المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

2- وجوب تدبر القرآن لتقوية الإيمان1. 3- آية أن القرآن وحي - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ١

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ مميزات هذا التفسير

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌ وضعت هذه الحاشية

- ‌1

- ‌(3) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌ البقرة

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(62) }

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(75)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(120)

- ‌(122)

- ‌(124) }

- ‌(125)

- ‌(130)

- ‌(135)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(163)

- ‌(165)

- ‌(168)

- ‌(171) }

- ‌(177) }

- ‌(178)

- ‌(180)

- ‌(183)

- ‌(185) }

- ‌(187) }

- ‌(188) }

- ‌(189) }

- ‌(190)

- ‌(194)

- ‌(196) }

- ‌(200)

- ‌(204)

- ‌(208)

- ‌(211)

- ‌(214) }

- ‌(216) }

- ‌(217)

- ‌(219)

- ‌(221) }

- ‌(222)

- ‌(224)

- ‌(228) }

- ‌(229) }

- ‌(230) }

- ‌(232) }

- ‌(233) }

- ‌(234)

- ‌(240)

- ‌(243)

- ‌(246)

- ‌(248)

- ‌(249)

- ‌(253)

- ‌(259) }

- ‌(264) }

- ‌(265)

- ‌(267)

- ‌(270)

- ‌(278)

- ‌(282) }

- ‌(285)

- ‌1

- ‌7

- ‌(14) }

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(69)

- ‌(75)

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(90)

- ‌(92) }

- ‌(93)

- ‌(98)

- ‌(110)

- ‌(113

- ‌(116)

- ‌(121)

- ‌(124)

- ‌(128)

- ‌(133)

- ‌(146)

- ‌(149)

- ‌(152)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(159)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(176)

- ‌(179)

- ‌(185)

- ‌(187)

- ‌ النساء

- ‌ 1

- ‌(2)

- ‌5

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(40)

- ‌(43) }

- ‌(47) }

- ‌(49)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(92)

- ‌(94) }

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(110)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(122) }

- ‌(127)

- ‌(131)

- ‌(135) :

- ‌(138)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(153)

- ‌(155

- ‌(160)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(174)

- ‌(176) }

- ‌1} :

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32) }

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(73)

الفصل: 2- وجوب تدبر القرآن لتقوية الإيمان1. 3- آية أن القرآن وحي

2-

وجوب تدبر القرآن لتقوية الإيمان1.

3-

آية أن القرآن وحي الله وكلامه سلامته من التناقض والتضاد في الألفاظ والمعاني.

4-

تقرير مبدأ أن أخبار الحرب لا تذاع إلا من قبل القيادة العليا حتى لا يقع الاضطراب في صفوف المجاهدين والأمة كذلك.

5-

أكثر الناس يتأثرون بما يسمعون إلا القليل من ذوي الحصافة العقلية والوعي السياسي.

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ‌

(84)

مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) }

شرح الكلمات:

{وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} : حثهم على الجهاد وحرضهم على القتال.

{بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} : قوتهم الحربية.

روَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} : أقوى تنكيلاً، والتنكيل: ضرب الظالم بقوة حتى يكون عبرة لمثله فينكل عن الظلم.

الشفاعة2: الوساطة في الخير أو في الشر فإن كانت في الخير فهي الحسنة وإن كانت في الشر فهي السيئة.

1 واستنباط الأحكام واستخراج أنواع الهدايات فيه، إذ هو كتاب هداية للمؤمنين به، يهتدون إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة.

2 الشفاعة من الشفع، وهو الزوج ضد الفرد، وسميت شفاعة؛ لأن الشفيع يصير مع المشفوع له شفعاً، أي: زوجاً، والشفعة: ضم ملك إلى ملك.

ص: 516

{كِفْلٌ مِنْهَا} : نصيب منها.

{مُقِيتاً1} : مقتدراً عليه وشاهداً عليه حافظاً له.

{بِتَحِيَّةٍ} : تحية الإسلام، هي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

{أَوْ رُدُّوهَا} : أي: يقول: وعليكم السلام.

{حَسِيباً} : محاسباً على العمل مجازياً به خيراً كان أو شراً.

معنى الآيات:

ما زال السياق في السياسة الحربية، ففي هذه الآية:{فَقَاتِلْ2 فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقاتل المشركين لأجل إعلاء كلمة الله تعالى بأن يعبد وحده وينتهي اضطهاد المشركين للمؤمنين وهو المراد من قوله {فِي سَبِيلِ اللهِ} وقوله: {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ3} أي: لا يكلفك ربك إلا نفسك وحدها، أما من عداك فليس عليك تكليفه، ولكن حرض المؤمنين على القتال معك فحثهم على ذلك ورغبهم فيه. وقوله:{عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وهذا وعد من عند الله تعالى بأن يكف بأس الذين كفروا فيسلط عليهم رسوله والمؤمنين فيبددوا قوتهم ويهزموهم فلا يبقى لهم بأس ولا قوة وقد فعل4، وله الحمد والمنة، وهو تعالى {أَشَدُّ بَأْساً} م كل ذي بأس {وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} من غيره بالظالمين من أعدائه.

هذا ما دلت عليه الآية (84)، أما الآية (85) وهي قوله تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} فهو إخبار منه تعالى بأن من يشفع شفاعة حسنة بأن يضم صوته مع مطالب بحق أو يضم نفسه إلى سرية تقاتل في سبيل الله، أو يتوسط لأحد في قضاء حاجته فإن للشافع

1 شاهده قول الزبير بن عبد الملطب:

وذي صغن كففت النفس عنه

وكنت على مساءته مقيتاً

أي: مقتدراً

2 هذه الفاء هي الفصيحة، والتقدير: إذا كان الأمر كما علمت من وجود المثبطين والخائفين والمرجوفين فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك.

3 في الآية دليل على شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الخارقة للعادة، إذ كلفه الله به على انفراد وأمره بتحريض المؤمنين على القتال، ومعنى هذا: أنه أمره بالجهاد ولو كان وحده، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"والله لأقاتلهنم حتى تنفرد سالفتي"، أي: حتى أموت. وتحريض المؤمنين هو أمرهم بالقتال وحثهم عليه لا على سبيل الإلزام، كما ألزم به هو صلى الله عليه وسلم.

4 فلم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دانت الجزيرة كلها بالإسلام، ولم يمض أكثر من ربع قرن حتى دخلت دولتا: الفرس والروم في الإسلام؛ لأن "عسى" من الله تعالى تفيد وجوب الوقوع.

ص: 517

قسطاً من الأجر والمثوبة، كما أن {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} بأن يؤيد باطلاً أو يتوسط في فعل شر أو ترك معروف يكون عليه نصيب من الوزر، لأن الله تعالى على كل شيء مقتدر وحفيظ عليم. هذا ما دلت عليه الآية المذكورة.

أما الآية الأخيرة (86) فإن الله تعالى يأمر عباده المؤمنين بأن يردوا تحية من يحييهم بأحسن منها فإن لم يكن بأحسن فبالمثل، فمن قال: السلام عليكم، فليقل الراد: وعليكم السلام ورحمة الله، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله. فليرد عليه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً1} فيه تطمين للمؤمنين على أن الله تعالى يثيبهم على إحسانهم ويجزيهم به.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

بيان شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه كلف بالقتال وحده وفعل.

2-

ليس من حق الحاكم أن يجند المواطنين تجنيداً إجبارياً، وإنما عليه أن يحضهم على التجنيد ويرغبهم فيه بوسائل الترغيب.

3-

فضل الشفاعة في الخير، وقبح الشفاعة في الشر2.

4-

تأكيد سنة التحية، ووجوب ردها بأحسن أو بمثل3.

5-

تقرير ما جاء في السنة بأن السلام عليكم: يعطي عليها المسلم عشر حسنات ورحمة الله: عشر حسنات. وبركاته: عشر كذلك.

{اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (87) فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ

1 حسيب، هنا: بمعنى محاسب، وحفيظ فلا يضيع حسنات العبد.

2 شاهده من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا"، وليقضي الله على لسان نبيه ما أحب.

3 في الآية سنية إلقاء السلام ووجوب رده وقد بينت السنة أن القليل يسلم على الكثير، والقائم على القاعد، والراكب على الماشي، وأن الراد يكون بزيادة: ورحمة الله وبركاته. وأنه لا يسلم على المرأة الصغيرة خشية الفتنة. وأن المصلي إن سلم عليه رد السلام بالإشارة إن شاء الله.

