المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١٠

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌باب في صلة الرحم

- ‌باب في الشح

- ‌ التحذير من البخل

- ‌كتاب الصيام

- ‌حكمة مشروعيته

- ‌باب مبدأ فرض الصيام

- ‌باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى

- ‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

- ‌باب إذا أغمى الشهر

- ‌باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌باب فى التقدم

- ‌باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

- ‌باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌باب فيمن يصل شعبان برمضان

- ‌باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

- ‌باب في توكيد السحور

- ‌باب من سمى السحور الغداء

- ‌ الترغيب فى السحور

- ‌باب وقت السحور

- ‌باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌باب وقت فطر الصائم

- ‌باب ما يستحب من تعجيل الفطر

- ‌الحكمة في ذلك

- ‌باب ما يفطر عليه

- ‌الحكمة فى الإفطار على التمر

- ‌باب القول عند الإفطار

- ‌باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌باب في الوصال

- ‌باب الغيبة للصائم

- ‌باب السواك للصائم

- ‌باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ فى الاستنشاق

- ‌باب فى الصائم يحتجم

- ‌باب فى الصائم يحتلم نهارا فى رمضان

- ‌باب فى الكحل عند النوم للصائم

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الصائم يبلع الريق

- ‌باب فيمن أصبح جنبا فى شهر رمضان

- ‌باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

- ‌باب التغليظ فيمن أفطر عمدا

- ‌باب من أكل ناسيا

- ‌باب تأخير قضاء رمضان

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌باب من اختار الفطر

- ‌باب فيمن اختار الصيام

- ‌باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

- ‌باب من يقول صمت رمضان كله

- ‌باب فى صوم العيدين

- ‌باب صيام أيام التشريق

- ‌باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم

- ‌باب في صوم الدهر

- ‌باب فى صوم أشهر الحرم

- ‌باب في صوم المحرم

- ‌باب صوم رجب

- ‌باب فى صوم شعبان

- ‌باب في صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

- ‌باب فى صوم الاثنين والخميس

- ‌باب في فطر العشر

- ‌باب في صوم عرفة بعرفة

- ‌باب في صوم يوم عاشوراء

- ‌باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع

- ‌باب فى صوم يوم وفطر يوم

- ‌باب فى صوم الثلاث من كل شهر

- ‌باب من قال الاثنين والخميس

- ‌باب من قال لا يبالى من أي الشهر

- ‌باب النية فى الصيام

- ‌باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌باب فى الصائم يدعى إلى وليمة

- ‌باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب أين يكون الاعتكاف

- ‌باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

- ‌باب المعتكف يعود المريض

- ‌باب المستحاضة تعتكف

- ‌ كتاب المناسك

- ‌(باب فرض الحج)

- ‌ باب فى المرأة تحج بغير محرم

- ‌ باب لا صرورة فى الإسلام

- ‌ باب التزود فى الحج

- ‌ التوكل المحمود

- ‌ باب التجارة فى الحج

- ‌ باب الكرى

- ‌ باب الصبى يحج

- ‌ باب المواقيت

- ‌[خاتمة المُعتني بالكتاب]

الفصل: ‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

ابن عباس ليست منسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا اهـ (فتلخص) مما تقدم فى أحاديث هذا الباب والذى قبله أن الآية فيها قولان (أحدهما) أنها كانت رخصة مطلقا فى حق القادر على الصيام وغيره ثم نسخت فى حق من يطيق الصيام بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهو قول الجمهور. وقالوا حكم الإطعام باق فى حق من لم يطق الصيام. وقال جماعة منهم مالك وأبو ثور وداود: إن جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إطعام إذا لم يطق الصوم (ثانيهما) أنها خاصة بالشيخ والمرأة الكبيرين اللذين كانا يطيقان الصيام والحامل والمرضع ثم نسخت فى حق الشيخ والمرأة الكبيرين اللذين يطيقان الصيام وبقيت فى الحامل والمرضع. وكذا الشيخ والمرأة اللذين لا يطيقان الصوم. وهو قول ابن عباس وعكرمة وقتادة. وقال ابن جرير: وقال آخرون لم ينسخ ذلك وهو حكم مثبت من لدن نزلت إلى قيام الساعة. وقالوا إنما تأويل ذلك {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} فى حال شبابهم وحداثتهم وفى حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا عن الصوم {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} لا أن القوم كان رخص لهم فى الإفطار وهم على الصوم قادرون إذا افتدوا اهـ وقال مالك وزيد بن أسلم والزهرى: إن الآية محكمة نزلت فى المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضى حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضى ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة، فإن اتصل مرضه برمضان الثانى فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يباح للحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما الفطر وعليهما القضاء باتفاق. وفى لزوم الفدية خلاف تقدم بيانه. وعلى أنه يباح للشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا عجزا عن الصوم الفطر وإطعام مسكين عن كل يوم عند أبى حنيفة نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق وصاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمته إن قدر عليه وإلا استغفر الله تعالى. وقال مالك لا تجب الفدية بل تستحب وهى عنده وعند الشافعى مدّ من طعام

(والحديث) أخرجه أيضا ابن جرير. وكذا البزار وزاد فى آخره وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذى لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وأخرجه البخارى بلفظ تقدم

‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو يَعْنِى ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ. الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ سُلَيْمَانُ أُصْبَعَهُ

ص: 31

فِى الثَّالِثَةِ يَعْنِى تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ.

(ش)(رجال الحديث)(شعبة) بن الحجاج. و (سعيد بن عمرو) أبو عثمان الأموى. روى عن الحكم بن عتيبة وخالد بن سعيد وأبى هريرة وعائشة وغيرهم. وعنه أولاده خالد وإسحاق وشعبة والأسود بن قيس وجماعة. وثقه أبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم صدوق وقال الزبير كان من فقهاء الكوفة. روى له البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه

(المعنى)

(قوله إنا أمة أمية الخ) أى إنا معشر العرب جماعة أمية. أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة ولا الحساب فهم على جبلتهم الأولى. فالأمية نسبة إلى الأم، وقوله لا نكتب ولا نحسب بضم السين المهملة من باب قتل من الحسب بمعنى الإحصاء. يقال حسبت المال حسبا أحصيته عددا. وهاتان الجملتان بيان لكونهم أمية. وهذا بالنظر للغالب وإلا فقد كان فيهم من يكتب ويحسب. وقيل المراد بالحساب حساب النجوم وتسييرها، وهذا أيضًا لم يكونوا يعرفونه إلا النذر اليسير

(قوله الشهر هكذا الخ) وأشار بأصابع يده كلها مرتين وفى الثالثة عقد واحدا منها وأشار بتسعة كما فى رواية لمسلم من طريق سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلًا يقول الليلة النصف فقال له وما يدريك أن الليلة النصف؟ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: الشهر هكذا وهكذا وأشار بأصابعه العشر مرتين وهكذا فى الثالثة وأشار بأصابعه كلها وحبس أو خنس إبهامه

(قوله وخنس سليمان أصبعه الخ) وفى نسخة وحبس. وهو من كلام أبى داود، أى قبض سليمان بن حرب أصبعه فى المرة الثالثة حين التحديث يعني بذلك أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين لا أنه يكون دائما كذلك

(قوله وثلاثين) هكذا فى أكثر النسخ وهو تصريح من المصنف باللازم، وقد رواه مسلم والنسائي مرفوعًا عن ابن عمر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب والشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام فى الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا تمام الثلاثين. ففي رواية المصنف اختصار. وفى نسخة الخطابى إسقاط قوله وثلاثين وهي الأولى. قال الخطابى: قوله الشهر هكذا الخ يريد أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين، وليس يريد أن كل شهر تسعة وعشرون، وإنما احتاج إلى بيان ما كان يتوهم أن يخفى عليهم، لأن الشهر فى العرف وغالب العادة ثلاثون فوجب أن يكون البيان فى الحديث. مصروفا إلى النادر دون المعروف منه اهـ (وفى الحديث) دلالة على أن الأحكام تؤخذ من إشارة المشرع لها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تؤخذ من قوله صريحا قال الخطابى: وفى الحديث مستدل لمن رأى الحكم بالاشارة وإعمال دلالة الإيماء كمن قال امرأتى طالق وأشار بأصابعه الثلاث فإنه يلزمه ثلاث تطليقات على الظاهر من الحال اهـ

