المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب مبدأ فرض الصيام - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١٠

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌باب في صلة الرحم

- ‌باب في الشح

- ‌ التحذير من البخل

- ‌كتاب الصيام

- ‌حكمة مشروعيته

- ‌باب مبدأ فرض الصيام

- ‌باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى

- ‌باب الشهر يكون تسعا وعشرين

- ‌باب إذا أغمى الشهر

- ‌باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين

- ‌باب فى التقدم

- ‌باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

- ‌باب كراهية صوم يوم الشك

- ‌باب فيمن يصل شعبان برمضان

- ‌باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

- ‌باب في توكيد السحور

- ‌باب من سمى السحور الغداء

- ‌ الترغيب فى السحور

- ‌باب وقت السحور

- ‌باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

- ‌باب وقت فطر الصائم

- ‌باب ما يستحب من تعجيل الفطر

- ‌الحكمة في ذلك

- ‌باب ما يفطر عليه

- ‌الحكمة فى الإفطار على التمر

- ‌باب القول عند الإفطار

- ‌باب الفطر قبل غروب الشمس

- ‌باب في الوصال

- ‌باب الغيبة للصائم

- ‌باب السواك للصائم

- ‌باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ فى الاستنشاق

- ‌باب فى الصائم يحتجم

- ‌باب فى الصائم يحتلم نهارا فى رمضان

- ‌باب فى الكحل عند النوم للصائم

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الصائم يبلع الريق

- ‌باب فيمن أصبح جنبا فى شهر رمضان

- ‌باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

- ‌باب التغليظ فيمن أفطر عمدا

- ‌باب من أكل ناسيا

- ‌باب تأخير قضاء رمضان

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌باب من اختار الفطر

- ‌باب فيمن اختار الصيام

- ‌باب متى يفطر المسافر إذا خرج

- ‌باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

- ‌باب من يقول صمت رمضان كله

- ‌باب فى صوم العيدين

- ‌باب صيام أيام التشريق

- ‌باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم

- ‌باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم

- ‌باب في صوم الدهر

- ‌باب فى صوم أشهر الحرم

- ‌باب في صوم المحرم

- ‌باب صوم رجب

- ‌باب فى صوم شعبان

- ‌باب في صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

- ‌باب فى صوم الاثنين والخميس

- ‌باب في فطر العشر

- ‌باب في صوم عرفة بعرفة

- ‌باب في صوم يوم عاشوراء

- ‌باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع

- ‌باب فى صوم يوم وفطر يوم

- ‌باب فى صوم الثلاث من كل شهر

- ‌باب من قال الاثنين والخميس

- ‌باب من قال لا يبالى من أي الشهر

- ‌باب النية فى الصيام

- ‌باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

- ‌باب فى الصائم يدعى إلى وليمة

- ‌باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام

- ‌باب الاعتكاف

- ‌باب أين يكون الاعتكاف

- ‌باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

- ‌باب المعتكف يعود المريض

- ‌باب المستحاضة تعتكف

- ‌ كتاب المناسك

- ‌(باب فرض الحج)

- ‌ باب فى المرأة تحج بغير محرم

- ‌ باب لا صرورة فى الإسلام

- ‌ باب التزود فى الحج

- ‌ التوكل المحمود

- ‌ باب التجارة فى الحج

- ‌ باب الكرى

- ‌ باب الصبى يحج

- ‌ باب المواقيت

- ‌[خاتمة المُعتني بالكتاب]

الفصل: ‌باب مبدأ فرض الصيام

والإجماع فمن جحد فرض صيامه فهو كافر. و‌

‌حكمة مشروعيته

كونه موجبا لسكون النفس وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج. فبالصوم تضعف حركتها في محسوساتها، وكونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في وقت تذكر حال المساكين فى سائر الأوقات، فيسارع إلى الإحسان إليهم لدفع ألم الجوع عنهم، فينال بذلك حسن الجزاء من الله تعالى. قال الزرقانى شرع الصيام لفوائد. أعظمها كسر النفس وقهر الشيطان، فالشبع نهر فى النفس يرده الشيطان، والجوع نهر في الروح ترده الملائكة. ومنها أن الغنىّ يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره على ما منع منه كثير من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به منع ذلك علي الإطلاق فيوجب ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك اهـ

