الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ1 شَطْرَهُ2 وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
(144)
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ3 وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) }
شرح الكلمات:
تقلب وجهك في السماء: تردده بالنظر إليها مرة بعد أخرى انتظاراً لنزول الوحي.
فلنولينك قبلة ترضاها: فلنحولنك إلى القبلة التي تحبها وهي الكعبة.
فول وجهك شطر المسجد: حول وجهك جهة المسجد الحرام بمكة.
الحرام: بمعنى: المحرم لا يسفك فيه دم ولا يقتل فيه أحد.
الشطر: هنا الجهة واستقبال الجهة يحصل به استقبال بعض البيت في المسجد الحرام، لأن الشطر لغة: النصف أو الجزء مطلقاً.
أنه الحق من ربهم: أي تحول القبلة جاء منصوصاً عليه في الكتب السابقة.
1 اختلف في أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى الكعبة، فقيل: الظهر، وقيل: العصر، ولم يرجح أحد القولين، وقيل: كانت صلاة الظهر في مسجد بني سلمة، المعروف بمسجد القبلتين حتى صلوا بعض الصلاة إلى بيت المقدس وبعضها إلى الكعبة، فسمي لذلك مسجد القبلتين.
2 اختلف في: هل الغائب عن البيت الحرام يصلى إلى عين الكعبة أو إلى جهتها. الصواب أنه يصلي إلى جهة الكعبة ناوياً استقبال البيت، لأن استقبال عين الكعبة معتذر على غير الموجود في المسجد الحرام، أما في المسجد الحرام فلا تصح صلاته إن لم يستقبل عين الكعبة.
آية: حجة وبرهان.
يعرفونه: الضمير عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يعلمون أنه نبي الله ورسوله لما في كتبهم من صفاته الواضحة القطعية.
من الممترين: الشاكين والامتراء: الشك وعدم التصديق.
معنى الآيات:
يعلم الله تعالى رسوله أنه كان يراه وهو يقلب وجهه في السماء انتظاراً لوحي يؤمر فيه باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس لرغبته في مخالفة اليهود لقبلة أبيه إبراهيم، إذ هي أول قبلة وأفضلها فبناء على ذلك {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ1الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، وبهذا المر الإلهي تحولت القبلة، وروي أنه كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة المعروف الآن بمسجد القبلتين فصلى الرسول والمؤمنون وراءه ركعتين إلى بيت المقدس، وركعتين إلى الكعبة، وكيلا تكون القبلة خاصة بمن كان بالمدينة، قال تعالى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} أي: في نواحي البلاد وأقطار الأرض {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أي شطر المسجد الحرام، كما أخبر تعالى في هذه الآية أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن تحول القبلة حق وأنه بأمر الله تعالى وما أحدثوه من التشويش والتشويه إزاء تحول القبلة، فقد علمه وسيجزيهم به إذ لم يكن تعالى بغاف عما يعملونه.
وفي الآية الثانية (145) يخبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى2 اليهود والنصارى بكل آية تدل على صدقه أو حقيقة القبلة إلى الكعبة ما كانوا ليتابعوه على ذلك وصلوا إلى قبلته، كما إن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود، ولا اليهود ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لم يكونوا أبداً ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم الله إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم.
وأخيراً يحذر الله رسوله أن يتبع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضلالاتهم بعد الذي أعطاه من العلم وهداه إليه من الحق، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل، ولو فعل لكان من الظالمين.
1 الشطر: لغة: النصف ومنه الحديث: "الطهور شطر الإيمان"، والشاطر من الناس: من أخذ في نحو غير الاستواء، وهو الذي أعيا أهله خبثاً، وهو من بعُد عن طاعة الله ورسوله أيضاً.
2 قلت في التفسير: لو أتى اليهود إلخ: لأن لئن في الآية بمعنى لو، لأنها أجيبت بجواب لو، وهو المضي والوقوع، إذ قال تعالى:{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} ، فقوله:{مَا تَبِعُوا} جواب لئن، والمفروض فيها أن يجاب بالمضارع.