ص: 32

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي، وأخرج ابن ماجه نحوه عن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد تسعًا وعشرين فى الثالثة

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ نَا حَمَّادٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. قَالَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ، فَإِنْ رُؤِىَ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا. قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ.

(ش)(حماد) بن زيد. و (أيوب) السختيانى

(قوله الشهر تسع وعشرون) أى قد يكون تسعا وعشرين، أو أقله تسع وعشرون، فلا ينافى أنه قد يكون ثلاثين. قال ابن العربى قوله الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا الخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه، أى أنه يكون تسعًا وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله اهـ ويؤيده حديث أم سلمة وحديث أنس عند البخاري أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما" وإنما اقتصر على هذا نظرا للأغلب لقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما صمنا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين. رواه الترمذي. وسيأتى للمصنف فى الباب بعد

(قوله فلا تصوموا حتى تروه الخ) أى لا تصوموا رمضان حتى تروا هلاله ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال، وليس المراد تعليق الصوم والفطر بالرؤية فى حق كل واحد، بل المراد رؤية من يثبت برؤيته الهلال. وفيه خلاف يأتي بيانه فى "باب شهادة الواحد على هلال رمضان" إن شاء الله تعالى. وظاهر الحديث يدل على البخارى الصوم لرؤية هلال رمضان وإيجاب الفطر لرؤية هلال شوال متى ثبتت الرؤية ليلا، وكذا نهارا قبل الزوال أو بعده، لكن يكون لليوم المقبل، فإذا رؤى الهلال فى النهار لعارض يعرض فى الجو يقل به ضوء الشمس أو لقوة نظر الرائى فلا يجب صوم ذلك

ص: 33

اليوم أول الشهر ولا يباح فطره إن كان فى آخره، وبهذا قال جمهور العلماء، لما روى عن أبى وائل قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية. أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات. وخانقين بخاء معجمة ونون وقاف مكسورتين بلد بالعراق قريب من بغداد. وقوله أهلاه يعني رأياه. وقال أبو يوسف إذا رؤى الهلال قبل زوال يوم الثلاثين لزم صومه إن كان فى أول الشهر وفطره إن كان فى آخره

(قوله فإن غم عليكم فاقدروا له) وفى نسخة فإذا غم، أى إذا حال بينكم وبين رؤية الهلال ساتر من غيام أو غبار "فاقدروا له" بضم الدال وكسرها يقال قدرت الشئ إذا قدرته تقديرًا أى قدروا له عدد الشهر وأكملوا عدته ثلاثين يوما، لما أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، ولحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين. وعن ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما، رواهما الدارمى. ولما يأتي فى "باب إذا أغمى الشهر" وباب "من قال إذا أغمى عليكم فصوموا ثلاثين" وإلى هذا التفسير ذهب جمهور الفقهاء. منهم أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والأوزاعى والثورى وعامة أهل الحديث إلا أحمد فقال: معنى اقدروا له ضيقوا له وقدروا أن الهلال تحت السحاب، واحتج بأنه موافق لرأى الصحابي راوى الحديث فقد قال نافع: فكان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رؤى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال أصبح صائما. رواه أحمد وذكر المصنف نحوه. ورد بأن العبرة برواية الراوى لا برأيه، فقد روى عبد الرزاق من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فى هلال رمضان: إذا رأيتموه فصوموا، ثم إذا رأيتموه فأفطروا. فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما اهـ وخير ما فسرت بالوارد. قال الخطابى، وقوله فاقدروا له معناه التقدير له بإكمال العدد ثلاثين وكان بعض أهل العلم يتأوله على التقدير له بحساب سير القمر فى المنازل والقول الأول أشبه ألا تراه يقول فى رواية أخرى: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما. وفى رواية فإن غم عليكم فعدوا له ثلاثين يوما. وعلى هذا قول عامة أهل العلم. ويؤكد ذلك نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صوم يوم الشك. وكان أحمد يقول إذا لم ير الهلال لتسع وعشرين من شعبان لعلة فى السماء صام الناس. وإن كان صحوا لم يصوموا اتباعا لمذهب ابن عمر اهـ "وما نقل" عن

