المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب المواقيت - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١٠

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌باب في صلة الرحم

- ‌باب في الشح

- ‌ التحذير من البخل

- ‌كتاب الصيام

- ‌حكمة مشروعيته

- ‌باب مبدأ فرض الصيام

- ‌باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى

- ‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

- ‌باب إذا أغمى الشهر

- ‌باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌باب فى التقدم

- ‌باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

- ‌باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌باب فيمن يصل شعبان برمضان

- ‌باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

- ‌باب في توكيد السحور

- ‌باب من سمى السحور الغداء

- ‌ الترغيب فى السحور

- ‌باب وقت السحور

- ‌باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌باب وقت فطر الصائم

- ‌باب ما يستحب من تعجيل الفطر

- ‌الحكمة في ذلك

- ‌باب ما يفطر عليه

- ‌الحكمة فى الإفطار على التمر

- ‌باب القول عند الإفطار

- ‌باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌باب في الوصال

- ‌باب الغيبة للصائم

- ‌باب السواك للصائم

- ‌باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ فى الاستنشاق

- ‌باب فى الصائم يحتجم

- ‌باب فى الصائم يحتلم نهارا فى رمضان

- ‌باب فى الكحل عند النوم للصائم

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الصائم يبلع الريق

- ‌باب فيمن أصبح جنبا فى شهر رمضان

- ‌باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

- ‌باب التغليظ فيمن أفطر عمدا

- ‌باب من أكل ناسيا

- ‌باب تأخير قضاء رمضان

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌باب من اختار الفطر

- ‌باب فيمن اختار الصيام

- ‌باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

- ‌باب من يقول صمت رمضان كله

- ‌باب فى صوم العيدين

- ‌باب صيام أيام التشريق

- ‌باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم

- ‌باب في صوم الدهر

- ‌باب فى صوم أشهر الحرم

- ‌باب في صوم المحرم

- ‌باب صوم رجب

- ‌باب فى صوم شعبان

- ‌باب في صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

- ‌باب فى صوم الاثنين والخميس

- ‌باب في فطر العشر

- ‌باب في صوم عرفة بعرفة

- ‌باب في صوم يوم عاشوراء

- ‌باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع

- ‌باب فى صوم يوم وفطر يوم

- ‌باب فى صوم الثلاث من كل شهر

- ‌باب من قال الاثنين والخميس

- ‌باب من قال لا يبالى من أي الشهر

- ‌باب النية فى الصيام

- ‌باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌باب فى الصائم يدعى إلى وليمة

- ‌باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب أين يكون الاعتكاف

- ‌باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

- ‌باب المعتكف يعود المريض

- ‌باب المستحاضة تعتكف

- ‌ كتاب المناسك

- ‌(باب فرض الحج)

- ‌ باب فى المرأة تحج بغير محرم

- ‌ باب لا صرورة فى الإسلام

- ‌ باب التزود فى الحج

- ‌ التوكل المحمود

- ‌ باب التجارة فى الحج

- ‌ باب الكرى

- ‌ باب الصبى يحج

- ‌ باب المواقيت

- ‌[خاتمة المُعتني بالكتاب]

الفصل: ‌ باب المواقيت

ولما رواه الحاكم والبيهقي من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعيله أن يحج حجة أخرى (وقال داود) وأصحابه وطائفة من أهل الحديث إن الصبي إذا حج قبل بلوغه كفاه عن حجة الإسلام، وليس عليه أن يحج حجة أخرى أخذا بظاهر حديث الباب. لكن الحديث ليس فيه ما يدل على أن الصبي إذا حج يجزئه عن حجة الإسلام، لا سيما وأن حديثي أحمد والحاكم المذكورين صريحان في أن الصبي إذا حج قبل بلوغه لا يكفيه ذلك عن حجة الإسلام (قال في النيل) قال ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور وقال الطحاوي: لا حجة في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم، على أنه يجزئه عن حجة الإسلام. بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له، لأن ابن عباس راوي الحديث قال "أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى" وأخرج ابن عدي من حديث جابر قال "لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى" فيؤخذ من مجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة الإسلام إذا بلغ. وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة اهـ ملخصا وعليه فكل ما يترتب على الكبير المحرم من هدى وفدية وجزاء صيد يترتب على الصبي ويطالب به وليه (قال) الخطابي: فإذا كان له حج فقد علم أن من سنته أن يوقف به في المواقف ويطاف به محمولا إن لم يطق المشي وكذلك السعي بين الصفا والمروة ونحوها من أعمال الحج. وفي معناه المجنون إذا كان ميئوسا من إفاقته. وفي ذلك دليل على أن حجه إذا فسد ودخله نقص، فإن جبرانه واجب عليه كالكبير. وإن اصطاد صيدا لزمه الفداء كالكبير. وقال بعض أهل العراق لا يحج بالصبي الصغير. والسنة أولى ما اتبع اهـ ملخصا. ما روى عن أبي حنيفة من أنه لا يصح إحرام الصبي بالحج، فمعناه أنه لا يصح صحة يترتب عليها وجوب الكفارة عليه إذا فعل محظورا من محظورات الإحرام زيادة في الرفق، لا أنه لا يثاب عليه. وعليه فلو ارتكب الصبي محظورا في الحج فلا دم فيه عند الحنفية لا في ماله ولا في مال وليه. وقالت المالكية فدية اللبس والطيب ونحوهما على وليه، وجزاء الصيد في غير الحرم على وليه مطلقا. أما ما صاده فى الحرم فعلى وليه إن كان لا يخاف على الصبي بتركه ضياعا وإلا ففي مال الصبي. وقالت الشافعية لو ارتكب الصبي غير المميز محظورا فلا ضمان مطلقا. وإن كان مميزا فالضمان على وليه. وإن أتلف بإرشاد غيره فالضمان على المرشد. وقالت الحنابلة نفقة حج الصبي وكفاراته في مال وليه على الصحيح

(والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائي

9 -

‌ باب المواقيت

وفي نسخة "باب في المواقيت" أي الأماكن التي يحرم منها الحاج والمعتمر. جمع ميقات مثل

ص: 278

ميعاد ومواعيد. وهو لغة الحد مأخوذ من الوقت الذي هو مقدار من الزمن. ثم استعير للمكان توسعا ثم صار حقيقة شرعية في كل من الزمان والمكان. والمراد به هنا المكان الذي عينه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للإحرام فلا يجوز لمريد مكة مجاوزته بلا إحرام على ما يأتي

17 -

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا. وَبَلَغَنِى أَنَّهُ وَقَّتَ لأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ.

