المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في صوم الدهر - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١٠

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌باب في صلة الرحم

- ‌باب في الشح

- ‌ التحذير من البخل

- ‌كتاب الصيام

- ‌حكمة مشروعيته

- ‌باب مبدأ فرض الصيام

- ‌باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى

- ‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

- ‌باب إذا أغمى الشهر

- ‌باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌باب فى التقدم

- ‌باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

- ‌باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌باب فيمن يصل شعبان برمضان

- ‌باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

- ‌باب في توكيد السحور

- ‌باب من سمى السحور الغداء

- ‌ الترغيب فى السحور

- ‌باب وقت السحور

- ‌باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌باب وقت فطر الصائم

- ‌باب ما يستحب من تعجيل الفطر

- ‌الحكمة في ذلك

- ‌باب ما يفطر عليه

- ‌الحكمة فى الإفطار على التمر

- ‌باب القول عند الإفطار

- ‌باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌باب في الوصال

- ‌باب الغيبة للصائم

- ‌باب السواك للصائم

- ‌باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ فى الاستنشاق

- ‌باب فى الصائم يحتجم

- ‌باب فى الصائم يحتلم نهارا فى رمضان

- ‌باب فى الكحل عند النوم للصائم

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الصائم يبلع الريق

- ‌باب فيمن أصبح جنبا فى شهر رمضان

- ‌باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

- ‌باب التغليظ فيمن أفطر عمدا

- ‌باب من أكل ناسيا

- ‌باب تأخير قضاء رمضان

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌باب من اختار الفطر

- ‌باب فيمن اختار الصيام

- ‌باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

- ‌باب من يقول صمت رمضان كله

- ‌باب فى صوم العيدين

- ‌باب صيام أيام التشريق

- ‌باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم

- ‌باب في صوم الدهر

- ‌باب فى صوم أشهر الحرم

- ‌باب في صوم المحرم

- ‌باب صوم رجب

- ‌باب فى صوم شعبان

- ‌باب في صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

- ‌باب فى صوم الاثنين والخميس

- ‌باب في فطر العشر

- ‌باب في صوم عرفة بعرفة

- ‌باب في صوم يوم عاشوراء

- ‌باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع

- ‌باب فى صوم يوم وفطر يوم

- ‌باب فى صوم الثلاث من كل شهر

- ‌باب من قال الاثنين والخميس

- ‌باب من قال لا يبالى من أي الشهر

- ‌باب النية فى الصيام

- ‌باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌باب فى الصائم يدعى إلى وليمة

- ‌باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب أين يكون الاعتكاف

- ‌باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

- ‌باب المعتكف يعود المريض

- ‌باب المستحاضة تعتكف

- ‌ كتاب المناسك

- ‌(باب فرض الحج)

- ‌ باب فى المرأة تحج بغير محرم

- ‌ باب لا صرورة فى الإسلام

- ‌ باب التزود فى الحج

- ‌ التوكل المحمود

- ‌ باب التجارة فى الحج

- ‌ باب الكرى

- ‌ باب الصبى يحج

- ‌ باب المواقيت

- ‌[خاتمة المُعتني بالكتاب]

الفصل: ‌باب في صوم الدهر

"باب النهي عن صوم الجمعة" كما صنع البيهقي

(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخاري والنسائي وأبو نعيم والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ نُهِىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ يَقُولُ ابْنُ شِهَابٍ: هَذَا حَدِيثٌ حِمْصِىٌّ.

(ش) يعني "أن حديث" النهي عن صيام يوم السبت وهو حديث عبد الله بن بسر السابق "حمصي" أي أنه ضعيف، لأن في سنده حمصيين: ثور بن يزيد، وخالد بن معدان، وقد تكلم فيهما، لكن هذا غير مسلم، لأنهما ثقتان لم يتكلم في حفظهما ولا في عدالتهما أحد، غير أن ثور بن يزيد رمى بالقدر، وقد تقدم أن الترمذي حسن الحديث وأن الحاكم وابن السكن صححاه. وقد قال النووي صححه الأئمة كما في المرقاة (وهذا الأثر) أخرجه أيضا الحاكم في المستدرك والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ نَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ قَالَ: مَا زِلْتُ لَهُ كَاتِمًا حَتَّى رَأَيْتُهُ انْتَشَرَ، يَعْنِى حَدِيثَ ابْنِ بُسْرٍ هَذَا فِى صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مَالِكٌ هَذَا كَذِبٌ.