ص: 34

قوم منهم ابن سريج من الشافعية ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين: أن معناه قدروه بحساب منازل القمر وسيره، فإن ذلك يدل على أن الشهر تسعة وعشرون يوما أو ثلاثون "غير مسلم" قال ابن عبد البرّ لا يصح عن مطرّف، وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه فى مثل هذا "وما حكاه" ابن سريج عن الشافعى أنه قال: من تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ويجزئه "رده" ابن عبد البر فقال والذى عندنا فى كتبه "يعنى الشافعى" أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما، وهذا مذهب جمهور الفقهاء اهـ وقال ونقل ابن خويز منداد عن الشافعى مسألة ابن سريج، والمعروف عن الشافعى ما عليه الجمهور "وما نقل" عن ابن سريج: أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وأن قوله فأكملوا العدة خطاب للعامة "رده ابن العربى" قال فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وهذا بعيد عن النبلاء اهـ أقول بل هو بعيد عن الصواب لأن الشارع إنما علق الصيام على الرؤية أو إكمال العدد، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" ولذا قال الرملى فى شرحه على المنهاج عند قول المصنف "يجب صوم رمضان بإكمال شعبان ثلاثين أو رؤية الهلال أو ثبوتها بعدل شهادة" شمل قول المصنف "أو ثبوتها بعدل شهادة" ما لو شهد عدل برؤية الهلال ودل كلام الحسّاب على عدم إمكان الرؤية فى تلك الليلة وانضم إلى قول الحساب أن القمر غاب الليلة الثالثة من الرؤية قبل دخول وقت العشاء "أى على خلاف العادة" لأن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية وهو كذلك كما أفتى به الوالد اهـ وقال أيضا: وفهم من كلامه "أى المصنف" عدم وجوب الصوم يقول المنجم بل لا يجوز، نعم له أن يعمل بحسابه ويجزئه عن فرضه على المعتمد، وإن وقع فى المجموع عدم إجزائه عنه اهـ ويرد قوله: نعم له أن يعمل بحسابه الخ أن قواعد الشرع تأبى ذلك كما قال إمام الحرمين: اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين وقواعد الشرع تأبى ذلك اهـ ولذا كتب الرشيدى عليه ما نصه "قوله نعم له أن يعمل بحسابه" أى الدال على وجود الشهر وإن دل على عدم إمكان الرؤية كما هو مصرح به فى كلام والده. وهو فى غاية الإشكال لأن الشارع إنما أوجب علينا الصوم بالرؤية لا بوجود الشهر، ويلزم عليه أنه إذا دخل الشهر فى أثناء النهار أنه يجب الإمساك من وقت دخوله، ولا أظن الأصحاب يوافقون على ذلك اهـ وقوله يجزئه عن فرضه على المعتمد. الذي اعتمده فى شرح الإرشاد عدم الإجزاء ونصه: ولا يجوز اعتماد قول منجم ولا حاسب وإن عملا بحساب أنفسهما لم يجزئهما عن فرضهما على المعتمد وإن صوب جمع خلافه اهـ وقد علمت النص عن الرملى بأن الشارع ألغى الحساب بالكلية وعزاه إلى والده. وإجماع المجتهدين على ذلك. فالحق ما فى المجموع

