الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
بيان كذب اليهود في دعواهم أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا بالرسول حتى1 يأتيهم بقربان تأكله النار.
4-
تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات أمام ترهات اليهود وأباطيلهم.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ
(185)
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) }
شرح الكلمات:
{ذَائِقَةُ الْمَوْتِ2} : أي: ذائقة موت جسدها، أما هي فإنها لا تموت.
{تُوَفَّوْنَ} : تعطون جزاء أعمالكم خيراً أو شراً وافية لا نقص فيها.
{زُحْزِحَ} : نجي وأبعد.
{فَازَ} : نجا من مرهوبه وهو النار، وظفر بمرغوبه وهو الجنة.
{مَتَاعُ الْغُرُورِ3} : المتاع: كل ما يستمتع به، والغرور: الخداع، فشبهت الدنيا بمتاع خادع غار صاحبه، لا يلبث أن يضمحل ويذهب.
1 وإن صحت دعواهم في التوراة فإن فيها استثناء عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم أو هي منسوخة في الإنجيل ولكن ما رد الله تعالى به عليهم لا يتطلب مزيد حجج فإنه قاطع مفحم مسكت، ونص التوراة تمامه:"حتى يأتيكما المسيح ومحمد فإذا أتياكما فآمنوا بهما من غير قربان".
2 قرئ: {ذائقة الموت} بالإضافة، و {ذائقة الموت} بدونها، والأولى قراءة العامة، وهذا مما لا محيص للإنسان عنه. قال أمية بن الصلت:
من لم يمت عبطة يمت هرماً
…
للموت كأس والمرء ذائقها
ومعنى: عبطة: شاباً، وللموت علامات من أبرزها عرق الجبين، وفي الحديث:"المؤمن يموت بعرق الجبين". فإذا شوهدت لقن الميت لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
3 يوضح معنى متاع الغرور: قوله صلى الله عليه وسلم: "والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع إليه"، والغرور مصدر أضيف إليه المتاع، فالمتاع: ما يتمتع به ثم يضمحل، وكونه للغرور زاد في التحذير منه، فلذا قال فيها قتادة:"الدنيا متاع متروك يوشك أن تضمحل بأهلها".
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} : لتختبرن في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيها، أو بذهابها وأنفسكم بالتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج، أو المرض والموت.
{أُوتُوا الْكِتَابَ} : اليهود والنصارى.
{الَّذِينَ أَشْرَكُوا} : العرب.
{فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} : يريد أن الصبر والتقوى من الأمور الواجبة التي هي عزائم وليس فيها رخص ولا ترخيص بحال من الأحوال.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لقد جاء في الآية السابقة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له، وفي هذه الآية أعظم تسلية وعزاء، إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت1 لا محالة، وإن الدنيا ليست دار جزاء وإنما هي دار كسب وعمل، ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون، ولا ينالهم مكروه، وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ولا ينالهم محبوب، وفي هذا تسلية عظيمة وأخرى: العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها لا تعدو كونها متاع الغرور، أي: متاع زائل غار ببهرجه وجمال منظره، ثم لا يلبث أن يذهب ويزول. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (185) ، أما الآية الثانية (186) ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم لا محالة مختبرون في أموالهم وفي أنفسهم. في أموالهم بالحوائج، وبالواجبات، وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج والصيام، وإنهم لا بد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذى كبيراً كما قال فنحاص: الله فقير2 ونحن أغنياء أو كما قال النصارى: المسيح ابن الله، وكما قال المشركون: اللات والعزى ومناة آلهة مع الله. حثهم تعالى على الصبر
1 من أحكام الاحتضار: تلقين لا إله الا الله وقراءة يس، لتخفيف سكرات الموت لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما من ميت يقرأ عنده يس إلا هون الله عليه"، وفي حديث أبي داود:"اقرأوا يس على موتاكم"، ومن أحكام الموت: تغميض العينين، وغسل، وكفنه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وتعجيل دفنه، والإسراع في المشي به، لحديث:"اسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحاً فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".
2 قال ابن أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى رحلك لا تؤذنا في مجالسنا. وكان كعب بن الأشرف ينظم القصائد يسب فيها المسلمون ويؤلب فيها عليهم الكافرين، بل كان يتشبب بنساء المؤمنين، ولذا أذن الرسول في اغتياله فقتله غيلة: محمد بن مسلمة، وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين