المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ١

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ مميزات هذا التفسير

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌ وضعت هذه الحاشية

- ‌1

- ‌(3) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌ البقرة

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(62) }

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(75)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(120)

- ‌(122)

- ‌(124) }

- ‌(125)

- ‌(130)

- ‌(135)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(163)

- ‌(165)

- ‌(168)

- ‌(171) }

- ‌(177) }

- ‌(178)

- ‌(180)

- ‌(183)

- ‌(185) }

- ‌(187) }

- ‌(188) }

- ‌(189) }

- ‌(190)

- ‌(194)

- ‌(196) }

- ‌(200)

- ‌(204)

- ‌(208)

- ‌(211)

- ‌(214) }

- ‌(216) }

- ‌(217)

- ‌(219)

- ‌(221) }

- ‌(222)

- ‌(224)

- ‌(228) }

- ‌(229) }

- ‌(230) }

- ‌(232) }

- ‌(233) }

- ‌(234)

- ‌(240)

- ‌(243)

- ‌(246)

- ‌(248)

- ‌(249)

- ‌(253)

- ‌(259) }

- ‌(264) }

- ‌(265)

- ‌(267)

- ‌(270)

- ‌(278)

- ‌(282) }

- ‌(285)

- ‌1

- ‌7

- ‌(14) }

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(69)

- ‌(75)

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(90)

- ‌(92) }

- ‌(93)

- ‌(98)

- ‌(110)

- ‌(113

- ‌(116)

- ‌(121)

- ‌(124)

- ‌(128)

- ‌(133)

- ‌(146)

- ‌(149)

- ‌(152)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(159)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(176)

- ‌(179)

- ‌(185)

- ‌(187)

- ‌ النساء

- ‌ 1

- ‌(2)

- ‌5

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(40)

- ‌(43) }

- ‌(47) }

- ‌(49)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(92)

- ‌(94) }

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(110)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(122) }

- ‌(127)

- ‌(131)

- ‌(135) :

- ‌(138)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(153)

- ‌(155

- ‌(160)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(174)

- ‌(176) }

- ‌1} :

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32) }

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(73)

الفصل: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ

{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ‌

(32)

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) }

شرح الكلمات:

{وَلا تَتَمَنَّوْا} : التمني: التشهي والرغبة في حصول الشيء، وأداته: ليت، ولو، فإن كان مع زوال المرغوب فيه عن شخص ليحصل للمتمني فهو الحسد.

{مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ} : أي: ما فضل الله به أحداً منكم فأعطاه علماً أو مالاً أو جاهاً أو سلطاناً.

{نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} : أي: حصة وحظ من الثواب والعقاب بحسب الطاعة والمعصية.

{مَوَالِيَ} : الموالي: من يلون التركة ويرثون الميت من أقارب.

{عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} : أي: حالفتموهم وتآخيتم معهم مؤكدين ذلك بالمصافحة واليمين.

{فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} : من الرفادة والوصية والنصرة لأنهم ليسوا ورثة.

معنى الآيتين:

صح أو لم يصح أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ليتنا كنا رجالاً فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال فإن الله سميع عليم، والذين يتمنون1 حسداً وغير حسد ما أكثرهم ومن هنا نهى

1 التمني: نوع إرادة يتعلق بالمستقبل، وعلى خلافه التلهف؛ لأنه يتعلق بالماضي، وسر النهي عنه: أن فيه تعلق البال بالمتمني ونسيان الأجل، ولذا حرم التمني الذي هو الحسد، وهو نوعان: تمني زوال النعمة من غيره لتحصل له، وتمني زوال النعمة من غيره ولو لم تحصل له، وهو شر الحسد. وهل الغبطة من الحسد؟ والجواب: لا. والغبطة هي: أن يرى العبد نعمة علم أو مال لأحد فيغتبط ويسأل الله تعالى أن يكون له ذلك العلم ليعلمه ويعمل به، أو يكون له ذلك المال ليتصدق به. فهذه الغبطة محمودة لحديث البخاري:"لا حسد إلا في اثنتين، رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، فيقول الرجل: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثله فهم في الأجر سواء ".

