الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معمر عند البخاري لصفية "لا تعجلى حتى أنصرف معك" وقوله في رواية عبد الرزاق لصفية "أقلبك إلى بيتك فذهب معها حتى أدخلها بيتها" صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من المسجد. وترجمة البخاري لا تنافي ما ذكر.
باب المعتكف يعود المريض
أيجوز أم لا؟ والعيادة الزيارة
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَا نَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ أَبِى سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النُّفَيْلِىُّ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عِيسَى قَالَتْ: إِنْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ.
(ش)(قوله فيمر كماهو ولا يعرج يسأل عنه) من التعريج وهو الإقامة تعنى أنه كان يعود المريض بالسؤال عنه إذا مر عليه ولا يقوم عنده. وهذا لفظ النفيلى: وفيه دليل على أنه ينبغى للمعتكف إذا خرج لحاجته ومرّ على مريض أن يسأل عنه ولا يقف عنده
(قوله وقال ابن عيسى الخ) أي قال محمد بن عيسى الطباع في روايته: قالت عائشة إن كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعود المريض الخ وإن مخففة من الثقيلة والمعنى أن الحال والشأن أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعود المريض وهو معتكف. والمراد بالعيادة السؤال عنه لا حقيقتها التى هى الزيارة. ويحتمل أن إن نافية بمعنى ما أى ما كان يعود المريض وهو معتكف ولكن كان إذا مر به يسأل عنه. فلا تنافي بين روايتى النفيلى وابن الطباع.
(والحديث) أخرجه أيضا البيهقى وهو ضعيف لأن في إسناده الليث بن أبي سليم وفيه مقال كما تقدم
(ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا خَالِدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِى ابْنَ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَلَّا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَاّ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَلَا اعْتِكَافَ إِلَاّ بِصَوْمٍ
وَلَا اعْتِكَافَ إِلَاّ فِى مَسْجِدٍ جَامِعٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهِ قَالَتِ السُّنَّةُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: جَعَلَهُ قَوْلَ عَائِشَةَ.
(ش)(خالد) بن عبد الله الواسطى
(قوله السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة) قال الخطابي: أرادت بقولها لا يعود مريضا أي لا يخرج من معتكفه قاصدا عيادته ويضيق عليه أن يمر به فيسأل عنه غير معرج عليه كما ذكرته عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث القاسم بن محمد اهـ بتصرف. وبظاهره أخذ مالك وقال لا يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض ولا لتشييع الجنازة ولا للصلاة عليها ولو تعينت، فإن خرج بطل اعتكافه. ولو مرض أحد أبويه أو هما خرج وبطل اعتكافه ولا إثم عليه، لأن في عدم خروجه عقوقا. أما جنازتهما معا فلا يخرج على مشهور المذهب بخلاف جنازة أحدهما فيخرج لئلا يكون عدم خروجه عقوقا للحي منهما. وهو قول عطاء والزهري وعروة ومجاهد وفرّقت الحنفية بين الاعتكاف المستحب والمسنون والواجب ففي الأخيرين يحرم الخروج من معتكفه ليلا أو نهارا إلا لحاجة "شرعية" كصلاة جمعة وعيد أو "طبيعية" كالطهارة ومقدّماتها من البول والغائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام أو "لحاجة ضرورية" كانهدام المسجد وإخراج ظالم كرها وخوف على نفسه أو ماله من ظالم فلا يفسد اعتكافه ولا يحرم عليه الخروج (أما) لو خرج لعيادة مريض أو شهود جنازة وإن تعينت عليه أو لإنقاذ غريق أو حريق أو جهاد تعين عليه فإنه يفسد اعتكافه ولا إثم عليه (أما) الاعتكاف المستحب فهو غير مقدَّر بمدَّة. فمن دخل المسجد ناويا الاعتكاف فهو معتكف مدّة وجوده في المسجد تاركا له إذا خرج. وفرقت الشافعية بين المنذور وغيره فالمنذور لا يجوز الخروج منه إلا لحاجة ضرورية كالأكل والبول والغائط فلا يجوز الخروج منه لعيادة المريض وشهود جنازة لم تتعين عليه، فإن تعينت خرج. وإذا خرج لما يجوز له الخروج