(ش) عبد الرحمن بن عمرو لعل الأوزاعي كان يرى عدم صحة الحديث وإلا ما كتمه: والغرض من ذكر هذه الآثار تضعيف حديث عبد الله بن بسر. لكن علمت أن الحديث صححه الحاكم وابن السكن وغيرهما. وأمّا قول مالك "وهذا كذب" فلم يتبين وجهه (وهذا) الأثر أخرجه أيضا البيهقي وقال: وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث ما دل على جواز صوم يوم السبت. وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له اهـ وحديث جويرية هو ما تقدم أول الباب

باب صوم الدهر

وفي بعض النسخ "‌

‌باب في صوم الدهر

تطوعا"

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِىِّ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ

ص: 173

قَوْلِهِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ قَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَمِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَدِّدُهَا حَتَّى سَكَنَ غَضَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ. قَالَ مُسَدَّدٌ: لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ أَوْ مَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ. شَكَّ غَيْلَانُ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ ذَلِكَ صَوْمُ دَاوُدَ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ وَدِدْتُ أَنِّى أَطَقْتُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. وَصِيَامُ عَرَفَةَ إِنِّى أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ. وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّى أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ.

(ش)(الرجال)(عبد الله بن معبد) البصري. روى عن أبي قتادة وأبي هريرة وعن عمر مرسلا. وعنه غيلان بن جرير وثابت البناني والحجاج بن عتاب. وثقه النسائي والعجلي والبرقي، وفي التقريب ثقة من الثالثة، وقال البخاري لا يعرف سماعه عن أبي قتادة. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و (الزماني) بكسر الزاي وتشديد الميم نسبة إلى زمان بن مالك من بني بكر بن وائل (المعنى)

(قوله أن رجلا) لم نقف على اسمه

(قوله كيف تصوم) خطاب له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكان حق السائل أن يقول كيف أصوم؟ فيخص نفسه بالسؤال فيجاب بما يناسب حاله. لأن صومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن على طريقة واحدة. بل كان مختلفا باختلاف الأحوال: ومثل هذا يتعذر الجواب عنه

(قوله فغضب رسول الله من قوله) لعله غضب من سؤاله عن صومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، كراهة أن يقتدى به السائل في صومه فيتكلفه ثم يعجز عنه أو يسأمه ويمله فيكون صيامه من غير إخلاص، أو كراهة أن يعتقد وجوب ما أجابه به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أو يستقله فيهلك، أو يقتصر عليه وحاله يناسبه أكثر من ذلك (قال النووي) ولم يبالغ

ص: 174

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصوم لأنه كان مشتغلا بمصالح المسلمين وحقوق العباد ولئلا يقتدى به كان أحد فيتضرر بعضهم اهـ وقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يترك بعض النوافل خوفا من أن يفرض على أمته إذا فعلوها اقتداء به كما ترك المواظبة على قيام شهر رمضان، وقال خشيت أن يكتب عليكم ثم لا تقومون

(قوله فلما رأى ذلك عمر الخ) أي لما رأى غضبه صلى الله تعالى وعلى آله وسلم من السائل وخاف أن يدعو عليه، قال عمر استرضاء له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: رضينا بالله ربا أي بقضائه، وبالإسلام دينا أي بأحكامه، وبمحمد نبيا أي بمتابعته. وكرر ذلك عمر رضي الله تعالى عنه حتى زال عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغضب

(قوله نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله الخ) وفي نسخة وغضب رسوله. أي أتحصن بالله من ارتكاب المخالفات التي يترتب عليها غضب الله وعذابه وانتقامه وغضب رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله فقال يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله) أي قال عمر كما صرح به في رواية مسلم كيف حال من يصوم جميع الدهر أهو محمود أم مذموم؟ فانظر حسن أدبه رضي الله تعالى عنه حيث بدأ بالتعظيم ثم سأل على وجه التعميم