وفي الآية الثالثة (146) يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن الرسول حق وأن ما حاء به هو الحق معرفة تامة كمعرفتهم لأبنائهم، ولكن فريقاً كبيراً يكتمون الحق وهم يعلمون إنه الحق، وفي الآية الرابعة (147) يخبر تعالى رسوله بأن ما هو عليه من الدين الحق هو الحق الوارد إليه من ربه فلا ينبغي أن يكون من الشاكين1 بحال من الأحوال.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
وجوب استقبال القبلة في الصلاة وفي أي مكان كان المصلي عليه أن يتجه2 إلى جهة مكة.
2-
كفر كثير من أهل الكتاب كان على علم إيثاراً للدنيا على الآخرة.
3-
حرمة موافقة المسلمين أهل الكتاب على بدعة من بدعهم الدينية مهما كانت.
4-
علماء أهل الكتاب المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه النبي المبشر به وأنه النبي الخاتم وأعرضوا عن الإيمان به وعن متابعته إيثاراً للدنيا على الآخرة.
{وَلِكُلٍّ3 وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ4 الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا
1 هذا تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} يقال: امترى. فلان في كذا إذا اعتراه اليقين مرة والشك مرة أخرى فلدافع أحدهما بالآخر، ومنه الإمتراء، لأن كل واحد يشك في قول صاحبه، والإمتراء: الشك.
2 روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي".
3 الوجهة: من المواجهة وهي الجهة والوجه كلها بمعنى واحد، ومفعول موليها محذوف أي وجهة، أو يكون موليها بمعنى متوليها وحينئذ فلا حذف ولا تقدير.
4 اختلف في الجهة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبلها في مكة قبل الهجرة، والراجح أنه كان يجعل الكعبة أمامه وهو متجه إلى الشام، بمعنى أنه يصلي بين الركنين اليمانيين، ولما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس حتى حول إلى الكعبة، وهل كان استقباله بيت المقدس باجتهاد منه أو بوحي، الظاهر أنه باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم.
اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ1 شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا2 فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي3 أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) }
شرح الكلمات:
ولكلٍ وجهة هو موليها: التنوين في (كل) دال على محذوف، هو لكل أهل ملة؛ كالإسلام، واليهودية، والنصرانية قبلة يولون وجوههم لها في صلاتهم.
الخيرات: البر والطاعة لله ورسوله.
الحجة: الدليل القوي الذي يظهر صاحبه على من يخاصمه.
نعمتي: نعم الله كثيرة وأعظمها نعمة الإسلام وإتمامها بمواصلة التشريع والعمل به إلى نهاية الكمال، وكان ذلك في حجة الوداع بعرفات حيث نزلت آية:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} .
1 قال ابن كثير والقرطبي: قبلة: استدل مالك بقول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما هو مذهب الجمهور، أبي حنيفة والشافعي وأحمد والذي أراه يحقق المطلوب من الآية هو أن ينظر المصلي أولاً أمامه امتثالاً لأمر الله تعالى، ثم بعد ذلك ينظر إلى موضع سجوده.
2 الكاف: في محل نصب على النعت لمصدر محذوف تقديره ولأتم نعمتي عليكم إتماماً مثل ما أرسلنا وهو التشبيه نعمة استقلالكم في القبلة باستقلالكم في الرسالة.
3 أصل الذكر يكون بالقلب، ولما كان القلب باطناً جعل اللفظ باللسان دليلاً عليه، فأصبح الذكر يطلق على ذكر اللسان وإن كان المطلوب هما معاً أي ذكر القلب واللسان، والجملة أمر وجواب: فاذكروني أمر، وأذكركم جواب وجزاء، وذكر الله للعبد أعظم، وقد ورد في فضل الذكر الكثير من الأحاديث منها: حديث ابن ماجة ونصه: "أن رجلاً قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به. قال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله".
رسولاً: هو محمد صلى الله عليه وسلم والتنكير فيه للتعظيم.
يزكيكم: يطهركم من الذنوب والأخلاق السيئة والملكات الرديئة.
الحكمة: السنة وهي كل قول صالح لا ينتهي صلاحه ونفعه بمرور الزمن.
الشكر: إظهار النعمة1 بصرفها فيما من أجله وهبها الله تعالى لعباده.
والكفر: جحد النعمة وإخفائها وصرفها في غير ما يحبه الله تعالى.