ص: 518

أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (89) إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (91) }

شرح الكلمات:

{لا إِلَهَ إِلا هُوَ1} : لا معبود بحق إلا هو.

{فِئَتَيْنِ2} : جماعتين الواحدة فئة، أي: جماعة.

{أَرْكَسَهُمْ} : الارتكاس: التحول من حال حسنة إلى حال سيئة؛ كالكفر بعد الإيمان، أو الغدر بعد الأمان وهو المراد هنا.

{سَبِيلاً} : أي: طريقاً إلى هدايتهم.

1 اسم الجلالة: {الله} مبتدأ، و {لا إله إلا الله} جملة معترضة، وجملة القسم واقعة موقع الخبر.

2 الفئة: الطائفة، اشتق لفظها من الفيء الذي هو الرجوع، إذ أفرادها يرجع بعضهم إلى بعض، وأصلها فيء، فحذفت الياء من وسطها لكثرة الاستعمال فصارت: فئة، بعد زيادة هاء التأنيث عوضاً عن الياء المحذوفة.

ص: 519

{وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} : الولي: من يلي أمرك، والنصير: من ينصرك على عدوك.

{يَصِلُونَ} : أي: يتصلون بهم بموجب عقد معاهدة بينهم.

{مِيثَاقٌ} : عهد.

{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} : ضاقت.

{السَّلَمَ} : الاستسلام والانقياد.

{الْفِتْنَةِ} : الشرك.

{ثَقِفْتُمُوهُمْ} : وجدتموهم متمكنين منهم.

{سُلْطَاناً مُبِيناً} : حجة بين على جواز قتالهم.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى الآيات قبل هذه أنه تعالى المقيت والحسيب، أي: القادر على الحساب والجزاء، أخبر عز وجل أنه الله الذي لا إله إلا هو، أي: المعبود دون سواه لربوبيته على خلقه، إذ الإله الحق ما كان رباً خالقاً رازقاً مدبراً بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، وأنه جامع1 الناس ليوم لا ريب في إتيانه وهو يوم القيامة.

هذا ما دلت عليه الآية الكريمة: {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} ، ولما كان هذا خبراً يتضمن وعداً ووعيداً أكد تعالى إنجازه، فقال:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً} اللهم إنه لا أحد أصدق منك.

أما الآيات الأربع الباقية، وهي (88) و (89) و (90) و (91) فقد نزلت لسبب معين وتعالج مسائل حربية معينة، أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلاف المؤمنين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة من المنافقين أظهروا الإسلام وهم ضليعون في موالاة الكافرين، وقد يكونون في مكة2، وقد يكونون في المدينة، فرأى بعض الأصحاب أن من الحزم الضرب على أيديهم وإنهاء نفاقهم، ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون الإيمان لعلهم

1 قوله تعالى: {ليجمعنكم} جواب قسم، وهذا الجمع دلالة اللفظ أنه في القبور تحت الأرض ليبعثهم يوم القيامة، وقد تكون {إلى} صلة، ويكون الجمع هو جمع يوم القيامة.

2 السياق الكريم صالح لأن تكون الفئتان المختلف فيهما من مكة أو من المدينة، وقد ورد في الصحيح اختلاف المؤمنين في ابن أبي، ومن وافقه، ورجع من أحد دون قتال حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما يفني الكير خبث الحديد" كما ورد في غير الصحيح: أن جماعة في مكة تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، وأبوا أن يهاجروا فاختلف في شأنهم المؤمنون، ولا مانع من أن تعنى الآيات منافقي المدينة، ومنافقي مكة. إذ الخلاف وقع في كل منافقي مكة ومنافقي المدينة، ويرجح هذا الرأي صحة الخبر الأول وذكر الهجرة في الثاني.

ص: 520

بمرور الأيام يتوبون. فلما اختلفا واشتد الخلاف في شأنهم أنزل الله تعالى هذه الآيات فقال: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ1 بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ2 أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} ومعنى الآية، أي: شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ والله تعالى قد أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام. أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل الله، وهل يقدر أحد على هداية من أضله الله؟ وكيف، ومن يضلل الله حسب سنته في إضلال البشر لا يوجد له هادٍ، ولا سبيل لهدايته بحال من الأحوال.