(قوله لا صام ولا أفطر) أي لا صام صوما فيه كمال الفضيلة، ولا أفطر فطرا يمنع جوعه وعطشه وفي رواية الصحيحين "لا صام من صام الأبد" وقال الخطابي معناه لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي لم يصدق ولم يصل اهـ وهذا إخبار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك عن الأكل والشرب قال في شرح السنة: وذلك لأنه إذا اعتاد الصوم لم يجد مشقة يتعلق بها مزيد الثواب، فكأنه لم يصم وحيث لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر اهـ ويحتمل أنه دعاء منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على من فعل ذلك كراهة لفعله وزجرا له عن ذلك

(قوله شك غيلان) أي تردد غيلان بن جرير أقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لم يصم ولم يفطر، أم قال: ما صام ولا أفطر؟ والظاهر أن الشك إنما هو في رواية مسدد لا في رواية سليمان بن حرب (وبظاهر الحديث) استدل إسحاق وأهل الظاهر وابن العربي من المالكية على كراهة صوم الدهر. وهو رواية عن أحمد. وقال ابن حزم يحرم صوم الدهر مستدلا بما رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي عن أبي موسى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه" فإن ظاهره أنها تضيق عليه لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنة نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعتقاده أن غيرها أفضل. وهذا وعيد شديد فيكون حراما (وذهب أكثر أهل العلم) إلي جواز صيام الدهر غير الأيام المنهي عنها. وهو المنقول عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي طلحة الأنصاري وعائشة وكثير من الصحابة، لما رواه أحمد

ص: 175

وابن حبان والبيهقى عن أبى مالك الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام اهـ. فإنه يشمل صيام الدهر. ولما رواه البيهقى أيضا عن ابن عمر أنه سئل عن صيام الدهر فقال: كنا نعد أولئك فينا من السابقين. ولما رواه أيضا عن عروة أن عائشة كانت تصوم الدهر فى السفر والحضر. وقد ثبت أن أبا طلحة الأنصارى وحمزة بن عمرو الأسلمى كانا يصومان الدهر سوى الأيام المنهى عن صيامها ولم ينكر عليهما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجابوا) عن حديث الباب وأشباهه بما أجابت به عائشة واختاره ابن المنذر وطائفة من أن المراد صام الدهر كله من غير أن يترك أيام العيد وأيام التشريق المنهى عنها اهـ أو بأنه محمول على من تضرر بصوم الدهر، أو فوت به حقا واجبا ويؤيده ما فى حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص عند البخارى وغيره كما تقدم من أنه عجز وضعف فى آخر عمره، وندم على كونه لم يقبل الرخصة، وكان يقول: يا ليتنى قبلت رخصة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجابوا) عن حديث "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" بأن على بمعنى عن، أى ضيقت عنه فلا يدخلها. قال ابن خزيمة سألت المزنى عن هذا الحديث فقال: يشبه أن يكون على ظاهره لأن من ازداد لله عملا وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة اهـ ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالى فقالوا له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة، أو أن الحديث باق على حقيقته ويكون محمولا على من فوت حقا واجبا بصيامه فإنه يتوجه عليه الوعيد الشديد

(قوله قال يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين الخ) أى قال عمر أخبرنى يا رسول الله عن حال من يصوم يومين ويفطر يوما. فأجابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله: أو يطيق ذلك أحد؟ أى لا يطيقه أحد. فهو استفهام انكارى بمعنى النفى. وقيل إن الواو عطف على مقدر أى أتقول ذلك ويطيق الصيام المذكور أحد، وفى ذلك إشارة إلى أن العلة فى النهى عن صوم الدهر حصول المشقة والضرر. فلو وجد أحد من نفسه الطاقة على ذلك ولم يخش حصول المشقة جاز له ذلك

(قوله قال ذلك صوم داود) وفى نسخة قال ذلك يعنى وهو أفضل الصيام كما يدل عليه حديث عبد الله بن عمر والآتى بعد حديث، لما فيه من مراعاة جانب العبادة والعادة وخير الأمور أوساطها. وشرها تفريطها وإفراطها

