الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألا نغزوا أو نجاهد معكم؟ فقال لكن أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور. فقالت عائشة فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ففهمت عائشة ومن وافقها من أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأحاديث المرغبة فى الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد. وكان عمر رضى الله تعالى عنه متوقفا فى حجهن. فلما تبين له قوة دليل عائشة، أذن لهن فى الحج كما أخرجه البخارى والبيهقى من طريق أحمد بن محمد قال: حدثنى إبراهيم عن أبيه عن جده قال: أذن عمر رضى الله تعالى عنه لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. وعن إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن جده قال: إن عمر رضى الله عنه أذن لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى الحج فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فنادى الناس عثمان أن لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن إلا مد البصر وهن فى الهوادج على الإبل وأنزلهن صدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد. ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب فلم يقعد إليهن أحد. رواه البيهقى. وأذن لهن عثمان أيضا فى خلافته كما رواه ابن سعد عن عائشة أنهن استأذن عثمان فى الحج فقال: أنا أحج بكن فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت وإلا سودة، فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(الفقه) دل الحديث على ان الحج فرض على النساء مرة واحدة كالرجال. قال الحافظ وفيه دليل على الأمر بالقرار فى البيوت "يعنى فى قوله: وقرن فى بيوتكن" ليس على سبيل الوجوب
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبيهقى. وقال "فى حج" عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين رضى الله عنهن بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "دلالة" على أن المراد من هذا الخبر وجوب الحج عليهن مرة واحدة كما بين وجوبه على الرجال لا المنع من الزيادة عليه اهـ
2 -
باب فى المرأة تحج بغير محرم
أى يجوز لها ذلك أم لا؟
3 -
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِىُّ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَاّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا.
(ش) مناسبة الحديث للترجمة من حيث أن الحج يستلزم السفر (أبو سعيد) كيسان
المقبرى. تقدم بصفحة 35 من الخامس
(قوله مسيرة ليلة) لا مفهوم له عند أكثر العلماء كما ستعرفه آخر الباب
(قوله إلا ومعها رجل ذو حرمة منها) يعنى محرما. والمراد به من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها. لخرج بالتأييد أخت الزوجة وخالتها وعمتها فإن حرمة كل منهن ليست على التأبيد بل ما دامت تلك المرأة في عصمته. وخرج بالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها، فإن حرمتها ليست بسبب مباح. وخرج بحرمتها الملاعنة لأن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظا. واستثنى أحمد من المحرمة على التأييد بالصفات المذكورة مسلمة لها أب كتابي فقال لا يكون محرما لها، لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها إذا خلا بها
(الفقه) دل الحديث على أن المرأة يحرم عليها أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا بذى محرم وأن لها أن تسافر في أقل من ذلك. وبه قال الأوزاعى والليث. وعلى أن المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد رجلا محرما يخرج معها. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والحسن البصرى وأحمد وإسحاق (قال الخطابي) وقال مالك تخرج مع جماعة النساء. وقال الشافعى تخرج مع امرأة حرة مسلمة ثقة قلت المرأة الحرة المسلمة الثقة لا تكون رجلا ذا حرمة منها، وقد حظر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أن تسافر إلا ومعها رجل ذو محرم منها. فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم الشريطة التى أثبتها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلاف السنة. فإذا كان خروجها مع غير ذى محرم معصية؟ لم يجز إلزامها الحج وهو طاعة بأمر يؤدى إلى معصية. وعامة أصحاب الشافعى يحتجون في هذا بما روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه سئل عن الاستطاعة فقال: الزاد والراحلة. قالوا فوجب إذا قدرت المرأة على هذه الاستطاعة أن يلزمه الحج ويتأولون خبر النهى على الأسفار التى هى متطوعة بها دون السفر الواجب. قلت وهذا الحديث إنما رواه إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر. وإبراهيم الخوازى متروك الحديث وقد روى ذلك من طريق الحسن مرسلا: والحجة عند الشافعى لا تقوم بالمراسيل اهـ. وسيأتى مزيد بيان لذلك آخر الباب
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخاري ومسلم. وأخرجه البيهقي في قصر الصلاة
4 -
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَالنُّفَيْلِىُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ الْحَسَنُ فِى حَدِيثِهِ "عَنْ أَبِيهِ" ثُمَّ اتَّفَقُوا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. قَالَ النُّفَيْلِيُّ "حَدَّثَنَا مَالِكٌ" قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَعْنَبِىُّ وَالنُّفَيْلِىُّ عَنْ أَبِيهِ
(ش)(النفيلى) عبد الله بن محمد
(قوله قال الحسن في حديثه عن أبيه) أى قال الحسن ابن على أحد شيوخ المصنف في روايته عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، بخلاف عبد الله بن مسلمة وعبد الله بن حمد النفيلى فإنهما قالا عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة. وكلا الروايتين متصل فإن سعيدا وأباه رويا عن أبي هريرة. فلعل سعيدا روى الحديث عن أبي هريرة مرة بواسطة أبيه ومرة بلا واسطة
(قوله فذكر معناه) أي معنى الحديث المتقدم (ولفظه) عند مسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم منها" ففي هذا بيان أن المرأة لا تسافر يوما وليلة إلا ومعها محرم. وإن اقتصر في الحديث السابق على ذكر الليلة. والتوفيق بينهما أن يقال المراد الليلة ويومها
(قوله قال النفيلى الخ) أى قال في روايته حدّثنا مالك. وأمّا عبد الله بن مسلمة فقال عن مالك (والحديث) أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك بلفظ تقدّم
(ص) رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ كَمَا قَالَ الْقَعْنَبِىُّ.
(ش) أي روى الحديث السابق عبد الله بن وهب وعثمان بن عمر بن فارس عن مالك مثل رواية القعنبى عنه بترك لفظ عن أبيه فقالا عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة. وأشار المصنف بهذا إلى أنه اختلف على مالك في سند حديث أبي هريرة. فرواه عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله ابن محمد النفيلى وعبد الله بن وهب وعثمان بن عمر بن فارس عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بلا ذكر عن أبيه. ورواه بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. وتابع بشر بن عمر إسحاق القروى والوليد بن مسلم عند الدارقطنى "وقال" في استدراكه على الشيخين كونهما أخرجاه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه "الصواب" سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه. واحتج بأنّ مالكا ويحيى بن أبي كثير وسهيل بن أبي صالح قالوا عن سعيد عن أبي هريرة. ولكن تقدم أن هذا الاختلاف لا يقدح في سند الحديث لأن كلا من سعيد وأبيه رويا عن أبي هريرة
5 -
(ص) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ بَرِيدًا.
(ش)(جرير) بن عبد الحميد. و (سهيل) بن أبي صالح
(قوله وذكر نحوه) وفي نسخة فذكر نحوه بالفاء. أى ذكر سهيل بن أبي صالح نحو حديث مالك والليث بن سعد إلا أنه قال: لا تسافر المرأة بريدا. بدل يوم وليلة في الرواية السابقة. وتقدم أن البريد أربعة فراسخ، وأن الفرسخ ثلاثة أميال (وحديث سهيل) أخرجه الطحاوى بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسافر امرأة بريدا إلا مع زوج أو ذى رحم محرم، وأخرجه البيهقي بلفظ لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم
6 -
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعًا حَدَّثَاهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلَاّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا.
(ش)(هناد) بن السرى. و (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (وكيع) بن الجراح
(قوله حدثاهم) أى حدثا عثمان وهنادا في آخرين وفي بعض النسخ حدثاهما. و (أبو صالح) عبد الله بن ذكوان السمان
(قوله فوق ثلاثة أيام فصاعدا) أى ثلاثة أيام فأزيد. فلفظ فوق زائدة. لما في رواية مسلم عن أبي سعيد لا يحل لامرأة أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا الخ. وصاعدا منصوب على الحال من فاعل فعل محذوف. أى فذهب العدد صاعدا
(قوله أو ذو محرم منها) يدخل فيه ما كان محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة. فيدخل زيادة على ما ذكره المصنف "العم والخال وابن الأخ وابن الأخت نسبا ورضاعا" والمحرم بالمصاهرة ابن الزوج وأبو الزوج والزوج بالنسبة لأم زوجته وبنتها من غيره وزوجة ابنه، إلا أن مالكا كره أن تسافر المرأة مع ابن زوجها. قال الباجى: وجهه ما ثبت للربائب من العداوة وقلة المراعاة والإشفاق والحرص على طيب الذكر اهـ
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي والدارمي
7 -
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ.
