الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأجر فأتى أهله بتمر فقال لامرأته استبدلى بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة لعلى أن آكله فإن التمر قد أحرق جوفي، فانطلقت فاستبدلت له ثم صنعت فأبطأت عليه فنام فأيقظته، فكره أن يعصى الله ورسوله وأبى أن يأكل وأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعشى فقال مالك يا أبا قيس أمسيت طليحا؟ (أى مهزولا) فقص عليه القصة. وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم، فلما سمع عمر كلام أبي قيس رهب أن ينزل في أبي قيس شئ فتذكر هو فقام فاعتذر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنى أعوذ بالله إنى وقعت على جاريتى ولم أملك نفسى البارحة. فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كنت جديرًا بذلك يابن الخطاب، فنسخ ذلك عنهم فقال {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يقول إنكم تقعون عليهن خيانة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يقول جامعوهنّ، ورجع إلى أبي قيس فقال {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري والنسائي في الصيام والترمذي في التفسير وقال حديث حسن صحيح
باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}
أي في بيان رفع حكم هذه الآية يعنى بالآية التى بعدها: والنسخ لغة الإبطال والإزالة. وشرعا رفع حكم شرعيّ بدليل آخر، وجائز عقلا وواقع شرعا بالإجماع
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا بَكْرٌ يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِى بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا.
(ش)(عمرو بنُ الحارث) بنُ يعقوب الأنصارى. و (بكير) مصغرا ابن عبد الله بن الأشج و (يزيد مولى سلمة) هو ابن أبي عبيد
(قوله وعلى الذين يطيقونه فدية الخ) فدية مبتدأ مؤخر خبره الجار والمجرور قبله، وطعام بدل من فدية، أى ويجب على الذين يقدرون على الصوم ولا عذر لهم من سفر ونحوه إن أفطروا أن يطعموا عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من برّ أو صاعا من غيره عند الحنفية، ومدًّا عند الجمهور، وذلك أنه لما شق عليهم صوم رمضان رخص لهم هذه الآية في الإفطار مع القدرة
على الصوم، فكان من شاء صامه ومن شاء أفطر وافتدي حتى نسخ ذلك بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهى المرادة بقول المصنف حتى نزلت الآية التى بعدها فنسختها، فقد أخرج الطبرى من حديث شعبة عن عمرو بن مرة قال حدثنا أصحابنا "وفي رواية قال سمعت ابن أبي ليلى" أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم عليهم "المدينة" أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة، ثم نزل صيام رمضان، وكانوا قومًا لم يتعودوا الصيام وكان يشتد عليهم الصوم، فكان من لم يصم أطعم مسكينًا، ثم نزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكانت الرخصة للمريض والمسافر وأمرنا بالصيام. وتقدم نحوه للمصنف في "باب الأذان" من حديث طويل عن معاذ. وقيل إن الناسخ قوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} لما أخرجه البيهقى من حديث ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا أحيل الصوم على ثلاثة أحوال قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من أطعم مسكينًا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك ثم نسخه قوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأمروا بالصيام اهـ وفيه نظر لأنه إذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة لزم أن يكون الصيام واجبًا، وقوله "وأن تصوموا خير لكم" لا يدل على وجوبه بل على أنه خير من الافتداء، فهو يدل على جواز الافتداء فلا يصلح ناسخا له بل هو منسوخ أيضًا. والحديث قد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا فلا يصلح للاحتجاج به، وأجاب الكرمانى بما حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة، والخير من السنة لا يكون إلا واجبا، ولا يخفى بعده وتكلفه، فإن الفدية ليس متطوعا بها وإنما هي من قبيل الواجب المخير فيه
(فقه الحديث) دل الحديث على وقوع النسخ في القرآن. وعلى أن رمضان كان مخيرا فيه بين الصيام والافتداء. وعلى أن هذا نسخ بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فصار الصيام متعينا على القادر المقيم.
(والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائي والحاكم والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وأخرجه البخارى معلقا في الصيام وموصولا في التفسير، وأخرجه ابن جرير الطبرى في تفسيره
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِىِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فَكَانَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَدِىَ بِطَعَامِ مِسْكِينٍ افْتَدَى وَتَمَّ لَهُ صَوْمُهُ فَقَالَ {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا
خَيْرٌ لَكُمْ} وَقَالَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
(ش)(أبو علىّ) حسين بنُ واقد. تقدم بالسادس صفحة 273
(قوله وتم له صومه) أى أعطى أجر الصيام كاملا وإن كان مفطرا
(قوله فقال فمن تطوع خيرا الخ) أى بأن أطعم مسكينين أو أكثر عن كل يوم أو أطعم المسكين أكثر من القدر الواجب أو صام مع الفدية فهذا التطوع أكثر ثوابا
(قوله وأن تصوموا خير لكم) أى صومكم أيها المطيقون متحملين مشاق الصيام خير لك من الافطار والفدية، ويجوز أن يكون الخطاب شاملا للمريض والمسافر عند من يرى أن الصوم لهما أفضل، فقد رغبهم الله تعالى في الصوم ليعتادوه
(قوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} الخ) أي من كان حاضرا مقيما غير مسافر وعلم بدخول الشهر فليصم، ومن كان مريضا مرضا يشق معه الصوم أو كان مسافرا سفر قصر فأفطر فعليه صوم عدَّة ما أفطر من أيام أخر غير أيام شهر رمضان (وفي الحديث) دلالة على أن الله تعالى لما فرض صيام رمضان على الأمة وشق عليهم لكونهم لم يعتادوه، خيرهم بين الفدية والصيام تسهيلا عليهم ثم رغبهم في الصيام بقوله "وأن تصوموا خير لكم" فلما اعتادوه وألفته نفوسهم أوجب الصيام على الصحيح المقيم بقوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وبقى الترخيص في الفطر للمريض والمسافر. فمن أفطر منهما ثم صح أو أقام لزمه قضاء ما أفطر (وظاهر هذا الحديث) أن ابن عباس يقول بنسخ قوله تعالى "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" ولكن ينافيه ما رواه البخارى عن عطاء سمع ابن عباس يقول: وعلى الذين يطوقونه "بضم المثناة التحتية وفتح الواو المشددة بالبناء للمفعول" فدية طعام مسكين قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا اهـ ويمكن الجمع بين روايتى البخارى والمصنف بأن قوله في رواية المصنف يطيقونه "بضم المثناة التحتية وفتح الطاء المهملة وتشديد التحتية المفتوحة مبنيا للمفعول" من طيق "أصله طيوق" لا من أطاق يطيق: يدل عليه ما أخرجه السيوطى في الدرّ المنثور قال: أخرج ابن جرير وابن الأنبارى عن ابن عباس أنه قرأ وعلى الذين يطيقونه قال يكلفونه. أو أن المراد بقول ابن عباس في رواية البخارى ليست بمنسوخة يعنى في حق الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، فأما في حق غيرهم فهى منسوخة. يؤيده ما ذكره السيوطى في الدرّ المنثور: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ثم نزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فنسخت الأولى إلا الفانى إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر اهـ