ثم أخبر تعالى عن نفسية أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الآية الثالثة (89){وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} أي: أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم، وفيه لازم وهو انتهاء الإسلام، وظهور الكفر وانتصاره.

ومن هنا قال تعالى محرماً موالاتهم إلى أن يهاجروا فقال: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} تعولون عليهم في نصرتكم على إخوانهم في الكفر. ظاهر هذا السياق أن هؤلاء المنافقين هم بمكة وهو كذلك. وقوله تعالى: {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ3} ، لأن الهجرة إلى المدينة تقطع صلاتهم بدار الكفر فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا فإن هاجروا ثم تولوا عن الإيمان الصحيح إلى النفاق الكفر فأعلنوا الحرب عليهم {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} ؛ لأنهم بارتكاسهم لا خير فيهم ولا يعول عليهم.

ثم في الآية (90) استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين فلا يأخذونهم أسرى ولا يقاتلونهم، الصنف الأول الذين ذكرهم تعالى بقوله {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ} أي: يلجأون {إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ4 مِيثَاقٌ} فبحكم استجارتهم بهم طالبين الأمان منهم فأمنوهم أنتم حتى لا تنقضوا عهدكم. والصنف الثاني قوم ضاقت صدورهم بقتالكم،

1 جملة: {والله أرْكَسَهم} حالية.

2 الاستفهام إنكاري، وهو دال على جملة محذوفة تقديرها: أنهم قد أضلهم الله.

3 الهجرة: هجرتان، هي لمنافقي المدينة. الخروج إلى الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهجرة لمنافقي مكة، وهي إلى المدينة للإقامة بها. والهجرة أنواع: منها ترك المعاصي، لحديث:"المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ورسوله" ومنها هجرة الفساق وأهل البدع ليتوبوا من ذنوبهم.

4 قد اختلف في هؤلاء الذين بينهم وبين المؤمنين ميثاق وما دامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا طائل تحت معرفتهم الآن، إذ العبرة أن في الآية دليل على جواز الموادعة بين أهل الحرب والمسلمين للضرورة.

ص: 521

وقتال قومهم فهؤلاء الذين يلم يستسيغوا قتالكم ولا قتال قومهم إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم واصبروا عليهم، إذ لو شاء الله تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم هذا الصنف هو المعنى بقوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} فما دام الله تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم. هذا معنى قوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} . أي: المسالمة والمهادنة {فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً1} . لأخذهم وقتالهم. هذا وهناك صنف آخر ذكر تعالى حكم معاملته في الآية الخامسة والأخيرة (91)، وهي قوله تعالى: ستجدون قوماً آخرين2 غير الصنفين السابقين {يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ3} فهم إذاً يلعبون على الحبلين كما يقال {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} أي: إلى الشرك {أُرْكِسُوا فِيهَا} أي: وقعوا فيها منتكسين، إذ هم منافقون، إذ كانوا معكم عبدوا الله وحده، وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك، وهو معنى قوله تعالى:{كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} ، وقوله تعالى:{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي: إن لم يعتزلوا قتالكم ويلقوا إليكم السلام، وهو الإذعان والانقياد لكم، ويكفوا أيديهم فعلاً عن قتالكم {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} أي: حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم وعلى أي حال. هذا ما دلت عليه الآيات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة إلا أن لإمام المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر، ولكن خارج جزيرة العرب إذ لا ينبغي أن يجتمع فيها دينان.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

وجوب توحيد الله تعالى في عبادته.

2-

الإيمان بالبعث والجزاء.

1 {سبيلا} : أي: إذناً بقتالهم بعد أن أمركم بقتال غيرهم، حيث وجدتموهم ممكنين منهم.

2 {سَتَجِدوُن} الوجدان هنا، بمعنى الإطلاع والعثور، أي: ستطلعون على قوم آخرين وصفهم كذا أو كذا.

3 أي: لا هم لهم إلا حظوظ أنفسهم، ولا سعي لهم إلا في خويصيتهم، فهم يظهرون المودة للمسلمين ليأمنوهم ويظهروها لقومهم ليؤمنوا أيضاً، قيل: هم غطفان وبنو أسد، قبل أن يحسن إسلامهم، وبنو عبد الدار بمكة أيضاً. إذ كانوا يأتون المدينة مظهرين الإسلام، ثم إذا عادوا إلى مكة عبدوا الأصنام.

ص: 522