الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النية فى الصيام
وفى نسخة فى الصوم. وفى أخرى حذف لفظ باب، أي هل يلزم تبييتها
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى ابْنُ لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ.
(ش)(ابن لهيعة) عبد الله
(قوله من لم يجمع الصيام الخ) أى من لم ينو الصيام قبل الفجر فلا يصح صيامه. يقال أجمعت الأم أى نويته وعزمت عليه (وفي هذا) دلالة على وجوب تبييت نية الصوم بإيقاعها في جزء من الليل. وبه قال ابن عمرو جابر بن يزيد ومالك والليث وابن أبي ذئب ولم يفرقوا بين صيام الفرض والنفل أخذا بظاهر الحديث. فإن قوله فلا صيام له نكرة ويجب في الفرض واستدلوا بحديث الباب وقصروه عل الفرض لحديث عائشة فى الباب الآتي. وقال أبو حنيفة وأصحابه يصح الصوم بنية في الليل والنهار قبل الزوال إذا تعلق بزمن معين كرمضان ونذر معين والنفل مطلقا (واستدلوا) بقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قالوا فقد أباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بالصيام بعد بكلمة ثم التى للتراخى فتصير النية عزيمة بعد الفجر لا محالة واستدلوا أيضا بما أخرجه الشيخان عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء. ويحديث عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فقال: هل عندك من شئ؟ قلت لا فقال فإنى إذا صائم (الحديث) رواه مسلم والترمذى والنسائي والبيهقى ويأتى نحوه في الباب الآتى للمصنف، وحملوا حديث الباب ونحوه على نفي الفضيلة، فهو نظير قوله صلى الله عليه وآله وسلم "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" رواه الدارقطنى والبيهقى عن جابر. أو هو نهى عن تقديم النية على الليل. فلو نوى قبل غروب الشمس أن يصوم غدا لا يصح. أو أنه محمول على غير المتعين من الصيام كالقضاء والكفارة والنذر المطلق (وأجيب) عن الآية بأنها ليست نصًا في دعواهم، بل محتملة لأن تكون النية من النهار، ولأن تكون من
الليل بأن يكون المعنى ثم أتموا الصيام الذى نويتموه وعزمتم عليه قبل الفجر. وحديث الباب ناطق بأن النية من الليل. فيتعين المصير إليه. (وأجيب) عن حديث الشيخين بأنه منسوخ بحديث الباب لتأخره. وعلى فرض عدم النسخ فالنية إنما صحت فى نهار عاشوراء لأنه ما بلغهم فرضية صومه إلا نهارا، والرجوع إلى الليل حينئذ متعذر والنزاع فيما كان ممكنا، فيخص جواز النية بالنهار لمن ظهر له وجوب الصيام عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم (وأجيب) عن حديث عائشة بأنه يحتمل أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد نوى الصوم من الليل وأراد الفطر لعذر. ولو سلم عدم الاحتمال فإن غايته تخصيص صوم التطوع من عموم قوله فلا صيام له. وقال عطاء ومجاهد وزفر والزهرى: لا تجب النية في صيام رمضان حيث كان الصائم صحيحا مقيما، لأن الوقت يصرفه إلى رمضان فلا يدخل غيره. لكن يرد عليهم حديث إنما الأعمال بالنيات. وحديث الباب لأنه يعم كل صيام (ويشعر) حديث الباب بان النية تجب لكل يوم. وبه قال عمر وابنه والحسن البصرى وأبي حنيفة والشافعى وجمهور العلماء. وهو أصح الروايتين عن أحمد، لأن كل يوم عبادة مستقلة فقد تخلل بين كل يومين زمان لا يصلح للصوم. فصار صيام كل يوم كصلاة من الصلوات (وقال مالك) وأصحابه وإسحاق إذا نوى أول ليلة من رمضان صيام جميعه كفاه، ولا يحتاج لنية لكل يوم. ويستحب تجديدها فقط قياسا على الحج وركعات الصلاة، فإن كل واحد منهما تكفيه نية واحدة. واستدلوا أيضا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث "وإنما لكل امرئ ما نوى" قالوا وهذا قد نوى جميع الشهر فوجب أن يكون له (لكن) هذا غير مسلم لأن كل أعمال الحج والصلاة اعتبرها الشارع عملا واحدا، والإخلال بأي ركن من أركانهما يستلزم الإخلال بجميع الأركان، بخلاف رمضان فإن فساد أى يوم منه لا يستلزم فساد البقية "ولا ينافى" هذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وإنما لكل امرئ ما نوى" لأن معناه كل عبادة تحتاج إلى نية، وقد علمت أن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة (إذا علمت) هذا تعلم أن الراجح قول من قال بوجوب تبييت النية فى الليل. وقول من قال بوجوبها فى كل ليلة من ليالى الصيام
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائى وابن ماجه والدارقطنى وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعا والترمذى. وقال حديث حفصة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روى عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح اهـ وأخرجه الدارمى والبيهقى وقال هذا حديث قد اختلف على الزهرى فى إسناده وفى رفعه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعبد الله بن أبى بكر أقام إسناده ورفعه وهو من الثقات الأثبات.
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ اللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ أَيْضًا جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى
بَكْرٍ مِثْلَهُ. وَأَوْقَفَهُ عَلَى حَفْصَةَ مَعْمَرٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ الأَيْلِىُّ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ.
(ش) أشار بهذه التعاليق إلى أنه قد اختلف فى رفع الحديث ووقفه. فرواه الليث بن سعد وإسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبى بكر مرفوعا مثل رواية ابن لهيعة ويحيى بن أيوب عنه. وحديث الليث لم نقف على من أخرجه (هذا). و (إسحاق بن حازم) المدنى البزاز. روى عن عبد الله بن أبى بكر وأبى الأسود ومحمد بن كعب وعبيد الله بن مقسم وغيرهم. وعنه خالد بن مخلد وابن وهب وأبو القاسم. وثقه أحمد وابن معين وقال الساجى صدوق يرى القدر، وذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب صدوق من السابعة تكلم فيه للقدر. روى له ابن ماجه (وحديثه) أخرجه الدارقطنى عن عبد الله بن أبى بكر عن سالم ابن عمر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "لا صيام لمن لم يفرضه قبل الفجر". وأخرجه ابن ماجه بلفظ "لا صيام لمن لم يفرضه من الليل"(ورواه) عن الزهرى موقوفا على حفصة معمر بن راشد ومحمد بن الوليد الزبيدى وسفيان ابن عيينة ويونس بن يزيد الأيلى. ورواية معمر ويونس أشار إليها البيهقى قال (ورواه) معمر عن الزهرى عن سالم عن أبيه عن حفصة من قولها. وقيل عنه عن الزهرى عن حمزة بن عبد الله عن أبيه عن حفصة (ورواه) يونس عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر من قوله (ورواه) عقيل عن الزهرى عن سالم أن عبد الله وحفصة قالا ذلك. وقيل غير ذلك اهـ ولم نقف على من أخرج رواية الباقين. ورجح الترمذى والنسائى الوقف. وكذا البيهقى وقال رواته ثقات. وصحح الحاكم وابن حزم وابن خزيمة وابن حبان رفعه (والحديث) وإن كان فيه اختلاف فى الرفع والوقف فهو صالح للاحتجاج به، لأن له شاهدا من رواية الدارقطنى والبيهقى عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له. قال الدارقطنى إسناده كلهم ثقات. وروى أيضا من طريق محمد بن هلال عن أبيه أنه سمع ميمونة بنت سعد تقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: من أجمع الصوم من الليل فليصم. ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم وروى البيهقى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر
باب فى الرخصة فيه
أى فى ترك نية الصوم بالليل
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ جَمِيعًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَىَّ قَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا قُلْنَا لَا. قَالَ إِنِّى صَائِمٌ. زَادَ وَكِيعٌ فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِىَ لَنَا حَيْسٌ فَحَبَسْنَاهُ لَكَ. فَقَالَ أَدْنِيهِ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَأَفْطَرَ.
(ش)(سفيان) الثورى
(قوله قال إنى صائم) فيه دليل على جواز نية صوم التطوع نهارا. وبه قال أبو حنيفة والشافعى كما تقدم. وروى عن على وأبى أيوب الأنصارى وحذيفة وابن مسعود وأبى طلحة وسعيد بن جبير والنخعى (قالوا) ومحل ذلك إذا كان قبل الزوال ولم يتناول مفطرا. وقال أحمد وسعيد بن المسيب يجوز صوم النفل بنية من النهار سواء قبل الزوال أم بعده، لأنه نوى فى جزء من النهار فأشبه ما نوى فى أوله، ولأن جميع الليل وقت لنية الفرض فكذا جميع النهار وقت لنية النفل، وجعلوا حديث الباب مخصصا لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من لم يجمع الصوم قبل الفجر فلا صيام له" وقال ابن عمر لا يصوم تطوعا حتى يجمع من الليل أو يتسحر. وقال مالك فى النافلة لا يصوم إلا أن يبيت إلا إن كان يسرد الصوم فلا يحتاج إلى التبييت وقال زفر والمزنى وأبو يحيى البلخى وجابر بن زيد وداود لا يجوز صيام التطوع إلا بنية من الليل كالفرض أخذا بظاهر حديث "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"(وأجابوا) عن "حديث الباب" بأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه هل عندكم طعام؟ فقلنا لا. فقال إنى صائم. "ليس نصا" فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نوى نهارا، بل هو محتمل لأن يكون بيت النية. والمحتمل يرد إلى الصريح فى تبييت النية، وهو الأصل. ولا فرق في بين الفرض والنفل. ولم يقم دليل على رفع هذا الأصل فيتعين البقاء عليه. على أن فى بعض روايات حديث عائشة "إنى كنت أصبحت صائما" وهو ظاهر فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت النية قبل الفجر (قال) النووى فى هذا الحديث دليل للجمهور فى أن صوم النافلة يجوز نيته فى النهار قبل زوال الشمس. وتأوله الآخرون على أن سؤاله. هل عندكم شيء؟ لكونه كان نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك، وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد اهـ
(قوله أهدى لنا حيس) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وسين مهملة، هو الطعام يتخذ من التمر والسمن والأقط "أى اللبن الذى أخذ زبده" وقد يجعل الدقيق بدل الأقط
(قوله أدنيه) أمر من الإدناء أى قربيه. وفى رواية لمسلم أرنيه من الإراءة
(قوله فأصبح صائما وأفطر) وفى نسخة فأفطر. وفيه جواز الفطر من صيام التطوع. ويأتى بيانه بعد (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائى وابن ماجه والدارقطنى والبيهقى. وأخرجه الترمذى من طريق وكيع ولم يذكر فيه ما زاده
المصنف عنه. وأخرجه من طريق سفيان بسنده إلى عائشة قالت: إن كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتينى فيقول: أعندك غداء؟ فأقول لا فيقول إنى صائم. قالت فأتانى يوما فقلت يا رسول الله إنه قد أهديت لناهدية قال وماهى؟ قلت حيس قال. أما إنى أصبحت صائما: قالت ثم أكل. وقال حديث حسن
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ قَالَتْ فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَنَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ أُمَّ هَانِئٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً. فَقَالَ لَهَا أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟ قَالَتْ لَا. قَالَ فَلَا يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا.
(ش)(قوله لما كان يوم الفتح فتح مكة) المراد به الأيام التى أقامها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة التى كان منها أيام من شوال. لا اليوم الخاص الذى وقع فيه الفتح، فلا يقال إن يوم الفتح كان فى رمضان، فكيف يقل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأم هانئ أكنت تقضين شيئا؟
(قوله وأم هانئ عن يمينه) إظهار فى مقام الإضمار وكان القياس أن تقول وأنا عن يمينه، ويحمل على التجريد فكأنها تحكى عن نفسها، أو أن الراوى وضع كلامه مكان كلامها فنقله بالمعنى. ففى رواية الدارمى جاءت فاطمة فجلست على يسار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأم هانئ عن يمينه فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه
(قوله فجاءت الوليدة الخ) أى جاءت الأمة "ولم نقف عل اسمها" بإناء فيه شراب أى من ماء لأنه المراد عند الإطلاق
(قوله ثم ناوله أم هانئ) كان القياس أن نقول ناولنى إياه، ففيه إظهار فى مقام الإصمار. وقدمها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونها على يمينه
(قوله لقد أفطرت وكنت صائمة) أى فما الحكم؟ وإنما لم تسأل قبل شربها إيثارا لتناول سؤره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصوم. وقد استشعرت بأنها عملت ما لا ينبغى. ففى رواية الترمذى "ثم ناولنى فشربت منه فقلت إنى أذنبت فاستغفر لى. فقال وما ذاك؟ قالت كنت صائمة فأفطرت"
(قوله فلا يضرك إن كان تطوعا) أى فلا حرج عليك فى فطرك إن كان صومك تطوعا (وفى الحديث) دلالة على جواز
الفطر لمن كان صائما تطوعا ولا قضاء عليه. وبه قال عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وحذيفة وأبو الدرداء والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق (مستدلين) بحديث الباب وبما رواه مسلم عن عائشة قالت: دخل علىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شئ؟ قلنا لا. قال فإنى إذا صائم. ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أهدى لنا حيس. فقال أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل. وفى رواية له فأكل ثم قال: لقد كنت أصبحت صائما. وبما رواه الترمذى والنسائى والدارقطنى والبيهقى عن أم هانئ قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر. قال النووى فى شرح المهذب: ألفاظ رواياتهم متقاربة المعنى وإسنادها جيد. وقال الترمذى فى إسناده مقال اهـ وبما رواه البيهقى عن ابن مسعود قال: إذا أصبحت وأنت ناوى الصوم فأنت بخير النظرين إن شئت صمت وإن شئت أفطرت. وبما رواه الدارقطنى والبيهقى بإسناد صحيح عن جابر أنه لم يكن يرى بإفطار المتطوع بأسا. وروى الشافعى والبيهقى بإسناد صحيح عن ابن عباس مثله. وبما رواه البخارى عن أبى جحيفة قال: آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين سلمان وأبى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة. فقال لها ما شأنك؟ قالت أخوك أبو الدرداء ليس له فى الدنيا حاجة. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل فإنى صائم. قال ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام، ثم ذهب يقوم فقال نم فنام، ثم ذهب يقوم قال نم فنام: فلما كان من آخر الليل قال سلمان. قم الآن فَصَلِّيَنْ فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه، فأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك له فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صدق سلمان. وبذلك قالت الشافعية والحنابلة. وقالوا إذا دخل فى صوم التطوع استحب له إتمامه، وإذا أفطر بعذر أو بغير عذر فلا إثم عليه ولا يجب عليه القضاء لكن يكره له الفطر بدون عذر لعموم قوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وخروجا من خلاف من أوجب الإتمام. وإذا أفطر بعذر فلا كراهة. وعلى كل فيستحب قضاؤه (وذهب أبو حنيفة) فى ظاهر الرواية ومالك إلى أنه يجب إتمام ما شرع فيه من نفل ولا يجوز فطره بلا عذر لقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فإن أفطر بلا عذر أثم وعليه القضاء، وإن أفطر لعذر كأن أمره أحد والديه أو شيخه بالفطر شفقة عليه وكطرو الحيض على المتطوعة فأفطر فلا إثم عليه ولا قضاء عند المالكية. ويلزمه القضاء عند الحنفية لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام فأكلنا منه فدخل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت حفصة: يا رسول الله إنا كنا صائمتين متطوعتين فأهدى لنا طعام فأفطرنا عليه فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: اقضيا مكانه يوما آخر. رواه مالك والترمذى
وغيرهما من عدّة طرق كما يأتى فى الباب بعد. واختار صاحب المنتقى والكمال بن الهمام وتاج الشريعة من الحنفية أنه يباح الفطر فيما شرع فيه من صوم النفل ولو بلا عذر وهو الأوجه لتضافر الأدلة عليه. ومنها أحاديث الباب، وقول مجاهد إنما ذلك بمنزلة رجل يخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها. رواه مالك وأحمد والستة إلا البخارى
(والحديث) أخرجه أيضا أحمد والدارمى والدارقطنى والبيهقى والطبرانى. وأخرجه الترمذى من طريق سماك بن حرب عن ابن أمّ هانئ عن أم هانئ قالت: كنت قاعدة عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتى بشراب فشرب منه ثم ناولنى فشربت منه فقلت: إنى أذنبت فاستغفر لى قال وما ذاك؟ قالت كنت صائمة فأفطرت فقال أمن قضاء كنت تقضينه؟ قالت لا قال فلا يضرك. وقال فى إسناده مقال اهـ أى لأن فى سنده سماك وقد اختلف فيه. قال النسائى سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد وفى سنده أيضاهارون بن أمّ هانئ. قال ابن القطان لا يعرف، وقال الحافظ فى التقريب مجهول.
