الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن يعلمها، غيرهم وذلك إقامة الحجة عليهم.
2-
الكشف عن نفسيات اليهود وإنهم يتوارثون الرعونات والمكر والخداع.
3-
اليهود من أقسى البشر قلوباً إلى اليوم، إذ كل عام يرمون البشرية بقاصمة الظهر وهم ضاحكون.
4-
من علامات الشقاء: قساوة القلوب، وفي الحديث:"من لا يرحم لا يرحم"1.
{أَفَتَطْمَعُونَ2 أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ3 وَهُمْ يَعْلَمُونَ
(75)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (78) }
شرح الكلمات:
{أَفَتَطْمَعُونَ} : الهمزة للإنكار الاستبعادي، والطمع: تعلق النفس بالشيء رغبة فيه.
{يُؤْمِنُوا لَكُمْ} : يتابعونكم على دينكم (الإسلام) .
{كَلامَ اللهِ4} : في كتبه؛ كالتوراة والإنجيل والقرآن.
{يُحَرِّفُونَهُ 5} : التحريف: الميل بالكلام على وجه لا يدل على معناه كما قالوا في نعت
1 متفق عليه.
2 الطمع والرجاء، وهو ترقب شيء محبوب وضدها اليأس.
3 أي: فهموه فهماً جلياً واضحاً ومع هذا يجافونه على بصيرة.
4 ويدخل في الجملة: الذين سمعوا كلام الله مع موسى عليه السلام في جبل الطور وهم السبعون الذين اختارهم موسى وخرج بهم إلى الطور طلباً لتوبتهم.
5 التحريف: مصدر حرف الشيء إذا مال به إلى الحرف الذي هو الطرف والبعد عن وسط الجادة.
الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة: أكحل العينين ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه، قالوا: طويل أزرق العينين، سبط الشعر.
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} : إذا لقي منافقوا اليهود المؤمنين قالوا: آمنا بنبيكم ودينكم.
{أَتُحَدِّثُونَهُمْ} : الهمزة: للإستفهام الانكاري، وتحديثهم إخبار المؤمنين بنعوت النبي في التوراة.
{بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ} : إذا خلا منافقوا اليهود برؤسائهم أنكروا عليهم إخبارهم المؤمنين بنعوت النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، وهو مما فتح1 الله به عليهم ولم يعلمه غيرهم.
{لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ} : يقولون لهم لا تخبروا المؤمنين بما خصكم الله به من العلم حتى لا يحتجوا عليكم به، فيغلبوكم وتقوم الحجة عليكم فيعذبكم الله2.
{أُمِّيُّونَ} : الأمي: المنسوب إلى أمة كأنه ما زال في حجر أمه لم يفارقه، فلذا هو لم يتعلم الكتابة والقراءة3.
{أَمَانِيَّ} : الأماني: جمع أمنية وهي إما ما يتمناه المرء في نفسه من شيء يريد الحصول عليه، وإما القراءة من تمنى الكتاب إذا قرأه4.
معنى الآيات:
ينكر تعالى على المؤمنين طمعهم في إيمان اليهود لهم بنبيهم ودينهم، ويذكر وجه استبعاده بما عرف به اليهود سلفاً وخلفاً من الغش والاحتيال بتحريف الكلام وتبديله، تعمية وتضليلاً حتى لا يُهتدى إلى وجه الحق فيه، ومن كان هذا حاله يبعد جداً تخلصه من النفاق والكذب وكتمان الحق {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} وهم كاذبون وإذا خلا بعضهم ببعض أنكروا
1 من الجائز أن يكون معنى بما فتح الله به عليهم، أي: قضى وحكم من إنزال المصائب بهم والكوارث باسلافهم وهي كثيرة؛ لأن فتح تكون بمعنى حكم ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَق} أي: أحكم.
2 هذا الكلام جارٍ على عقيدة اليهود في تشبيههم الرب تعالى بحكام البشر في رواج الحيل عليه، وإمكان مغالطته وإنه تعالى يوجد الشيء ثم يندم ويأسف كما هو صريح في التوراة فلذا أنكروا على بعضهم إخبار المؤمنين بصدق النبوة المحمدية مخافة أن يحتجوا عليهم يوم القيامة بذلك.
3 وجائز أن يكون منسوباً إلى الأمة فيكون بمعنى العامي المنسوب إلى العامة.
4 وشاهده قول الشاعر في عثمان رضي الله عنه:
تمنى كتاب الله أول ليلة
…
وآخره لاقى حمام المقادر
أي: قرأ القرآن في أول الليل الذي قتل فيه رضي الله عنه.
على أنفسهم ما فاه به بعضهم للمسلمين من صدق نبوة الرسول وصحة دينه، متعللين بأن مثل هذا الاعتراف يؤدي إلى احتجاج المسلمين به عليهم وغلبهم في الحجة، وسبحان الله كيف فسد ذوق القوم وساء فهمهم حتى ظنوا أن ما يخفونه يمكن إخفاؤه على الله، قال تعالى في التنديد بهذا الموقف الشائن:{أَوَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ؟.
ومن جهل بعضهم بما في التوراة وعدم العلم بما فيها من الحق والهدى والنور ما دل عليه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ} إلا مجرد قراءة فقط، أما إدراك المعاني الموجبة لمعرفة الحق والإيمان به واتباعه فليس لهم فيها نصيب، وما يقولونه ويتفوهون به لم يَعْدُ الحرص والظن الكاذب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
أن أبعد الناس عن قبول الحق والإذعان له اليهود.
2-
قبح إنكار الحق بعد معرفته.
3-
قبح الجهل بالله وبصفاته العلا وأسمائه الحسنى.
4-
ما كل من يقرأ الكتاب يفهم معانيه فضلاً عن معرفة حكمه وأسراره وواقع أكثر المسلمين اليوم شاهد على هذا فإن حفظة القرآن منهم من لا يعرفون معانيه فضلاً عن غير الحافظين له.
{فَوَيْلٌ1 لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ2 ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ
1 في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ} إلخ. بيان سبب عذابهم وهو كذبهم على الله بكتابة شيء، ونسبته إلى الله تعالى كما هو أكلهم الحرام الذي كسبوه بالكتابة الباطلة.
2 قوله: بأيديهم. هو نحو نظرته بعيني، وقلته بلساني، تأكيد لا غير.
أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) }
شرح الكلمات:
ويل: الويل1: كلمة تقال لمن وقع في هلكة أو عذاب.
{الْكِتَابَ} : ما يكتبه علماء اليهود من أباطيل وينسبونه إلى الله تعالى ليتوصلوا به إلى أغراض دنية من متاع الدنيا القليل.
{مِنْ عِنْدِ اللهِ} : ينسبون ما كتبوه بأيديهم إلى التوراة بوصفها2 كتاب الله ووحيه إلى موسى عليه السلام.
{يَكْسِبُونَ} : الكسب يكون في الخير، وهو هنا في الشر فيكون من باب التهكم بهم.
{أَيَّاماً مَعْدُودَةً} : أربعين3 يوماً وهذا من كذبهم وتضليلهم للعوام منهم ليصرفوهم عن الإسلام.
{أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً} : الهمزة للإستفهام الانكاري، والعهد: الوعد المؤكد.
{سَيِّئَةً} : هذه سيئة الكفر والكذب على الله تعالى.
{وَأَحَاطَتْ 4 بِهِ} : الإحاطة بالشيء: الالتفاف به والدوران عليه.
1 الويل: مصدر أمات، العرب فعله، ومؤنثه: الويلة، والجمع: الويلات، وإعرابه: إن أفرد ولم يضف الرفع بالابتداء وخبره المجرور بحرف الجر، وإن أضيف إلى ضمير نصب نحو: ويلك لا تفعل كذا، وإن أضيف إلى ظاهر رفع الابتداء، نحو: ويل أمه. مسعر حرب الحديث.
2 من المعلوم إن التوراة قد أخذت من اليهود في حملة بختنصر، وفي حملة القائد الروماني، ولذا ضاع أكثرها وزيد فيها ونقص بحيث ما أصبحت صالحة لهداية البشرية، ومن هنا أصبح علماؤهم يكتبون الكلمات وينسبونها إلى التوراة التي هي كتاب الله في الأصل، ويزعمون أن ما كتبوه هو من كتاب الله.
3 ذكر ابن كثير في سبب نزول قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً} أن عكرمة قال: "خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلة، وسيخلفنا فيها آخرون، يعنون محمداً وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رؤسهم: "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفنكم فيها أحد" فأنزل الله عز وجل: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ
…
} الآية.
4 بين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: في رواية أحمد، فقال:"إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل".
{خَطِيئَتُهُ} : الخطيئة: واحدة الخطايا وهي الذنوب عامة.
الخلود: البقاء الدائم الذي لا تحول معه ولا ارتحال.
معنى الآيات:
يتوعد الرب تبارك وتعالى بالعذاب الأليم أولئك المضللين من اليهود الذين يحرفون كلام الله، ويكتبون أموراً من الباطل وينسبونها إلى الله تعالى ليتوصلوا بها إلى أغراض دنيوية سافلة.