(ش)(قوله وقت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة) بضم الحاء المهملة مصغرًا، أي عين لأهل المدينة ذا الحليفة يحرمون منه. وهو مكان في الجنوب الغربي من المدينة بينهما ستة أميال وبه مسجد يعرف بمسجد الشجرة وآبار يقال لها آبار علىّ. تزعم العامة أنه قاتل الجن بها وهو كذب. ويطلق على موضع آخر بأرض تهامة. ففي حديث رافع بن خديج قال: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم

(قوله ولأهل الشام الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، قرية في الشمال الغربي لمكة على أربعة مراحل منها "أو 32 ميلا" قريب من رابغ وكانت تسمى مهيعة. وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بأهلها. وذلك أن العماليق كانوا يسكنون يثرب "المدينة" فوقع بينهم وبين بني عبيد وهم إخوة عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا بمهيعة فجاء سيل فاجتحفهم "أي استأصلهم" فلذلك سميت الجحفة وقد ذهبت أعلامها ولذا صار الناس يحرمون الآن من رابغ مدينة في شمالها احتياطا

(قوله ولأهل نجد قرنا) وفي نسخة القرن. والنجد في الأصل ما ارتفع من الأرض. ويجمع على نجود كفلس وفلوس. والمراد بها هنا بلاد معروفة من ديار العرب مما يلي العراق. وليست من الحجاز وإن كانت من جزيرة العرب. وقرن بفتح القاف وسكون الراء هو قرن المنازل، ويقال له قرن الثعالب. جبل مطل على عرفات في الشمال الشرقي لمكة على يوم وليلة. وأصل قرن، الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير. ورواه بعضهم بفتح الراء وهو غلط لأن قرنا بفتح الراء قرية باليمن. وقيل إن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى خمسمائة وألف ذراع. وعليه فهو ليس من المواقيت

(قوله وبلغني أنه وقت لأهل اليمن الخ) أي قال ابن عمر: بلغني أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل مكان الإحرام لأهل اليمن يلملم. وقال هنا بلغني دون ما قبله إشارة إلى أنه لم يسمع هذا من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مباشرة، وإنما وصل إليه بواسطة ففي رواية الدارمي "قال ابن عمر: أماهذه الثلاث فقد سمعتهن من رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 279

وعلى آله وسلم. وبلغني الخ" "ويلملم" بفتح المثناة التحتية واللامين وسكون الميم بينهما. ويقال فيه ألملم بالهمزة وهو الأصل. وقلبت في المشهور ياء "جبل" جنوب مكة على مرحلتين منها. وقيل بينهما ثلاثون ميلا (وظاهر الحديث) أن يلملم ميقات جميع أهل اليمن وليس كذلك فإن لأهل اليمن طريقين طريق لأهل تهامة يمرون فيه على يلملم ميقات أو يحاذونه، فيلملم ميقاتهم لا يشاركهم فيه أحد إلا من أتى عليه من غيرهم. والثاني طريق نجد اليمن وهم أهل الجبال وهؤلاء يمرون على قرن أو يحاذونه، فهو ميقاتهم دون يلملم. فأطلق اليمن في الحديث وأريد بعضه وهو تهامة خاصة أفاده في الفتح (والحديث) أخرجه أيضا الشيخان والنسائي وابن ماجه والدارمي

18 -

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَا: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. وَقَالَ أَحَدُهُمَا أَلَمْلَمَ. قَالَ فَهُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ "مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ" قَالَ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا.

(ش)(حماد) بن زيد

(قوله وعن ابن طاوس) عطف على عن عمرو بن دينار أي حدث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وعن عبد الله بن طاوس

(قوله قالا) أى عمرو بن دينار وعبد الله ابن طاوس بسندهما وذكرا معنى الحديث السابق. والحاصل أن حديث حماد هذا له طريقان "أحدهما" عن عمرو بن دينار رواه مسندا "وثانيهما" عن عبد الله بن طاوس عن أبيه مرسلا. وأخرجه الدارقطني من الطريقين كالمصنف قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس. وعبد الله بن طاوس عن أبيه رفعاه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا. قال ابن طاوس قرن المنازل. ولأهل اليمن يلملم، أو قال ألملم، قال فهن لهم ولمن أتى عليهن من غيرهم ممن كان يريد الحج والعمرة ممن كان دونهن. قال عمرو من أهله. وقال ابن طاوس من حيث أنشأ كذلك فكذلك حتى أهل مكة يهلون منها اهـ. فالمرسل من طريق خلف بن هشام عن حماد. قال الدارقطني وتابعه "أي على إرساله" سليمان بن حرب. وغير واحد وخالفهم يحيى بن حسان فأسنده عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس

(قوله فهن لهم الخ) أي فالمواقيت المذكورة

ص: 280

لمن ذكر من أهل تلك الجهات ولمن أتى عليها من غير أهلها. سواء فى ذلك من كان له ميقات معين أم لا. أما من ليس له ميقات معين فأى ميقات يمر عليه فهو ميقاته، ويلزمه الإحرام منه. وأمّا من له ميقات معين وفى طريقه ميقات قبل ميقاته كالشامي يحج من المدينة فمر بذى الحليفة. فعند الشافعى وأحمد وإسحاق يجب أن يحرم من ذى الحليفة وهو قول لأبي حنيفة. وعند مالك يندب له الإحرام من ذى الحليفة وهو مشهور مذهب الحنفية. ويلزمه الإحرام من الجحفة إن لم يحرم من ذى الحليفة. قال فى البدائع من جاوز ميقاتا من هذه المواقيت من غير إحرام إلى ميقات آخر جاز إلا أن المستحب أن يحرم من الميقات الأول. روى عن أبى حنيفة أنه قال فى غير أهل المدينة إذا مروا على المدينة فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك، وأحب إلىّ أن يحرموا من ذى الحليفة اهـ وقالت الحنفية أيضا: يجوز للمدنى أن يجاوز ذا الحليفة بلا إحرام، فإذا فعل ذلك وأحرم من الجحفة أو عند محاذاتها فلا شيء عليه. ومن سلك طريقا بين ميقاتين برا أو بحرا فعند الحنفية يجتهد ويحرم إذا حاذى ميقاتا منهما. والأبعد من مكة أولى بالإحرام منه وهو ظاهر مذهب المالكية. وعند أحمد يتعين الإحرام من أبعدهما. وهو الأصح عند الشافعية

