الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأْيَ الْعَيْنِ} لقربهم منهم. ومع هذا نصر الله الأقلية وهم الأكثرية الكافرة، وذلك لأن الله تعالى يؤيد بنصره من يشاء، فأيد أولياءه وهزم أعداءه، وإن في هذه الحادثة لعبرة وعظة ومتفكر ولكن لمن كان ذا بصيرة. أما من لا بصيرة له فإنه لا يرى شيئاً حتى يقع في الهاوية، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور لهم: {لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
الكفر مورث لعذاب يوم القيامة والكافر معذب قطعاً.
2-
الأموال والأولاد والرجال والعتاد مهما كثروا لن يغنوا من بأس الله شيئاً إذا أراده بالكافرين في الدنيا والآخرة.
3-
الذنوب بريد العذاب1 العاجل والأجل.
4-
ذم الفخر والتعالي وسوء عاقبتهما.
5-
العاقل من اعتبر بغيره، ولا عبرة لغير أولي الأبصار أي البصائر.
6-
صدق خبر القرآن في ما أخبر به اليهود من هزيمتهم، فكان هذا دليل صدق على أن القرآن وحي الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الإسلام دين الله الحق.
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
(14) }
شرح الكلمات:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ2 حُبُّ الشَّهَوَاتِ} : جعل حبها مستحسناً في نفوسهم لا يرون فيه قبحاً ولا دمامة.
1 شاهده في كتاب الله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .
2 روى البخاري أن عمر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
…
} إلخ. قال: الآن يارب حين زينتها لنا. فأنزل الله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} الآية.
{الشَّهَوَاتِ1} : جمع شهوة بمعنى المشتهى طبعاً وغريزة؛ كالطعام والشراب اللذيذين.
َالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ: القنطار: ألف ومائة أوقية فضة، والمقنطرة: الكثيرة بعضها فوق بعض.
َالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ2: ذات السمات الحسان والمعدة للركوب عليها للغزو والجهاد.
َالأَنْعَامِ: الإبل والبقر والغنم وهي الماشية.
َالْحَرْثِ3 الزروع والحقول وسائر النباتات النافعة.
{ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: ذلك المذكور من النساء والبنين إلخ. متاع الحياة الدنيا يريد يستمتع به فيها ويموت صاحبها ويتركها.
معنى الآية الكريمة:
لما ذكر تعالى عناد من كفر من النصارى، واليهود، والمشركين، وجحودهم، وكفرهم، ذكر علة الكفر وبين سببه ألا وهو ما زينه تعالى لبني البشر عامة ليفتنهم فيه ويمتحنهم به وهو حب الشهوات، أي: المشتهيات بالطبع البشري من النساء4، والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث وهو كل ما يحرث من سائر الحبوب والنباتات الغذائية والعطرية وغيرها. هذا الذي جعل تلك الجماعات ترفض الحق وتدفعه؛ لأنه يحول بينهم وبين هذه المشتهيات غالباً فلا يحصلون عليها، ولم يعلموا أنها مجرد متاع زائل فلا يبيعوا بها الجنة دار الخلد والسلام، ولذا قال تعالى ذلك أي ما ذكر من أصناف المحبوبات متاع الحياة الدنيا لا غير إما الآخرة فلا ينفع فيها شيء من ذلك بل لا ينفع فيها إلا الزهد فيه والإعراض عنه إلا ما لابد منه للبلغة به إلى عمل الدار الآخرة وهو الإيمان وصالح الأعمال، والتخلي عن الكفر والشرك وسائر الذنوب والمعاصي.
1 في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"، ومعناه: أن الجنة لا تنال إلا بقطع مغاور المكاره والصبر عليها، وأن النار لا ينجي منها إلا ترك الشهوات وفطام النفس عنها.
2 ما ذكرناه مأخوذ من السومة وهي: السمة، أي: العلامة، وقد تكون المسومة مأخوذ من السوم، وهي: الرعي في المرعى، يقال: أسام الماشية إذا رعى بها في المرعى. والخيل مؤنثة.
3 الحرف: مصدر أطلق على المحروثات نفسها من المزارع الحدائق.
4 روى الشيخان عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء". وفي حديث آخر: "اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" رواه مسلم.
وختم تعالى الآية بقوله مرغباً في العمل للدار الآخرة داعياً عباده إلى الزهد في المتاع الفاني للتعلق قلوبهم بالنعيم الباقي فقال: {وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} ، أي: المرجع الحسن، والنزول الكريم والجوار الطيب السعيد.
هداية الآية
من هداية الآية:
1-
يزين الله تعالى بمعنى يجعل الشيء زيناً محبوباً للناس للإبتلاء والاختبار قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً1} ويزين الشيطان للإضلال والإغواء، فالله يزين الزين ويقبح القبيح، والشيطان يزين القبيح، ويقبح الزين. فانظر الفرق وتأمل.
2-
المزينات في هذه الآية من تزيين الله تعالى للابتلاء، وكلها زينة في الواقع وليس فيها قبيح إلا إذا طلبت من غير حلها وأخذت بشره ونهم فأفسدت أخلاق آخذها أو طغت عليه محبتها فأنسته لقاء الله وما عنده فهلك بها كاليهود والنصارى والمشركين.