ص: 469

الله تعالى في هذه الآية الكريمة (32) عباده المؤمنين عن تمني ما فضل الله تعالى به بعضهم على بعض فأعطى هذا وحرم ذاك لحكم اقتضت ذلك، ومن أظهرها الابتلاء بالشكر والصبر، فقال تعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ} –من علم أو مال. أو صحة أو جاه أو سلطان- {بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وأخبر تعالى أن سنته في الثواب والعقاب الكسب والعمل، فليعمل من أراد الأجر والمثوبة بموجبات ذلك من الإيمان والعمل الصالح، ولا يتمنى ذلك تمنياً، وليكف عن الشرك والمعاصي من خاف العذاب والحرمان ولا يتمنى النجاة تمنياً كما على من أراد المال والجاه فليعمل له بسنته المنوطة به، ولا يتمنى فقط فإن التمني كما قيل بضائع النوكى، أي: الحمقى، فلذا قال تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} ، فرد القضية إلى سنته فيها وهي كسب الإنسان. كقوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ثم بين تعالى سنة أخرى في الحصول على المرغوب: وهي دعاء الله تعالى فقال: {وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} فمن سأل ربه وألح1 عليه موقناً بالإجابة أعطاه فيوفقه للإتيان بالأسباب، ويصرف عنه الموانع، ويعطيه بغير سب إن شاء، وهو على كل شيء قدير، بل ومن الأسباب المشروعة الدعاء والإخلاص فيه.

هذا ما تضمنته الآية الأولى (33) فإن الله تعالى يخبر مقرراً حكما ً شرعياً قد تقدم في السياق، وهو أن لكل من الرجال والنساء ورثة يرثون إذا مات فقال:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا2 مَوَالِيَ} أي: أقارب يرثونه إذا مات، وذلك من النساء والرجال، أما الذين هم موالي بالحلف أو الإخاء فقط، أي: ليسوا من أولي الأرحام، فالواجب إعطاؤهم نصيبهم من النصرة والرفادة. والوصية لهم بشيء إذ لاحظ لهم في الإرث، لقوله تعالى:{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ، ولما كان توزيع المال وقسمته تتشوق له النفوس وقد يقع فيه حيف أو ظلم أخبر تعالى أنه على كل شيء شهيد فلا يخفى عليه من أمر الناس شيء فليتق ولا يُعص.

1 لحديث الترمذي وغيره، قال صلى الله عليه وسلم:"سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج" أي: من الله تعالى، وهو تعلق القلب بالرب تعالى.

2 هذه الآية ناسخة لكل من الإرث بالتحالف والمؤاخاة، وهي كقوله تعالى:{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} ، وهو المقصود بقوله تعالى:{والَّذين عَقَدت أيمَانكم} فقد كان الرجل في الجاهلية يقوله لمن أراد محالفته: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثي وأرثك. وأما المؤاخاة: فقد كانت بين المهاجرين والأنصار بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوارثوا بها حتى نسخت بهذه الآية، وآية الأنفال:{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} .

ص: 470

فقال: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} لا يخفى عليه من أمركم شيء فاتقوه وأطيعوه ولا تعصوه.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1-

قبح التمني وترك العمل.

2-

حرمة الحسد.

3-

فضل الدعاء وأنه من الأسباب التي يحصل بها المراد.

4-

تقرير مبدأ التوارث في الإسلام.

5-

من عاقد أحداً على حلف أو آخى أحداً وجب عليه أن يعطيه حق النصرة والمساعدة وله أن يوصي له بما دون الثلث1، أما الإرث فلا حق له لنسخ ذلك.

6-

وجوب مراقبة الله تعالى؛ لأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء شهيد.

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) }

1 يدخل في هذا المتبني فإن لمن تبناه بمعنى: رباه أن يوصي له بما دون الثلث، أما أن ينسبه إليه فلا لأنه محرم بالكتاب والسنة.

ص: 471

شرح الكلمات:

{قَوَّامُونَ} : جمع قوام1: وهو من يقوم على الشيء رعاية وحماية وإصلاحاً.

{بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ} : بأن جعل الرجل أكمل في عقله ودينه وبدنه فصلح للقوامة.