(قوله ممن كان يريد الحج والعمرة) ظاهره أن الإحرام من هذه المواقيت إنما على من مر بها قاصدا حجا أو عمرة دون من لم يرد شيئا منهما، فلو أن مدنيا مر بذى الحليفة لا وهو لا يريد حجا ولا عمرة فسار حتى قرب من الحرم ثم أراد حجا أو عمرة فإنه يحرم حينئذ ولا يجب عليه دم. وهو مروى عن ابن عمر وابن عباس والأخير من قولى الشافعى. وذهب الأوزاعى وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والجمهور إلى أن عليه دما إن لم يرجع إلى الميقات، لأنه لا يجوز لمريد مكة مجاوزة الميقات بغير عذر بلا إحرام من غير فرق بين من أراد مكة لأحد النسكين أو لغيرهما. ومن فعل أثم ولزمه دم، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا يجاوز الوقت الا يإحرام. رواه ابن أبى شيبة والطبراني فى معجمه. وعن أبى الشعثاء جابر بن زيد أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم. رواه الشافعى والبيهقى فى المعرفة وابن أبى شيبة. وعن عطاء عن ابن عباس قال إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشى إن رجع الى الوقت فوت الحج، فإنه يحرم ويهرق لذلك دما. رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده. فهذه المنطوقات أولى من المفهوم المخالف فى قوله "من أراد الحج والعمرة" إن ثبت أنه من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دون كلام الراوى "وأما حديث جابر" أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل يوم الفتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. رواه مسلم والنسائى "فيجاب عنه" بأنه كان لعذر الحرب وهو مختص بتلك الساعة بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى ذلك اليوم: مكة حرام لم تحل لأحد قبلى ولا لأحد بعدى، إنما حلت لى ساعة من نهار ثم عادت

ص: 281

حراما. وهذا فى حق من كان خارج الميقات. أما من كان فيه أو داخله فيحل له دخول مكة لحاجة غير محرم لكثرة دخوله. وفى إلزامه بالإحرام كلما دخل حرج وهو مدفوع بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (قال العيني) على البخاري: من أراد دخول مكة لقتال مباح أو لخوف أو لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب وناقل الميرة ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها. فهؤلاء لا إحرام عليهم، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه المغفر، وكذلك أصحابه. ولو وجب الإحرام على من يكرر دخولها لأفضى إلى أن يكون جميع زمنه محرما. وبهذا قال الشافعى وأحمد. وكذا من جاوز الميقات مريدا حاجة فى غير مكة فهذا لا يلزمه الإحرام بلا خلاف، ومتى بدا له الإحرام يحرم من موضعه ولا شيء عليه. وبه يقول مالك والثوري والشافعى وصاحبا أبي حنيفة. وعن أحمد وإسحاق أنه يلزمه الرجوع من الميقات والإحرام منه اهـ بتصرف

(قوله ومن كان دون ذلك) أى من كان دون هذه المواقيت بأن كان مسكنه بين مكة. وأحد هذه المواقيت، فإحرامه من بلده. والأفضل أن يحرم من الطرف الأبعد منها إلى مكة. وهكذا الحال فى المواقيت. وكذا إذا كان ساكنا فى خيام يستحب أن يحرم من الطرف الأبعد بالنسبة إلى مكة. وكذا إذا كان ساكنا فى واد يقطع طرفيه محرما. فإن تعدى هذه الأمكنة حلالا ثم أحرم وجب عليه الرجوع وإلا أثم وعليه دم. فإن كان ساكنا فى برية منفردا بين الميقات ومكة فإحرامه من مسكنه

(قوله من حيث أنشأ قال وكذلك الخ) أي قال ابن طاوس: يحرم من حيث ابتدأ سفره وكذا كل من كان داخل الميقات ودخل الحرم يفعل ذلك حتى أهل مكة يحرمون منها. وهذا لفظ ابن طاوس ولفظ عمرو بن دينار كما فى رواية للبخاري "فمن كان دونهن فمهله من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها" وأهل بالرفع مبتدأ خبره يهلون. وفى الدارقطني فمن كان دونهن قال عمرو: من أهله. وقال ابن طاوس: وحيث أنشأ اهـ ومنه يتبين موضع الخلاف فى لفظهما (وهذا) صريح فى أن من كان ساكنا مكة فإحرامه منها. وهو محمول على من أراد الإحرام بالحج فقط أو بالحج مع العمرة. أمّا من أراد الإحرام بالعمرة فقط، فلا بد أن يخرج إلى الحل ويحرم منه ليجمع فى إحرامه بين الحل والحرم كما سيأتى فى باب العمرة (الفقه) دل الحديث على أنه لا يجوز لمريد الحج أو العمرة مجاوزة الميقات بلا إحرام وهو متفق عليه. وأجمعوا على أنه لو أحرم قبل الميقات أجزأه. قال الخطابي: وفى حديث بيان أن المدني إذا جاء من الشام على طريق الجحفة، فإنه يحرم من الجحفة ويصير كأنه شامى. وإذا أتى اليمن على ذى الحليفة أحرم منه وصار كأنه مدنى. وفيه أن من كان منزله وراء هذه المواقيت مما يلى مكة، فإنه يحرم من منزله. وفيه أن ميقات أهل مكة فى الحج خاصة مكة. والمستحب للمكى أن يحرم قبل أن يخرج إلى الصحراء. فأما إذا أراد العمرة فإنه يخرج

ص: 282

إلى أدنى الحل فيحرم منه، ألا ترى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عبد الرحمن بن أبى بكر أن يخرج بعائشة فيعمرها من التنعيم اهـ بحذف

(والحديث) أخرجه أيضا الدارقطنى بلفظ تقدم. وأخرجه الشيخان والنسائى والدارمى والبيهقى من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة (الحديث) وأخرجه الشيخان من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار

19 -

(ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ الْمَدَائِنِىُّ نَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ أَفْلَحَ يَعْنِى ابْنَ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ.

(ش)(الرجال)(المعافى بن عمران) بن نفيل بن جابر الأزدى أبو مسعود. روى عن ابن جريج والثورى والأوزاعى وسليمان بن بلال وكثيرين. وعنه وكيع وبقية وهشام بن بهرام ويحيى بن مخلد وآخرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلى وابن خراش وابن سعد وقال كان خيرا فاضلا صاحب سنة، وفى التقريب عابد فقيه من كبار التاسعة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى. و (أفلح بن حميد) بن نافع الأنصارى النجارى أبو عبد الرحمن. روى عن القاسم ابن محمد وأبى بكر بن حزم وسليمان بن عبد الرحمن. وعنه ابن وهب ووكيع وأبو نعيم والثورى وغيرهم. وثقه أبو نعيم وأبو حاتم وقال النسائى لا بأس به، وقال ابن عدى أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة، وفى التقريب ثقة من السابعة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه

(المعنى)

(قوله وقت لأهل العراق ذات عرق) أى جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ميقات أهل العراق ذات عرق "بكسر فسكون" موضع فى الشمال الشرقى لمكة بينه وبينها نحو ستة وأربعين ميلا. والعراق إقليم معروف يذكر ويؤنث (والحديث) صريح فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى وآله سلم الذى جعل ذات عرق ميقاتا لأهل العراق. وإليه ذهب الجمهور وعطاء بن أبى رباح: فقد أخرج البيهقى بسنده الى ابن جريج قال: أخبر عطاء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وقت لأهل المدينة ذا الحليفة. ولأهل المغرب الجحفة، ولأهل المشرق ذات عرق (الحديث) وأخرج من طريق الحجاج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وعن أبى الزبير عن جابر قال: وقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن وأهل تهامة يلملم، ولأهل الطائف وهي نجد قرن، ولأهل العراق ذات عرق. ويؤيده ما فى رواية لمسلم والطحاوى والبيهقى من طريق ابن جريج قال: أخبرنى

ص: 283

أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال: سمعت أحسبه رفع الحديث إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: مهل أهل المدينة من ذى الحليفة. والطريق الآخر من الجحفة. ومهل أهل العراق من ذات عرق. ومهل أهل نجد من قرن. ومهل أهل اليمن من يلملم وما أخرجه الطحاوى من طريق حفص بن غياث عن الحجاج عن عطاء عن جابر قال: وقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق. وما أخرجه أيضا من حديث هلال بن زيد قال: أخبرنى أنس ابن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل المدينه ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل البصرة ذات عرق ولأهل المدائن العقيق. وفى رواية للبخارى والبيهقى أن الذى وقت ذات عرق للعراق عمر بن الخطاب فقد أخرجا عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: لما فتح هذان المصران، أتوا عمر رضى الله تعالى عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حد لأهل نجد قرنا وهو جور "أى منحرف" عن طريقنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق. والمصران: البصرة والكوفة والمراد بفتحهما غلبة أهل الإسلام على أرضهما. وروى الشافعى من طريق طاوس قال: لم يوقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق "يعنى بهم أهل العراق لم يكونوا قد أسلموا" وقال فى الأم: لم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس. فحديث ابن عمر وكلام الشافعى يدلان على أن توقيت ذات عرق للعراق ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وبه قال جابر بن زيد وطاوس ومحمد بن سيرين والغزالى والرافعى والنووى فى شرح مسلم. والصحيح أنه مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما ذكر فى الأحاديث. وهى وإن كان فى بعضها مقال كما قال الحافظ ولكن لكثرتها يقوى بعضها بعضا (قال) فى النيل: حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذرى. وقال فى التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافى بن عمران عن أفلح عنه، والمعافى ثقة. وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك فى رفعه. وأخرجه أبو عوانة فى مستخرجه كذلك. وجزم برفعه أحمد وابن ماجه، ولكن فى إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف. وفى إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزى وهو محتج به. وفى الباب عن الحارث بن عمرو السهمى عند أبى داود. وعن أنس عند الطحاوى. وعن ابن عباس عند ابن عبد البر. وعن عبد الله بن عمر عند أحمد، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة. وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا. وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال: فى ذات عرق أخبار لا يثبت منها شئ عند أهل الحديث، وعلى ابن المنذر حيث يقول: لم نجد فى ذات عرق حديثا يثبت، وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن

ص: 284

فتحت حينئذ. قال ابن عبد البر هى غفلة، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحى قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح ولا فرق فيها بين العراق والشام اهـ وقال الطحاوى "فإن قال قائل" وكيف يجوز أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل العراق والعراق إنما كانت بعده؟ "قيل له" كما وقت لأهل الشام. والشام إنما فتحت بعده. فإن كان يريد بما وقت لأهل الشام من كان فى الناحية التى افتتحت حينئذ من قبل الشام فكذلك يريد بما وقت لأهل العراق من كان فى الناحية التى افتتحت حينئذ من قبل العراق. وإن كان ما وقت لأهل الشام إنما هو لما علم بالوحى أن الشام ستكون دار إسلام، فكذلك ما وقت لأهل العراق إنما هو لما علم بالوحى أن العراق ستكون دار إسلام اهـ وحينئذ يجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا توقيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فوقتها عمر باجتهاده فأصاب ووافق قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقد كان كثير الإصابة لقول الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وبأن ذات عرق" ميقات أهل العراق "قال أكثر أهل العلم" حتى قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقى فى ذات عرق إحرام من الميقات. وقال طاوس وابن سيرين وجابر بن زيد: إن أهل العراق لا ميقات لهم، بل يهلون من أى ميقات يمرون عليه أو يحاذونه. لكن الصحيح أن ميقاتهم ذات عرق لما علمته

(والحديث أخرجه أيضا) النسائي والطحاوى والبيهقي بلفظ "وقت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق ولأهل نجد قرنا، ولأهل اليمن يلملم

20 -

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ.