(ش)(عبيد الله) بن عمر العمري
(قوله لا تسافر المرأة ثلاثا) أي ثلاثة أيام كما
صرح به في الروايات الأخر (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والطحاوي والبيهقي
8 -
(ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ نَا أَبُو أَحْمَدَ نَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُرْدِفُ مَوْلَاةً لَهُ يُقَالُ لَهَا صَفِيَّةُ تُسَافِرُ مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ.
(ش) مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن سيد الجارية كزوج المرأة ومحرمها. و (أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري. و (سفيان) الثوري
(قوله كان يردف مولاة الخ) أي كان يجعل جاريته خلفه على دابته. وذكر المصنف هذا الحديث لبيان أن ما تقدم في الأحاديث من ذكر المحرم والزوج ليس على سبيل التحديد. بل يجرى مجراهما السيد. فيجوز سفر الجارية مع سيدها كما يجوز للمرأة أن تسافر مع زوجها أو محرمها (تنبيه) علم أن روايات الباب اختلفت في مقدار المدة التى لا يجوز للمرأة أن تسافرها بدون محرم أو زوج أو سيد: ففي بعضها لا تسافر بريدا، وفي بعضها لا تسافر ليلة، وفي بعضها لا تسافر يوما وليلة، وفي بعضها ثلاثة أيام فصاعدا، وفي رواية الطبرانى عن ابن عباس مرفوعا لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم، وفي رواية الطحاوى عن أبي سعيد الخدرى قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذى محرم، وفي رواية للبخارى ومسلم عن أبي سعيد أيضا يومين بدل ليلتين، وفي رواية البخارى عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم. ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. فقال رجل يا رسول الله إنى أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال اخرج معها فهذه الرواية مطلقة وليست مقيدة بشئ مما ذكر. وبها أخذت الشافعية والحنابلة فقالوا لا يجوز للمرأة أن تسافر أىّ سفر كان ولو لحج بدون زوج أو محرم. واختلاف الروايات في التحديد لاختلاف السائلين واختلاف المواطن فلا مفهوم لها. فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثة أيام. فقال لا. وسئل عن سفرها يوما وليلة أو ليلتين أو ليلة أو بريدا فأدى كل راو ما سمعه "وما جاء" منها مختلفا عن راو واحد "يحمل" على أنه سمعه في مواطن فحدث به على حسب ما رواه في تلك المواطن. فلا تنافي الرواية المطلقة. ولا يقال إن المطلق يحمل على المقيد لما علمت من أن المقيد منها لا مفهوم له (قال في الفتح) وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات. قال المنذرى يحتمل أن يقال إن اليوم المنفرد والليلة المنفردة بمعنى اليوم والليلة يعنى فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها. ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد. فاليوم أول العدد. والاثنان أول التكثير. والثلاث أول الجمع. وكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد. ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل
ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك. وأقله الرواية التى فيها البريد اهـ (وقال في النيل) قد ورد من حديث ابن عباس عند الطبرانى ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد. ولفظه "لا تسافر امرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم" وهذا هو الظاهر أعنى الأخذ بأقل ما ورد، لأن ما فوقه منهى عنه بالأولى "والتنصيص" على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين "لا ينافيه" لأن الأقل موجود في ضمن الأكثر. وغاية الأمر أن النهى عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهى عنه. والنهى عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم اهـ (وقالت الحنفية) لا يجوز للمرأة أن تسافر ثلاثة أيام فما فوقها إلا ومعها محرم أو زوج. ويجوز لها فيما دون ذلك بدونهما. قال