(قوله وددت أنى أطقت ذلك) وفى نسخة أنى طوقت بالبناء للمفعول أى تمنيت أن يجعلنى الله مطيقا لذلك الصيام: وودد من باب تعب يقال وددت الشئ تمنيته، وإنما نفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القدرة على ذلك باعتبار حال الأمة وإلا فقد كان يطيق ذلك وأكثر منه، ومع هذا لم يثبت أنه صام الدهر ولا قام الليل كله. وكأنه

ص: 176

ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وإن كان قد أعطى من القوّة ما لو التزم ذلك لقدر عليه. لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى. فصام وأفطر وقام ونام (وقال الخطابى) قوله وددت أنى أطقت ذلك يحتمل أن يكون إنما خاف العجز عن ذلك للحقوق التى تلزمه لنسائه لأن ذلك يخل بحظوظهن منه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة صبره عن الطعام فى هذه المدة اهـ كيف وقد تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يواصل ويقول: لست كأحدكم فإنى أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى

(قوله ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان الخ) ثلاث مبتدأ خبره جملة قوله هذا صيام الدهر (قيل والقياس) صرف رمضان هنا لأنه جزء علم وهو شهر رمضان. والمعنى "أن صيام ثلاثة من كل شهر" البيض أو غيرها، وصيام رمضان من كل سنة حال كونه منتهيا بصيامه إلى رمضان الآخر بحيث لا يبقى من رمضان الفائت شئ بدون صيام "ثوابه كثواب صيام الدهر" أى من غير مضاعفة، لأن الحسنة بعشر أمثالها، وهذا ظاهر بالنسبة لغير رمضان، وأما رمضان فلا بد من صيامه كله، ولا يكفى عنه صيام ثلاثة أيام، فذكره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، لدفع توهم دخوله فى الكلية المذكورة فى الحديث. ويحتمل أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر، وصيام رمضان وحده كصيام الدهر أيضا: أما الأولى فإن من صام ثلاثة أيام من كل شهر من شهور السنة فكأنما صام السنة لأن الحسنة بعشر أمثالها. وأما صيام رمضان فمن حيث كونه صوم فرض يزيد على النفل عشر درجات فأكثر، فيكون صيامه مساويا لصيام الدهر بل قد يكون أزيد منه: ويحتمل أن يكون رمضان مع ستة من شوال كصيام الدهر كما يأتى فى "باب فى صوم ستة أيام من شوال" فيكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أولا بأن صيام رمضان مع ست من شوال كصيام الدهر ثم أخبر بأن صيام رمضان فقط كصيام الدهر فى الثواب

(قوله وصيام عرفة إنى أحتسب على الله الخ) يعنى أرجو من الله تعالى أن يكفر بصيامه ذنوب السنة الماضية ويحول بين صائمه وبين الذنب فى السنة الآتية. وفى النهاية الاحتساب فى الأعمال الصالحة هو المبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله واستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المشروع فيها طلبا للثواب المرجو منها اهـ وقال الطيبى: الأصل أن يقال أرجو من الله أن يكفر. فوضع موضعه أحتسب وعداه بعلى التى للوجوب مبالغة فى حصول الثواب. والمكفر الذنوب الصغائر كما عليه أكثر أهل العلم. أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو غفران الله تعالى، فإن لم يكن له صغائر فيخفف عنه من الكبائر إن كانت وإلا فترفع درجاته (وأخذ جماعة) بظاهر الحديث فقالوا تكفر الذنوب مطلقا. وتقدم نحو هذا غير مرة (وفيه) الترغيب فى صوم يوم عرفة. لكن لغير الحاج كما يأتى بيانه فى بابه إن شاء الله تعالى. وكذا صوم يوم عاشوراء

(الفقه) دل الحديث على جواز الغضب عند سماع ما لا ينبغى. وعلى أنه ينبغى لمن كان حاضرا

ص: 177

حال غضب إنسان أن يجتهد فى تسكين غضبه بقدر ما يستطيع مع الأدب. وعلى أنه ينبغى إرشاد الجاهل إلى ما هو الأولى له. وعلى كراهة صيام الدهر، وتقدم بيانه. وعلى جواز صيام ثلثى الدهر إن لم يحصل منه مشقة. وعلى الترغيب فى صيام يوم وفطر يوم. وعلى الترغيب فى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهل هى الأيام البيض "الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر" كما جاء فى الأحاديث الصحيحة؟ أو من مطلق الأيام كما يأتى فى حديث عائشة، وعلى الترغيب فى صوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء

(والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائى وابن ماجه مختصرا ومطولا. وكذا البيهقى من طريق أبان بن يزيد قال ثنا غيلان بن جرير المعولى عن عبد الله بن معبد الزمانى عن أبى قتادة أنّ أعرابيا أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له يا نبى الله. كيف صومك أو كيف تصوم؟ قال فسكت عنه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يرد عليه شيئا. فلما أن سكن عنه الغضب سأله عمر بن الخطاب فقال له يا نبى الله كيف صومك أو كيف تصوم؟ أرأيت من صام الدهر كله قال: لا صام ولا أفطر أو قال ما صام وما أفطر. قال يا رسول الله أرأيت من صام يومين وأفطر يوما؟ قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن يطيق ذلك يا عمر؟ لوددت أنى فعلت ذلك. قال يا رسول الله أرأيت من صام يوما وأفطر يوما؟ قال ذاك صوم داود عليه السلام فقال يا نبى الله أرأيت من صام يوم عرفة؟ قال يكفر السنة والسنة التى قبلها. قال أرأيت من صام ثلاثا من الشهر؟ قال ذاك صوم الدهر، قال أرأيت من صام يوم عاشوراء؟ قال يكفر السنة قال يا رسول الله أرأيت من صام يوم الاثنين؟ قال ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزلت علىّ فيه النبوّة

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا مَهْدِىُّ نَا غَيْلَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِىِّ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ زَادَ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ صَوْمَ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمِ الْخَمِيسِ قَالَ فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَىَّ الْقُرْآنُ.

(ش)(مهدى) بن ميمون. و (غيلان) بن جرير

(قوله زاد قال يا رسول الله الخ) أى زاد موسى بن إسماعيل فى روايته قال عمر يا رسول الله أرأيت صوم الاثنين والخميس؟ أى أخبرنى عن صيامهما. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فيه "أى فى يوم الاثنين" ولدت وفيه أنزل علىّ القرآن. ويوم هذا شأنه حقيق بأن يجتهد فيه فى الطاعة، وأن يقوم الإنسان فيه بشكر مولاه لما أولاه فيه من تمام النعمة التى هى مبدأ الكمال الصورىّ وطلوع الصبح المعنوىّ، فالضمير فى قوله فيه راجع إلى يوم الاثنين كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة. وذكر الخميس فى هذه الرواية وهم. ففى

ص: 178

رواية مسلم والبيهقى من طريق مهدى بن ميمون عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزمانى عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له رجل: يا رسول الله صوم يوم الاثنين، فقال فيه ولدت وفيه أنزل علىّ القرآن، وفى رواية لمسلم أيضا من طريق شعبة عن غيلان ذكر الاثنين لا غير. وقال بعد أن ساق الحديث بطوله وفى هذا الحديث من رواية شعبة قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهما اهـ نعم جاء صوم يوم الاثنين والخميس فى حديث أسامة بن زيد كما يأتى فى بابه (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والبيهقى مختصرا كما ذكر

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ؟ قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُلْتُ ذَاكَ. قَالَ قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَذَاكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ. قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ. قَالَ فَقُلْتُ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ وَهُوَ صِيَامُ دَاوُدَ. قُلْتُ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.

(ش)(عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (الزهرى) محمد بن مسلم. و (ابن المسيب) سعيد. و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف

(قوله ألم أحدث الخ) بالبناء للمفعول أى أخبرت أنك تقول لأقومن الليل الخ. وأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك والده عمرو بن العاص كما جاء فى رواية للبخارى من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحنى أبى امرأة ذات حسب وكان يتعاهد كنته "أى زوج ولده" فيسألها عن بعلها فتقول نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفا "كناية عن عدم وقاعها" منذ أتيناه فلما طال ذلك عليه ذكر للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: ألقنى به فلقيته بعد فقال كيف تصوم؟ قلت أصوم كل يوم قال وكيف تختم؟ قلت كل ليلة قال صم فى كل شهر ثلاثا "الحديث"

(قوله قال أحسبه الخ) أى قال الراوى عن عبد الله بن عمرو أظن عبد الله قال نعم

ص: 179