(ش)(وكيع) بن الجراح. و (سفيان) الثورى

(قوله وقت رسول الله لأهل المشرق العقيق) أى جعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العقيق ميقاتا لأهل المشرق وهم أهل العراق والعقيق موضع يتدفق ماؤه فى غورى تهامة قريب من ذات عرق قبلها مما يلى العراق بنحو مرحلة. وفى بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق. وهو فى الأصل كل موضع شق من الأرض ويجمع على أعقة وعقائق (وهذا الحديث)"لا يعارض" ما قبله المفيد أن ميقات أهل العراق ذات عرق. "لإمكان" الجمع بينهما بأن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات

ص: 285

الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق. أو أن ذات عرق كانت أولا فى موضع العقيق الآن ثم نقلت قريبا من مكة. فذات عرق والعقيق اسمان لموضع واحد. وقد رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ بيده حتى خرج به من البيوت وقطع الوادى فأتى به المقابر فقال هذه ذات عرق الأولى. أو أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن. وذات عرق ميقات لبعض آخر وهم أهل البصرة. ففى رواية الطحاوى عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل البصرة ذات عرق، ولأهل المدائن العقيق. على أن حديث الباب ضعيف لأنه من طريق يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف وقد تفرد به "وقول الخطابى" الحديث فى العقيق أثبت منه فى ذات عرق. والصحيح منه أن عمر بن الخطاب وقتها لأهل العراق بعد أن فتحت العراق، وكان ذلك فى التقدير على موازاة قرن لأهل نجد. وكان الشافعى يستحب أن يحرم أهل العراق من العقيق، فإن أحرموا من ذات عرق أجزأهم. وقد تابع الناس فى ذلك عمر بن الخطاب إلى زماننا هذا اهـ "مبنى" على ما تقدم للشافعى من أنه لم يثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه حد ذات عرق. ولكن تقدّم أن الصحيح رفع الحديث فيه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضا الترمذى وقال حديث حسن

21 -

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى سُفْيَانَ الأَخْنَسِىِّ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا قَالَ.

(ش)(الرجال)(ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل. و (عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء المهملة وفتح النون المشددة آخره سين مهملة. وقيل يحنش بضم ففتح فنون مكسورة مشددة آخره معجمة الحجازى. روى عن دينار بن عبد الله ويحيى بن أبي سفيان الأخنسى. وعنه ابن جريج والدراوردى وابن أبي فديك. ذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب مقبول من السادسة، وقال البخارى لا يتابع على حديثه. روى له مسلم وأبو داود. و (يحيى بن

ص: 286

أبي سفيان) بن الأخنس بخاء معجمة ونون المدنى (الأخنسى) روى عن حكيمة بنت أمية وأبي هريرة. وعنه إسحاق بن رافع وعبد الله بن عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق. ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال أبو حاتم شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور، وفى التقريب مستور من السادسة وقد أرسل عن أبي هريرة. روى له أبو داود وابن ماجه. و (حكيمة) بنت أمية بن الأخنس ابن عبيد أم حكيم. روت عن أم سليم. وعنها يحيى بن أبي سفيان وسليمان بن سحيم على شك فيه ذكرها ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب مقبولة من الرابعة. روى لها أبو داود وابن ماجه

(المعنى)

(قوله من أهل بحجة أو عمرة الخ) أى من أحرم بحج أو بعمرة مبتدئا إحرامه من مسجد بيت المقدس منتهيا به إلى مكة غفر الله له ذنوبه السابقة واللاحقة مطلقا، أو استحق دخول الجنة مع السابقين "شك عبد الله" بن عبد الرحمن أى الكلمتين "غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. أو وجبت له الجنة" قال يحيى بن أبي سفيان (وفى الحديث) دلالة على جواز تقديم الإحرام على الميقات من مكان بعيد مع الترغيب فيه. وهو مذهب الجمهور. وعن إسحاق وداود أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات. ونسبه الحافظ إلى البخاري مستدلا بقوله "باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذى الحليفة" وردّ باحتمال أن معنى قوله ولا يهلون أى لا يستحب لهم الإحرام قبل ذى الحليفة. وروى أن عمر بن الخطاب أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة. لكن قال الخطابي: يشبه أن يكون عمر إنما كره ذلك شفقا أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته آفة تفسد إحرامه. ورأى أن ذلك فى قصير المسافة أسلم اهـ واختلف الجمهور فى الأفضل فقال علقمة والأسود وأبو إسحاق وأبو حنيفة: الأفضل الإحرام قبل الميقات وهو رواية عن الشافعية للترغيب فيه بحديث الباب، ولقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقد فسر على وعمر الإتمام بأن يحرم الإنسان من داره، ولأن المشقة فيه أكثر والتعظيم أوفر. وفى رواية عن أبي حنيفة أن تقديم الإحرام إنما يكون أفضل إذا كان يملك الإنسان نفسه من محظور الإحرام. وروى عن ابن عمر أنه أحرم من بيت المقدس. وعن ابن عباس أنه أحرم من الشام وعن ابن مسعود أنه أحرم من القادسية. وقال عطاء والحسن البصرى ومالك وأحمد وإسحاق يكره الإحرام قبل الميقات. وهو أصح القولين عند الشافعية، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحرم فى حجته من الميقات وهو مجمع عليه، وأحرم عام الحديبية من ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، وأحرم معه الصحابة. وهكذا فعل بعده جماهير الصحابة والتابعين وأهل الفضل من العلماء "فترك" النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإحرام من مسجده الذى جعل الله تعالى الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه من المساجد "دليل" على أن الإحرام من الميقات أفضل (وأجابوا) عن حديث الباب بأن إسناده ليس بقوى. وعلى فرض صحته ففيه بيان فضيلة

ص: 287

الإحرام قبل الميقات وليس فيه أنه أفضل من الميقات، أو أن هذه الفضيلة خاصة بالمسجد الأقصى، لأن له مزايا لا توجد فى غيره وليجمع فى إحرامه بين الصلاة فى المسجدين، ولذلك أحرم منه ابن عمر ولم يكن يحرم من غيره إلا من الميقات. وهذاهو الراجح لقوة أدلته "وما قيل" من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى أله وسلم أحرم من الميقات لبيان الجواز "مردود" بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الإحرام من المواقيت بالقول كما تقدم للمصنف، وكما جاء عند البخارى عن ابن عمر وغيره، فلو كان الإحرام قبل المواقيت أفضل لفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واكتفى فى بيان جواز الإحرام من المواقيت بالقول (هذا) وفى نسخة زيادة (قال أبو داود: يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعنى إلى مكة) أى أن وكيع بن الجراح كان يحرم بالحج من بيت المقدس رغبة فى زيادة الأجر

(والحديث) أخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقى والبخارى فى التاريخ

22 -

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِى الْحَجَّاجِ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّهْمِىُّ حَدَّثَنِى زُرَارَةُ بْنُ كُرَيْمٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمِىَّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ. قَالَ فَتَجِئُ الأَعْرَابُ فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ. قَالَ وَوَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ.