الطحاوى في شرح معانى الآثار بعد أن ذكر أحاديث المبحث: اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذى محرم. واختلفت فيما دون الثلاث. فنظرنا في ذلك فوجدنا النهى عن السفر بلا محرم مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ثابتا بهذه الآثار كلها. وكان توقيته بثلاثة أيام في ذلك إباحة "دليل" السفر لها فيما دون الثلاث بغير محرم، ولولا ذلك لما كان لذكره الثلاث معنى ولنهى نهيا مطلقا. ولم يتكلم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكلام يكون فضلا، ولكنه ذكر الثلاث ليعلم أن ما دونها بخلافها. فلما ذكر الثلاثة وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها "ثم ما روى" عنه في منعها من السفر دون الثلاثة من اليوم واليومين والبريد "فكل واحد" من تلك الآثار ومن الأثر المروى في الثلاثة متى كان بعد الذى خالفه نسخه فإن كان النهى عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهى عن سفر الثلاث بلا محرم فهو ناسخ له وإن كان خبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ له. فقد ثبت أن أحد المعاني التى دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخة لها. فلم يخل خبر الثلاث من أحد وجهين: إما أن يكون هو المتقدم أو يكون هو المتأخر. فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر أقل من ثلاث بلا محرم، ثم جاء بعده النهى عن سفر ما دون الثلاث بغير محرم فحرم ما حرم الحديث الأول وزاد عليه حرمة أخرى وهو ما بينه وبين الثلاث، فوجب استعمال الثلاث على ما أوجبه الأثر المذكور فيه. وإن كان هو المتأخر وغيره هو المتقدم، فهو ناسخ لما تقدمه. والذى تقدم غير واجب العمل به. فحديث الثلاث واجب استعماله على الأحوال كلها. وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر. ولا يجب إن كان هو المتقدم. فالذى قد وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال ويترك في حال. وفي ثبوث ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم. فإذا عدمت المحرم وكان بينها وبين مكة المسافة التى ذكرنا فهى غير واجدة للسبيل الذى يجب عليها الحج بوجوده اهـ بتصرف وفيما قاله من النسخ نظر فإنه إذا كان النهى عن الثلاث متأخرا عن بقية الروايات فهو يفيد بمنطوقه النهى عن الثلاث
فما فوقها ويفيد بمفهومه إباحة السفر فيما دونها. وهذا المفهوم معارض بالروايات المفيدة بمنطوقها نهى المرأة عن السفر فيما دون الثلاث، فالعمل بها مقدم على ذلك المفهوم. وإن كانت رواية النهى عن الثلاث متقدمة على بقية الروايات؛ فهى تفيد أيضا بمفهومها إباحة السفر فيما دون الثلاث بدون زوج أو محرم. وأفادت الروايات الأخر بمنطوقها إبطال ذلك المفهوم، فعلى كل سواء تقدمت رواية النهى عن الثلاث أو تأخرت، فمفهومها معارض بمنطوق الروايات الأخر فهى مقدمة عليها ولا نسخ فى المسألة أصلا (قال) ابن حزم أما قول أبى حنيفة في التحديد الذى ذكره فلا نعلم له سلفا من الصحابة ولا من التابعين رضى الله تعالى عنهم أجمعين. وقد احتج هو وأصحابه على ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسافر امرأة ثلاثا إلا مع زوج أو ذى محرم. وقالوا قد روى أيضا ليلتين. وذكر بقية الروايات الواردة في تحديد سفر المرأة ثم قال: قالوا ونحن على يقين من تحريم سفرها ثلاثا. وعلى شك من تحريم سفرها أقل من ذلك لأنه قد يكون ذكر الثلاث متقدما، وقد يكون متأخرا. فالثلاث على كل حال محرم عليها سفرها إلا مع زوج أو ذى محرم. فنأخذ ما لا شك فيه وندع ما فيه الشك قال: ولا حجة لهم غير هذا أصلا وهو عليهم لا لهم بوجهين (أحدهما) أنه ليس صواب العمل ما ذكروا؛ لأنه إن كان خبر الثلاث متقدما أو متأخرا، فليس فيه إن تقدم إبطال لحكم النهى عن سفرها أقل من ثلاث، لكن النهى عن الثلاث بعض ما فى سائر الروايات، وسائر الروايات زائدة على النهى عن الثلاث. وليس هذا مكان نسخ أصلا بل كل تلك الأخبار حق يجب استعمالها وليس بعضها مخالفا لبعض أصلا ويقال لهم خبر ابن عباس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم" جامع لكل سفر. وهذا الخبر لا اضطراب فيه بخلاف رواية النهى عن الثلاث وغيرها، فإنها مضطرب فيها عن أبى سعيد وأبى هريرة وابن عمر. فروى عن أبى سعيد لا تسافر فوق ثلاث وروى عنه لا تسافر يومين. وروى عن ابن عمر لا تسافر ثلاثا. وروى عنه لا تسافر فوق ثلاث وروى عن أبى هريرة لا تسافر ثلاثا. وروى عنه لا تسافر يوما وليلة. وروى عنه لا تسافر يوما قال: وعهدنا بكم أنكم تذمون الأخبار بالاضطراب وتحتجون بما لم يضطرب فيه. فعلى أصلكم هذا يلزمكم أن تحتجوا برواية ابن عباس المطلقة التى لا اضطراب فيها، وتتركوا ما عداها مما هو مضطرب فيه (الوجه الثانى) أنه قد روى عن ابن عمر وأبى سعيد وأبى هريرة "لا تسافر المرأة فوق ثلاث" كما ذكر فى الأخبار، فامنعوها مما زاد على مسيرة ثلاث لأنه اليقين وأبيحوا لها سفر الثلاث لأنه مشكوك فيه كسفر اليومين واليوم والبريد وهذا ما لا مخلص لهم منه اهـ "وقالت" المالكية لا يجوز للمرأة أن تسافر يوما وليلة إلا إذا كان معها محرم أو رفقة مأمونة رجالا كانوا أو نساء وسواء أكانت المرأة شابة أم هرمة وسواء أكان المحرم بالغا أم صبيا مميزا، لما رواه
مالك فى الموطإ عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم منها. وتقدم نحوه للمصنف (وأجابوا) عن بقية الروايات المخالفة لرواية أبى هريرة المذكورة، بإمكان إرجاعها إليها فالرواية التى فيها ذكر اليوم فقط أراد منها اليوم والليلة. والتى فيها ذكر الليلة أراد منها الليلة واليوم لارتباط كل منهما بالآخر. والرواية التى فيها ذكر الليلتين أو اليومين. أراد بها مدة الذهاب والرجوع. وهكذا رواية الثلاث أراد بها يوم الذهاب ويوم الرجوع واليوم الوسط الذى تقضى فيه حاجتها التى سافرت لأجلها. قالوا وهذا كله فى حج الفرض. وأما حج التطوع أو السفر المباح فلا يجوز لها أن تسافر المدة المذكورة إلا مع زوج أو محرم ألبتة "وفيما أجابوا" به عن رواية اليوم والليلة واليومين والليلتين والثلاث "نظر" لأنه صرف لها عن ظاهرها بدون حاجة ويرد عليهم رواية البريد والثلاثة الأميال فلا يمكنهم أن يقولوا فيهما ما ذكروه. فالراجح العمل بالرواية المطلقة لما علمت من أن ما عداها من الروايات المقيدة يحتمل أنها لم ترد للتحديد. وإنما وردت طبقا لأسئلة فلا مفهوم لها (قال البيهقى) وهذه الروايات في الثلاثة واليومين واليوم صحيحة. وكأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم فقال لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا. وسئل عن سفرها يوما فقال لا. فأدى كل منهم ما حفظ. ولا يكون عدد من هذه الأعداد حدا للسفر. واستدل عليه بما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم اهـ (قال النووى) فتحصل أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرد تحديد ما يقع عليه السفر. بل أطلقه على ثلاثة أيام وعلى يومين وعلى يوم وليلة وعلى يوم وعلى بريد وهو مسيرة نصف يوم. فدل على أن الجميع يسمى سفرا اهـ (واختلف) هل الزوج أو المحرم شرط فى وجوب حج المرأة. فقال الحسن والنخعى وإسحاق وابن المنذر إنه شرط وهو رواية عن أحمد (وقالت الحنفية) يشترط وجود الزوج أو المحرم إذا كان بينها وبين مكة ثلاثة أيام فأكثر، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا تسافر المرأة إلا مع ذى رحم محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. رواه أحمد والشيخان والبيهقى. ولما تقدم للمصنف عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم. ورواه أيضا الشيخان والطحاوى والبيهقى. فلا يجوز لها الخروج وحدها إذا لم يكن معها زوج أو محرم وإن كان معها امرأة أخرى أو أكثر، لأن خوف الفتنة عند اجتماع النساء أكثر (وقالت المالكية) يشترط فى وجوب الحج عليها أحد أمور ثلاثة: زوج أو محرم أو رفقة مأمونة كما تقدم إذا كان بينها وبين مكة يوم وليلة.