{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ2} : وهذا عامل آخر مما ثبتت به القوامة للرجال على النساء فإن الرجل بدفعه المهر وبقيامه بالنفقة على المرأة كان أحق بالقوامة التي هي الرئاسة.

{فَالصَّالِحَاتُ3} : جمع صالحة: وهي المؤدية لحقوق الله تعالى وحقوق زوجها.

{قَانِتَاتٌ} : مطيعات لله ولأزواجهن.

{حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} : حافظات لفروجهن وأموال أزواجهن.

{نُشُوزَهُنَّ} : النشوز: الترفع عن الزوج وعدم طاعته.

{فَعِظُوهُنَّ} : بالترغيب في الطاعة والتنفير من المعصية.

{فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} : أي: لا تطلبوا لهن طريقاً تتوصلون به إلى ضربهن بعد أن أطعنكم.

{شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} : الشقاق: المنازعة والخصومة حتى يصبح كل واحد في شق مقابل.

{حَكَماً} : الحكم: الحاكم، والمحكوم في القضايا للنظر والحكم فيها. معنى الآيتين:

يروى في سبب نزول هذه الآية أن: سعد4 بن الربيع رضي الله عنه أغضبته امرأته فلطمها، فشكاه وليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه يريد القصاص فأنزل الله تعالى هذه الآية:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} . فقال ولي المرأة: أردنا أمراً وأراد الله غيره، وما أراده الله خير. ورضي بحكم الله تعالى وهو أن الرجل

1 قوام: ومثله، قيام، وقيوم، وقيم. كلها بمعنى واحد مشتقة من القيام؛ لأن من شأن من يهتم بالشيء وتدبيره أن يقف عليه ويقوم.

2 أخذ من هذه الجملة الفقهاء: أن من عجز عن النفقة كان للزوجة فسخ النكاح لانعدام القوامة لها، التي بها استحق الرجل العصمة، وخالف أبو حنيفة: فلم يرَ الطلاق بالإعسار.

3 أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الصالحات بقوله: "خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتك أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك". وهو تفسير لقوله تعالى: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ

} .

4 ذكر في سبب نزولها عدة أسباب. وما ذكرناه أولى بالصحة والقبول.

ص: 472

ما دام قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتى من عقل أكمل من عقلها، وعلمه أغرز من علمها غالباً، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهايتها أبعد من نظرها يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها فلما وجبت له الرئاسة عليها، وهي رئاسة شرعية كان له الحق أن يضربها بما لا يشين جارحة أو كيسر عضواً فيكون ضربه لها؛ كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه، وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته أمر الله تعالى بإكرام المرأة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها وأثنى عليها فقال:{فَالصَّالِحَاتُ} ، وهن: اللائي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام {قَانِتَاتٌ} : أي: مطيعات لله تعالى، وللزوج، {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: حافظات مال الزوج وعرضه لحديث: "وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله1"{بِمَا حَفِظَ اللهُ} أي: بحفظ الله تعالى لها وإعانته لها إذ لو وكلت إلى نفسها لا تستطيع حفظ شيء وإن قل. وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمناً، وذلك أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها، وهذا ما ذكرته أولاً نبته عليه هنا ليعلم أنه من دلالة الآية الكريمة، وقد ذكره غير واحد من السلف.

وقوله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} . فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت، أي: ترفعت على زوجها ولم تؤدي إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما، فيقول:{وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي: ترفعهن بما ظهر لكم من علامات ودلائل كأن يأمرها فلا تطيع ويدعوها فلا تجيب وينهاها فلا تنتهي، فاسلكوا معهن السبيل الآتي:{فَعِظُوهُنَّ} أولاً، والوعظ تذكيرها بما للزوج عليها من حق يجب أداؤه وما يترتب على إضاعته من سخط الله تعالى وعذابه، وبما قد ينجم من إهمالها في ضربها أو طلاقها، فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات، وترهيب من عقوبة المفسدات العاصيات فإن نفع الوعظ فيها وإلا فالثانية وهي: أن يهجرها2 الزوج في الفراش فلا يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد

1 رواه أبو داود الطيالسي، وقد تقدم في النهر آنفاً، وهو حديث صحيح.

2 هذا الهجر في الفراش شهر فلا يزيد عليه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة فأفشته لعائشة، ولا يكون كالإيلاء أربعة أشهر.