3-
كل ما في الدنيا مجرد متاع، والمتاع دائماً قليل وزائل فعلى العاقل أن ينظر إليه كما هو فلا يطلبه بما يحرمه حسن2 المآب عند الله. اللهم لا تحرمنا حسن مآبك يا الله يا رحمن يا رحيم.
1 سورة الكهف: 7.
2 المآب: المرجع، يقال: آب يؤب أوباً، ومآباً إذا رجع، ومنه قول امرؤ القيس:
وقد طفت في الآفاق حتى
…
رضيت من الغنيمة بالإياب
والمراد بالمآب: ما أعده الله تعالى لأولياءه من النعيم المقيم في دار السلام.
شرح الكلمات:
{أَؤُنَبِّئُكُمْ1} : أخبركم بنبأ عظيم لأن النبأ لا يكون إلا بالأمر العظيم.
{بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} : أي: المذكور في الآية السابقة من النساء والبنين. إلخ.
{اتَّقَوْا} : خافوا ربهم فتركوا الشرك به ومعصيته ومعصية رسوله.
{مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} : من خلال قصورها وأشجارها أنهار2 الماء، وأنهار اللبن وأنهار العسل وأنهار الخمر.
{خَالِدِينَ فِيهَا} : مقيمين فيها إقامة لا يرحلون بعدها أبداً.
َأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ: زوجات: هي الحور العين نقيات من دم الحيض والبوم وكل أذى وقذر.
الصَّابِرِينَ: على الطاعات لا يفارقونها وعلى المكروه لا يتسخطون، وعن المعاصي لا يقارفونها.
َالصَّادِقِينَ: في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم.
َالْقَانِتِينَ: العابدين المحسنين الداعين الضارعين.
َالْمُنْفِقِينَ: المؤدين للزكاة المتصدقين بفضول أموالهم.
َالْمُسْتَغْفِرِينَ3 بِالأَسْحَارِ: السائلين ربهم المغفرة في آخر الليل وقت السحور.
معنى الآيات:
لما بين الله تعالى ما زينه للناس من حب الشهوات من النساء والبنين اوالقناطير المنقطرة من الذهب والفضة إلى آخر ما ذكر تعالى، وبين أن حسن المآب عنده سبحانه وتعالى فليطلب منه بالإيمان والصالحات أمر رسوله أن يقول للناس كافة أؤنبئكم بخير من ذلك المذكور لكم. وبينه بقوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
1 يصح أن يكون منتهى الاستفهام قوله تعالى: {مِنْ ذَلِكُمْ} و {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} خبر مقدم، وجنات: المبتدأ، ويصح أن يكون منتهى الاستفهام:{عِنْدَ رَبِّهِمْ} و {جَنَّاتٌ} : خبر، والمبتدأ محذوف.
2 شاهد هذا في قوله تعالى من سورة محمد صلى الله عليه وسلم: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} .
3 المختار من ألفاظ الاستغفار ما رواه الطبراني: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبو لك بنعمتك عليّ، وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وقول العبد: "اللهم لا إله إلا أنت سبحانك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ
…
} وهو رضاه عز1 وجل عنهم وهو أكبر من النعيم المذكورقبله، قال تعالى في آية أخرى2: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ
…
} .
ثم أخبر تعالى أنه بصير بعباده يعلم المؤمن الصادق والمنافق الكاذب، والعامل المحسن والعامل المسيء وسيجزي كلا بعدله وفضله، ثم ذكر صفات المتقين التي ورثوا بها ما وصف من النعيم فقال:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فذكر صفة الإيمان والخشية والضراعة والدعاء لهم ثم كر باقي الصفات الكمالية فقال: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} ، يتهجدون آخر الليل وقبيل طلوع الفجر يكثرون من الاستغفار وهو طلب المغفرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا مهما كان.
2-
نعيم الآخرة خاص بالمتقين الأبرار، ونعيم الدنيا غالباً ما يكون للفجار.
3-
التقوى وهي ترك الشرك والمعاصي هي العامل الوراثي لدار السلام.
4-
استحباب الضراعة والدعاء والاستغفار3 في آخر الليل.
5-
الصفات المذكورة لأهل التقوى هنا كلها واجبة لا يحل أن لا يتصف بها مؤمن ولا مؤمنة في الحياة.
{شَهِدَ4 اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو5 الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ
1 في قوله تعالى من سورة التوبة: {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
2 أخرج مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: "أن أهل الجنة إذ أدخلوها يقول الله تعالى لهم: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً".
3 شاهده ما رواه الأئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: "أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر". رواه مسلم
4 روى الكلبي، ونقل ذلك القرطبي فقال: "لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم عليه حبران من أحبار الشام فلما أبصرا المدينة، قالا أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم. قالا: وأنت أحمد؟ قال: نعم. قالا: نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك. وصدقناك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسألاني: فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله؟ فأنزل الله تعالى على نبيه: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} الآية.
5 في عطف شهادة أولي العلم على شهادة الله تعالى شرف كبير لأولي العلم، وفي الحديث:"أن العلماء ورثة الأنبياء"، "العلماء أمناء الله على خلقه".