فسأل في طريقه عن المريض ولم يعرج عليه لا ينقطع اعتكافه المنذور. أما غير المنذور فيجوز الخروج منه لعيادة المريض ونحوها (وقالت) الحنابلة إذا كان الاعتكاف واجبا لا يخرج لعيادة مريض ولا جنازة ولا غيرهما إلا إن شرط ذلك فيجوز. وإن كان غير واجب جاز له الخروج لأن كل واحد منهما تطوع. والأفضل المقام على اعتكافه، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعرج على المريض ولم يكن واجبا عليه. وإن خرج لما لا بد منه فسأل عن المريض في طريقه ولم يعرج جاز لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك (قال) في المغنى إذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه إن قعد في المسجد أو على ماله نهبا أو حريقها فله ترك الاعتكاف والخروج، لأن هذا مما أباح الله تعالى لأجله ترك الواجب بأصل الشرع وهو
الجمعة والجماعة، فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه. وكذلك إن تعذر عليه المقام في المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو لسلس البول أو الإغماء أو لا يمكنه المقام إلا بمشقة شديدة مثل أن يحتاج إلى خدمة وفراش فله الخروج. وإن كان المرض خفيفا كالصداع ووجع الضرس ونحوهما، فليس له الخروج فإن خرج بطل اعتكافه. وله الخروج إلى ما يتعين عليه من الواجب مثل الخروج في النفير إذا عم، أو حضر عدو يخافون كلبه واحتيج إلى خروج المعتكف لزمه الخروج، لأنه واجب متعين فلزم الخروج إليه كالخروج إلى الجمعة وإذا خرج ثم زال عذره نظرنا. فإن كان تطوعا فهو مخير إن شاء رجع إلى معتكفه وإن شاء لم يرجع. وإن كان واجبًا رجع إلى معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه. ثم لا يخلو النذر من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون نذر اعتكافًا في أيام غير متتابعة ولا معينة، فهذا لا يلزمه قضاء، بل يتم ما بقى عليه، لكنه يبتدئ اليوم الذى خرج فيه من أوّله ليكون متتابعا ولا كفارة عليه، لأنه أتى بما نذر على وجهه فلا يلزمه كفارة كما لو لم يخرج (الثاني) نذر أياما معينة كشهر رمضان فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين بمنزلة تركه المنذور في وقته. ويحتمل ألا يلزمه كفارة على ما سنذكره إن شاء الله (الثالث) نذر أياما متتابعة فهو مخير بين البناء والقضاء والتكفير وبين الابتداء ولا كفارة عليه لأنه يأتى بالمنذور على وجهه فلم يلزمه كفارة كما لو أتى به من غير أن يسبقه الاعتكاف الذى قطعه. ثم قال والمعتكف لا يتجر ولا يتكسب بالصنعة (وجملته) أن المعتكف لا يجوز له أن يبيع ولا يشترى إلا ما لا بد له منه. قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول: المعتكف لا يبيع ولا يشترى إلا ما لا بد له منه طعام أو نحو ذلك. فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز شئ من ذلك (وقال الشافعى) لا بأس أن يبيع ويشترى ويخيط ويتحدّث ما لم يكن مأثما (ولنا) ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد. رواه الترمذى وقال حديث حسن. ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد فقال: ياهذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففي أولى فأما الصنعة فظاهر كلام الخرقى أنه لا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما يعمله لنفسه كخياطة قميصه ونحوه. وقد روى المروزي قال سألت أبا عبد الله عن المعتكف ترى له أن يخيط؟ قال لا ينبغى له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل. وقال القاضى لا تجوز الخياطة في المسجد سواء أكان محتاجًا إليها أم لم يكن قل أم كثير، لأن ذلك معيشة تشغل عن الاعتكاف فأشبه البيع والشراء فيه. والأولى أن يباح له ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيرا مثل أن ينشق قميصه فيخيطه، أو ينحل شئ يحتاج إلى ربط فيربطه، لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه، فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته وخلعهما اهـ وقال ابن حزم كل فرض على المسلم فإن الاعتكاف لا يمنع منه
وعليه أن يخرج إليه ولا يضر ذلك باعتكافه، وكذلك يخرج لحاجة الإنسان من البول والغائط وغسل النجاسة وغسل الاحتلام وغسل الجمعة ومن الحيض إن شاء في حمام أو في غير حمام، ولا يتردد "لذلك" أكثر من تمام غسله وقضاء حاجته، فإن فعل بطل اعتكافه، وكذلك يخرج لابتياع ما لا بد له ولأهله منه من الأكل واللباس، ولا يتردد على غير ذلك. فإن تردد بلا ضرورة بطل اعتكافه وله أن يشيع أهله إلى منزلها. وإنما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه. وقد افترض الله تعالى على المسلم ما رويناه من طريق البخارى. أن أباهريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" وأمر عليه الصلاة والسلام من دعى إن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل بمعنى أن يدعو لهم. وقال تعالى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وقال تعالى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} وقال تعالى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف. وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن. قال الله تعالى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ففرض على المعتكف أن يخرج لعيادة المريض مرة واحدة يسأل عن حاله واقفا وينصرف، لأن ما زاد على هذا فليس من الفرض، وإنماهو تطويل فهو يبطل الاعتكاف. وكذلك يخرج لشهود الجنازة، فإذا صلى عليه انصرف، لأنه قد أدى الفرض، وما زاد فليس فرضا. وهو به خارج عن الاعتكاف. وفرض عليه أن يخرج إذا دعي فإن كان صائما بلغ إلى دار الداعى ودعا وانصرف ولا يزد على ذلك. وفرض عليه أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة، فإذا سلم رجع. فإن زاد على ذلك خرج من الاعتكاف، فإن خرج كما ذكرنا ثم رأى أن في الوقت فسحة، فإن علم أنه إن رجع إلى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع وإلا فليتماد، وكذلك إن كان عليه في الرجوع حرج لقول الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وكذلك يخرج للشهادة إذا دعى سواء قبل أو لم يقبل، لأن الله تعالى أمر الشهداء بألا يأبوا إذا دعوا ولم يشترط من يقبل ممن لا يقبل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . فإذا أداها رجع إلى معتكفه ولا يتردد، فإن تردد بطل اعتكافه. وإن نزل عدو كافر أو ظالم بساحة موضعه فإن اضطر إلى النفار نفر وقاتل، فإذا استغنى عنه رجع إلى معتكفه. فإن تردد لغير ضرورة بطل اعتكافه. وهذا كله قول أبي سليمان وأصحابنا. وروينا من طريق سعيد بن منصور إلى عاصم بن ضمرة قال: قال على بن أبي طالب: إذا عتكف الرجل فليشهد الجمعة، وليحضر الجنازة، وليعد المريض، وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم. قال: وروينا من طريق سعيد بن منصور أيضا إلى عمار بن عبد الله بن يسار عن أبيه أن على بن أبي طالب أعان ابن أخته جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشترى بها خادما فقال: إنى كنت معتكفا. فقال له على: وما
عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت. وروينا من طريقه إلى عمرة عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا تعود المريض من أهلها إذا كانت معتكفة إلا وهى مارة. وروينا من طريقه أيضا إلى إبراهيم النخعى قال: كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال وهن له وإن لم يشترط. قال إبراهيم: ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة. وروينا من طريقه أيضا إلى سعيد بن جبير قال: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة ويجيب الإمام. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه كان يرخص للمعتكف أن يتبع الجنازة ويعود المريض ولا يجلس. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: المعتكف يدخل الباب يعود المريض فيسلم ولا يقعد. وكان لا يرى بأسا إذا خرج المعتكف لحاجته فلقيه رجل، فسأله أن يقف عليه فيسائله. قال أبو محمد "يعنى ابن حزم" إن اضطر إلى ذلك أو سأله عن سنة من الدين "أى يقف لإجابته" وإلا فلا. وروينا من طريق شعبة عن أبي إسحاق الشيبانى عن سعيد بن جبير قال: للمعتكف أن يعود المريض ويتبع الجنازة ويأتى الجمعة ويجيب الداعى. ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: إن نذر جوارا أينوى في نفسه أنه لا يصوم وأنه يبيع ويبتاع ويأتى الأسواق ويعود المريض ويتبع الجنازة. وإن كان مطر فإنى أستكن في البيت، وإنى أجاور جوارا منقطعا، أو أن يعتكف النهار ويأتى البيت بالليل؟ قال عطاء: ذلك على نيته ما كانت ذلك له وهو قول قتادة أيضا. وروينا عن سفيان الثورى أنه قال: المعتكف يعود المرضى ويخرج إلى الجمعة ويشهد الجنائز. وهو قول الحسن بن حيى. وروينا عن مجاهد وعطاء وعروة والزهري لا يعود المعتكف مريضا ولا يشهد الجنازة. وهو قول مالك والليث. قال مالك لا يخرج إلى الجمعة قال أبو محمد: هذا مكان صح فيه عن على وعائشة ما أوردنا، ولا مخالف لهما يعرف من الصحابة. ثم ذكر بسنده حديث صفية المتقدم للمصنف، وقال في هذا كفاية. وما نعلم لمن منع من كل ما ذكرنا حجة لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ولا قياس اهـ بتصرف
(قوله ولا يمس امرأة) أي ولا يفضى بيده إلى امرأة بشهوة. أما بغير شهوة فلا بأس لما تقدم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخرج إليها رأسه فتغسله وتسرحه. فإن كان بشهوة حرم عند الأئمة الأربعة وفسد اعتكافه وإن لم ينزل عند مالك، وهو قول للشافعى، وقال أبو حنيفة لا يفسد إلا إن أنزل وهو مشهور مذهب الشافعى. وقال عطاء لا يبطل الاعتكاف بالمس مطلقا أنزل أو لم ينزل. واختاره ابن المنذر والمحاملى وأبو الطيب. ولا يفسد اعتكافة بنظر أو فكر وإن أنزل خلافا للمالكية
(قوله ولا يباشرها) المباشرة في الأصل التقاء البشرتين. والمراد بهاهنا الجماع بقرينة ذكر المس قبله، ولأنه المراد بقوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فإنه نهى لمن كان يخرج وهو معتكف فيجامع ويعود. واتفقوا على أن الجماع
يفسد الاعتكاف إن كان عمدا. وإن كان عن نسيان فكذلك عند أبي حنيفة ومالك وأحمد. وقال الشافعى لا يفسد لأنه لا يفسد الصوم فكذلك لا يفسد الاعتكاف. وإذا فسد اعتكافه لزمه القضاء إن كان واجبا ولا كفارة عليه، وهو قول عطاء والنخعى وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثورى والأوزاعى ومشهور مذهب أحمد. وذهب الزهرى والحسن إلى أن من أفسد اعتكافه بالوطء يلزمه كفارة ظهار. قال في المغنى: وهو اختيار القاضى ورواية عن أحمد اهـ
(قوله ولا يخرج لحاجة إلا ما لا بد منه) كالغائط والبول وتقدم بيانه
(قوله ولا اعتكاف إلا بصوم) فيه اشتراط الصوم في الاعتكاف. وبه قال مالك سواء أكان الاعتكاف واجبا أم لا ويدل له أيضا ما في الحديث الآتى أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: اعتكف وصم. ولم يرو عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن اعتكف بلا صوم. وهو قول ابن عمر وابن عباس وعائشة والزهرى والليث والثورى والحسن بن حيى ورواية عن أحمد. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان الاعتكاف منذورا كان الصوم ركنا فيه وإلا فلا. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن الصوم شرط في الاعتكاف مطلقا لإطلاق حديث الباب. واختاره ابن الهمام كما تقدّم، وقال الشافعى وأحمد ليس الصوم شرطا فى الاعتكاف إلا إن نذر الصوم فيه. واستدلا بما رواه الشيخان أن عمر قال يا رسول الله: إنى نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أوف بنذرك ولو كان الصوم شرطا فيه لما صح اعتكاف الليل، لأنه لا صيام فيه. وبما رواه الدارقطنى والحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه. ولأنه عبادة تصح بالليل فلا يشترط له الصيام كالصلاة. ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نص ولا إجماع. وبصحة الاعتكاف بدون صوم قال على وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق. قال في سبل السلام: أما اشتراط الصوم في الاعتكاف ففيه خلاف. وهذا الحديث الموقوف "يعنى حديث الباب" دل على اشتراطه وفيه أحاديث (منها) في نفي شرطيته (ومنها) في إثباته والكل لا ينهض حجة. إلا أن الاعتكاف عرف من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يعتكف إلا صائما، واعتكافه في العشر الأول من شوال. الظاهر أنه صامها ولم يعتكف إلا من ثانى شوال لأن يوم العيد يوم شغله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة والخطبة والخروج إلى الجبانة. إلا أنه لا يقوم بمجرد الفعل حجة على الاشتراط اهـ والجبانة المصلى في الصحراء. وقد تطلق على المقبرة. وغرضه تقوية عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف. وهو الأولى وحديث عمر الآتى ضعيف لأنه تفرد به عبد الله بن بديل وفيه مقال. وقال النيسابورى حديث منكر. والنفى فى