(ش)(الرجال)(عبد الوارث) بن سعيد. و (عتبة بن عبد الملك السهمى) روى عن زرارة بن كريم وحماد بن أبي سليمان. وعنه عبد الوارث وعبد الصمد بن عبد الوارث ويعقوب بن إسحاق ذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والبخارى فى الأدب. و (زرارة) بضم الزاى (بن كريم) بالتصغير ابن الحارث بن عمرو (السهمى) نسبة إلى سهم بطن من باهلة بالتصغير الباهلى. روى عن جده الحارث. وعنه ابنه يحيى وعتبة بن عبد الملك وسهل بن حصين. ذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب له رؤية وقال عبد الحق فى الاحكام لا يحتج بحديثه، وقال ابن القطان لا يعرف. روى له النسائى وأبو داود والبخارى فى الأدب. و (الحارث بن عمرو) بن الحارث (السهمى) الباهلى أبو سقبة كما فى الحاكم، أو أبو مسقبة بفتح فسكون ففتح كما فى الخلاصة. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

ص: 288

هذا الحديث. وعنه ابنه عبد الله وابن ابنه زرارة. روى له أبو داود والنسائى والبخارى فى الأدب

(المعنى)

(قوله وقد أطاف به الناس) أى اجتمعوا حوله (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى إلى: قوله هذا وجه مبارك. وقال وذكر الحديث وفيه قال: فوقت لأهل اليمن يلملم أن يهلوا منها، وذات عرق لأهل العراق ولأهل المشرق اهـ وقال المنذرى أخرجه النسائى

10 -

باب الحائض تهلّ بالحج

أي تحرم به

23 -

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ.

(ش) وجه مطابقة الحديث للترجمة أن دم النفاس دم حيض تجمع فى أيام الحمل. وهما فى الحكم سواء. (عبدة) بن سليمان. و (عبيد الله) بن عمر العمرى. و (أبو عبد الرحمن) القاسم ابن محمد

(قوله نفست أسماء الخ) بضم النون وفتحها وكسر الفاء أى ولدت. يقال نفست المرأة بالبناء للمجهول إذا ولدت. ونفست من باب تعب فهى منفوسة ونفساء إذا ولدت. فأمّا الحيض فالمشهور فيه نفست بفتح فكسر ويجوز ضم النون. والنفاس مأخوذ من النفس وهو المولود والدم. ومنه قولهم لا نفس له سائلة، أى لا دم له يجرى. والمراد أن أسماء بنت عميس امرأة أبى بكر أصابها النفاس بسبب ولادة محمد عند الشجرة التى بذى الحليفة وهى من شجر السمر. "نوع له شوك يعرف بشجر العضاه" وفى رواية مالك والنسائى عن أسماء أنها ولدت محمد بن أبى بكر بالبيداء. وفى رواية لمالك بذى الحليفة. وهذه المواضع الثلاثة متقاربة. فالشجرة بذى الحليفة كان يحرم منها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، والبيداء بطرف ذى الحليفة. فلا منافاة بينها

(قوله فأمر رسول الله الخ) أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا بكر أن يأمرها بالغسل والإحرام. وكان ذلك فى حجة الوداع. فقد أخرج النسائى من طريق القاسم بن محمد عن أبيه عن أبى بكر أنه خرج حاجا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حجة الوداع ومعه امرأته أسماء، فلما كانوا بذى الحليفة ولدت أسماء محمدا (الحديث)(الفقه) دلّ الحديث على استحباب الغسل لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة أو بهما ولو حائضا أو نفساء؛ لأن القصد منه النظافة ولذا لا ينوب التيمم عنه عند العجز وهذا متفق عليه

ص: 289

(والحديث) أخرجه أيضا مسلم وابن ماجه والدارمى والبيهقي. وأخرج مالك والنسائى نحوه عن أسماء بنت عميس

24 -

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَا نَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ فِى حَدِيثِهِ "حَتَّى تَطْهُرَ" وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عِيسَى عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدًا. قَالَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ عِيسَى كُلَّهَا. قَالَ الْمَنَاسِكَ إِلَاّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.

(ش)(الرجال)(مروان بن شجاع) أبو عبد الله أو أبو عمرو الأموى مولى محمد بن مروان. روى عن سالم بن عجلان والمغيرة بن قاسم وخصيف بن عبد الرحمن وآخرين. وعنه أحمد بن منيع وهارون بن معروف وزياد بن أيوب وغيرهم. وثقة أبو داود وابن معين ويعقوب ابن سفيان والدارقطنى وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا وقال أبو حاتم صالح ليس بذاك القوىّ فى بعض ما يرويه مناكير يكتب حديثه، وفى التقريب صدوق له أوهام من الثامنة. وقال ابن حبان يروى المقلوبات عن الثقات لا يعجبنى الاحتجاج بخبره إذا انفرد. توفى سنة أربع وثمانين ومائة روى له البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه. و (خصيف) بالتصغير ابن عبد الرحمن الجزرى (المعنى)

(قوله إذا أتتا على الوقت الخ) أى الميقات. وفى نسخة إذا أتيا على الوقت تغتسلان الخ. وفى رواية الترمذى أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضى المناسك كلها الخ أى تؤدى أفعال الحج إلا الطواف بالكعبة، فإنه يكون بالمسجد وهما ممنوعتان من دخوله وشرط صحته الطهارة عند غير الحنفية كما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى

(قوله قال أبو معمر الخ) أى ذكر إسماعيل بن إبراهيم فى حديثه لفظ "حتى تطهر" بعد قوله غير الطواف بالبيت، أى أن الحائض والنفساء لا يطوفان بالبيت حتى ينقطع الدم ويغتسلا. ولم يذكر محمد بن عيسى فى سنده عكرمة ومجاهدا، بل اختصر على عطاء. ولم يذكر لفظ كلها بعد المناسك. بل قال: وتقضيان المناسك إلا الطواف بالبيت (الفقه) دل الحديث على صحة إحرام الحائض والنفساء واستحباب غسلهما للإحرام. وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة "قال الخطابى" ومعلوم أن اغتسال