ص: 473

أعطاها ظهره فلا يكلمها ولا يجامعها وليصبر على ذلك حتى تؤوب إلى طاعته وطاعة الله ربهما معاً، وإن أصرت ولم يجد معها الهجران في الفراش، فالثالثة وهي: أن يضربها1 ضرباً غير مبرح لا يشين جارحة ولا يكسر2 عضواً. وأخيراً فإن هي أطاعت زوجها فلا يحل بعد ذلك أن يطلب الزوج طريقاً إلى أذيتها لا يضرب ولا بهجران لقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} أي: الأزواج {فَلا تَبْغُوا} أي: تطلبوا {عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} لأذيتهن باختلاف الأسباب وإيجاد العلل والمبررات لأذيتهن. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} تذييل الكلام بما يشعر من أراد أن يعلو3 على غيره بما أوتي من قدرة بأن الله أعلى منه وأكبر فليخش الله وليترك من علوه وكبريائه.

هذا ما تضمنته هذه الآية العظيمة (34) ، أما الآية الثانية (35) فقد تضمنت حكماً اجتماعياً آخر وهو إن حصل شقاق بين زوج وامرأته فأصبح الرجل في شق والمرأة في شق آخر فلا تلاقي بينهما ولا وفاق ولا وئام ذلك لصعوبة الحال، فالطريق إلى حل هذا المشكل ما أرشد الله تعالى إليه، وهو أن يبعث ولي الزوجة حكماً من قبله، ويبعث ولي الزوج حكماً من قبله، أو يبعث الزوج نفسه حكماً وتبعث الزوجة أيضاً حكماً من قبلها، أو يبعث القاضي كذلك، الكل جائز لقوله تعالى:{فَابْعَثُوا} وهو يخاطب المسلمين على شرط أن يكون الحكم عدلاً عالماً بصيراً حتى يمكنه الحكم والقضاء بالعدل. فيدرس الحكمان القضية أولاً مع طرفي النزاع ويتعرفان إلى أسباب الشقاق وبما في نفس الزوج من رضى وحب، وكراهية وسخط ثم يجتمعان على إصلاح ذات البين، فإن أمكن ذلك فيها وإلا فرقا بينهما برضى الزوجين. مع العلم أنهما إذا ثبت لهما ظلم أحدهما فإن عليهما أن يطالبا برفع الظلم، فإن كان الزوج هو الظالم فليرفع ظلمه وليؤد ما وجب عليه، وإن كانت المرأة هي الظالمة فإنها ترفع ظلمها أو تفدي نفسها بمال فيخالعها به زوجها، هذا معنى قوله تعالى: {وَإِنْ

1 لم يصرح الله تعالى بالضرب في كتابه إلا في الحدود، وهنا في ضرب الناشر، وهذا دليل على أن عصيان الزوجة لزوجها حرام، ويشهد لهذا حديث:"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح". رواه مسلم.

2 لحديث مسلم في خطبة الوداع، إذ فيه:"واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوام ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف".

3 روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، أنه لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تضربوا إماء الله". فجاء عمر وقال: يا رسول الله ذئرت النساء على أزواجهن فرخص صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشتكين أزواجهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم" ومعنى ذئرت النساء: أي: نشزت وتغير خلقهن، أي: نشزن وأجترأن، والإجتراء هنا أولى بالمعنى.

ص: 474

خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} ، والخوف هنا بمعنى: التوقع الأكيد بما ظهر من علامات ولاح من دلائل فيعالج الموقف قبل التأزم الشديد {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} ، لأنهما أعرف بحال الزوجين من غيرهما وقوله تعالى:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً} فإنه يعني الحكمين، {يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} ، أي: إن كان قصدهما الإصلاح والجمع بين الزوجين وإزالة الشقاق والخلاف بينهما فإن الله تعالى يعينهما على مهمتهما ويبارك في مسعاهما ويكلله بالنجاح. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} . ذكر تعليلاً لما واعد به تعالى من التوفيق بين الحكمين، إذ لو لم يكن عليماً خبيراً ما عرف نيات الحكمين وما يجري في صدورهما من إرادة الإصلاح أو الإفساد.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1-

تقرير مبدأ القيومية للرجال على النساء وبخاصة الزوج على زوجته.