معنى الآيات:
بعد تقرير تلك الحقيقة التي تضمنتها آية: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}
…
إلخ. وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى أهل الكتاب بكل آية تدل على صدقه في أمر القبلة ما اتبعوا قبلته، وما هو بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض، فلا اليهود يستقبلون مطلع الشمس، ولا النصارى يستقبلون بيت المقدس. أخبر تعالى أن لكل أمة قبلة مولية وجهها إليها في صلاتها، فاتركوا أيها المسلمون أهل تلك الملل الضالة وسابقوا في الخيرات ونافسوا في الصالحات شكراً لربكم على نعمة هدايته لكم لقبلة أبيكم إبراهيم فإنه تعالى جامعكم ليوم القيامة وسائلكم ومجازيكم بأعمالكم إنه على كل شيء قدير، هذا ثم أمر الله رسوله أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام حيثما كان في الحضر كان أو في السفر وأعلمه أن تحوله إلى الكعبة حق ثابت من ربه تعالى فلا يتردد فيه.
هذا ما تضمنته الآيتان (148-149) وأما الآية (150) فإنه تعالى أمر رسوله والمؤمنين بأن يولوا وجههم شطر المسجد2 الحرام حيثما كانوا وأينما وجدوا ويثبتوا على ذلك حتى لا يكون لأعدائهم من اليهود والمشركين حجة، إذ يقول اليهود: ينكرون ديننا ويستقبلون قبلتنا، ويقول المشركون: يدعون إنهم على ملة إبراهيم ويخالفون قبلته. هذا بالنسبة للمعتدلين منهم، أما الظالمون والمكابرون فإنه لا سبيل إلى إقناعهم إذ قالوا بالفعل: ما تحول إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين آبائه ويوشك أن يرجع إليه، فمثل هؤلاء ولا يبالي بهم ولا يلتفت إليهم كما قال تعالى:{إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ3 وَاخْشَوْنِي} . فاثبتوا على قبلتكم الحق
1 ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه".
2 قد ورد في الآيات الأمر بتولية الرسول والمؤمنين وجوههم شطر المسجد الحرام، وهو تكرار تطلبه المقام فكان من مقتضيات الحال التي يوجبها الكلام البليغ الرفيع، ومن مقتضيات الحال إسكات السفهاء وقطع الطريق عليهم ورفع معنويات المؤمنين حيت تأثر بعضهم بما أثاره اليهود والمنافقون والمشركون حول تحويل القبلة.
3 الخشية: مرادفة للخوف، والخوف هو فزع في القلب تخف له الأعضاء، ولخفة الأعضاء به سمي خوفاً.
لأتم نعمتي عليم بهدايتكم إلى أحسن الشرائع وأقومها، ولأهيئكم لكل خير وكمال مثل ما أنعمت عليكم بإرسال رسولي، يزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه من أمور الدين والدنيا معاً، وفي الآية الأخيرة (152) أمر تعالى المؤمنين بذكره وشكره، ونهاهم عن نسيانه وكفره، فقال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} 1 لما في ذكره بأسمائه وصفاته ووعده ووعيده من موجبات محبته ورضاه ولما في شكره بإقامة الصلاة وأداء سائر العبادات من مقتضيات رحمته وفضله، ولما في نسيانه وكفرانه من التعرض لغضبه وشديد عقابه وأليم عذابه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
الإعراض عن جدل المعاندين، والإقبال على الطاعات تنافساً فيها وتسابقاً إليها إذ هو أنفع وأجدى من الجدل والخصومات مع من لا يرجى رجوعه إلى الحق.
2-
وجوب استقبال القبلة في الصلاة وسواء كان في السفر أو في الحضر إلا أن المسافر يجوز أن يصلي النافلة حيث توجهت دابته أو طيارته أو سيارته إلى القبلة وإلى غيرها.
3-
حرمة خشية الناس2 ووجوب خشية الله تعالى.
4-
وجوب شكر الله تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة.
5-
وجوب3 تعلم العلم الضروري ليتمكن العبد من عبادة الله عبادة تزكي نفسه.
6-
وجوب4 ذكر الله بالتهليل والتكبير والتسبيح ووجوب شكره بطاعته.
7-
حرمة نسيان ذكر الله، وكفران نعمه بترك شكرها.
1 ورد في الصحيح أن الله تعالى يقول: " من ذكرني في نفسي ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" والمراد من الملأ: الخير، الملائكة، وورد:"أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه". وقال معاذ بن جبل: "ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر عز وجل".
2 في هذا إبطال للتقية التي جعلها الروافض من أصول دينهم.
3 شاهده من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهو حديث صحيح الإسناد.
4 شاهده من القرآنك {يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} الأحزاب
شرح الكلمات:
الاستعانة: طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل.
الصبر: حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره.
الشعور: الإحساس بالشيء المفضي إلى العلم به.
الابتلاء: الاختبار والامتحان لإظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف.
الأموال: جمع مال وقد يكون ناطقاً وهو المواشي، ويكون صامتاً وهو النقدان وغيرها.
المصيبة: ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله.
الصلوات: جمع صلاة وهي من الله تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها.
ورحمة: الرحمة: الإنعام وهو جلب ما يسر، ودفع ما يضر، وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة من النار.
المهتدون: إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلاء الله تعالى لهم وصبرهم على ذلك.
معنى الآيات:
نادى الرب تعالى عباده المؤمنين وهم أهل ملة الإسلام المسلمون ليرشدهم إلى
1 لفظ شيء يدل على تهويل الفاجعة الدال عليها الخوف والجوع وما بعدهما كما يدل أيضاً على أن ما يبتليهم به من ذلك هو هين فلا يقاس بما يصيب به أهل عداوته من أهل الشرك والكفر والفسق إذا أخذهم بذنوبهم.
2 أسند التبشير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه متأهل له بالرسالة فغيره لا يملكه، وقد لا يصدق فيه، كما أن اللفظ دال على سمو مقامه صلى الله عليه وسلم.
ما يكون عوناً لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم، وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه وكفره فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا} أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر والشكر، وترك النسيان والكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة، وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة، فإذا صبروا نالهم عون الله تعالى وتقويته وهذا ما تضمنته الآية الأولى (153) . أما الآية الثانية (154) فقد تضمنت نهيه تعالى لهم أن يقولوا معتقدين أن من قتل في سبيل الله إذ هو حي في البرزخ وليس بميت، بل هو حي يرزق في الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم:"أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش". (رواه مسلم) . فلذا لا يقال لمن قتل في سبيل الله: مات1 ولكن استشهد وهو شهيد وحي عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها بمفارقتها للحياة في هذه الدار. وأما الآية الثالثة (155) فإنه يقسم2 تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم بشيء من الخوف3 بواسطة أعداءه وأعدائهم وهم الكفار عندما يشنون الحروب عليهم وبالجوع لحصار العدو ولغيره من الأسباب، وبنقص الأموال الماشية للحرب والقحط، وبالأنفس؛ كموت الرجال، وبفساد الثمار بالجوائح، كل ذلك لإظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن لا يصبر فيحرم ولاية الله وأجره، ثم أمره رسوله بأن يبشر الصابرين، وبين في الآية الرابعة (156) حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله، فله أن يصيبنا بما شاء لأن ملكه وعبيده، وإن إليه راجعون بالموت، فلا جزع إذاً ولكن تسليم لحكمه4 ورضاً بقضاءه وقدره، وفي الآية الخامسة (157) أخبر تعالى مبشراً أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم وبرحمة من ربهم، وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم، فقال:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .
1 لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات، بمعنى انقطعت عنه الحياة والشهيد لم يمت وإنما انتقل من حياة ناقصة إلى حياة كاملة دائمة، كما أن لفظ الموت مفزع للإنسان فإذا دارت المعركة وسقط الشهداء، وقيل: مات فلان وفلان يؤثر ذلك في نفس من سمع كلمة: الموت، ولذا لا يقال: مات، ولكن: استشهد.
2 دل على القسم: اللام في قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} إذ هي موطئة للقسم كأنما قال: وعزتي وجلالي لنبلونكم.. إلخ.
3 من فسر الخوف بالخوف من الله، والجوع: بالصيام، ونقص من الأموال: بالزكاة لم يخطأ، ولكن ما فسرت به الآية هو الصواب الحق الذي عليه أئمة التفسير.
4 روى أحمد والترمذي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث لذلك استرجاعاً إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب".