المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تعالى لهم بالصلاح فقال: {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} . وأخيراً في الأية - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ١

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ مميزات هذا التفسير

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌ وضعت هذه الحاشية

- ‌1

- ‌(3) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌ البقرة

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(62) }

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(75)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(120)

- ‌(122)

- ‌(124) }

- ‌(125)

- ‌(130)

- ‌(135)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(163)

- ‌(165)

- ‌(168)

- ‌(171) }

- ‌(177) }

- ‌(178)

- ‌(180)

- ‌(183)

- ‌(185) }

- ‌(187) }

- ‌(188) }

- ‌(189) }

- ‌(190)

- ‌(194)

- ‌(196) }

- ‌(200)

- ‌(204)

- ‌(208)

- ‌(211)

- ‌(214) }

- ‌(216) }

- ‌(217)

- ‌(219)

- ‌(221) }

- ‌(222)

- ‌(224)

- ‌(228) }

- ‌(229) }

- ‌(230) }

- ‌(232) }

- ‌(233) }

- ‌(234)

- ‌(240)

- ‌(243)

- ‌(246)

- ‌(248)

- ‌(249)

- ‌(253)

- ‌(259) }

- ‌(264) }

- ‌(265)

- ‌(267)

- ‌(270)

- ‌(278)

- ‌(282) }

- ‌(285)

- ‌1

- ‌7

- ‌(14) }

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(69)

- ‌(75)

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(90)

- ‌(92) }

- ‌(93)

- ‌(98)

- ‌(110)

- ‌(113

- ‌(116)

- ‌(121)

- ‌(124)

- ‌(128)

- ‌(133)

- ‌(146)

- ‌(149)

- ‌(152)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(159)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(176)

- ‌(179)

- ‌(185)

- ‌(187)

- ‌ النساء

- ‌ 1

- ‌(2)

- ‌5

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(40)

- ‌(43) }

- ‌(47) }

- ‌(49)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(92)

- ‌(94) }

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(110)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(122) }

- ‌(127)

- ‌(131)

- ‌(135) :

- ‌(138)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(153)

- ‌(155

- ‌(160)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(174)

- ‌(176) }

- ‌1} :

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32) }

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(73)

الفصل: تعالى لهم بالصلاح فقال: {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} . وأخيراً في الأية

تعالى لهم بالصلاح فقال: {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} .

وأخيراً في الأية الآخيرة (115) أن ما يفعلونه من الصالحات وما يأتونه من الخيرات لن يجحدوه بل يعترف لهم به ويجزون عليه أتم الجزاء، لأنهم متقون والله عليهم بالمتقين فلن يضيع أجرهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

فضل الثبات على الحق والقيام على الطاعات.

2-

فضل تلاوة القرآن الكريم في صلاة الليل.

3-

فضل الإيمان والدعوة إلى الإسلام.

4-

فضل المسابقة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات.

5-

فضيلة الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه، وفي الصحيحين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران" الحديث.

{إِنَّ الَّذِينَ1 كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‌

(116)

مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) }

شرح الكلمات:

{كَفَرُوا} : كذبوا بالله ورسوله وشرعه ودينه.

{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} : لن تجزي عنهم يوم القيامة أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً، إذ لا مال يومئذ ينفع، ولا بنون.

ص: 363

{مَثَلُ} : أي: صفة وحال ما ينفقونه لإبطال دعوة الإسلام، أو للتصدق به.

الصر1: الريح الباردة الشديدة البرد التي تقتل الزرع وتفسده.

الحرث: ما تحرث له الأرض وهو الزرع.

{ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} : حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلاك والخسار.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال ذكر هنا في هاتين الآيتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب ليهتدي من هيأه الله تعالى للهداية فقال: إن الذين كفروا أي كذبوا الله ورسوله فلم يؤمنوا ولم يوحدوا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم2 أي: في الدنيا والآخرة مما أراد الله تعالى بهم شيئاً من الإغناء؛ لأن الله تعالى غالب على أمره وعزيز ذو انتقام، وقوله تعالى:{وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . فيه بيان حكم الله تعالى فيهم وهو أن أولئك البعداء في الكفر والضلال المتوغلين في الشر والفساد هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها لا يفارقونها أبداً ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرن بها، ولا أولادهم الذين كانوا يعتزون بهم ويستنصرون، إذ يوم القيامة لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم: سليم من الشك والشرك والكبر والعجب والنفاق.

هذا ما تضمنته الآية: (116) أما الآية (117) فقد ضرب تعالى فيها مثلاً لبطلان نفقات الكفار والمشركين وأعمالهم التي يرون أنها نافعة لهم في الدنيا والآخرة ضرب لها مثلاً: ريحاً باردة شديدة البرودة أصابت زرع أناس كاد يُحصد وهم به فرحون وفيه مؤملون فأفسدته تلك الريح وقضت عليه نهائياً فلم ينتفعوا بشيء منه، قال تعالى في هذا المثل: مثل ما ينفقون، أي: أولئك الكفار في هذه الحياة الدنيا، أي: مما يرونه نافعاً لهم من بعض أنواع البر. {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ3 أَصَابَت} أي تلك الريح الباردة حرث قوم، أي: زرعهم النابت

1 الصر: مأخوذ من الصرير الذي هو الصوت، وفي الحديث:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجراد الذي الذي قتله الصر" أي: البرد الشديد.

2 كرر حرف النفي: {ولا أولادهم} لتأكيد عدم إغناء الأولاد عنهم شيئاً مع أن العرف: أن الأولاد يذبون عن آبائهم ويدفعون عنهم.

3 {فيها صر} هذا التعبير أفاد شدة برد هذا الريح، إذ جعل الصر مظروفاً فيها.

ص: 364

فأهلكته، أي: أفسدته. فحرموا من حرثهم ما كانوا يؤملون، وما ظلمهم1 حيث أرسل عليهم الريح فأهلكت زرعهم، إذ لم يفعل الله تعالى هذا بهم إلا لأنهم ظلموا بالكفر والشرك والفساد فجزاهم الله بالحرمان وبذلك كانوا هم الظالمين لأنفسهم. قال تعالى:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1-

لن يغني عن المرء مال ولا ولد متى ظلم وتعرض لنقمة الله تعالى.

2-

الكفر هم أهل النار وخلودهم فيها محكوم به مقدر عليهم لا نجاة منه.

3-

ان العمل الصالح بالشرك والموت على الكفر.

4-

حسان ضرب الأمثال في الكلام لتقريب المعاني إلى الأذهان.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) }

1 نفى تعالى عن نفسه ظلم هؤلاء المنفقين في الباطل والشر والفساد فلم يجنوا خيراً من إنفاقهم وأثبت الظلم منهم لأنفسهم لسوء إنفاقهم وفساده.

ص: 365

شرح الكلمات:

{بِطَانَةً} : بطانة الرجل1 الذين يطلعهم على باطن2 أمره الذي يخفيه على الناس للمصلحة.

{مِنْ دُونِكُمْ} : من غيركم، أي: من غير المسلمين؛ كالكفار وأهل الكتاب.

{لا يَأْلُونَكُمْ} : لا يقصرون في إفساد الأمور عليكم.

{خَبَالاً3} : فساداً في أمور دينكم ودنياكم.

{وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} : أحبوا عنتكم، أي: مشقتكم.

{بَدَتِ الْبَغْضَاءُ} : ظهرت شدة بغضهم لكم.

{أُولاءِ} : هؤلاء حذفت منه هاء التنبيه لوجودها في ها أنتم قبلها.

{بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} : أي: بالكتب الإلهية كلها.

{عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} : من شدة الغيظ عليكم؛ لأن المغتاظ إذا اشتد به الغيظ بعض أصبعه على عادة البشر، والغيظ: شدة الغضب.

{حَسَنَةٌ} : ما يحسن من أنواع الخير؛ كالنصر والتأييد والقوة والخير.

{سَيِّئَةٌ} : ما يسوءكم؛ كالهزيمة أو الموت أو المجاعة.

{كَيْدُهُمْ} : مكرهم بكم وتبييت الشر لكم.

{بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} : علماً به وقدرة عليه، إذ هم واقعون تحت قهره وعظيم سلطانه.

معنى الآيات:

لما أخبر تعالى عن مصير الكافرين في الآخرة، وأن ذلك المصير المظلم كان نتيجة كفرهم وظلمهم حذر المؤمنين من موالاتهم دون المؤمنين وخاصة أولئك الذين يحملون في صدورهم الغيظ والبغضاء للمسلمين الذين لا يقصرون في العمل على إفساد أحوال المسلمين والذين

1 أصل البطانة: بطانة الثوب شبه بها بطانة الرجل ووليجته، وهم من يطلعهم على أسراره ثقة فيهم، ومثل البطانة الشعار وهو الثوب الذي يلي الجسد، وفي الحديث:"الأنصار شعار والناس دثار".

2 روى البخاري تعليقاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه. والمعصوم من عصمه الله ".

3 الخبال: الخبل، وهو الفساد، وفي الحديث:"من أصيب بدم أو خبل" أي: جرح يفسد العضو، ويقال: رجل خبل، وخبله الحب: أفسده.

ص: 366

يسوءهم أن يروا المسلمين متآلفين متحابين أقوياء ظاهرين متصورين على أهل الشرك والكفر، ويسرهم أيضاً أن يروا المسلمين مختلفين أو ضعفاء منكسرين مغلوبين. فقال تعالى –وقوله الحق- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي: بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً} أي: أفراداً من دونكم1 أي: من غير أهل دينكم؛ كاليهود والنصارى والمنافقين والمشركين تستشيرونهم وتطلعونهم على أسراركم وبواطن أموركم، ووصفهم تعالى تعريفاً بهم فقال:{لا يَأْلُونَكُمْ2 خَبَالاً} ، يعني: لا يقصرون في إفساد أموركم الدينية والدنيوية.

{وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي: أحبوا عنتكم ومشقتكم، فلذا هم لا يشيرون عليكم إلا بما يفسد عليكم أموركم ويسبب لكم الكوارث والمصائب في حياتكم وقوله تعالى:{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} وصف آخر مشخص لهؤلاء الأعداء المحرم اتخاذهم بطانة، ألا وهو ظهور البغضاء من أفواههم3 بما تنطق به ألسنتهم من كلمات الكفر والعداء للإسلام وأهله، وما يخفونه من ذلك في صدورهم4 هو أكبر مما يتفلت من ألسنتهم. ويؤكد عز وجل تحذيره للمؤمنين فيقول:{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ} المتضمنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} أي: الخطاب وما يتلى عليم ويقال لكم. ثم يقول تعالى معلماً محذراً ها أنتم أيها المسلمون تحبونهم ولا يحبونكم. قد علم الله أن من بين المؤمنين من يحب بعض الكافرين لعلاقة الإحسان الظاهرة بينهم فأخبر تعالى عن هؤلاء كما أن رحمة المؤمن وشفقته قد تتعدى حتى لأعدائه فلذا ذكر تعالى هذا وأخبر به وهو الحق، وقال:{وَتُؤْمِنُونَ} أي: وهم لا يؤمنون بكتابكم فانظروا إلى الفرق بينكم وبينهم فكيف إذاً تتخذونهم بطانة تفضون إليهم بأسراركم. وأخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا لقوا المؤمنين قالوا إنا مؤمنون وإذا تفرقوا عنهم وخلوا بأنفسهم ذكروهم وتغيظوا عليهم حتى يعضوا

1 قيل لعمر رضي الله عنه: إن ها هنا رجل من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم أفلا يكتب عنك؟ فقال: "لا آخذ بطانة من دون المؤمنين" وجاء أبو موسى الأشعري بحساب نصارى لعمر فانتهره وقال: "لا تدنهم، وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم، ولا تأمنهم وقد خونهم الله".

2 هذه الجملة وإن كانت صفة لكلمة بطانة، فهي معنى العلة للنهي السابق.

3 خصت الأفواه بالذكر دون الألسن إشارة إلى أنهم يتشدقون بالكلام إيهاماً وتضليلاً.

4 استدل أهل العلم بهذه الآية على أن شهادة العدو لا تصح على عدوه، وكيف به إذا كان كافراً؟.

ص: 367

أطراف أصابعهم1 من شدة الغيظ. فقال تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ2 مِنَ الْغَيْظِ} وهنا أمر رسوله أن يدعو عليهم بالهلاك فقال له: قل يا رسولنا لهم {مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فلذا أخبر عنهم كاشفاً الغطاء عما تكنه نفوسهم ويخفونه في صدورهم.

هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (118) والثانية (119) وأما الآية الثالثة (120) فقد تضمنت أيضاً بيان صفة نفسية للكافرين المنهي عن اتخاذهم بطانة وهو استياؤهم وتألمهم لما يرونه من حسن حال المسلمين كائتلافهم واجتماع كلمتهم ونصرهم وعزتهم وقوتهم وسعة رزقهم، كما هو أيضاً فرحهم وسرورهم بما قد يشاهدونه من خلاف بين المسملين أو وقوع هزيمة لجيش من جيوشهم، أو تغير حال عليهم بما يضر ولا يسر وهذه نهاية العداوة وشدة البغضاء، فهل مثل هؤلاء يتخذون أولياء؟. فقال تعالى:{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ3 تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} . ولما وصف تعالى هؤلاء الكفرة بصفات مهيلة مخيفة، قال لعباده المؤمنين مبعداً الخوف عنهم:{وَإِنْ تَصْبِرُوا} على ما يصيبكم وتتقوا الله تعالى في أمره ونهيه وفي سننه في خلقه لا يضركم4 كيدهم شيئاً، لأن الله تعالى وليكم مطلع على تحركاتهم وسائر تصرفاتهم وسيحبطها كلها، دل على هذا المعنى قوله في الجملة التذيلية {إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} .

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

حرمة اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامة وحرمة إطلاعهم على أسرار الدولة الإسلامية، والأمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم لما في ذلك من الضرر الكبير.

2-

بيان رحمة المؤمنين وفضلهم على الكافرين.

3-

بيان نفسيات الكافرين وما يحملونه من إرادة الشر والفساد للمسلمين.

4-

الوقاية من كيد الكفار ومكرهم تكمن في الصبر والتجلد وعدم إظهار الخوف للكافرين

1 العض: مصدر عض، عض يعض عضاً وعضيضاً، إذا أخذ الشيء بأسنانه، والعض بضم العين: علف الدواب.

2 الأنامل: جمع أنملة، وهي طرف الأصبع الأعلى.

3 هذا من شدة حسدهم للمسلمين، ولقد أحسن من قال:

كل العداوة قد ترجى إفاقتها

إلا عداوة من عداك من حسد

4 قرئ: {لا يضركم} من ضاره يضيره ضيراً، ومن قوله تعالى:{لا ضَيْرَ} ، والضير، والضرر: بمعنى واحد.

ص: 368