الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(33)
إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) }
شرح الكلمات:
{يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} : بالخروج عن طاعتهما وحمل السلاح على المؤمنين وقتلهم وسلب أموالهم والاعتداء على حرماتهم.
{وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} : بإخافة الناس وقطع طرقهم وسلب أموالهم والاعتداء على أعراضهم.
{أَوْ يُصَلَّبُوا} : يشدون على أعواد الخشب ويقتلون، أو بعد أن يقتلوا.
{مِنْ خِلافٍ} : بأن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، والعكس.
{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} : أي من أرض الإسلام.
{خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} : ذل ومهانة.
{عَذَابٌ عَظِيمٌ} : عذاب جهنم.
{أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} : أي: تتمكنوا منهم بأن فروا بعيداً ثم جاءوا مسلمين.
معنى الآيتين:
لما ذكر تعالى ما أوجبه على اليهود من شدة العقوبة وعلى جريمة القتل والفساد في الأرض كسراً لحدة جرءتهم على القتل والفساد، ذكر هنا حكم وجزاء من يحارب المسلمين ويسعى بالفساد في ديارهم فقال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ1 يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} بالكفر2 بعد الإيمان
1 الجمهور على أن سبب نزول هذه الآية: {إنْمَا جَزاء
…
} إلخ. هو العرنيون الذين نزلوا المدينة وادعوا أنهم اجتووها، أي: أمرضهم مناخها فأمر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا خارج المدينة، ولما شفوا وصحوا قتلوا الراعي ومثلوا به، وذهبوا بالإبل فلحقتهم خيل المسلمين فردتهم ونزلت هذه الآية ببيان حكم الله فيهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فبقى هذا تشريعًا يطبق على مثلهم إلى يوم القيامة.
2 لأن العرنيين وكانوا سبعة ثلاثة من عُكل، وأربعة من عرينة كفروا بعد إيمانهم الذي أظهروا بالمدينة، ثم ادعوا أنهم استوخموا المدينة فساعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة منه بما يشفيهم، فلما شفوا وصحوا كفروا وقلتوا الراعي وساقوا الإبل، والأية عامة في المرتد وغيره، والحكم ما بين الله تعالى في هذه الآية لا غيره، وصيغة الحصر فيها إنما ظاهرة.
والقتل والسلب بعد الأمان، {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} بتخويف المسملين، وقطع طرقهم وأخذ أموالهم، والاعتداء على حرماتهم وأعراضهم، هو ما أذكره لكم لا غيره فاعلموه أنه {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} ، ومعنى: يقتلوا: واحداً بعد واحد نكاية لهم وإرهاباً وتعزيراً لغيرهم، ومعنى: يصلبوا: بعد ما يقتل الواحد منهم يشد على خشبة مدة ثلاثة أيام، ومعنى: ينفوا من الأرض: يخرجوا من دار الإسلام، أو إلى مكان ناءٍ كجزيرة في بحر أو يحبسوا حتى ينجو المسلمون من شرهم وآذاهم، ويكون ذلك الجزاء المذكور خزياً وذلاً لهم1 في الدنيا {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو عذاب النار، وقوله تعالى:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فهذا استثناء متصل من أولئك المحاربين بأن من عجزنا عنه فلم نتمكن من القبض عليه، وبعد فترة جاءنا تائباً فإن حكمه يختلف عمن قبله، وقوله تعالى:{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يحمل إشارة واضحة إلى تخفيف الحكم عليه، وذلك فإن كان كافراً وأسلم فإن الإسلام يجب ما قبله، فيسقط عنه كل ما ذكر في الآية من عقوبات.. وإن كان مسلماً فيسقط بالصلب ويجب عليه، رد المال الذي أخذه إن بقي في يده، وإن قتل أو فجر وطالب بإقامة الحد عليه أقيم عليه الحد، وإلا ترك لله والله غفور رحيم.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1-
بيان حكم الحرابة2 وحقيقتها: خروج جماعة اثنان فأكثر ويكون بأيديها سلاح ولهم شوكة، خروجهم إلى الصحراء بعيداً عن المدن والقرى، يشنون هجمات على المسلمين فيقتلون ويسلبون ويعتدون على الأعراض، هذه هي الحرابة وأهلها، يقال لهم: المحاربون وحكمهم ما ذكر تعالى في الآية الأولى (33) .
1 إن كان المحاربون مسلمين؛ فالخزي لهم هو نزول العقوبة بهم في الدنيا من القتل والصلب والنفي، وفي الآخرة ينجون من عذابها، إن تابوا قبل موتهم. وإن كان المحاربون كافرين؛ فالخزي عذاب الدنيا والعذاب العظيم لهم في الآخرة. وفرقنا بين المسلمين والكافرين؛ لأن المسلمين إقامة الحد عليهم يكفر ذنب الجريمة، للحديث الصحيح في البيعة:"فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئًا فستره الله، فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". فقوله: {فَهوَ كفَارَة له} دليل على سقوط عذاب الآخرة بالحد.
2 الجمهور على أن اللص كالمحارب يناشد بالله تعالى أن يكف وينصرف وإن أبى يُقاتل ويقتل، ومن قتله اللص فهو في الجنة، وإن قتل اللص فهو النار، لحديث الصحيح، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت يا رسول الله إن جاء يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطيه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: فإن قتلته؟ قال: "فهو في النار".