ص: 290

الحائض والنفساء قبل أوان الطهر لا يطهرهما، وإنما هو لفضيلة المكان والوقت. وفية دليل على أن المحدث إذا حرم جاز إحرامة اهـ (هذا) والغسل للإحرام مأمور به إجماعا. والجمهور على أنه مستحب ولم يقل بوجوبه إلا الحسن البصرى والظاهرية. وفيه دليل على أن الحائض والنفساء يطلب منهما الإتيان بجميع أعمال الحج إلا الطواف وكذا ركعتاه. وعلى أنه لا تشترط الطهارة فى السعى فيجوز للحائض والنفساء السعى بين الصفا والمروة إذا طرأ عليهما الحدث بعد الطواف وقبل السعى. وإليه ذهب الجمهور. ولم ينقل القول بوجوب الطهارة فيه إلا عن الحسن البصرى وبعض الحنابلة، فإنهم شبهوه بالطواف. أما إذا حاضت المرأة أو نفست قبل الطواف فهى ممنوعة من السعى ما لم تطف طاهرة من الحدثين، لأن تقدم الطواف الكامل "بأن يكون الطائف غير محدث حدثا أكبر" شرط فى صحة السعى عند الجمهور. وعليه يحمل ما رواه ابن أبى شيبة من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لعائشة لما حاضت بسرف وهى محرمة "افعلى ما يفعله الحاج غير ألا تطوفى بالبيت وبين الصفا والمروة حتى تطهرى" قال الحافظ إسناده صحيح. وقال الثورى وعطاء تقدم الطواف على السعى ليس شرطا فى صحته فإذا قدم السعى على الطواف صح. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال يلزمه دم ودل الحديث على أن الحائض والنفساء ممنوعتان من الطواف. وكذا الجنب والمحدث حدثا أصغر لحديث ابن عباس مرفوعا "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. وروى الترمذى "الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه" والمحدث مطلقا ممنوع من الصلاة، وهذا متفق عليه فلو طاف محدثا لا يصح طوافه أخذا بالأحاديث المذكورة، ولأنه يشترط فيه ما يشترط فى الصلاة من الطهارة وستر العورة فإن ترك شيئا منهما لا يصح عند الجمهور وتلزمه إعادته، ويصح عند الحنفية ويلزمه دم إن لم يعده. وعن بعض الحنفية يلزمه صدقة تجزئ فى الفطرة بناء على أن الطهارة فى الطواف سنة. وروى عن أحمد صحة الطواف بدون طهارة ولا شيء عليه. وقال أبو ثور: إذا طاف على غير وضوء أجزأه طوافه إن كان لا يعلم ولا يجزئه إن كان يعلم. واستدل من أجاز الطواف بغير طهارة بقياسه على الوقوف والسعى وبقية أعمال الحج، فإنه لا يشترط فيها الطهارة. لكن يرد عليهم حديث الباب وما ذكر من الأحاديث الدالة على اشتراط الطهارة فيه

(والحديث) أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه وفي سنده مروان ابن شجاع وخصيف بن عبد الرحمن. وفيهما مقال

ص: 291

11 -

باب الطيب عند الإحرام

أى بيان ما يدل على جوازه

25 -

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا نَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

(ش)(قوله كنت أطيب رسول الله الخ) أى أضع الطيب فى بدنه وثيابه لأجل إحرامه بحج أو عمرة. وفى رواية للنسائى من طريق سالم عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند إحرامه حين أراد أن يحرم وعند إحلاله قبل أن يحل بيدى. تعنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة وبعد التحلل الأول. وفى رواية لمسلم من طريق الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد

(قوله ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت) أي كنت أطيبه لخروجه من الإحرام "برمي جمرة العقبة والحلق" قبل أن يطوف بالكعبة طواف الإفاضة، فإن المحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر له كل شئ من محظورات الإحرام إلا النساء، وهذا هو التحلل الأول (والحديث) أخرجه أيضا مالك والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى. وأخرجه الترمذى بلفظ: طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك. وقال الترمذى حديث حسن صحيح. وأخرجه الدارمى عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإحرامه وطيبته بمنى قبل أن يفيض

26 -

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُّ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِى مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

(ش)(إبراهيم) بن يزيد النخعى. و (الأسود) بن يزيد

(قوله كأنى أنظر) قالت ذلك وقت ذكرها الحديث وكأنها لشدة استحضارها ما أخبرت به ناظرة إليه

(قوله إلى وبيص

ص: 292

المسك) وفى نسخة إلى وبيص الطيب تعنى إلى أثر الطيب الذى تطيب به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قبل الإحرام. ووبيص مثل بريق وزنا ومعنى. وقال الإسماعيلى: الوبيص بالصاد المهملة زيادة على البريق. والمراد به التلألؤ، وهو يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط. والمسك معرب يذكر ويؤنث وتسميه العرب المشموم وهو أفضل الطيب