وينكر عليهم تبجحهم الفارغ بأنهم لا يعذبون بالنار مهما كانت ذنوبهم ما داموا على ملة اليهود إلا أربعين يوماً ثم يخرجون، وجائز أن يتم هذا لو كان هناك عهد من الله تعالى قطعه لهم به ولكن أين العهد؟ إنما هو الإدعاء الكاذب فقط ثم يقرر العليم الحكيم سبحانه وتعالى حكمه في مصير الإنسان بدخول النار أو الجنة ذلك الحكم القائم على العدل والرحمة البعيد عن التأثير بالأنساب والأحساب، فيقول:{بلى} ، ليس الأمر كما تدعون، وإنما هي الخطايا والحسنات فمن كسب سيئة وأحاطت1به خطيئته2 فخبثت نفسه ولوثتها فهذا لا يلائم خبث نفسه إلا النار، ومن آمن وعمل صالحاً فزكى بالإيمان والعمل الصالح نفسه وطهرها فإنه لا يلائم طهارة روحه وزكاة نفسه إلا الجنة دار النعيم. أما الحسب والنسب والادعاءات الكاذبة فلا تأثير لها البتة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
التحذير الشديد من الفتاوى الباطلة التي تحرم ما أحل الله أو تحلل ما حرم ليتوصل بها صاحبها إلى غرض دنيوي كمال، أو حظوة لدى ذي سلطان.
2-
إبطال الانتفاع بالنسب والانتساب، وتقرير أن سعادة الإنسان؛ كشقائه مردهما في السعادة إلى الإيمان والعمل الصالح. وفي الشقاوة إلى الشرك والمعاصي.
3-
التنبيه على خطر الذنوب صغيرها وكبيرها، وإلى العمل على تكفيرها بالتوبة والعمل الصالح قبل أن تحوط بالنفس فتحجبها عن التوبة. والعياذ بالله.
1 دل على هذا على أن المعلق على شرطين لا يتم بأقلهما، وهو في قوله صلى الله عليه وسلم للذي قال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" حديث حسن ذكره النووي في الأربعين.
2 قرأ نافع: خطيئاته، بالجمع. وقرأ حفص: خطيئته بالإفراد.
{وَالَّذِينَ1 آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ2 إِلا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْن3 ِ إِحْسَاناً وَذِي4 الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً5 مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ6 هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
1 قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا
…
} إلخ. بعد ذكر النار وأهلها من باب ذكر الترغيب بعد الترهيب كما في سنة القرآن الكريم.
2 قوله: {لا تَعْبُدُونَ..} إلخ. تفسير لمضمون الميثاق. والجملة خبرية لفظاً، إنشائية معنى، إذ هي في معنى اعبدوا الله وحده، وأحسنوا بالوالدين. وقولوا للناس حسناً. إلخ.
3 الوالدان: الأم، والأب. يقال: للأم، والد، ووالدة. فلذا ثنى على الوالدين، أو هو من باب التغليب؛ كالعمرين في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
4 ذي: بمعنى صاحب.
5 فيه إنصاف واحتراز حيث استثنى من لم يتل عما التزم به من بنود العهد، وإن كان قليلاً.
6 أعرب: (أنتم) خبر مقدم، وهؤلاء مبتدأ مؤخر، وتقتلون: حال. وأعرب أيضاً: (أنتم) مبتدأ، وهؤلاء منادى، والخبر، تقتلون: أي: ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون. وفيه معنى التعجب من حالهم والإنكار عليهم.
وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا1 الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُون (86) }
شرح الكلمات:
الميثاق: العهد2 المؤكد باليمين.
حسناً: حسن القول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمخاطبة باللين، والكلم الطيب الخالي من البذاءة والفحش.
توليتم: رجعتم عما التزمتم به مصممين على أن لا تتوبوا.
سفك الدماء3: إراقتها وصبها بالقتل والجراحات.
تظاهرون: قرئ تظّاهرون، وتظاهرون بتاء واحدة ومعناه تتعاونون.
بالإثم والعدوان: الإثم: الضار الموجب للعقوبة، والعدوان الظلم.
أسارى: جمع أسير: من أخذ في الحرب.
الخزي: الذل والمهانة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تذكير اليهود4 بما كان لأسلافهم من خير وغيره والمراد هدايتهم لو كانوا يهتدون، فقد ذكرهم في الآية (83) بما أخذ الله تعالى عليهم في التوراة من عهود ومواثيق على أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا في عبادته سواه. وأن يحسنوا للوالدين ولذي
1 أي: باعوا آخرتهم بدنياهم فخسروا خسراناً عظيماً بحقارة الدنيا، وعظم الآخرة، والاشتراء في الآية بمعنى: الاستبدال، استبدلوا الآخرة فلم يعملوا لها بالدنيا حيث قصروا أعمالهم على تحصيلها.
