الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أين يكون الاعتكاف
؟
أى فى أى مكان يكون الاعتكاف
(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ نَافِعٌ: وَقَدْ أَرَانِى عَبْدُ اللَّهِ الْمَكَانَ الَّذِى يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ.
(ش)(ابن وهب) عبد الله. و (يونس) بن يزيد
(قوله وقد أرانى عبد الله المكان الخ) بينه ابن ماجه فى رواية له عن ابن عمر أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا اعتكف، طرح له فراشه ويوضع له سريره وراء أسطوانة التوبة. وفى رواية للبيهقى بسند حسن أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى اسطوانة التوبة مما يلى القبلة يستند إليها (وفى الحديث) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف فى المسجد ولم يثبت أنه اعتكف فى غيره. ومن هذا اتفق العلماء على أنه يشترط المسجد فى الاعتكاف إلا ما حكى عن محمد بن عمر بن لبابة المالكى من أن الاعتكاف يصح فى كل مكان. واستدلوا على اشتراط المسجد أيضا بقوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وجه الدلالة أنه لو صح الاعتكاف فى غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة حال التلبس به بالمسجد لأن الجماع مناف للاعتكاف ومحرم فيه مطلقا بالإجماع، فلو لم يكن المراد من الآية أن الاعتكاف لا يكون إلا فى المساجد لم يكن لذكرها وجه. والمراد بالمباشرة فى الآية الجماع دون غيره من معانى المباشرة كما رواه الطبرى عن ابن عباس وعطاء والضحاك وقتادة وغيرهم قال: حدثنا بشر ابن معاذ ثنا يزيد ثنا سعيد عن قتادة فى قوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قال كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقى امرأته باشرها إن شاء، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضى اعتكافه اهـ (قال النووى) بعد ذكر أحاديث الاعتكاف: وفى هذه الأحاديث أن الاعتكاف لا يصح إلا فى المسجد، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا فى المسجد مع المشقة فى ملازمته، فلو جاز فى البيت لفعلوه ولو مرة ولا سيما النساء لأن حاجتهن إليه فى البيوت أكثر اهـ. واختلفوا فى المسجد الذى يصح في الاعتكاف فقال أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور لا يكون إلا فى مسجد تقام فيه الجماعة، لأن الجماعة واجبة عند
أحمد وسنة عند أبى حنيفة. ولو اعتكف فى المسجد لا تقام فيه جماعة، لأدى إما إلى ترك الجماعة الواجبة أو المسنونة على سبيل التأكيد، وإما إلى خروجه إلى الجماعة كثيرا وذلك مناف للاعتكاف واستدلوا بما رواه الطبرانى عن إبراهيم النخعى أن حذيفة قال لابن مسعود: ألا تعجب من قوم بين دارك ودار أبى موسى يزعمون أنهم عكوف؟ فقال ابن مسعود فلعلهم أصابوا وأخطأت أو حفظوا ونسيت. فقال حذيفة: أما أنا فقد علمت أنه لا اعتكاف إلا فى مسجد جماعة. وروى ابن أبى شيبة وعبد الرزاق فى مصنفيهما عن على: لا اعتكاف إلا فى مسجد جماعة. وروى عن أبى حنيفة أنه لا يجوز الاعتكاف إلا فى مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس. وعن أبى يوسف أن الاعتكاف الواجب لا يجوز فى غير مسجد جماعة. وأما غير الواجب فيجوز فى المسجد وفى غيره. وقال مالك يصح الاعتكاف فى كل مسجد مباح لعموم الناس إلا إن نوى أياما فيها الجمعة فيجب أن يكون فى مسجد تقام فيه الجمعة. فلا يصح الاعتكاف فى مساجد البيوت. وقالت الشافعية لا يجوز الاعتكاف إلا فى المسجد. والأفضل أن يكون فى المسجد الجامع. وقال ابن حزم يجوز فى كل مسجد جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع سواء كان مسقفا أو مكشوفا، فإن