ص: 35

نحوه من عدم الإجزاء موافقة لقول وفعل وصاحب الشريعة صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. وقال البرماوى عند قول المصنف "أو رؤية هلال" أى لا بواسطة نحو مرآة ولا عبرة برؤيا نائم له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائلًا له: إن غدا من رمضان أو نحوه من سائر المرائى لأن النائم لا يضبط وإن كانت الرؤيا حقا. ويثبت أيضًا بالاجتهاد فى حق الأسير ونحوه لا مطلقا. ولا يجوز اعتماد قول منجم ولا حاسب، نعم لهما أن يعملا بحسابهما ويجزئهما عن فرضهما على المعتمد. ويجب علي غيرهما إذا اعتقد صدقهما اهـ وقد علمت ما فى قوله نعم لهما أن يعملا بحسابهما "أما قوله" ويجب على غيرهما إذا اعتقد صدقهما "فمردوده" بقوله فى أول كلامه "لا يثبت الشهر إذا رؤى الهلال بواسطة المرآة ونحوها" فإنه لا فرق بين التصديق المرتب على الحساب والتصديق المرتب على رؤية الهلال بواسطة نحو مرآة بل رؤية الهلال بذك أقوى. وكذلك إخبار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شخصا فى النوم أن غدا من رمضان، فإنه يقع فى القلب صدق ما دلت عليه الرؤيا صدقًا أقوى وأتم من إخبار الحاسب. وروى ابن نافع عن مالك فى الإمام الذى يعتمد علي الحساب لا يقتدى به ولا يتبع اهـ وقال ابن دقيق العيد: الحساب لا يجوز الاعتماد عليه فى الصيام اهـ وقال النووى فى شرح مسلم قال المازرى: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فاقدروا له" على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره فى حديث آخر. قالوا ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد. والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم اهـ وقال ابن المنذر فى الأشراف صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة. وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهيته اهـ فقد أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجًا بالاجماع قبله. وقال فى الدر المختار: ولا عبرة بقول الموقتين ولو عدولا علي المذهب اهـ وكتب عليه ابن عابدين ما نصه: قوله ولا عبرة بقول الموقتين. أى فى وجوب الصوم على الناس، بل فى المعراج لا يعتبر قولهم بالاجماع، ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه. وفى النهر فلا يلزم بقول الموقتين إن الهلال يكون فى السماء ليلة كذا وإن كانوا عدولا فى الصحيح كما فى الايضاح اهـ (فتحصل) مما ذكر أنه لا يعول على حساب ولا تنجيم لا فى صيام ولا فى إفطار ولو بالنسبة إلى نفس الحاسب والمنجم، بل لا بد فى ذلك من الرؤية أو إكمال العدد ثلاثين يوما كما هو صريح قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا. رواه أحمد والترمذى مرفوعًا من حديث أبى هريرة. ويأتى للمصنف مختصرًا في "باب فيمن يصل شعبان برمضان" خلافًا لمن زعم أن الحديث المذكور لا يدل على إناطة ثبوت صحة الصوم والإفطار برؤية الهلال وقال: المقصود العلم أو

ص: 36

الظن بدخول الشهر وخروجه وغفل عن كون الشارع لم يجعل الحساب ولا التنجيم طريقا معولا عليه فى حصول العلم أو الظن بدخول الشهر أو خروجه حتى يصح الصيام أو الإفطار حينئذ ولو كان المقصود من الحديث العلم أو الظن بدخول الشهر أو خروجه كما زعم لقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صوموا لعلمكم أو ظنكم بدخول الشهر أو خروجه مثلا. وحسبك فى إبطال العمل بالحساب والتنجيم قوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. رواه أحمد والحاكم. وقال فى روح البيان فى تفسير قوله تعالى {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ما نصه: ومن أحاديث المصابيح من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر اهـ