الحديث للكمال لحديث الدارقطنى المتقدم عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه. قال ابن حزم ليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم. واعتكاف يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق حسن. وكذلك اعتكاف ليلة بلا يوم لا يوم بلا ليلة. روينا عن الحكم عن مقسم أن عليا وابن مسعود قالا جميعا: المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه. وذكر بسنده إلى أبي سهيل بن مالك قال: اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأتى اعتكاف ثلاث فى المسجد الحرام. فقال ابن شهاب: لا يكون اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر بن عبد العزيز: أمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال لا. قال فمن أبي بكر؟ قال لا. قال فمن عمر؟ قال لا. قال فمن عثمان؟ قال لا. قال أبو سهيل: فانصرفت فلقيت طاوسا وعطاء فسألتهما عن ذلك، قال طاوس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه، قال عطاء: ذلك رأيي. قال وصح عن طاوس وابن عباس خلاف ذلك. ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعى قال: المعتكف إن شاء لم يصم. ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبدة عن سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن قال: ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب ذلك على نفسه. اهـ ببعض تصرف
(قوله ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) فيه دليل لمن قال باشتراط المسجد الجامع الذى تقام فيه الجمعة والجماعة للاعتكاف وتقدم تمام الكلام عليه
(قوله قال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه الخ) يعنى أن كل من روى الحديث عن الزهرى لم يقل فى روايته "السنة" إلا عبد الرحمن بن إسحاق. فعلى روايته يكون الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى رواية غيره يكون موقوفا على عائشة قال الخطابي: قولها السنة إن كانت أرادت بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولا أو فعلا. فهى نصوص لا يجوز خلافها، وإن كانت أرادت به الفتيا على معنى ما عقلت من السنة، فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور. والصحابة إذا اختلفوا في مسألة كان سبيلها النظر. على أنّ أبا داود قد ذكر على إثر هذا الحديث أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه إنها قالت السنة. فدل ذلك على احتمال أن يكون ما قالته فتوى منها وليس برواية عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ لكن "دعوى المصنف" أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه إنها قالت السنة "غير مسلمة" فقد روى الحديث البيهقى من طريق الليث عن عقيل عن ابن شهاب وفيه يباشرها. ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" وأخرجه الدارقطنى عن عبد الملك بن جريج عن محمد بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عروة بن الزبير عن عائشة
أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكفهن أزواجه من بعده، وأن السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع. ويأمر من اعتكف أن يصوم. قال الدارقطنى: يقال إن قوله وأن السنة للمعتكف ليس من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنه من كلام الزهرى، وإن من أدرجه في الحديث فقد وهم اهـ وقال الحافظ ابن حجر: الراجح وقف قوله لا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع (والحديث) أخرجه أيضا البيهقي والدارقطنى بلفظ تقدم
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اعْتَكِفْ وَصُمْ.