2 هذا الميثاق تضمنه الوصايا العشر المنزلة على موسى عليه السلام، أو على الأقل بعضه والبعض الآخر تضمنه ما أخذ عليهم عند رفع الطور عليهم لما رفضوا الالتزام بما في التوراة.
3 قوله تعالى في الآية: {تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} ، وقوله:{تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} ليس معناه أن أحدهم يقتل نفسه ويسفك: أي يسيل دمه، وإنما لا يسفك بعضكم دم بعض، ولا يقتل بعضكم بعضاً؛ لأنكم أمة واحدة.
4 هم يهود المدينة، وهم ثلاث طوائف: بنو قينقاع، وبنو النضير، وقريظة.
القربى واليتامى والمساكين وأن يقولوا للناس الحسن من القول ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وندد بصنيعهم حيث نقض هذا العهد والميثاق أكثرهم ولم يفوا به وفي الآية الثانية (84) ذكرهم بميثاق خاص أخذه عليهم في التوراة أيضاً وهو الإسرائيلي لا يقتل الإسرائيلي ولا يخرجه من داره بغياً وعدواناً عليه، وإذا وقع في الأسر وجب فكاكه بكل وسيلة ولا يجوز تركه أسيراً بحال، أخذ عليهم بهذا ميثاقاً غليظاً وأقروا به وشهدوا عليه وفي الآية الثالثة (85) وبخهم على عدم وفائهم بما التزموا به حيث صار اليهودي يقتل1 اليهودي ويخرجه من داره بغياً وعدواناً عليه. وفي نفس الوقت إن أتاهم يهودي أسيراً2 فَدوه بالغالي والرخيص، فندد الله تعالى بصنيعهم هذا الذي هو إهمال واجب وقيام بآخر تبعاً لأهوائهم فكانوا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، ومن هنا توعدهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة. وفي الآية الرابعة (86) أخبر أنهم بصنيعهم ذلك اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة فكان جزاؤهم عذاب الآخرة حيث لا يخفف عنهم ولا ينصرون فيه بدفعه عنهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
مشروعية تذكير الناس ووعظهم بما يكون سبباً لهدايتهم.
2-
وجوب عبادة الله وتوحيده فيها.
3-
وجوب الإحسان إلى الوالدين ولذوي القربى واليتامى3 والمساكين.
4-
وجوب معاملة الناس بحسن4 الأدب.
1 حصل لهم هذا بالمدينة النبوية وذلك أن سكان المدينة كانوا يتألفون من قبيلتين: الأوس، والخزرج، وقبائل اليهود الثلاث، وكانت تندلع الحروب بينهم لأتفه الأسباب، وكانوا بنو قينقاع وبنو النضير حلفاً للخزرج، وبنو قريظة حلفاً للأوس، فإذا اندلعت الحرب بين الأوس والخزرج قاتل اليهود مع حلفاؤهم، وبذلك يقتل اليهودي أخاه ويسفك دمه وإذا انتهت الحرب فادوا أسراهم طاعة لله تعالى إذا أوجب ذلك عليهم.
2 الأسر: مأخوذ من الإسار وهو: القد الذي يشد به المحمل فيسمى أخيذ الحرب: أسيراً، لأنه يشد وثاقه، وجمع: أسرى، وأسارى؛ كسكرى، وسكارى، ثم سمي كل أخيه في الحرب: أسيراً.
3 روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كافل التيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار الراوي بالسبابة والوسطى. أي: من أصابعه كما روي أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله".
4 بأن يكون اللفظ طيباً والوجه منبسطًا.
5-
تعرض أمة الإسلام لخزي الدنيا وعذاب الآخرة بتطبيقها بعض أحكام الشريعة وإهمالها البعض الآخر.
6-
كفر من يتخير أحكام الشرع فيعمل ما يوافق مصالحه وهواه، ويعمل ما لا يوافق.
7-
كفر من لا يقيم دين الله إعراضاً عنه ودعم مبالاة به.
1 عيسى: معرب يسوع، أو يشوع؛ لأن عيسى أخف منهما.
2 قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ} . إلخ. إيحاء باللوم والعتاب بل هو تقريع وتوبيخ لليهود على تمردهم على رسلهم بتكذيب البعض وقتل البعض اتباعاً لأهوائهم وأغراضهم الدنية.
3 تهوى: مضارع هوى بكسر الواو، إذا أحب، ومنه حديث البخاري: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك أي حبك والقائلة عائشة رضي الله عنه. ويجمع الهوى على أهواء.