2-

وجوب إكرام الصالحات والإحسان إليهن.

3-

بيان علاج مشكلة نشوز1 الزوجة وذلك بوعظها أولاً ثم هجرانها في الفراش ثانياً.

4-

لا يحل اختلاف الأسباب وإيجاد مبررات لأذية المرأة بضرب وبغيره.

5-

مشروعية التحكيم في الشقاق بين الزوجين وبيان ذلك.

{وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ

1 النشوز: العصيان، مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، ويقال: نشز الرجل ينشز إذا كان قاعداً فنهض قائماً. ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} ، أي: ارتفعوا وقوموا. فنشوز المرأة: ترفعها عن طاعة الزوج.

ص: 475

النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) }

شرح الكلمات:

{وَاعْبُدُوا اللهَ1} : الخطاب للمؤمنين ومعنى: اعبدوا: أطيعوه في أمره ونهيه مع غاية الذل والحب والتعظيم له عز وجل.

{وَلا تُشْرِكُوا بِهِ2 شَيْئاً} : أي: لا تعبدوا معه غيره بأي نوع من أنواع العبادات التي تعبد الله تعالى بها عباده من دعاء وخشية وذبح ونذر وركوع وسجود وغيرها.

{وَبِذِي الْقُرْبَى} : أصحاب القرابات.

{وَابْنِ السَّبِيلِ} : المسافر استضاف أو لم يستضف.

{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى3} : أي: القريب لنسب أو مصاهرة.

{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} : أي: الأجنبي مؤمناً كان أو كافراً.

{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الزوجة، والصديق الملازم؛ كالتلميذ والرفيق في السفر.

{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} : من الأرقاء العبيد فتيان وفتيات.

{مُخْتَالاً فَخُوراً} : الاختيال: الزهو في المشي، والفخر والافتخار بالحسب والنسب والمال بتعداد ذلك وذكره.

1 هذه الآية محكمة إجماعاً لا نسخ فيها البتة، وتسمى آية الحقوق العشرة.

2 الشرك ثلاثة أنواع: شرك في ربوبية الله تعالى للعالمين. شرك في أسماؤه تعالى وصفاته. وشرك في عبادته تعالى. والشرك بأنواعه الثلاثة من الذنب الذي لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة الصادقة منه. ومن شرك العبادة: الرياء.

3 قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي. فقال: "إلى أقربهما منك باباً" والجيران الثلاثة: جار له ثلاثة حقوق. وجار له حقان. وجار له حق واحد. فالجار الذي له ثلاثة حقوق: فالجار المسلم القريب؛ حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام. والجار الذي له حقان: فالجار المسلم له حق الجوار، وحق الإسلام. والجار الذي له حق واحد: هو الكافر له حق الجواز.

ص: 476

{يَبْخَلُونَ} : يمنعون الواجب بذله من المعروف مطلقاً.

{وَيَكْتُمُونَ} : يجحدون ما أعطاهم الله من علم ومال تفضلاً منه عليهم.

{قَرِيناً} : القرين: الملازم الذي لا يفارق صاحبه مشدود معه بقرن، أي بحبل.

{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ1} : أي: أي شيء يضرهم أو ينالهم بمكروه إذا هم آمنوا؟. معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في هداية المؤمنين، وبيان الأحكام الشرعية لهم ليعملوا بها فيكملوا ويسعدوا، ففي الآية الآولى (36) يأمر تعالى المؤمنين بعبادته وتوحيده2 فيها وبالإحسان3 إلى الوالدين وذلك بطاعتهم في المعروف وإسداء الجميل لهم، ودفع الأذى عنهم، وكذا الأقرباء، واليتامى، والمساكين، والجيران4 مطلقاً أقرباء أو أجانب، والصاحب الملازم الذي لا يفارق؛ كالزوجة والمرافق في السفر والعمل والتلمذة والطلب، ونحو ذلك من الملازمة التي لا تفارق إلا نادراً، إذ الكل يصدق عليه لفظ الصاحب بالجنب. وكذا ابن السبيل وما ملكت اليمين من أمة أو عبد والمذكورون الإحسان إليهم آكد وإلا فالإحسان معروف يبذل لكل الناس كما قال تعالى:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} ، وقال {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} دال على أن منع الإحسان الذي هو كف الأذى وبذل المعروف ناتج عن خلق البخل والكبر وهما من شر الأخلاق هذا ما دلت عليه الآية الأولى (36) .

