المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تأخير قضاء رمضان - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١٠

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌باب في صلة الرحم

- ‌باب في الشح

- ‌ التحذير من البخل

- ‌كتاب الصيام

- ‌حكمة مشروعيته

- ‌باب مبدأ فرض الصيام

- ‌باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى

- ‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

- ‌باب إذا أغمى الشهر

- ‌باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌باب فى التقدم

- ‌باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

- ‌باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌باب فيمن يصل شعبان برمضان

- ‌باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

- ‌باب في توكيد السحور

- ‌باب من سمى السحور الغداء

- ‌ الترغيب فى السحور

- ‌باب وقت السحور

- ‌باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌باب وقت فطر الصائم

- ‌باب ما يستحب من تعجيل الفطر

- ‌الحكمة في ذلك

- ‌باب ما يفطر عليه

- ‌الحكمة فى الإفطار على التمر

- ‌باب القول عند الإفطار

- ‌باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌باب في الوصال

- ‌باب الغيبة للصائم

- ‌باب السواك للصائم

- ‌باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ فى الاستنشاق

- ‌باب فى الصائم يحتجم

- ‌باب فى الصائم يحتلم نهارا فى رمضان

- ‌باب فى الكحل عند النوم للصائم

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الصائم يبلع الريق

- ‌باب فيمن أصبح جنبا فى شهر رمضان

- ‌باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

- ‌باب التغليظ فيمن أفطر عمدا

- ‌باب من أكل ناسيا

- ‌باب تأخير قضاء رمضان

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌باب من اختار الفطر

- ‌باب فيمن اختار الصيام

- ‌باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

- ‌باب من يقول صمت رمضان كله

- ‌باب فى صوم العيدين

- ‌باب صيام أيام التشريق

- ‌باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم

- ‌باب في صوم الدهر

- ‌باب فى صوم أشهر الحرم

- ‌باب في صوم المحرم

- ‌باب صوم رجب

- ‌باب فى صوم شعبان

- ‌باب في صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

- ‌باب فى صوم الاثنين والخميس

- ‌باب في فطر العشر

- ‌باب في صوم عرفة بعرفة

- ‌باب في صوم يوم عاشوراء

- ‌باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع

- ‌باب فى صوم يوم وفطر يوم

- ‌باب فى صوم الثلاث من كل شهر

- ‌باب من قال الاثنين والخميس

- ‌باب من قال لا يبالى من أي الشهر

- ‌باب النية فى الصيام

- ‌باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌باب فى الصائم يدعى إلى وليمة

- ‌باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب أين يكون الاعتكاف

- ‌باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

- ‌باب المعتكف يعود المريض

- ‌باب المستحاضة تعتكف

- ‌ كتاب المناسك

- ‌(باب فرض الحج)

- ‌ باب فى المرأة تحج بغير محرم

- ‌ باب لا صرورة فى الإسلام

- ‌ باب التزود فى الحج

- ‌ التوكل المحمود

- ‌ باب التجارة فى الحج

- ‌ باب الكرى

- ‌ باب الصبى يحج

- ‌ باب المواقيت

- ‌[خاتمة المُعتني بالكتاب]

الفصل: ‌باب تأخير قضاء رمضان

وسلم قال: من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة. قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقياسهم الصيام على الصلاة، قياس في مقابلة النص لا يعول عليه

(الفقه) دلّ الحديث على لطف الله تعالى بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم

(والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والدارقطني والحاكم وابن خزيمة والدارمي والبيهقي من طرق بألفاظ متقاربة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح

‌باب تأخير قضاء رمضان

أي أيجوز أم لا؟

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ حَتَّى يَأْتِىَ شَعْبَانُ.

(ش)(قوله إن كان ليكون علىّ الصوم من رمضان الخ) أى أن قضاء صوم أيام من رمضان يكون ثابتا علىّ في عهد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا أتمكن منه إلى أن يجئ شعبان. فإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، والصوم اسم كان، واسم يكون عائد عليه ولا يضر تأخره في اللفظ لتقدّمه في الرّتبة. وكانت لا تستطيع القضاء قبل شعبان لاشتغالها بقضاء حق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتوفير الحظ في عشرته. فقد ذكر يحيى ابن سعيد في رواية البخارى أن المانع لها من تعجيل القضاء أنها كانت مشغولة بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية مسلم قال يحيى فظننت أنّ ذلك لمكانها من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. يعنى كان يمنعها الشغل بقضاء حظ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فإنها كانت لا تصوم إلا بإذنه. وقد لا يأذن لاحتمال احتياجه إليها، فإذا ضاق الوقت أذن لها. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكثر الصوم في شعبان. فلذا كانت لا تستطيع القضاء إلا فيه. ويحتمل أنها كانت لا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يحتاجها فتفوت حاجته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهذا من كمال أدبها. لكن هذا التعليل ليس خاصا بها فإنّ سائر أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثلها في الاشتغال بحاجته فقد روى مسلم من طريق حمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن عائشة قالت:

ص: 140

إن كانت إحدانا لا تفطر فى رمضان فى زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى يأتى شعبان "ولا يقال" إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم كان يقسم بين نسائه التسع ويعدل بينهنّ فما تأتى نوبة الواحدة منهنّ إلا بعد ثمانية أيام. فكان يمكن كل واحدة أن تقضى ما عليها فى تلك الأيام "لأن القسم" ليس واجبا عليه فهنّ يتوقعن حاجته فى كل الأوقات، فإذا جاء شعبان ضاق الوقت فتصوم كل واحدة ما عليها لأنه لا يجوز التأخير (والحديث) يدل على جواز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان إذا كان لعذر وهو متفق عليه عند عامة أهل العلم. وهو وإن كان من فعل عائشة إلا أن الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اطلع عليه وأقره لتوفر دواعى زوجاته على سؤاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أمر الشرع، ولما رواه الترمذى من طريق عبد الله البهى عن عائشة قالت: ما كنت أقضى ما يكون علىّ من رمضان إلا فى شعبان حتى توفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال حديث حسن صحيح "أما إذا تأخر القضاء لغير عذر" فالجمهور على أنه جائز إن أفطر لعذر كمرض أو سفر أو حيض غير أنه إذا بقى على رمضان الثانى بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول لزمه القضاء فورا حينئذ عندهم (وكذا يلزمه) القضاء فورا عند الشافعية إذا كان متعمدا الفطر بلا عذر شرعي (وقال أبو حنيفة وأصحابه) يجب قضاء رمضان وجوبا موسعا بلا تقييد بوقت، ولو كان متعمدا الفطر، فلا يأثم بتأخيره إلى دخول رمضان الثانى، لأنه من باب الواجب الموسع. ويجب العزم على القضاء على الصحيح (وقال داود الظاهرى) يجب القضاء على الفور مطلقا فاته لعذر أم لا (واختلف) فى قضاء رمضان أيلزم فيه التتابع أم لا؟ فالجمهور على أنه يجوز تفريقه لإطلاق قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإنه يصدق على التتابع والتفريق والأولى التتابع. وحكى صاحب البيان عن الطحاوي أنه لا فضيلة في التتابع على التفريق "وعن على" وعائشة وابن عمر وعروة بن الزبير والحسن البصري وداود الظاهري "وجوب التتابع" إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء وهذا غير مسلم. والراجح قول الجمهور لإطلاق الآية، ولقول عائشة نزلت "فعدة من أيام اخر متتابعات" فسقطت متتابعات رواه البيهقى. وقال قولها سقطت تريد نسخت. ولما رواه الدارقطنى عن سفيان بن بشر ثنا على بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فى قضاء رمضان "إن شاء فرق وإن شاء تابع" قال الدراقطنى: لم يسنده غير سفيان بن بشر. ولما رواه أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبى الزبير عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن تقطيع صيام رمضان فقال: أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه الدرهم والدرهمين حتى يقضيه هل كان ذلك قضاء دينه؟ قالوا نعم يا رسول الله. قال فالله أحق أن يعفو

ص: 141

ويغفر. ورواه من طريق آخر مرسلا. ورواه البيهقى من طريق يحيى بن سليم الطائفى عن موسى ابن عقبة عن محمد بن المنكدر قال: بلغنى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال: ذلك إليك، أرأيت لو كان على احدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء؟ فالله أحق ان يعفو أو يغفر. ونقل البيهقى عن الدارقطنى أن إسناده حسن إلا أنه مرسل. وقد وصله غير أبى بكر عن يحيى بن سليم ولا يثبت متصلا له لكن قال فى الجوهر النقى وكيف يكون حسنا وفى إسناده يحيى بن سليم قاله البيهقى فيه سيء الحفظ وقال النسائى منكر الحديث. وقال أحمد رأيته يخلط فى أحاديث فتركته. وروى الدارقطنى والبيهقى فى ذلك آثارا "وما روياه" من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه "ففى سنده" عبد الرحمن بن إبراهيم قال الدارقطنى ضعيف، وقال البيهقى ضعفه يحيى بن معين والنسائى. فلا يصلح للاحتجاج به على وجوب التتابع (وحديث الباب) فى تأخير قضاء رمضان إلى شعبان. أما تأخيره حتى يدخل رمضان آخر "فإن أخره" لعذر بأن دام سفره أو مرضه حتى دخل رمضان الثانى. فإن يصوم رمضان الحاضر ثم يقضى الأول ولا فدية عليه لأنه معذور. وهو قول أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد وطاوس والحسن البصرى والنخعى وحماد بن أبى سليمان والأوزاعى وإسحاق والمزنى وداود (وقال ابن عباس) وابن عمر وسعيد بن جبير وقتادة: يصوم رمضان الحاضر ويفدى عن الماضى ولا قضاء عليه "وإن أخره" بغير عذر. فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبى رباح والقاسم ابن محمد والزهرى والأوزاعى ومالك والثورى وأحمد وإسحاق والشافعى: يصوم رمضان الحاضر ويقضى رمضان الماضى ويفدى عن كل يوم مدّا من طعام، إلا أنّ الثورى قال: الفدية مدّان عن كل يوم. ولم يثبت فى الفدية حديث مرفوع بل كل ما ورد فيها آثار (منها) ما رواه مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه قال: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوى على صيامه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم مكان كل يوم مسكينا مدّا من حنطة وعليه مع ذلك القضاء (ومنها) ما أخرجه الدارقطنى من طريق سفيان بن عيينة عن يونس عن أبى إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس قال: من فرط فى صيام رمضان حتى أدركه رمضان آخر، فليصم هذا الذى أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا (ومنها) ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى عطاء عن أبى هريرة قال: أى إنسان مرض فى رمضان ثم صح ولم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذى حدث ثم يقضى الآخر ويطعم مع كل يوم مسكينا. قلت لعطاء كم بلغك يطعم؟ قال مدا زعموا. وقال الحسن البصرى وإبراهيم النخعى وأبو حنيفة وأصحابه: من أخر قضاء رمضان حتى

ص: 142

جاء آخر يلزمه القضاء فقط وليس عليه فدية ولو كان التأخير بغير عذر، لما تقدّم أن القضاء واجب على التراخى مطلقا. فلا يلزم بالتأخير سوى القضاء

(الفقه) استدل بالحديث على أن عائشة كانت لا تصوم نفلا فى أثناء العام لأنها لما لم تصم ما لزمها من قضاء رمضان لمكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فترك صوم التطوع أولى وقال الخطابى: فيه دلالة على أن من أخر القضاء إلى أن يدخل شهر رمضان من قابل وهو مستطيع فعليه الكفارة: ولولا ذلك لم يكن فى ذكر عائشة شعبان وحصرها موضع القضاء فيه من بين سائر الشهور فائدة اهـ بتصرف ومراده بالكفارة الفدية. ورد بأنها إنما حصرت موضع القضاء فى شعبان لما تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يشتغل فى شعبان بالصوم وتشتغل هى بالقضاء وفى غيره تتفرغ لخدمته. وفى الاستذكار قال داود "من أوجب" الفدية على من أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر "ليس معه حجة" من كتاب ولا سنة ولا إجماع. ذكره فى الجوهر النقى

(والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم وابن ماجه والبيهقى

باب فيمن مات وعليه صيام

أى يصوم عنه أحد أم لا؟ وإذا صح هل يختص بصيام دون صيام؟ وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام؟

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ.

(ش)(ابن وهب) عبد الله

(قوله من مات وعليه صيام الخ) أى من مات من المكلفين والحال أن عليه قضاء صيام لازم من فرض رمضان أو نذر أو كفارة. صام عنه وليه. والمراد بالولى كل قريب على الصحيح لو غير عاصب. وقيل المراد به العاصب وقيل الوارث خاصة (وأخذ بظاهر الحديث) أصحاب الحديث فأجازوا الصيام عن الميت مطلقا. وبه قال أبو ثور وطاوس والحسن والزهرى وقتادة وحماد بن أبى سليمان والليث بن سعد، والشافعى فى القديم. وعلق القول به على صحة الحديث فقال: كل ما قلت وصح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدونى اهـ قال النووى فى شرح مسلم إنه الصحيح المختار الذى نعتقده وهو الذى صححه محققو أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث لقوة الأحاديث الصحيحة الصريحة اهـ وأطلق