(ش)(الرجال)(أبو داود) الطيالسى. و (عبد الله بن بديل) بالتصغير ابن ورقاء الخزاعي. روى عن الزهري وعمرو بن دينار. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وزيد بن الحباب وأبو داود الطيالسى وغيرهم. قال ابن معين صالح، وقال ابن عدى له ما ينكر عليه من الزيادة في متن أو إسناد وفي التقريب صدوق يخطئ من الثامنة. وذكره ابن حبان في الثقات، وكذا ابن شاهين وقال مكي صالح. روى له أبو داود والنسائى والبخارى في التعاليق
(المعنى)
(قوله جعل عليه أن يعتكف الخ) يعنى نذر قبل الإسلام أن يعتكف في المسجد الحرام ليلة أو يوما بالشك. ورواية الشيخين من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال إن عمر قال يا رسول الله إنى نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال فأوف بنذرك. وفي رواية الحاكم ورواية لمسلم من طريق شعبة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر جعل عليه يوما يعتكفه. قال الحافظ في الفتح رواية اليوم شاذة اهـ وجمع ابن حبان بينهما بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة فمن أطلق اليوم أراد بليلة ومن أطلق الليلة أراد بيومها
(قوله اعتكف وصم) أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاعتكاف وفاء بنذره (والحديث) حجة لمن قال بوجوب الصيام فى الاعتكاف. وتقدم بيان المذاهب فيه (وفيه) دلالة أيضا على أن من نذر شيئا حال الكفر يلزمه الوفاء به إذا أسلم وكان ما نذره مشروعا وسيأتى تمام الكلام عليه في النذر إن شاء الله تعالى. وقال الخطابي: وفيه دليل على أن من حلف في كفره ثم أسلم فحنث تلزمه الكفارة. وبه قال الشافعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه "ومالك" لا تلزمه الكفارة
لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله. وفيه دليل على وقوع ظهار الذمى ووجوب الكفارة عليه اهـ بتصرف
(والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني وهو ضعيف لأن في سنده عبد الله بن بديل، وأخرجه البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجعرانة يا رسول الله إن على يوما أعتكفه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب فاعتكفه وصمه. وقال البيهقي عن الدارقطني تفرد به ابن بديل عن عمرو وهو ضعيف الحديث قال على "يعنى الدارقطنى" سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر لأن الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه "أي الصوم" منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد ابن زيد وغيرهم وابن بديل ضعيف الحديث اهـ. ولذا رواه البخاري ومسلم بدون ذكر الصيام فيه من عدة طرق.
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِىِّ نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِى الْعَنْقَزِىَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ مُعْتَكِفٌ إِذْ كَبَّرَ النَّاسُ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ سَبْىُ هَوَازِنَ أَعْتَقَهُمُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَتِلْكَ الْجَارِيَةُ فَأَرْسَلَهَا مَعَهُمْ.
(ش)(الرجال) (عبد الله بن عمر
…
) الأموى أبو عبد الرحمن الكوفي، روى عن أبي الأحوص وابن المبارك وعبدة بن سليمان ومحمد بن فضيل وجماعة. وعنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم والبغوى وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب صدوق فيه تشيع من العاشرة. توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين ومائتين. و (عمرو ابن محمد العنقزى) بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاى. وفي الخلاصة بكسر القاف القرشي أبو سعيد الكوفي. روى عن عيسى بن طهمان وأبي حنيفة وابن جريج وإسراءيل والثوري وجماعة. وعنه قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وعليّ بن المديني وأحمد بن عثمان بن حكيم وكثيرون. وثقه أحمد والنسائى والعجلى وقال ابن معين ليس به بأس. وفي التقريب ثقة من التاسعة. مات سنة تسع وتسعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى والبخارى في التعاليق
(المعنى)
(قوله فبينما هو يعتكف الخ) أى بين أزمان وعمر معتكف إذ ارتفعت أصوات الناس بالتكبير فقال عمر ما هذا؟ فقال ابنه إن سبى هوازن أعتقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلذلك علت أصواتهم. فقال لابنه تلك جارية عندى من سبى هوازن فأرسلها مع من أعتقوا