الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(والحديث) أخرجه أيضًا البخارى وابن ماجه والبيهقى والدارقطنى وقال إسناده صحيح ثابت
باب في الوصال
أي وصل الصائم الليل بالنهار من غير أكل أو شرب بينهما، فالوصال تتابع الصيام أكثر من يوم بلا إفطار
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى.
(ش)(قوله نهى عن الوصال) لعله أراد النهى الوارد فى حديث أبى سعيد الآتى. وفى حديث أنس عند البخارى بلفظ "لا تواصلوا". ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوصال رحمة بهم لئلا يشق عليهم ففى البخارى عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم الخ. وفى رواية له عن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوصال رحمة لهم الخ قال النووى: الحكمة فى نهيهم "درء" المفسدة المترتبة على الوصال وهى الملل من العبادة والتعرض للتقصير فى بعض وظائف الدين من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة فى نهاره وليله اهـ
(قوله قالوا فإنك تواصل) هكذا بلفظ قالوا فى أكثر الأحاديث. وفى رواية للبخارى عن أبى هريرة فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل. ولا تنافى بينهما لاحتمال أنّ القائل واحد ونسب إلى الجميع لرضاهم به. أو أن القصة متعدّدة فمرة سأل واحد وأخرى سأل جماعة
(قوله إنى لست كهيئتكم الخ) أى ليست حالتى مثل حالتكم وصفتكم فإنّ الله تعالى يطعمنى ويسقينى أى يعطينى قوة الآكل والشارب ويفيض علىّ بما يسدّ مسدّ الطعام والشراب فأقوى على الطاعات من غير ضعف فى القوة ولا تعب فى الإحساس. ويحتمل أنّ المراد حقيقة الأكل والشرب وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله تعالى كرامة له فى ليالى صيامه لا يقطع وصاله خصوصية له. فكأنه قال لست كهيئتكم وصفتكم فى أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله، بل أنا يطعمنى ربى ويسقينى ولا ينقطع وصالى فطعامكم وشرابكم غير طعامى وشرابى صورة ومعنى. "وما قيل" إن هذا الاحتمال يدفعه قوله "وأيكم مثلى" ويضعفه قولهم "إنك تواصل" فإن الوصال مع تناول الطعام والشراب من المحال "مردود" بأن ما يؤتى به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سبيل الكرامة من طعام
وشراب لا تجرى عليه أحكام المكلفين كما غسل صدره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى طست من ذهب مع أنّ استعمال أوانى الذهب فى الدنيا حرام. وقال ابن المنير هو محمول على أنّ أكله وشربه فى تلك الحالة كحالة النائم الذى يحصل له الشبع والرى بالأكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ ولا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص أجره اهـ وقال فى الفتح يحتمل أن يكون المراد بقوله يطعمنى ويسقينى "أنه يشغلنى" بالتفكر فى عظمته والتملى بمشاهدته والتغذى بمعارفه وقرّة العين بمحبته والاستغراق فى مناجاته والإقبال عليه "عن الطعام" والشراب وإلى هذا جنح ابن القيم وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد. ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسمانى، ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذى قرّت عينه بمحبوبه. قال: وتمسك ابن حبان بظاهر الحال فاستدل بظاهر الحديث على تضعيف الأحاديث الواردة بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجوع ويشدّ الحجر على بطنه من الجوع قال: لأنّ الله تعالى كان يطعم رسوله ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه حتى يحتاج إلى شدّ الحجر على بطنه جائعا ثم قال: وماذا يغنى الحجر من الجوع؟ ثم ادّعى أنّ ذلك تصحيف ممن رواه، وإنما هى الحجز بالزاى جمع حجزة. وقد أكثر الناس من الردّ عليه فى جميع ذلك. وأبلغ ما يردّ عليه به أنه أخرج فى صحيحه من حديث ابن عباس قال: خرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالهاجرة فرأى أبا بكر وعمر فقال ما أخرجكما؟ قالا ما أخرجنا إلا الجوع فقال: والذى نفسى بيده ما أخرجنى إلا الجوع. فهذا الحديث يردّ ما تمسك به "وأمّا قوله" وما يغنى الحجر من الجوع "فجوابه" أنه يقيم الصلب لأن البطن إذا خلا ربما ضعف صاحبه عن القيام لانثناء بطنه عليه فإذا ربط عليه الحجر اشتد وقوى صاحبه على القيام حتى قال بعض من وقع له ذلك: كنت أظن الرجلين يحملان البطن فإذا البطن يحمل الرجلين اهـ
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ بَكْرَ بْنَ مُضَرَ حَدَّثَهُمْ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ: إِنَّ لِى مُطْعِمًا يُطْعِمُنِى وَسَاقِيًا يَسْقِينِى.
(ش)(الرجال)(ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن الهاد. وفى نسخة ابن الهادى بإثبات الياء.
و (عبد الله بن خباب) الأنصارى، روى عن أبى سعيد الخدرى. وعنه القاسم بن محمد وابن إسحاق وابن الهاد ويحيى بن سعيد الأنصارى وغيرهم. وثقه أبو حاتم والنسائى وقال ابن عدى صدوق حدث عنه أئمة الناس وذكره ابن حبان فى الثقات وفى التقريب ثقة من الثالثة. مات بعد المائة. روى له الجماعة
(المعنى)
(قوله فليواصل حتى السحر) أى فليكن وصاله إلى السحر. فأباح صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوصال من أول الليل إلى وقت السحر لا غير. وفيه رد على من يمنع الإمساك بعد الغروب "ولا ينافيه" ما رواه ابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه. فقال يا رسول الله إنك تفعل ذلك "لأنّ رواية" عبيدة ابن حميد شاذة فقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش عند أحمد وغيره، وتابعه عبد الله ابن نمير عن الأعمش. وخالفه أيضا جميع الرواة عن أبى هريرة فلم يقيدوا النهى عن الوصال إلى السحر. وعلى تقدير أنّ رواية عبيدة محفوظة فتحمل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الوصال أوّلا مطلقا كل الليل أو بعضه. ويحمل حديث أبى سعيد على أنّ النهى عن الوصال خص بجميع الليل بعد ذلك وأبيح الوصال إلى السحر، أو يحمل حديث عبيدة على كراهة التنزيه والنهى عما زاد عن السحر فى حديث أبى سعيد على كراهة التحريم
(قوله فإنك تواصل) قالوا له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بعد النهى لطلب بيان الحكم لهم أو بيان الحكمة فى نهيهم عن الوصال دونه، وليس ذلك اعتراضا منهم لأنهم أكثر الناس آدابا (وفى هذه الأحاديث) أنّ الوصال من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنّ الأمة منهية عنه. وهل النهى للتحريم أو للكراهة؟ ذهب الجمهور إلى أنه للكراهة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واصل بالصحابة كما رواه البخارى عن أبى هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوصال فى الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله. قال وأيكم مثلى؟ إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم. ورواه مسلم عن أنس قال: واصل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى أول شهر رمضان فواصل ناس فبلغه ذلك فقال: لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إنكم لستم مثلى اهـ. قال النووى "قوله فى أول شهر رمضان" هكذا هو فى كل النسخ ببلادنا وكذا نقله القاضى عن أكثر النسخ قال: وهو وهم من الراوى وصوابه آخر شهر رمضان، وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الموافق للحديث الذى قبله ولباقى الأحاديث اهـ وفعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك تنكيلا لهم لما أبوا أن ينتهوا. ولو كان حراما ما واصل بهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى البزار والطبرانى فى الكبير من حديث سمرة قال: نهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى