المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

4- الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها. {إِنَّ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ١

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ مميزات هذا التفسير

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌ وضعت هذه الحاشية

- ‌1

- ‌(3) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌ البقرة

- ‌1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(30) }

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(58)

- ‌(60)

- ‌(62) }

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(75)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(120)

- ‌(122)

- ‌(124) }

- ‌(125)

- ‌(130)

- ‌(135)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(163)

- ‌(165)

- ‌(168)

- ‌(171) }

- ‌(177) }

- ‌(178)

- ‌(180)

- ‌(183)

- ‌(185) }

- ‌(187) }

- ‌(188) }

- ‌(189) }

- ‌(190)

- ‌(194)

- ‌(196) }

- ‌(200)

- ‌(204)

- ‌(208)

- ‌(211)

- ‌(214) }

- ‌(216) }

- ‌(217)

- ‌(219)

- ‌(221) }

- ‌(222)

- ‌(224)

- ‌(228) }

- ‌(229) }

- ‌(230) }

- ‌(232) }

- ‌(233) }

- ‌(234)

- ‌(240)

- ‌(243)

- ‌(246)

- ‌(248)

- ‌(249)

- ‌(253)

- ‌(259) }

- ‌(264) }

- ‌(265)

- ‌(267)

- ‌(270)

- ‌(278)

- ‌(282) }

- ‌(285)

- ‌1

- ‌7

- ‌(14) }

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(69)

- ‌(75)

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(90)

- ‌(92) }

- ‌(93)

- ‌(98)

- ‌(110)

- ‌(113

- ‌(116)

- ‌(121)

- ‌(124)

- ‌(128)

- ‌(133)

- ‌(146)

- ‌(149)

- ‌(152)

- ‌(154)

- ‌(156)

- ‌(159)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(169)

- ‌(172)

- ‌(176)

- ‌(179)

- ‌(185)

- ‌(187)

- ‌ النساء

- ‌ 1

- ‌(2)

- ‌5

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(40)

- ‌(43) }

- ‌(47) }

- ‌(49)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(92)

- ‌(94) }

- ‌(95)

- ‌(97)

- ‌(110)

- ‌(114)

- ‌(116)

- ‌(122) }

- ‌(127)

- ‌(131)

- ‌(135) :

- ‌(138)

- ‌(142)

- ‌(144)

- ‌(148)

- ‌(150)

- ‌(153)

- ‌(155

- ‌(160)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(174)

- ‌(176) }

- ‌1} :

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(32) }

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(48)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(73)

الفصل: 4- الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها. {إِنَّ

4-

الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها.

{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ‌

(58)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) }

شرح الكلمات:

{أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ1} : أداء الأمانة: تسليمها إلى المؤتمن، والأمانات جمع أمانة وهي ما يؤتمن عليه المرء من قول أو عمل أو متاع.

{الْعَدْلِ2} : ضد الجور والانحراف بنقص أو زيادة.

{نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} : نعم شيء يعظكم، أي: يأمركم به أداء الأمانات والحكم بالعدل.

{وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} : أولوا الأمر: هم الأمراء والعلماء من المسلمين.

{تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} : اختلفتم فيه كل فريق يريد أن ينتزع الشيء من يد الفريق الآخر.

{فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} : أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

{وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} : أحسن عاقبة، لأن تأويل الشيء ما يؤول إليه في آخر الأمر.

معنى الآيتين:

روي أن الآية الأولى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ3 أَنْ تُؤَدُّوا4 الأَمَانَاتِ} نزلت في شأن عثمان بن

1 الإجماع على وجوب رد الأمانات لأصحابها كفاراً أو مؤمنين، فجاراً أو أبراراً.

2 العدل وسط بين طرفي، فإن مال لأحد الجانبين فقد جار وظلم ولم يعدل.

3 إن هنا لمجرد الاهتمام بالخبر، إذ مثل هذا الخبر لا يتطرق إليه الشك حتى يؤكد لإزالته؛ لأنه إخبار عن إيجاد شيء لا عن وجوده فهو خبر كالإنشاء.

4 الأداء: مصدر أدى المخفف المستغنى عنه بالمضعف، أدى يؤدي تأدية. إذا أوصل الشيء إلى طلبه، ويتجوز فيه فيطلق على الاعتراف بالشيء والوفاء به، وذلك كقول الحق، وتبليغ العلم الشرعي، والمراد به هنا: إيصال الشيء إلى صاحبه.

ص: 496

طلحة الحجبي1، حيث كان مفتاح الكعبة عنده بوصفه سادناً2، فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه صبيحة يوم الفتح، فصلى في البيت ركعتين وخرج، فقال العباس رضي الله عنه أعطينيه يا رسول الله، ليجمع بين السقاية والسدانة، فانزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية على الناس، ودعا عثمان بن طلحة وأعطاه المفتاح. غير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولذا فالآية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شيء أن يحفظه ويرعاه حتى يؤديه3 إلى صاحبه، والآية تتناول حكام المسلمين أولاً بقرينة {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} الذي هو القسط، وضد الجور ومعناه: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من أفراد الرعايا. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ4 بِهِ} يريد أن أمره تعالى أمة الإسلام حكاماً ومحكومين بأداء الأمانات والحكم بالعدل هو شيء حسن، وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو النهوض بأداء الأمانات والحكم بالعدل وقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} فيه الحث على المأمور به بإيجاد ملكة مراقبة الله تعالى في النفس، فإن من ذكر أن الله تعالى يسمع أقواله ويبصر أعماله استقام في قوله فلم يكذب وفي عمله فلم يفرط. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (58) .

أما الآية الثانية (59) ، فإن الله تعالى لما أمر ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانات التي هي حقوق الرعية، وبالحكم بينهم بالعدل أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولاً، ثم بطاعة ولاة الأمور ثانياً، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ، والطاعة لأولي الأمر مُقيد بما كان معروفاً للشرع، أما في غير المعروف فلا طاعة في الاختيار لحديث:"إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".

وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} فهو خطاب عام للولاة والرعية، فمتى حصل خلاف في أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب الله5 وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلواً كان أو مراً، وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ

1 المؤتمن إذا لم يفرط وضاعت الأمانة منه فلا ضمان عليه إجماعاً لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضمان على مؤتمن" رواه الدارقطني. والعارية مؤداة أيضاً. لحديث خطبة الوداع: "العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم" أي: ضامن.

2 أصل: نعما: نعم وكتبت معها ما بعد كسر عين نعم وتسكين ميمها وإدغامها في ما: هي إما موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة تامة وأما الجملة بعد نعم فهي تجري حسب ما يناسب معنى "ما".

3 الحجبي: نسبة إلى حجابة البيت على غير قياس.

4 السادن: الخادم للبيت، وتسمى هذه المهنة: السدانة.

5 وذلك يستلزم الرد إلى العلماء الفقهاء إذ هم الذين يعرفون الأحكام ويحسنون استنباطها من الكتاب والسنة.

ص: 497

بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فيه أن الإيمان يستلزم الإذعان لقضاء الله ورسوله، وهو يفيد أن رد الأمور المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن وقوله:{ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، يريد ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حالاً ومآلاً، لما فيه من قطع النزاع والسير بالأمة متحدة متحابة متعاونة.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1-

وجوب رد الأمانات بعد المحافظة عليها.

2-

وجوب العدل في الحكم وحرمة الحيف والجور فيه.

3-

وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وولاة المسلمين من حكام وعلماء1 فقهاء، لأن طاعة الرسول من طاعة الله، وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لحديث:"2من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقط أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أمري فقد عصاني"3.

4-

وجوب رد المتنازع فيه عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة ووجوب الرضا بقضائهما.

5-

العاقبة الحميدة والحال الحسنة السعيدة في رد أمة الإسلام ما تنازع فيه إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ

1 قال سهل بن عبد الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وأن استخفوا بهذين فسدت دنياهم وأخراهم.

2 رواه الشيخان وكذا حديث: "إنما الطاعة في المعروف". إلخ.

3 روي في الصحيح أن عبد الله بن حذافة الأنصاري البدري، وكان به دعابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية فأمرهم يوماً أن يجمعوا حطباً ويوقدوا ناراً ففعلوا ثم أمرهم أن يدخلوها محتجاً عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني" فلم يستجيبوا له، وقالوا له: إنما أمنا وأسلمنا لننجو من النار فكيف نعذب أنفسنا بها؟ وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف".

ص: 498

اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ1 إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) }

شرح الكلمات:

{يَزْعُمُونَ} : يقولون كاذبين.

{بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} : القرآن، وما أنزل من قبلك: التوراة.

{الطَّاغُوتِ} : كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة، والمراد به هنا: كعب بن الأشرف اليهودي أو كاهن من كهان العرب.

{الْمُنَافِقِينَ} : جمع منافق: وهو من يبطن الكفر، ويظهر الإيمان خوفاً من المسلمين.

{يَصُدُّونَ} : يعرضون عنك ويصرفون غيرهم كذلك.

{مُصِيبَةٌ} : عقوبة بسبب كفرهم ونفاقهم.

إن يريدون: أي: ما يريدون.

{إِلا إِحْسَاناً} : أي: صلحاً بين المتخاصمين.

{وَتَوْفِيقاً} : جمعاً وتأليفاً بين المختلفين.

{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ2} : أي: اصفح عنهم فلا تؤاخذهم.

{وَعِظْهُمْ} : مرهم بما ينبغي لهم ويجب عليهم.

{قَوْلاً بَلِيغاً} : كلاماً قوياً يبلغ شغاف قلوبهم لبلاغته وفصاحته.

1 فكيف: خبر مبتدأ محذوف تقديره حالهم، كيف تكون حين تصيبهم مصيبة، أي: تكون عجباً لفرط حزنهم وبكاءهم وندمهم.

2 الإعراض: عدم الالتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه مشتق من العرض بضم العين، وهو الجانب ولعله مأخوذ من إعراض في الشيء إذ دخل فيه؛ كأصبح في الصباح فأعرض فلان عن فلان، أي: تنحى عنه جانباً، أو أعطاه عرضه مدبراً عنه.

ص: 499

معنى الآيات:

روي أن منافقاً ويهودياً1 اختلفا في شيء فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلمه أنه يحكم بالعدل ولا يأخذ رشوة، وقال المنافق نتحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى لليهودي فنزلت2 فيهما هذه الآية:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} والمراد بهذا المنافق، {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} ، والمراد به اليهودي، والاستفهام للتعجب. ألم ينته إلى علمك موقف هذين الرجلين {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} "كعب3 بن الأشرف" أو الكاهن الجهني، وقد أمرهم الله أن يكفروا به {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} ، حيث زين لهم لهم التحاكم عند الكاهن أو كعب اليهودي. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} ليحكم بينكم رأيت ياللعجب المنافقين يعرضون عنك اعراضاً هاربين من حكمك غير راضين بالتحاكم إليك لكفرهم بك وتكذيبهم لك {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وحلت بهم بسبب ذنوبهم أيبقون معرضين عنك؟ أم ماذا؟ {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ} قائلين4، ما أردنا إلا الإحسان في عملنا ذلك والتوفيق بين المتخاصمين. هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث، وأما الرابعة وهو قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} فإن الله تعالى يشير إليهم بأولئك لبعدهم في الخسة والانحطاط، فيقول:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: من النفاق والزيغ فهم عرضة للنقمة وسوء العذاب، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} فلا تؤاخذهم5، {وَعِظْهُمْ} آمراً إياهم بتقوى الله والإسلام له ظاهراً وباطناً، مخوفاً إياهم من عاقبة سوء أفعالهم بترك التحاكم إليك وتحاكمهم إلى الطاغوت، وقل لهم في خاصة أنفسهم قولاً بليغاً ينفذ إلى قلوبهم فيحركها ويذهب عنها غفلتها علهم يرجعون.

1 صيغة جمع الواردة في الآية مثل: {يُريدون أن يَتَحاكموا} تشير إلى كثرة المنافقين، ومن أمثال اليهودي والمنافق صاحبي القصة التي نزلت الآية فيها.

2 روي أن المنافق لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب باليهودي إلى أبي بكر فحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض المنافق فذهب بخصمه اليهودي إلى عمر، فذكر له اليهودي القصة، فقال عمر للمنافق وهو يشير: أكذا هو؟ قال: نعم. قال: رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد، وقال هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله. وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:"أنت الفاروق".

3 قيل فيه: طاغوت لأنه ذو طغيان زائد في الظلم والشر والفساد.

4 هؤلاء هم: قوم القتيل المنافق جاءوا يطالبون بدية أخيهم في النفاق، وقالوا: الكثير أكثر مما ذكر في الآية، وكل أقوالهم باطلة أملاها النفاق، ولذا أمر الرسول بالإعراض عنهم.

5 أي: لا تؤاخذهم فيما يبطنونه من الكفر ما داموا لم يظهروه علناً.

ص: 500