الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً
(19)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21) }
شرح الكلمات:
{كَرْهاً} : بدون رضاهن.
العضل: المنع بشدة كأنه إمساك بالعضلات أو من العضلات.
{بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} : أي: من المهور.
الفاحشة: الخصلة القبيحة الشديدة القبح؛ كالزنا.
{مُبَيِّنَةٍ1} : ظاهرة واضحة ليست مجرد تهمة أو مقالة سوء.
{بِالْمَعْرُوفِ2} : ما عرفه الشرع واجباً أو مندوباً أو مباحاً.
{قِنْطَاراً} : أي: من الذهب أو الفضة مهراً وصداقاً.
1 قرئت: {مبينة} بفتح الياء، وقرئت بكسرها {مبينة} ، وقرأ ابن عباس {مبينة} بكسر الباء، اسم فاعل من أبان يبين، فهو مبين، وهي مبينة. والمعنى واحد.
2 من المعاشرة بالمعروف: أن لا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً، ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها.
{بُهْتَاناً وَإِثْماً} : أي: كذباً وافتراء، وإثماً حراماً لا شك في حرمته؛ لأنه ظلم.
{أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} : أي: خلص الزوج إلى عورة زوجته والزوجة كذلك.
{مِيثَاقاً غَلِيظاً} : هو العقد وقول الزوج: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
معنى الآيات:
تضمنت هذه الآية: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا1 النِّسَاءَ كَرْهاً} إبطال ما كان شائعاً بين الناس قبل الإسلام من الظلم اللاحق بالنساء، فقد كان الرجل إ ذا مات والده على زوجته ورثها أكبر أولاده من غيرها فإن شاء زوجها وأخذ مهرها وإن شاء استبقاها حتى تعطيه ما يطلب منها من مال فأنزل الله تعالى قوله:{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} . فبطل ذلك الحكم الجاهلي بهذه الآية الكريمة وأصبحت المرأة إذا مات زوجها اعتدت في بيت زوجها فإذا انقضت عدتها ذهبت حيث شاءت ولها ما لها وما ورثته من زوجها أيضاً وقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ2 لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} . فهذا حكم آخر وهو أن يحرم على الزوج إذا كره3 زوجته أن يضايقها ويضارها حتى تفتدي منه ببعض مهرها، إذ من معاني العضل المضايقة والمضارة، هذا ما لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنا أو تترفع عن الزوج وتتمرد عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف أما إن أتت بفاحشة مبينة لا شك فيها أو أنشزت نشوزاً بيناً فحينئذ للزوج أن يضايقها حتى تفتدي منه بمهرها أو بأكثر حتى يطلقها، وذلك لقوله تعالى:{إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بمعاشرة الزوجات بالمعروف وهو العدل والإحسان، فقال:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وإن فرض أن أحداً منكم كره زوجته وهي لم تأتي بفاحشة مبينة فليصبر عليها ولا يطلقها فلعل الله تعالى يجعل في بقائها في عصمته خيراً كثيراً له نتيجة الصبر عليها وتقوى الله تعالى فيها وفي غيرها، فقد يرزق منها ولداً ينفعه، وقد يذهب من نفسه ذلك الكره ويحل محله الحب والمودة. والمراد أن الله تعالى أرشد المؤمن
1 روى البخاري في سند نزول هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن لم يشاءوا لم يزوجها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ}
…
إلخ. ".
2 جائز أن يكون فعل: {وتَعْضلوهن} في محل نصب على تقدير ولا تعضلون كما هي قراءة ابن مسعود، وجائز أن يكون في محل جزم على أن لا ناهية.
3 كرها: لدمامة، أو سوء خلق أو سلاطة لسان على ذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". رواه مسلم.
إن كره زوجته أن يصبر ولا يطلق لما في ذلك من العاقبة الحسنة، لأن الطلاق بغير موجب غير صالح ولا مرغوب للشارع وكم من أمر يكرهه العبد ويصبر عليه فيجعل الله تعالى فيه الخير الكثير. هذا ما تضمنته الآية الأولى (19)، أما الآيتان بعدها فقد تضمنتا: تحريم أخذ شيء من مهر المرأة إذا طلقها الزوج لا لإتيانها بفاحشة ولا لنشوزها، ولكن لرغبة منه في طلاقها ليتزوج غيرها في هذه الحال لا يحل له أن يضارها لتفتدي منه بشيء ولو قل، ولو كان قد أمهرها قنطاراً فلا يحل أن يأخذ منه فلساً فضلاً عن دينار أو درهم هذا معنى قوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً1 فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} أتأخذونه بهتاناً، أي: ظلماً بغير حق وكذباً وافتراء وإثماً، أي: ذنبا ًعظيماً، ثم قال تعالى منكراً على من يفعل ذلك: وكيف تأخذونه أي: بأي وجه يحل لكم ذلك، والحال أنه قد أفضى2 بعضهم إلى بعض أي: بالجماع، إذ ما استحل الزوج فرجها إلا بذلك المهر فكيف إذا يسترده أو شيئاً منه بهتاناً وإثماً مبيناً، فقال تعالى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} ؟ وقوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} يعني: عقد النكاح فهو عهد مؤكد يقول: الزوج نكحتها على مبدأ: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فأين التسريح بإحسان إذا كان يضايقها حتى تتنازل عن مهرها أو عن شيء منه، هذا ما أنكره تعالى بقوله:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} إذ هو استفهام إنكاري3.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
إبطال قانون الجاهلية القائم على أن ابن الزوج يرث امرأة أبيه.
2-
حرمة العضل من أجل الافتداء بالمهر وغيره.
3-
الترغيب في الصبر.
1 روى أصحاب السنن، وصححه الترمذي: أن عمر بن الخطاب كان يخطب فقال: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله ما أصدق قط امرأة من نساؤه ولا بناته فوق اثنتي عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له يا عمر: أيعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} ؟ قال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر".
2 اختلف في الإفضاء الذي يجب به المهر، قال عمر:"إن أغلق باباً وأرخى ستراً ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة، ولها الميراث وهو قول فصل. أما الإفضاء الذي تحل به المطلقة ثلاثاً من الوطء لحديث: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" والإفضاء في هذه الآية: الجماع أيضاً. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
3 نعم إنكاري، وفيه معنى التعجب أيضاً؛ لأنه أمر مستنكر ومتعجب منه لفظاعته وخروجه عن اللياقة والأدب.