ص: 143

ابن حزم النقل عن الليث بن سعد وأبى ثور وداود الظاهرى أن صيام الولى عن الميت واجب وقالوا: إن قوله صام عنه فى الحديث خبر بمعنى الأمر، وهو محمول على الوجوب. وقال البيهقى هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث فى صحتها فوجب العمل بها اهـ (وقال أبو حنيفة) ومالك والليث والأوزاعى والثورى والشافعى فى الجديد وزيد بن على: لا يصام عن الميت مطلقا ويطعم عنه وليه إن أوصى به عند أبى حنيفة وأصحابه لكل يوم قدر على قضائه ولم يقضه نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك. وعند مالك يطعم مدا من طعام عن كل يوم. واستدلوا بما رواه النسائى فى الكبرى عن ابن عباس قال: لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم احد عن أحد. وبحديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا رواه ابن ماجه والترمذى وصحح وقفه على ابن عمر. وبما رواه مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عمر كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلى أحد عن أحد؟ فقال لا يصوم أحد عن احد ولا يصلى أحد عن أحد. وبما رواه عبد الرزاق والبيهقى عن عائشة: لا تصوموا عن موتاكم واطعموا عنهم. وعن عمرة بنت عبد الرحمن قلت لعائشة إن أمى توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضى عنها؟ فقالت لا ولكن تصدقى عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك. رواه الطحاوى بسند صحيح. قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه، دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه، لأن العبرة بما رأى الصحابي لا بما روى، لأنّ فتوى الراوى على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ويبعد عن مقام الصحابى أن يرجع عما رواه ويفتى بضده إلا لاطلاعه على ناسخ نسخ ما رواه، ومنه حديث ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة. رواه النسائى بسند صحيح على شرط الشيخين إلا محمد بن عبد الأعلى فإنه على شرط مسلم. ويؤيد النسخ قول مالك: لم أسمع عن أحد من الصحابة ولا عن التابعين بالمدينة أن أمر أحدا بالصوم عن أحد. ولا يصلى أحد عن أحد اهـ. فعلم بذلك أن الأمر الذى استقر عليه الشرع آخرا. وأيضا قد أجمعوا على أنه لا يصلى أحد عن أحد فكذلك الصوم لأن كلا منهما عبادة بدنية (وقال أحمد) وإسحاق وأبو عبيد: يصوم عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مدا. والفرق بين النذر وغيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها. والنذر أخف حكما لكونه لم يجب بأصل الشرع، وإنما أوجبه الناذر على نفسه. واستدلوا بحديث زيد بن أبى أنيسة عن الحكم عن سعيد عن ابن عباس قالت امرأة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن أمى ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيته أكان

ص: 144

يؤدّى ذلك عنها؟ قالت نعم. قال فصومى عن أمّك. رواه مسلم. لكن الحديث فيه اضطراب فلا يصلح للاحتجاج به. ففى رواية للبخارى عن سعيد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم شهر. وفى رواية صوم شهرين متتابعين. وفى رواية له وللدارقطنى عن سعيد وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قالت امرأة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن اختى ماتت الخ وفى رواية له عن أبى جرير عن عكرمة عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ماتت أمى وعليها صوم خمسة عشر يوما "وما" قيل أن ذلك ليس اضطرابا، إنماهو اختلاف يحمل على اختلاف الوقائع "بعيد" لاتحاد المخرج فإن الروايات كلها عن ابن عباس. قال العينى على البخارى وقال بعضهم إن الاضطراب لا يقدح فى موضع الاستدلال من الحديث. وردّ بأنه كيف لا يقدح والاضطراب لا يكون إلا من الوهم كما مر وهو مما يضعف الحديث اهـ "وقول" من قال يحمل حديث عائشة المطلق "وهو حديث الباب" على حديث ابن عباس المقيد بالنذر "محله" إذا صح هذا المقيد. وقد علمت أن حديث ابن عباس فيه اضطراب. وعلى فرض صحته فهو من باب التنصيص على بعض أفراد المطلق. فلا يصح لتقييده

(والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه والنسائى والدارقطنى والبيهقى وفى بعض النسخ زيادة "قال أبو داود وهذا فى النذر، وهو قول أحمد بن حنبل"

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِى رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ.

(ش)(سفيان) الثورى. و (أبو حصين) بفتح الحاء المهملة عثمان بن عاصم بن حصين

(قوله إذا مرض الرجل فى رمضان ثم مات ولم يصم الخ) هكذا فى كثير من النسخ بالميم، أى إذا مرض الرجل فى رمضان ولم يستطع الصيام لمرضه ثم صح بعد رمضان، ولم يصم ما فاته ثم مات، أطعم عنه وليه ولم يكن عليه أن يصوم عنه قضاء وإن نذر صوم أيام ثم مات ولم يف بنذره قضاه عنه وليه بالصوم. وفى بعض النسخ "إذا مرض الرجل فى رمضان ثم مات ولم يصح" بالحاء المهملة وهو خطأ، لأن الرجل إذا مرض فى رمضان ثم مات قبل أن يصح من مرضه، لا يلزم وليه قضاء ولا إطعام عنه لأنه لم يدرك عدة من أيام أخر (وهذا) الأثر من أدلة فرق بين صيام النذر وصيام غيره. لكنه وقوف على ابن عباس فلا تقوم به حجة. وهو وإن ورد مرفوعا ففيه اضطراب كما علمت

ص: 145