الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترك اتخاذ بطانة من أعدائكم لتكونوا بذلك شاكرين نعم الله عليكم فيزيدكم، فذكر تعالى في هذا الموقف النصر؛ لأنه خير، فقال {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} ، ولم يقل في الموقف الأول، ولقد هزمكم الله بأحد وأنتم أعزة؛ لأنه تعالى حيي كريم فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط وهم يذكرون هزيمتهم فيها ويعلمون أسبابها وهي عدم الطاعة وقلة الصبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
فضيلة الصبر والتقوى وأنهما عدة الجهاد في الحياة.
2-
استحسان التذكير بالنعم والنقم للعبرة والاتعاظ.
3-
ولاية الله تعالى للعبد تقيه مصارع السوء، وتجنبه الأخطار.
4-
تقوى الله تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هي الشكر الواجب على العبد.
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ
(124)
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) }
شرح الكلمات:
{أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} : الاستفهام انكاري1، أي: ينكر عدم الكفاية. ومعنى يكفيكم يسد حاجتكم.
1 ذهب بعض إلى أن الاستفهام هنا: تقريري؛ لأنه مجاب ببلى، وجائر أن يكون للاستفهام معنيان في آن واحد لدلالة اللفظ عليهما معاً. فتأمل!!.
{أَنْ يُمِدَّكُمْ} : أي: بالملائكة عوناً على قتال أعدائكم المتفوقين عليكم بالعدد والعتاد.
{الْمَلائِكَةِ} : واحدهم ملاك وهم عباد الله مكرمون مخلقون من نور لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
{بَلَى} : حرف إجابة، أي: يكفيكم.
{مِنْ فَوْرِهِمْ1 هَذَا} : أي: من وجههم في وقتهم هذا.
{مُسَوِّمِينَ} : معلمين بعلامات تعرفونهم بها.
{إِلا بُشْرَى لَكُمْ} : البشرى: الخبر السار الذي يتهلل له الوجه بالبشر والطلاقة.
{وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} : اطمئنان القلوب سكونها وذهاب الحروف والقلق عنها.
{لِيَقْطَعَ طَرَفاً} : الطرف الطائفة، يريد ليهلك من جيش العدو طائفة.
{أَوْ يَكْبِتَهُمْ} : أي: يخزيهم ويذلهم.
{فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} : يرجعوا إلى ديارهم خائبين لم يحرزوا النصر الذي أملوه.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما تم لهم من النصر في موقف الصبر والتقوى في بدر فقال: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ2} عندما بلغهم وهم حول المعركة أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين برجاله يقاتلون معهم فشق ذلك على أصحابه فقلت: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} أي: يكفيكم. {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ3 مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} أي: من وجههم ووقتهم هذا {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ} بعلامات وإشارات خاصة بهم، ولما انهزم كرز قبل تحركه وقعد عن إمداد قريش بالمقاتلين لم يمد الله تعالى رسوله والمؤمنين بما ذكر من الملائكة فلم يزدهم على الألف التي أمدهم بها لما استغاثوه في أول المعركة جاء ذلك في سورة
1 الفور: مصدر فارت القدر فوراً واستعير للأولية مع السرعة في الحال بدون بطء أو تأخر أو تراخ.
2 ذهب بعض المفسرين؛ كمجاهد، وعكرمة، وغيرهما أن قوله تعالى:{إِذْ تَقُول للمؤمنين} إلخ، كان يوم أحد فهو وعد لهم بالمدد المذكور من الملائكة على شرط الصبر والتقوى، فلما لم يصبروا ولم يتقوا كما هو معلوم لم يمدهم بالعدد المذكور من الملائكة، وما ذهبنا إليه في التفسير أقرب إلى الواقع، والله أعلم.
3 أي: المشركون من أصحاب كرز.
الأنفال في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} فهذه الألف هي التي نزلت فعلاً وقاتلت مع المؤمنين وشوهد ذلك وعلم به يقيناً، أما الوعد بالإمداد الأخير فلم يتم؛ لأنه كان مشروطاً بإمداد كرز لقريش فلما لم يمدهم، لم يمد الله تعالى المؤمنين، فقال تعالى:{وَمَا جَعَلَهُ اللهُ} أي: الإمداد المذكور {إِلا بُشْرَى} للمؤمنين تطمئن له قلوبهم وتسكن له نفوسهم فيزول القلق والاضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين، ولذا قال تعالى:{وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ1} العزيز أي: الغالب، الحكيم الذي يضع النصر في موضعه فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد فعل فأهلك من المشركين سبعين، أو يكبتهم أي: يخزيهم ويذلهم إذ أسر منهم سبعون، وانقبلوا خائبين لم يحققوا النصر الذي أرادوه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد وهو عدم صبرهم وإخلالهم بمبدأ التقوى إذ عصى الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من الجبل يجرون وراء الغنيمة هذا على تفسير أن الوعد بالثلاثة آلاف وبالخمسة كان بأحد2، وكان الوعد مشروطاً بالصبر والتقوى فلما لم يصبروا ولم يتقوا لم يمدهم بالملائكة الذين ذكر لهم.
2-
النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد الله تعالى فقد ينصر الضعيف ويخذل القوى، فلذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدد. وتحقيق الولاية يكون بالإيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله ثم التوكل على الله عز وجل.
3-
ثبوت قتال الملائكة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر قتالاً حقيقياً؛ لأنهم نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول، وعليهم شاراتهم وعلاماتهم. ولا يقولن قائل3: الملك الواحد يقدر على أن يهزم ملايين البشر، فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم لا يزيدون عن الألف رجل، وذلك أن الله تعالى أنزلهم في صورة بشر4 فأصبحت صورتهم وقوتهم قوة
1 الحكيم: الذي يضع الأشياء في مواضعها ويفعل دائماً على ما تقتضيه الحكمة في سائر أفعاله.
2 وهو الراجح من قولي المفسرين: كابن جرير، وغيره.
3 قاله الأصم، كأنه فعلاً أصم فلم يسمع كلام الله تعالى، واسم هذا الأصم أبو بكر، وهو من أهل الاعتزال، وإذاً فلا غرابة في إنكاره.
4 بدل لذلك قوله تعالى: {مسومين} ، فالمسوّم: ذو السمة، أي: العلامة، وذلك أن البطل المقاتل يجعل على رأسه أو على رأس فرسه ريشاً ملوناً يرمز به إلى أنه لا يخاف أن يعرفه عدوه حتى لا يسدد إليه سهامه.