(قوله فى مفرق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى مفرق رأسه. ومفرق مثل مسجد المكان الذى يفرق فيها الشعر فى وسط الرأس. وفى رواية البخارى مفارق بالجمع تعميما لجوانب الرأس التى يفرق فيها الشعر (وفى حديثى الباب) دليل على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامة أثره بعد الإحرام فلا يضر بقاء لونه ورائحته وإليه ذهب الجمهور: منهم أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والشافعى وأحمد وإسحاق والثورى والأوزاعى. وبه قالت عائشة وسعد بن أبى وقاص وابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو ذر والحسين بن على وابن الحنفية وابن الزبير وأبو سعيد الخدرى وعمر بن عبد العزيز والأسود والقاسم وسالم وهشام بن عروة وخارجة بن زيد وابن جريج. قال فى البدائع: يتطيب المحرم بأى طيب شاء سواء كان طيبا تبقى عينه بعد الإحرام أو لا تبقى فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف. وهو قول محمد أو لا ثم رجع وقال: يكره له أن يتطيب بطيب تبقى عينه بعد الإحرام. وحكى عن محمد فى سبب رجوعه أنه قال كنت لا أرى بأسا حتى رأيت قوما أحضروا طيبا كثيرا ورأيت أمرا شنيعا فكرهته اهـ وذهب عطاء وسعيد ابن جبير وابن سيرين والحسن البصرى والزهرى إلى أنه يحرم التطيب قبل الإحرام بما تبقى عينه أو رائحته بعده وهو قول عمر وعثمان وابن عمر. وقالت المالكية: من تطيب قبل الإحرام فإن بقى جرم الطيب بعده حرم وعليه الفدية، وإن بقى لونه ففى وجوب الفدية قولان. وإن بقيت رائحته كره الإحرام مع علمه ببقائه ولا فدية. واستدلوا بما رواه الشيخان عن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال يا رسول الله إنى أحرمت بعمرة وأنا كما ترى. فقال انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا فى حجتك فاصنعه فى عمرتك. وسيأتى للمصنف نحوه فى "باب الرجل يحرم فى ثيابه" وبحديث ابن عمر أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بذى الحليفة فقال ممن هذه الريح الطيبة؟ فقال معاوية منى. فقال عمر منك لعمرى، منك لعمرى. فقال معاوية لا تعجل على يا أمير المؤمنين إن أم حبيبة طيبتنى وأقسمت علىّ. فقال له عمر: وأنا أقسمت عليك لترجعنّ إليها فتغسله عندها فرجع إليها فغسله فلحق الناس بالطريق. رواه الطحاوى. وأجابوا عن حديثى الباب بأن السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها طيبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطيب لا رائحة له. أو بأنه اغتسل بعد أن تطيب كما فى حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سألت عائشة فذكرت لها قول

ص: 293

ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم طاف فى نسائه ثم أصبح محرما. أخرجه البخارى. قالوا المراد بالطواف الجماع. وكان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يغتسل عند كل واحدة فبالضرورة قد ذهب أثر الطيب. (ويرد) هذا التأويل قول عائشة: يرحم الله أبا عبد الرحمن "تعنى ابن عمر" كنت أطيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا. أخرجه البخارى فى "باب إذا جامع ثم عاد" فإنه ظاهر فى أن نضخ الطيب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان بعد إحرامه. "ودعوى" أن فيه تقديما وتأخيرا والأصل طاف على نسائه ينضخ طيبا ثم أصبح محرما "خلاف" الظاهر من رد عائشة على ابن عمر. ويؤيد إبقاء حديث الباب على ظاهره ما أخرجه النسائى من طريق الأسود عن عائشة قالت: كنت أرى وبيص المسك فى مفرق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ثلاث "تعنى وهو محرم" ويرد أيضا ما ادعاه بعضهم من أن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب الذى تطيب به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزال وبقى أثره من غير رائحة "وأجاب" الجمهور عن حديث يعلى بن أمية بأنه منسوخ كما قال الشافعى رحمه الله تعالى، لأنه كان فى عام الجعرانة سنة ثمان، وحديثا الباب فى حجة الوداع سنة عشر (وأجاب) عنه الطحاوى بأن الطيب الذى كان على ذلك الرجل صفرة وهو خلوق فذلك مكروه للرجل لا للإحرام، فهو مكروه فى حق الرجل فى حال الإحلال وحال الإحرام. وإنما أبيح من الطيب عند الإحرام ما هو حلال فى حال الإحلال (وأجاب) عن قصة عمر مع معاوية بأن ابن عباس خالفه فى ذلك قال: حدثنا ابن مرزوق ثنا عثمان بن عمر ثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: انطلقت حاجا فرافقنى عثمان بن أبى العاص، فلما كان عند الإحرام قال: اغسلوا رءوسكم بهذا الخطمى الأبيض، ولا يمس أحد منكم غيره فوقع فى نفسى من ذلك شئ. فقدمت مكة فسألت ابن عمر وابن عباس. فأما ابن عمر فقال ما أحبه. وأما ابن عباس فقال أما أنا فأضمخ به رأسى ثم أحب بقاءه. فهذا ابن عباس قد خالف عمر وابنه فى ذلك (قال الطحاوى) وقد روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يدل على إباحته اهـ بتصرف. وذكر بإسناده عن عائشة نحو حديث الباب "ودعوى" أن الطيب عند الإحرام خاص بالرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "يردها" حديث عائشة قالت: كنا نخرج مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام. فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا ينهانا. أخرجه المصنف فى "باب ما يلبس المحرم" ونضمد أى نلطخ. والسك بضم السين المهملة نوع من الطيب. ولا يقال إن هذا خاص بالنساء، لإجماعهم

ص: 294

على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب في حال الإحرام "وما اعتذر به" المالكية عن عدم عملهم بحديث الباب بأن عمل أهل المدينة على خلافه "مردود" بما أخرجه النسائى من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم منهم القاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمرو وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة فكلهم أمروا به اهـ فهؤلاء فقهاء المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه؟ ذكره البدر العينى

(والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والنسائى والبيهقى والطحاوى من عدة طرق

12 -

باب التلبيد

أى تلبيد الشعر للمحرم وهو أن يجعل فى شعره شيئا من نحو الصمغ حفظا له من الشعث والقمل والانتشار.

27 -

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا.

(ش)(ابن وهب) عبد الله. و (يونس) بن يزيد

(قوله يهل ملبدا) بضم المثناة

التحتية من الإهلال اي يرفع صوته بالتلبية حال كونه ملبدا شعر رأسه (والحديث) أخرجه

أيضا البيهقي. وكذا البخاري في الحج واللباس. وأخرجه في اللباس مسلم والنسائي وابن ماجه

28 -

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ.

(ش)(عبد الأعلى) بن عبد الأعلى

(قوله لبد رأسه بالعسل) بمهملتين مفتوحتين هو صمغ العرفط. قال فى اللسان والعرب تسمى صمغ العرفط عسلا لحلاوته اهـ. والعرفط بضم فسكون فضم نوع من شجر العضاه "شجر عظيم له شوك" ويبعد أن يراد به عسل النحل لأن لزوجته تنتشر فى الثياب والبدن ولا ييبس فيؤذى. وقيل هو بغين معجمة مكسورة وسين ساكنة وهو ما يغسل به الرأس من خطمى وغيره. قال الحافظ فى الفتح ضبطناه فى روايتنا من سنن أبى داود بالمهملتين اهـ (وفى الحديثين) دليل على استحباب تلبيد الشعر للمحرم لما فيه من

ص: 295