باب من رأى عليه القضاء
أى فى بيان دليل من رأى القضاء على من أفطر فى صيام التطوع
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ زُمَيْلٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُهْدِىَ لِى وَلِحَفْصَةَ طَعَامٌ وَكُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ فَاشْتَهَيْنَاهَا فَأَفْطَرْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَا عَلَيْكُمَا. صُومَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ.
(ش)(الرجال)(ابن الهاد) يزيد وفى نسخة ابن الهادى بإثبات الياء. و (زميل) بالتصغير (مولى عروة) ابن عباس المدنى الأسدى: روى عن مولاه: وعنه يزيد بن الهاد. قال الخطابى مجهول. وقال النسائى ليس بالمشهور. وقال أحمد لا أدرى من هو. وقال البخارى لا يعرف لزميل سماع من عروة. ولا ليزيد سماع من زميل، ولا تقوم به الحجة، وفى التقريب مجهول من السادسة. وقال ابن عدى إسناده لا بأس به. روى له أبو داود والنسائى
(المعنى)
(قوله أهدى لى ولحفصة طعام) هى شاة كما جاء فى رواية أحمد عن عائشة
(قوله فقلنا
له يا رسول الله) القائلة حفصة كما فى رواية مالك فى الموطإ وفيها "قالت عائشة قالت حفصة بدرتنى بالكلام وكانت بنت أبيها يا رسول الله الخ" والمراد أنها كانت مسارعة فى الخير كأبيها، فهو مدح لها
(قوله لا عليكما) أى لا إثم عليكما
(قوله صوما مكانه يوما آخر) وفى رواية مالك اقضيا مكانه يوما آخر (وبالحديث) استدل أبو حنيفة ومالك وأبو ثور على أن من شرع فى صيام التطوع ثم أفطر فعليه القضاء وجوبا. قالوا والحديث وإن كان ضعيفا، لأن فيه زميلا وفيه مقال، فقد روى من طرق أخرى. فقد رواه ابن حبان عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين (الحديث) ورواه ابن أبى شيبة عن خصيف عن سعيد بن جبير عن عائشة وحفصة. ورواه الطبرانى عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن عائشة وحفصة الخ. ورواه أيضا عن أم سلمة عن أبى هريرة قال: أهديت لعائشة وحفصة هدية الخ واستدلوا أيضا بقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وبقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وهو يعم الفرض والنفل. وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليدع بالبركة. رواه الطبرانى عن ابن مسعود ولو جاز الفطر فى التطوع لكان فى إجابة الدعوى أولى. وبقوله تعالى {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} ومن تعمد الفطر فليس بمعظم لحرمة الصوم. قال الزرقانى. قال ابن عمر ذلك المتلاعب بدينه أو المتلاعب بصومه اهـ واستدلوا أيضا بالقياس على الحج والعمرة النفلين فإنهما إن فسدا وجب قضاؤهما بالإجماع (وأجابوا) عن حديث أم هانئ السابق وحديث عائشة بأنهما واقعتا عين لا عموم فيهما. وعن حديث "الصائم المتطوع أمير نفسه" بأن معناه مريد الصوم جمعا بين الأدلة والمختار أن الأمر بالقضاء فى حديث الباب للندب لقوله فيه لا عليكما. إذ لو كان القضاء واجبا لكان الفطر حراما (قال الخطابى) ولو ثبت الحديث أشبه أن يكون إنما أمرهما بذلك استحبابا؟ لأن بدل الشيء فى أكثر أحكام الأصول يحل محل أصله وهو فى الأصل مخير فكذلك فى البدل اهـ ويؤيده رواية البيهقى عن أبى سعيد قال. صنعت للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طعاما. فلما وضع قال رجل إنى صائم. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: دعاك أخوك وتكلف لك. أفطر وصم يوما مكانه إن شئت. وما تقدم عن أبى جحيفة فى قصة أبى الدرداء وسلمان "وما قالوه" فى حديث عائشة وحديث أم هانئ من أنهما واقعتا عين لا عموم فيهما "غير مسلم" فإن الخصوصيات لا تثبت إلا بدليل. ولا دليل هنا "وحملهم" حديث الصائم المتطوع أمير نفسه على مريد الصوم "صرف" للفظ عن ظاهره بدون قرينة" وقياس صوم التطوع على الحج والعمرة النفلين قياس مع الفارق، فإنه لا يخرج منهما بإفسادهما بخلاف صوم التطوع. ولم يثبت التخيير فى قضائهما بخلاف الصوم