(قوله قال فكان ابن عمر الخ) أى قال نافع كان عبد الله بن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوما بعث من ينظر الهلال ، "فقد كف بصره أخيرًا"، فإن ثبتت رؤيته أصبح صائما ، وإن لم يثبت ولم يمنع من ذلك غيم ولا قترة "بفتحتين أى غبار" أصبح مفطرا ، وإن منع من رؤية الهلال سحاب أو غبار أصبح صائما لاحتمال أن الهلال مستور تحت السحاب أو الغبار. ووافق ابن عمر على هذا أحمد فى رواية وطائفة. وقال ابو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري والأوزاعي: لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عن غيره، لقول مالك فى الموطأ: سمعت أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به صيام رمضان، ولا يرون بصيامه تطوعا بأسًا. قال مالك وهذا الأمر عندنا والذى أدركت عليه أهل العلم ببلدنا اهـ فلعل ابن عمر كان يصومه تطوعا، ويبعد أن يصومه عن رمضان وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صومه كما سيأتى فى "باب كراهية صوم يوم الشك" وقال الشافعى لا يجوز صومه عن أداء رمضان ولا نفلا مطلقا، ويجوز صومه قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة، وهو رواية عن أحمد. وقال الحسن البصرى وابن سيرين والشعبى الناس فيه تبع للإمام: إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا، وهو رواية عن أحمد أيضا

(قوله قال وكان ابن عمر يفطر مع الناس الخ) وفى نسخة قال فكان الخ. أى كان ابن عمر يصوم إذا لم ير الهلال لغيم ونحوه فى آخر شعبان احتياطا للصوم، ولا يأخذ بهذا فى آخر رمضان، فكان إذا لم ير الهلال بعد الثلاثين منه لنحو غيم يصبح صائما احتياطا ولا يفطر إلا مع الناس ولا يعمل على حساب نفسه ولو زاد صيامه على الثلاثين. ويكون الزائد تطوعا

(فقه الحديث) دل الحديث على أن الشهر يكون تاما ويكون ناقصا. وعلى أن وجوب الصوم والإفطار إنما يتعلقان برؤية الهلال أو تمام العدد ثلاثين لا فرق بين حالة الصحو والغيم خلافا لابن عمر ومن تبعه الذين فرقوا بينهما لشبهة فى المراد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى

ص: 37

آله وسلم "فإن غم عليكم فاقدروا له" لاحتمال أن يكون المراد منه التفرقة بين الصحو والغيم فيكون تعليق الصوم على الرؤية خاصا بالصحو، وأما الغيم فله حكم آخر. وإلى هذا ذهب أكثر الحنابلة. وقال الجمهور إنه مؤكد لما قبله وليس المراد منه التفرقة بين الصحو والغيم، ويرجحه الروايات المصرحة بإكمال العدة ثلاثين على ما تقدم بيانه. ودل أيضا على ما كان عليه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من شدة الاحتياط فى أمر العبادة

(والحديث) أخرجه أيضا احمد والدارقطنى بطوله، وأخرجه مالك والبخاري ومسلم والنسائي والدارمى بدون ذكر رأي ابن عمر

(ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنِى أَيُّوبُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. زَادَ وَإِنَّ أَحْسَنَ مَا يُقَدَّرُ لَهُ إِذَا رَأَيْنَا هِلَالَ شَعْبَانَ لِكَذَا وَكَذَا فَالصَّوْمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَذَا وَكَذَا إِلَاّ أَنْ تَرَوُا الْهِلَالَ قَبْلَ ذَلِكَ.

(ش)(عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي. تقدم بالخامس صفحة 146. و (أيوب) السختيانى

(قوله بلغنا عن رسول الله الخ) أى بلغنا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الشهر تسع وعشرون، وذكر نحو حديث ابن عمر السابق، وزاد عمر بن عبد العزيز على الحديث تفسير فاقدروا له فقال: إن أحسن ما يراد به إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، فإذا رؤى هلال شعبان لمضى تسع وعشرين ليلة من رجب فصوم رمضان يكون بعد مضى ثلاثين يوما من تلك الرؤية إلا أن يرى هلاله قبل ذلك يعنى بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان، وهذا التفسير ما تفيده الروايات الكثيرة المشار إليها سابقا وما عليه الجمهور

(قوله وإن أحسن ما يقدر له إذا رأينا الخ) وفى نسخة أنا إذا رأينا

(قوله وكذا إلا أن تروا الهلال) وفى نسخة إلا أن يروا الهلال

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنِ ابْنِ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ضِرَارٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَا صُمْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

ص: 38

وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمْنَا مَعَهُ ثَلَاثِينَ.