كان لا يصلى فيه جماعة ولا له إمام لزمه الخروج لكل صلاة إلى مسجد يصلى فيه جماعة إلا أن يبعد منه بعدا يكون عليه فيه حرج فلا يلزمه اهـ وقال الزهرى والحكم لا يصح الاعتكاف إلا فى المسجد الجامع: وحكى ابن المنذر عن حذيفة أنه لا يصح الاعتكاف إلا فى أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوى والمسجد الأقصى. وعن عطاء أنه لا يكون إلا فى مسجد مكة والمدينة. وعن ابن المسيب لا اعتكاف إلا فى مسجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذا تخصيص بلا مخصص. وعن الشعبى أن الرجل يعتكف فى مسجد بيته "وما ذهب" إليه ابن حزم من تعميم المساجد "هو الظاهر" لعموم قوله تعالى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} . وهذا كله فى حق الرجل، وأمّا المرأة فقال مالك والشافعى وأحمد لا تعتكف إلا فى مسجد مباح لعموم الناس، وليس لها أن تعتكف فى مسجد بيتها. وبه قال ابن حزم. وعن أبى حنيفة إن اعتكفت فى مسجد الجماعة جاز واعتكافها فى مسجد بيتها أفضل. قال فى الكفاية وهو الصحيح، لأن مسجد الجماعة يدخل فيه كل أحد وهى طول النهار لا تقدر أن تكون مستترة ويخاف عليها الفتنة من الفسقة اهـ لكن إذا خيف عليها الفتنة امتنع اعتكافها فى المسجد المباح للناس اتفاقا. ومسجد بيتها المكان المهيأ لصلاتها فيه (فائدة) قال ابن قدامة الحنبلى فى المغنى ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه. وهذا قول أبى حنيفة ومالك والشافعى ولا نعلم فيه مخالفا. ويجوز أن يبيت فيه. وظاهر كلام الخرقى أن رحبة المسجد ليست منه، وليس للمعتكف الخروج إليها، لقوله فى الحائض يضرب لها خباء فى الرحبة والحائض ممنوعة من المسجد. وقد روى عن أحمد ما يدل على هذا، وروى عنه المروزى أن المعتكف
يخرج إلى رحبة المسجد وهى من المسجد. وقال القاضى إن كان عليها حائط وباب فهى كالمسجد لأنها منه وتابعة له. وإن لم تكن محوطة لم يثبت لها حكم المسجد. فكأنه جمع بين الروايتين وحملهما على اختلاف الحالين. فإن خرج إلى منارة خارج المسجد للأذان بطل اعتكافه. قال أبو الخطاب ويحتمل ألا يبطل لأن منارة المسجد كالمتصلة به اهـ وقال النووى فى شرح المهذب: قد ذكرنا أنّ المنارة التى فى رحبة المسجد يجوز للمؤذن وغيره صعودها ولا يبطل الاعتكاف بذلك. نص عليه الشافعى واتفق الأصحاب عليه. ومن المهم بيان حقيقة هذه الرحبة. قال صاحب الشامل والبيان: المراد بالرحبة ما كان مضافا إلى المسجد محجرا عليه. قالوا والرحبة من المسجد. قال صاحب البيان وغيره: وقد نص الشافعى على صحة الاعتكاف فى الرحبة. قال القاضى أبو الطيب فى المجرد قال الشافعى: يصح الاعتكاف فى رحاب المسجد لأنها من المسجد. وقال المحاملى فى المجموع: للمنارة أربعة أحوال (إحداها) أن تكون مبنية داخل المسجد فيستحب الأذان فيها لأنه طاعة (الثانية) أن تكون خارج المسجد إلا أنها فى رحبة المسجد، فالحكم فيها كالحكم لو كانت فى المسجد لأن رحبة المسجد من المسجد، ولو اعتكف فيها صح اعتكافه (الثالثة) أن تكون خارج المسجد وليست فى رحبته إلا أنها متصلة ببناء المسجد ولها باب إلى المسجد، فله أن يؤذن فيها لأنها متصلة بالمسجد ومن جملته (الرابعة) أن تكون خارج المسجد غير متصلة به ففيها خلاف اهـ وقال ابن قدامة فى المغنى: يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة. ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه وفى الحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش، فإن ذلك مكروه فى غير الاعتكاف ففيه أولى. ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره. ولا بأس بالكلام لحاجته ومحادثة غيره، فإن صفية زوج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت. الحديث. وقال على رضى الله عنه: أيما رجل اعتكف فلا يسب ولا يرفث فى الحديث ويأمر أهله بالحاجة أى وهو يمشى ولا يجلس عندهم. رواه الإمام أحمد. فأما إقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه، فأكثر أصحابنا على أنه لا يستحب حال الاعتكاف وهو ظاهر كلام أحمد. وقال أبو الحسن الآمدى فى استحباب ذلك روايتان. واختار أبو الخطاب أنه مستحب إذا قصد به طاعة الله تعالى لا المباهاة. وهذا مذهب الشافعى لأن ذلك أفضل العبادات ونفعه يتعدى، فكان أولى من تركه كالصلاة. واحتج أصحابنا بأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به
ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف. وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى وشهود الجنازة. فعلى هذا القول فعله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف. قال المروزى قلت لأبى عبد الله إن رجلا يقرئ فى المسجد وهو يريد أن يعتكف ولعله أن يختم فى كل يوم. فقال إذا فعل هذا كان لنفسه، وإذا قعد فى المسجد كان له ولغيره يقرئ أحب إلى ثم قال: وليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام. وظاهر الأخبار تحريمه. قال قيس بن مسلم دخل أبو بكر الصديق رضى الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال ما لها لا تتكلم؟ قالوا حجت مصمتة. فقال لها تكلمى فإن هذا لا يحل، هذا من أعمال الجاهلية فتكلمت. رواه البخارى. وروى أبو داود بإسناده عن على رضى الله عنه قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال "لا صمات يوم إلى الليل" وروى عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن صوم الصمت، فإن نذر ذلك فى اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به. وبهذا قال الشافعى وأصحاب الرأى وابن المنذر ولا نعلم فيه مخالفا، لما روى ابن عباس قال: بينا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب إذاهو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسراءيل. نذر أن يقوم فى الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" رواه البخارى ولأنه نذر فعل منهى عنه، فلم يلزمه كنذر المباشرة فى المسجد. وإن أراد فعله لم يكن له ذلك سواء نذره أو لم ينذره. وقال أبو ثور وابن المنذر له فعله إذا كان أسلم (ولنا) النهى عنه وظاهره التحريم والأمر بالكلام ومقتضاه الوجوب، وقول أبى بكر الصديق رضى الله عنه: إن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. وهذا صريح ولم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه. واتباع ذلك أولى. ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام، لأنه استعمال له فى غير ماهو له، فأشبه استعمال المصحف فى التوسد ونحوه، وقد جاء "لا تناظروا بكتاب الله" قيل معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه كأن ترى رجلا قد جاء فى وقته فتقول "وجئت على قدر يا موسى" أو نحوه ذكر أبو عبيدة نحو هذا المعنى قال ولا بأس أن يتزوج فى المسجد ويشهد النكاح. وإنما كان كذلك لأن الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب، فلم تحرم النكاح كالصوم، ولأن النكاح طاعة وحضوره قربة ومدته لا تتطاول فيتشاغل به عن الاعتكاف، فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلام. ولا بأس أن يتنظف بأنواع التنظف لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرجل رأسه وهو معتكف؛ وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب وليس ذلك بمستحب اهـ
(والحديث) أخرجه أيضا مسلم وابن ماجه والبيهقى بزيادة نافع. وأخرجه البخارى بدونها