وأما الآية الثانية (37) وقد تضمنت بمناسبة ذم البخل والكبر والتنديد ببخل بعض أهل الكتاب وكتمانهم الحق وهو ناتج عن بخلهم أيضاً قال تعالى: {الَّذِينَ5 يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه} أي: من مال وعلم وقد كتموا نُعوت النبي

1 تفهام هنا إنكاري توبيخي.

2 التوحيد ضد الشرك، وقد ورد في الشرك تحذيراً منه أحاديث صحاح منها حديث مسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".

3 قرن تعالى في غير آية عبادته بالإحسان إلى الوالدين نظراً إلى أن الله تعالى خلق ورزق فهو أحق بالطاعة، وأن الوالدين تكون الولد منهما وربياه في صغره، فكانت المنة لهما بعد الله تعالى.

4 صح في الإحسان إلى الجار العديد من الأحاديث منها: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، ومنها:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم جاره"، ومنها:"والله لا يؤمن. فقيل من: قال: من لا يؤمن جاره بوائقه".

5 البخل المذموم شرعاً: هو الامتناع من أداء الحقوق الواجبة. والشح: بخل مع حرص، وهو شر من مجرد البخل.

ص: 477

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته الدالة عليه في التوراة والإنجيل، وبخلوا بأموالهم وأمروا بالبخل بها، إذ كانوا يقولون للأنصار لا تنفقوا أموالكم على محمد فإنا نخشى عليكم الفقر، وخبر الموصول الذين محذوف تقديره هم الكافرون حقاً دل عليه قوله:{وَأَعْتَدْنَا1 لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} . هذا ما جاء في هذه الآية الثانية.

أما الآيتان الثالثة (38) والرابعة (39) فإن الأولى منهما قد تضمنت بيان حال أناس آخرين غير اليهود وهم المنافقون فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} أي: مراءاة لهم ليتقوا بذلك المذمة ويحصلوا على المحمدة. {وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} . لأنهم كفار مشركون وإنما أظهروا الإسلام تقية فقط، ولذا كان إنفاقهم رياء لا غير. وقوله:{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً} أي: بئس القرين له الشيطان وهذه الجملة: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ

} دالة على خبر الموصول المحذوف اكتفى بها عن ذكره كما في الموصول الأول وقد يقدر بمثل: الشيطان2 قرينهم، هو الذي زين لهم الكفر بالله واليوم الآخر.

هذا ما تضمنته الآية الثانية (39) وهي قوله تعالى {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ 3 لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ} فقد تضمنت الإنكار والتوبيخ لأولئك المنافقين الذين ينفقون رياء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر بسب فتنة الشيطان لهم وملازمته إياهم، فقال تعالى:{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} أي: أي شيء يضرهم أو أي أذى يلحقهم في العاجل أو الآجل، لو صدقوا الله ورسوله وأنفقوا في سبيل الله مما رزقهم الله، وفي الخطاب دعوة ربانية لهم لتصحيح إيمانهم واستقامتهم بالخروج من دائرة النفاق التي أوقعهم فيها القرين عليه لعائن الله، فلذا لم يذكر تعالى وعيداً لهم، وإنما قال:{وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً} وفي هذه تخويف لهم من سوء حالهم إذا استمروا على نفاقهم فإن علم الله بهم يستوجب الضرب على أيديهم إن لم يتوبوا.

1 أصل: {اعتدن} أعددن، أبدلت الدال الأولى تاء لثقل الدالين عند فك الإدغام، أما مع الإدغام فلا إبدال، نحو: أعد، ومنه العتاد الحربي، وهو عدة السلاح.

2 أو فقرينهم الشيطان.

3 ماذا: اسم استفهام بمعنى: أي شيء، ويجوز أن تكون ما مبتدأ، وذا خبره، وهو بمعنى: الذي.

ص: 478