قال الدارقطنى لم يرفعه غير أبى أحمد الزبيرى عن الثورى. ووقفه الفريابى وغيره عن الثورى. ووقفه أصحاب ابن جريج عنه اهـ
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائى والترمذى وقال حسن. وأخرجه الدارقطنى وقال إسناده صحيح
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ التَّيْمِىِّ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِى لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ. وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَمَدَّ يَحْيَى بِأُصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ.
(ش)(أبو عثمان) النهدى
(قوله ليرجع قائمكم) أى ليرجع القائم منكم فى الليل ليستريح فيقوى على صلاة الصبح ويتيقظ نائمكم ليتهجد ويتسحر ويتهيأ لصلاة الصبح، وفى نسخة وينتبه النائم
(قوله وليس الفجر أن يقول هكذا) يعنى يظهر مستطيلا ففيه إطلاق القول على الفعل
(قوله وجمع يحيى كفه الخ) وفى بعض النسخ قال مسدّد وجمع يحيى الخ هكذا فى أكثر النسخ بالإفراد، وفى نسخة كفيه بالتثنية، والغرض الإشارة إلى الفجر الكاذب الذى يخرج مستطيلا، وأما الفجر الصادق فلا يتحقق حتى يظهر النور منتشرا فى الأفق. وفى رواية مسلم إنّ الفجر ليس الذى يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذى يقول هكذا ووضع المسبحة على المسبحة ومدّ يديه يعنى فرّقهما يمنة ويسرة إشارة إلى انتشار الضوء
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النُّعْمَانِ حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ.
(ش)(الرجال)(عبد الله بن النعمان) السحيمى بالتصغير اليمامى. روى عن قيس بن طلق. وعنه عمر بن يونس وملازم بن عمرو. وثقه ابن معين والعجلى وذكره ابن حبان فى الثقات وقال ابن خزيمة لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وفى التقريب مقبول من السادسة. روى له أبو داود والترمذى. و (أبو قيس) طلق بن علىّ
(المعنى)
(قوله ولا يهيدنكم) بفتح فكسر (الساطع المصعد) بضم الميم وكسر العين المهملة اسم فاعل، أى لا يزعجنكم ولا يمنعنكم من السحور الفجر الكاذب الذى يسطع ضوءه المستطيل من الأعلى إلى الأسفل، وأصل الهيد بالكسر الحركة والانزعاج يقال هدت الشئ أهيده هيدا إذا حركته وأزعجته
(قوله فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) أى حتى يظهر الفجر الصادق فإنه إذا تم طلوعه وظهر ضوءه جاءت معه أوائل الحمرة. فلا يقال إنَّ الحديث معارض للآية. قال الخطابى معنى الأحمر أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة. وذلك أنَّ البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة، والعرب تشبه الصبح بالبلق فى الخيل لما فيه من بياض وحمرة اهـ وفى نسخة زيادة قوله "قال أبو داود وهذا مما تفرد به أهل اليمامة"(وفى أحاديث الباب) دلالة على مشروعية السحور، وأن وقته ممتدّ إلى ظهور الفجر الصادق، وأنَّ الفجر الكاذب لا يمنع من السحور
(والحديث) أخرجه أيضا الترمذى وقال حسن غريب وأخرجه الدارقطنى عن عبد الله ابن النعمان السحيمى قال: أتانى قيس بن طلق فى رمضان فى آخر الليل بعدما رفعت يدى من السحور لخوف الصبح فطلب منى بعض الإدام فقلت أيا عماه: لو كان بقى عليك من الليل شئ لأدخلتك إلى طعام عندى وشراب. قال عندك؟ فدخل فقربت إليه ثريدا ولحما ونبيذا فأكل وشرب وأكرهنى فأكلت وشربت وإنى لوجل من الصبح ثم قال: حدثنى طلق بن علي أنّ نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر وأشار بيده، قال الدارقطنى قيس بن طلق ليس بالقوى اهـ
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ الْمَعْنَى عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}. قَالَ أَخَذْتُ عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ فَوَضَعْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِى فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَتَبَيَّنْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ: إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ طَوِيلٌ، إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وقَالَ عُثْمَانُ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ.
(ش)(الرجال)(حصين بن نمير) مصغرا الواسطى أبو محصن الضرير. روى عن حصين بن عبد الرحمن وحسين بن قيس والثورى وابن أبى ليلى وغيرهم. وعنه على بن المدينى وحميد بن مسعدة ومسدد وعدّة. وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلى وقال أبو حاتم صالح ليس به بأس وذكره ابن حبان فى الثقات. وقال الحاكم ليس بالقوى، وفى التقريب لا بأس به رمى بالقدر من الثامنة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى. و (ابن إدريس) عبد الله كما فى مسلم. و (حصين) ابن عبد الرحمن السلمى. و (الشعبى) عامر (المعنى)
(قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) أى حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل. وسميا خيطين لأن كل واحد منهما يبدو فى الأفق ممتدّا كالخيط فهو تشبيه: شبه ما يبدو من البياض وما يمتدّ معه من ظلمة الليل بخيطين أبيض وأسود فى الامتداد. ونزلت هذه الآية كما تقدّم فى صرمة بن قيس الذى كان عاملا فى أرض له وهو صائم، فلما جاء المساء رجع إلى أهله فلم يجد طعاما فغلبته عيناه من التعب، فلما حضر الطعام واستيقظ كره أن يأكل خوفا من الله تعالى فبات طاويا وأصبح يعمل فما انتصف النهار حتى غشى عليه، فأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزلت هذه الآية (وظاهر الحديث) يدل على أنّ عدى بن حاتم كان مسلما وقت نزول الآية فيقتضى تقدم إسلامه أول الهجرة مع أنّ إسلامه كان فى السنة التاسعة أو العاشرة كما ذكره غير واحد من أهل المغازى، وقد يؤوّل قول عدى لما نزلت هذه الآية، بأنّ مراده لما نزلت ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع وتليت على هذه الآية بعد إسلامى ويؤيده رواية أحمد من طريق مجالد عنه قال: علمنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة والصيام فقال: صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود فأخذت خيطين الخ
(قوله فأخذت عقالا أبيض الخ) بكسر العين المهملة أى حبلا وأصله الحبل الذى يعقل به البعير ويجمع على عقل بضمتين وقد تسكن القاف. وفى رواية مجالد عند أحمد فأخذت خيطين من شعر، وحمل عدى الخيطين على حقيقتهما فصنع ما صنع، وحمل قوله من الفجر على السببية وظن أن الغاية تنتهى إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بسبب ضياء الفجر
أو أنه نسى قوله من الفجر حتى ذكره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية ابن جرير عن عدى بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلمنى الإسلام ونعت لى الصلوات كيف أصلى كل صلاة لوقتها ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل، ولم أدر ما هو؟ ففتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء، فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله كل شئ أوصيتنى قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال وما منعك يابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت. قلت فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء، فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى رؤى نواجذه ثم قال: ألم أقل لك من الفجر؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل (وحديث عدى) هذا يقتضى أنّ قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود "وما رواه" البخارى عن سهل بن سعد قال أنزلت "كلوا واشربوا حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود" ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر، فعلموا أنه إنما يعنى الليل والنهار "يقتضى" أنّ قوله من الفجر نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الإشكال. والجمع بينهما أن حديث عدى بن حاتم متأخر عن حديث سهل بن سعد وكأنّ عديا لم يبلغه ما جرى فى حديث سهل، وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع. فبين له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنّ المراد بقوله من الفجر أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر، وأنّ قوله من الفجر متعلق بقوله يتبين. أفاده الحافظ في الفتح
(قوله فقال إنّ وسادك إذا لعريض طويل) وفي نسخة لطويل عريض، أراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه غفل عن المراد من الآية ولم يفطن له فكنى بعرض الوسادة وطولها عن غفلته فهو نظير قولهم إن فلانا عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة. هكذا حمله بعضهم على الذم لعدى. وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه، وعضدوا ذلك بما فى حديث أبى عوانة عن مطرّف فضحك وقال: لا يا عريض القفا. (قال القرطبى) وليس الأمر على ما قالوا لأنّ من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التى هى الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل. وإنما عنى والله أعلم أنّ وسادك إن كان يغطى الخيطين اللذين أرادهما الله تعالى فهو إذا عريض واسع، ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إثر ذلك "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" فكأنه قال فكيف يدخلان تحت وسادك، وقوله إنك لعريض القفا أى أنّ الوساد الذى يغطى الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة اهـ ويؤيد كلام القرطبى ذكر ابن حبان حديث عدى تحت ترجمة "ذكر
البيان بأنّ العرب تتفاوت لغاتها، فإنه أشار بذلك إلى أن عديا لم يكن يعرف في لغته أنّ سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأبيض والخيط الأسود. وقال الخطابي قوله إن وسادك إذا لعريض فيه قولان (أحدهما) يريد أن نومك إذا لكثير، وكنى بالوساد عن النوم إذ كان النائم يتوسده، أو يكون أراد أنّ ليلك إذا لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل والشرب حتى يتبين لك سواد العقال من بياضه (والقول) الآخر أنه كنى بالوساد عن الموضع الذى يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام، والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كانت فيه غباوة وغفلة، وقد روى هذا الحديث من طريق آخر أنه قال: إنك عريض القفا. والعرب تسمى بياض الصبح أول ما يبدو خيطا قال النابغة
فلما تبدت لنا سدفة
…
ولاح من الصبح خيط أنارا اهـ
والسدفة عند قيس الضوء لكن قد علمت أن القرطبي رد القول الثانى
(قوله إنما هو الليل والنهار الخ) هذه رواية مسدّد، وأما رواية عثمان بنُ أبي شيبة فقد ذكرها بقوله "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" أي إنما المراد بالخيط الأبيض في الآية بياض النهار وبالخيط الأسود سواد الليل والفرق بين الروايتين أن مسددا لم يذكر لفظ السواد والبياض وذكرهما عثمان بن أبي شيبة (وقد استدل) بالآية وأحاديث الباب على أنه يباح الأكل والشرب ونحوهما ليلة الصيام إلى ظهور الفجر الصادق وتبينه وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. قال ابن المنذر وبه قال عمر بنُ الخطاب وابن عبَّاس وعلماء الأمصار وبه نقول. وروينا عن علىّ ابن أبي طالب أنه قال حين صلى الفجر: الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وذهب معمر وسلمان الأعمش والحكم بين عتيبة وأبو مجلز إلى جواز الأكل ما لم تطلع الشمس واستدلوا بما رواه الطحاوي من طريق عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيش قال: تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل، فقلت إنى أريد الصوم، قال وأنا أريد الصوم، قال فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أوصنعت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قلت بعد الصبح؟ قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وروى سعيد بنُ منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زرّ عن حذيفة قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور لاتفاق الأئمة الأربعة عليه ولأنه الثابت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة في الصحيحين وغيرهما. وما استدل به هؤلاء لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة. ولو شك هل طلع الفجر؟ يجوز له الأكل والشرب وغيرهما حتى يتحقق الفجر تمسكا بظاهر الآية والأحاديث