(ش)(رجال الحديث)(ابن أبى زائدة) يحيى بن زكريا بن أبى زائدة. و (عيسى ابن دينار) الخزاعى أبو على الكوفى. روى عن أبيه وجعفر وعبد الله ابنى على بن الحسين وآخرين وعنه وكيع وابن المبارك وأبو نعيم وابن قتيبة وغيرهم. قال أحمد لا بأس به ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق عزيز الحديث وذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والترمذى والبخارى فى الأدب. و (أبوه) دينار الكوفى مولى عمرو بن الحارث. روى عن مولاه. وعنه ابنه عيسى ذكره ابن حبان فى الثقات وفى التقريب مقبول من الثالثة: روى له أبو داود والترمذى. و (عمرو ابن الحارث بن أبى ضرار) بكسر الضاد ابن حبيب المصطلقى أخو جويرية زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صحابى. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه وابن مسعود. وعنه مولاه دينار وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبو إسحاق السبيعى وغيرهم. وهو غير عمرو بن الحارث الثقفى على الراجح. روى له الجماعة (المعنى)

(قوله لما صمنا مع النبي الخ) اللام واقعة فى جواب قسم مقدر وما مصدرية أو موصولة، أى والله لصومنا معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهر رمضان تسعا وعشرين أكثر من صيامنا معه له ثلاثين يوما أو للذى صمناه مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ وفى رواية الترمذى إسقاط لام القسم. وفى هذا دلالة على أن الغالب فى شهر رمضان أن يكون تسعة وعشرين يوما

(والحديث) أخرجه أيضا الترمذى بسند المصنف، والدارقطنى من طريق عبد الأعلى بن أبى المشاور عن حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود. وقال: عبد الأعلى بن أبى المشاور متروك. وأخرجه عن عائشة قالت: قيل لها يا أم المؤمنين أيكون شهر رمضان تسعا وعشرين؟ فقالت ما صمت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمت ثلاثين. وقال إسناده صحيح حسن. وأخرجه أحمد عن عائشة بإسناد جيد

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ.

(ش)(قوله حدثهم) أى أن يزيد بن زريع حدّث مسددا وغيره من التلاميذ فقال حدثنا خالد الخ

(قوله شهرا عيد لا ينقصان الخ) أى لا ينقص أحدهما عن الآخر فى الثواب

ص: 39

والأجر وإن كانا ناقصين فى العدد. وقيل المراد منه تفضيل العمل فى ذى الحجة وبيان أنه لا ينقص فى الأجر والثواب عن شهر رمضان. وقيل معناه أنهما لا يكادان يوجدان فى سنة واحدة ناقصين بل إن كان أحدهما تسعا وعشرين كان الآخر ثلاثين، وهذا بالنظر للغالب وإلا فقد يجتمع نقصانهما فى سنة واحدة. هذا. ورمضان وذى الحجة بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أى أحدهما رمضان والآخر ذو الحجة. أو بدل أو عطف بيان من قوله شهرا عيد. وأطلق على رمضان شهر عيد مع أن العيد فى شوال لقربه منه كما فى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "المغرب وتر النهار" أخرجه الترمذى عن ابن عمر. فسميت المغرب وترا للنهار لقربها منه. وخص هذين الشهرين بالذكر لوقوع الصيام فى أحدهما والحج فى الآخر، وليس المراد أن ثواب الطاعة فى غيرهما يكون ناقصا ، بل المراد أن كل ما ورد فيهما من الفضائل والأحكام يحصل ثوابه كاملا سواء أكان رمضان تاما أم ناقصا وسواء أصادف الوقوف بعرفة اليوم التاسع أم غيره، وهذا محله إذا لم يحصل تقصير فى طلب الهلال. والغرض من الحديث رفع ما يقع فى القلوب من توهم نقص فى الثواب لمن صام رمضان تسعة وعشرين يوما أو عدم إجزاء الوقوف بعرفة فى يوم غير يوم عرفة بأن غم هلال ذى الحجة ووقع الغلط فيه بزيادة يوم أو نقصانه فيقع وقوفهم بعرفة فى الثامن أو العاشر منه، فأجر من وقف حينئذ لا ينقص عن أجر من وقف بلا غلط والحج صحيح إذا لم يتبين خطؤهم، وكذا إن تبين أنهم وقفوا اليوم العاشر. أما إن تبين وقوفهم يوم الثامن فلا يجزئهم وعليهم إعادة الوقوف من الغد إن أمكنهم، وإلا فاتهم الحج كمن التبست عليه الشهور فصام شهر أظنه رمضان ثم تبين له أنه بعده فإنه يصح صومه عن رمضان ويكون قضاء وإن تبين أنه قبل رمضان فلا يجزئه. وكمن اجتهد وصلى ثم تبين أنه صلى قبل الوقت فلا تجزئه صلاته

(فقه الحديث) دل الحديث على تساوى الشهر الكامل والناقص فى الثواب، فقولهم إن الجزاء على قدر المشقة أغلى

(والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم وابن ماجه والطحاوى والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن، وقد روي عن عبد الرحمن ابن أبى بكرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا اهـ وأخرجه أحمد بلفظ شهران لا ينقصان فى كل واحد منهما عيد. رمضان وذو الحجة

باب إذا أخطأ القوم الهلال

أي إذا غم عليهم الهلال فلم يروه ليلة الثلاثين من شعبان أو رمضان فأصبحوا مفطرين فى الأول وصائمين فى الثانى ثم تبين أن الشهر تسعة وعشرون، فلا إثم عليهم فى ذلك وإن لزمهم قضاء يوم فى الصورة الأولى

ص: 40

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادٌ فِى حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ذَكَرَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِيهِ قَالَ: وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ.

(ش)(قوله فى حديث أيوب) أى حدثنا حماد بن زيد ببعض حديث أيوب، فإن حديث أيوب أنم مما هنا. ولفظه كما فى الدارقطنى: حدثنا ابن مرداس ثنا أبو داود ثنا محمد بن عبيد ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين. فطركم يوم تفطرون (الحديث)

(قوله ذكر النبي الخ) أى ذكر حماد بن زيد فى حديث أيوب أنه مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد روى الدارقطنى الحديث أولا عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبى هريرة موقوفا عليه. وكذا رواه عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ثم قال رواه حماد بن زيد عن أيوب رفعه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله وفطركم يوم تفطرون) معطوف على محذوف هو قوله فى رواية الدارقطنى، فإن غم عليكم الخ وهذا هو المقصود من الترجمة، وفى رواية الترمذى: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون: والأضحى يوم تضحون. قال الترمذى فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس اهـ وقيل المراد به الإشارة إلى أن يوم الشك لا يصام لأنه ليس يوم صيام الناس، وأن من رأى هلال شوال وردّت شهادته لسبب ما لا يفطر بناء علي رؤيته لأن الناس لم يفطروا فى هذا اليوم

(قوله وأضحاكم يوم تضحون) أى ويوم عيد الأضحى هو اليوم الذى ينحر فيه الناس ضحاياهم، فمن رأى هلال ذى الحجة بعد غروب شمس التاسع والعشرين من ذى القعدة وردّ القاضى قوله فليس له أن يضحى قبل الناس بيوم بناء على رؤيته

(قوله وكل عرفة موقف) أى كل موضع بها يكفي الوقوف به للحاج ولو لحظة من زوال شمس يوم تاسع ذى الحجة إلى فجر يوم النحر. ولا يختص ذلك بالمكان الذى وقف فيه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو قرب الصخرات الكبار عند جبل الرحمة. ويستثنى من ذلك بطن عرنة "بضم ففتح واد غرب عرفة" لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله تعال عليه وعلي آله وسلم قال: عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر. رواه مالك والطبرانى والحاكم

(قوله وكل منى منحر) أى مكان صالح لنحر

ص: 41