‌باب مبدأ فرض الصيام

أى فى بيان أول ما فرض منه. وقد اختلف العلماء هل فرض على الناس صيام قبل رمضان؟ فالمشهور عند الشافعية والجمهور أنه لم يفرض قط صوم قبل رمضان مستدلين بحديث معاوية ابن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر. رواه البخارى. لكن قال في الفتح: قد استدل به على أنه لم يكن "يعنى صوم عاشوراء فرضا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أنه يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان. وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه اهـ وقال الحنفيون أول ما فرض صيام عاشوراء ثم ثلاثة أيام من كل شهر. من كل عشرة أيام يوما، ثم نسخ ذلك بصوم رمضان بحيث يمسك في كل يوم وليلة من العتمة إلى غروب الشمس، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فقد أخرج الطبرى بسنده إلى معاذ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم شرع الله عز وجل فرض شهر رمضان فأنزل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأخرج عن ابن عباس فى قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية وكان ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ ذلك بالذى أنزل الله من صيام رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة. وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصومه

ص: 20

فى الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. رواه البخارى وسيأتى للمصنف فى "باب فى صوم عاشوراء" وعن ابن عمر قال: صام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك. رواه البخارى، وفى الدر المنثور عن قتادة علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، وكان هذا قبل صوم رمضان، أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من كل عشرة أيام يوما، وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشية، وكان هذا بدء الصلاة والصوم، فكانوا فى صومهم هذا وبعدما فرض الله عليهم رمضان إذا رقدوا لم يمسوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، وكان أناس من المسلمين يصيبون من النساء، والطعام بعد رقادهم، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثم أحل الله لهم ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِىِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَكَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّوُا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ، فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ، فَأَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِىَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحَانَهُ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} . وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَ.

(ش) يشير المصنف بذكر هذا الحديث إلى ترجيح القول بأن مبدأ فرض الصيام رمضان بهذه الآية، وكذا أشار البخارى بها إلى ذلك، واستدل أيضا بحديث طلحة بن عبيد الله وفيه أن أعرابيا قال للنبى صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرنى بما فرض الله عليّ من الصيام. ؤقال شهر رمضان إلا أن تطوع. لكنه لا يدل على أنه لم يفرض صيام قبل رمضان لما تقدم من الأدلة الدالة علي أن صوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ، ولحديث سلمة بن الأكوع قال أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أسلم أن أذن فى الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه. ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء. رواه البخارى. ولذا قال فى الفتح: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا

ص: 21

لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات ألا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت فى مسلم "لما فرض رمضان ترك عاشوراء" مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه، وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقى مطلق استحبابه، فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق لاستمرار اهتمامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصومه ولترغيبه فيه وأنه يكفر سنة، وأى تأكيد أبلغ من هذا اهـ قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أى فرضه الله عليكم كما فرضه علي الأمم الذين من قبلكم من لدن آدم إلى عهدكم، فالصوم عبادة قديمة فرضها الله تعالى على جميع الأمم، وهو شاق على النفوس، والشاق إذا عم سهل. والتشبيه فى أصل الوجوب لا فى القدر والوقت والكيفية، فقد كان الصوم على آدم الأيام البيض، وعلى موسى عاشوراء. وقيل إن التشبيه فى القدر والوقت أيضا، فقد كان صوم رمضان واجبا على النصارى كما فرض علينا، وربما وقع فى الحر الشديد فكان يشق عليهم فى أسفارهم ومعاشهم فاجتمع رأى علمائهم عل أن يجعلوه فى فصل معتدل من السنة بين الصيف والشتاء، فجعلوه فى فصل الربيع، وزادوا عشرين يوما كفارة لما صنعوا فكانوا يصومون خمسين يوما، فقد أخرج الطبرى فى التفسير بسنده إلى الشعبي أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذى يشك فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل "يعنى فصل الربيع" وذلك أنهم كانوا ربما صاموه فى القيظ يعدون ثلاثين يوما ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذى قبله حتى صارت إلى خمسين، فذلك قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأخرج أيضا بسنده إلى السدى قال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أما الذين من قبلنا فالنصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد على النصارى صيام رمضان وجعل يقلب عليهم فى الشتاء والصيف، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا الصيام فى الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين، فلم تزل المسلون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبى قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع

(قوله فكان الناس على عهد النبى إذا صلوا العتمة الخ) وفى نسخة وكان الناس الخ أى كانوا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى بدء الإسلام إذا صلوا العشاه الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء بقية الليل واليوم كله إلى غروب الشمس من الليلة القابلة، ثم

ص: 22

يحل لهم ما ذكر إلى صلاة العشاء

(قوله فاختان رجل نفسه الخ) أى خان نفسه وجامع امرأته بعد صلاة العشاء واستمر عل صومه ولم يفطر. وذلك الرجل هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما جاء فى رواية ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان الناس فى رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر من عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت إنى قد نمت، قال ما نمت، فوقع عليها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره، فانزل الله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الآية، وقد تقدم للمصنف فى "باب الأذان" وفيه فجاء عمر فأراد امرأته فقالت إفى قد نمت فظن أنها تعتل فأتاها (الحديث)

(قوله، فاراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسرا الخ) وفى نسخة فأراد الله سبحانه، أى جعل الله فعل ذلك الرجل سببا للتسهيل لمن بقى من الناس ومنفعة لهم فأنزل قوله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الآية أى تخونونها بالجماع فى الوقت الذي لا يحل لكم فيه الجماع من الليل وكان هذا الترخيص مما نفع الله به المسلمين

(فقه الحديث) دل الحديث على أن الصيام من الشرائع القديمة. وعلى أنه فى بدء الإسلام كان من العتمة إلى الغروب ثم خفف الله عن الأمة وأكرمها بإباحة الطعام والشراب وإتيان النساء طول الليل إلى الفجر

(ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ نَصْرٍ الْجَهْضَمِىُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا صَامَ فَنَامَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مِثْلِهَا، وَإِنَّ صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ الأَنْصَارِىَّ أَتَى امْرَأَتَهُ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ عِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ لَا لَعَلِّى أَذْهَبُ فَأَطْلُبُ لَكَ، فَذَهَبَتْ وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ خَيْبَةً لَكَ، فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِىَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَعْمَلُ يَوْمَهُ فِى أَرْضِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ {مِنَ الْفَجْرِ} .

(ش)(أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيرى. و (إسراءيل) بن يونس. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى

(قوله كان الرجل إذا صام الخ) أى كان الشخص من أصحاب

ص: 23

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صام رمضان وجاء وقت الإفطار حل له الطعام والشراب وإتيان النساء ما لم ينم، فإذا نام حرم عليه ذلك بقية ليله ويومه حتى تغرب الشمس، ففى رواية النسائى عن طريق زهير عن أبى إسحاق عن البراء أن أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس. وفى رواية ابن حبان عن طريق زكريا بن أبى زائدة عن أبى إسحاق عن البراء قال: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها. وفى رواية الطبرى من حديث معاذ قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء اهـ فدلت روايات حديث البراء ومعاذ على أن المنع من ذلك كان بالنوم سواءٌ أكان قبل العشاء أم بعدها، أما تقييده فى حديث ابن عباس السابق بصلاة العشاء فلا ينافى ذلك، لاحتمال أن يكون ذكر صلاة العشاء بالنظر للغالب من أن النوم يكون بعدها، والمعتبر فى المنع إنما هو النوم كما فى سائر الأحاديث

(قوله وإن صرمة ابن قيس) بكسر الضاد المهملة وسكون الراء، وبفتح القاف وسكون المثناة التحتية هو هكذا فى رواية المصنف. ولأبى نعيم فى المعرفة من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس مثله قال: وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس. وقال أبو نعيم فى كتاب الصحابة صرمة بن أبى أنس، وقيل ابن قيس الأنصارى يكنى أبا قيس كان شاعرا نزلت فيه {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان "بفتح الحاء المهملة" صرمة بن قيس اهـ وفى أسباب النزول للواحدى عن القاسم بن محمد أن عمر رضي الله عنه جاءَ إلى امرأته، فقالت قد نمت، فوقع عليها وأمسى صرمة بن قيس صائما فنام قبل أن يفطر الحديث، وما ذكر هو الصواب. قال ابن عبد البر صرمة ابن أبى أنس قيس بن مالك بن عدى البخارى، وقال بعضهم صرمة بن مالك نسبة إلى جده اهـ أما ما فى رواية البخارى والترمذى وغيرهما من أنه قيس بن صرمة فمقلوب. وما فى النسائى من أنه قيس بن عمر فغلط فى اسمه واسم أبيه. وما تقدم عن الطبرى من رواية السدى من أنه أبو قيس بن صرمة فهو صواب فى الكنية خطأ فى اسم أبيه، وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه ابن. وما فى ابن الأثير من حديث قيس بن سعد عن عطاء عن أبى هريرة نام ضمرة بن أنس الأنصارى فهو تصحيف والصواب صرمة بن أبى أنس

(قوله عندك شئ إلخ) بكسر الكاف وهو على تقدير همزة الاستفهام أى أعندك كما صرح به فى رواية البخارى. وظاهره أنه لم يحضر معه شيئا، لكن فى رواية الطبرى من حديث السدى أنه أتى أهله بتمر فقال لامرأته استبدلى بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينا لعلى أن آكله فإن التمر قد أحرق جوفى. وروى

ص: 24

أيضا من طرق ابن أبى ليلى: أن صرمة بن مالك قال لأهله أطعمونى، فقالت حتى أجعل لك شيئا سخنا فغلبته عينه فنام. ولا تنافى بين هذه الروايات لإمكان الجمع بينها، فيحتمل أن يكون أحضر معه تمرا وطلب منها طعاما غيره، فلما أخبرته بأنه ليس عندها غيره أمرها أن تستبدل التمر بدقيق وتجعله سخينة

(قوله فأطاب لك) وفى نسخة فأطلب لك شيئا

(قوله فقالت خيبة لك) أى حرمانا لك يقال: خاب خيبة إذا لم يظفر بما طلبه، وهو منصوب على المفعولية المطلقة حذف عامله وجوبا

(قوله فلم ينتصف النهار حتى غشى عليه) أى أغمى عليه فلم يستطع الحركة. وفى رواية البخارى والترمذى "فلما انتصف النهار غشى عليه" وفى رواية أحمد "فأصبح صائما فلما انتصف النهار غشى عليه" وفى رواية النسائى "فلم يطعم شيئا وبات وأصبح صائما حتى انتصف النهار فغشى عليه"

(قوله وكان يعمل يومه فى أرضه) وفى رواية الطبرى، وكان يعمل فى حيطان المدينة بالأجر، ولا تنافى بينهما، لأن الإضافة فى قوله فى أرضه للاختصاص لا للملك، أو أن الإضافة فيه لأدنى ملابسة

(قوله فذكر ذلك للنبي) وفى نسخة فذكرت ذلك للنبي قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} أى أبيح لكم الجماع فى ليلة الصيام من الغروب إلى طلوع الفجر وفى رواية البخارى فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الخ. قال الحافظ كذا فى هذه الرواية، وشرح الكرمانى على ظاهرها. فقال: لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة. هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبى قيس. قال ثم لما كان حلهما بطرق المفهوم، نزل به ذلك وكلوا واشربوا ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا. ثم قال أو المراد من الآية هى بتمامها (قلت) وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلى وقال: إن الآية بتمامها نزلت فى الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله (قلت) وقد وقع فى رواية أبى داود فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} الى قوله {مِنَ الْفَجْرِ} فهذا يبين أن محل قوله "ففرحوا بها" بعد قوله {الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ووقع ذلك صريحا فى رواية زكريا بن أبى زائدة ولفظه: فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ} إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ} ففرح المسلمون بذلك اهـ

(قوله قرأ إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ}) أى قال أبو إسحاق قرأ البراء بن عازب الآية إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ} ، وظاهر هذه الرواية أن الآية بتمامها نزلت فى قصة صرمة فقط، لكنها نزلت فيه وفى غيره، ومنهم عمر لما واقع امرأته كما مرّ فى رواية ابن جرير الطبرى عن السدى، وفى رواية له عنه أيضا قال: كتب على النصارى رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل فى حيطان المدينة

ص: 25