الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسرائيل" فكانت آية وأعظم آية، وقبل بنو إسرائيل بقيادة طالوت، وباسم الله تعالى قادهم في الآية التالية
(249)
بيان السير إلى ساحات القتال.
شرح الكلمات:
{فَصَلَ طَالُوتُ} 3: انفصل من الديار وخرج يريد العدو.
{بِالْجُنُودِ} 4: العسكر وتعداده –كما قيل: سبعون ألف مقاتل.
{مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} : مختبركم بنهر جار لعل هو نهر الأردن الآن.
{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} : لم يشرب منه.
{غُرْفَةً} 5: الغرفة بالفتح المرة، وبالضم الاسم من الاغتراف.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} : هم الذين لم يشربوا من النهر، أما من شرب فقد كفر وأشرك.
1 أي: ليس من أصحابي في هذه الحرب ولا من جندي الذين أقاتل بهم ولم يرد خروجه من الإيمان وهو كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من غش فليس منا"، "ومن رغب عن سنتي فليس مني"، فإنه لا يعني كفره.
2 الظن هنا: بمعنى اليقين، أو يكون الظن على بابه وليس هو في لقاء الله تعالى وإنما هو في الموت في هذه الحرب هل يقتلون فيلاقون الله أو لم يقتلوا.
3 هل كان طالوت نبياً؟ يستدل على نبوته بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} وبقوله: {إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} والله أعلم وعلى كل فهو عبد صالح.
4 لفظ الجند وجمعه: جنود وأجناد، مشتق من الجند الذي هو غليظ الأرض، إذ الجنود يعتصم بعضهم ببعض فيقوون ويغلظون على عدوهم.
5 الغرفة بالضمة: اسم لا يعرف كالأكلة، اسم لما يؤكل، والغرفة أيضاً: البناء العالي، والجمع: غرف.
{أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ} : أي: يوم القيامة فهم يؤمنون بالبعث الآخر.
{كَمْ مِنْ فِئَةٍ} : كم للتكثير، والفئة: الجماعة يفيء بعضها إلى بعض.
{وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} : يسددهم ويعينهم وينصرهم.
معنى الآية:
إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن الله تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر ينتهون إليه وهم في حر شديد وعطش شديد، ولم يأذن لهم في الشرب منه إلا ما كان من غرفة واحدة، فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمن، ومن عصى وشرب بغير المأذون به فهو الكافر ولما وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون؛ كالبهائم إلا قليلاً منهم. وواصل طالوت السير فجاوز النهر وهو ومن معه، ولما كانوا على مقربة من جيش العدو وكان قرابة مائة ألف قال الكافرون والمنافقون:{لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} فأعلنوا انهزامهم، وانصرفوا فارين، وقال المؤمنون الصادقون وهم الذين قال الله فيهم:{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} كانت هذه الآية في بيان سير طالوت إلى العدو، وفي الآيتين التاليتين (250و251) بيان المعركة وما انتهت إليه من نصر حاسم للمؤمنين الصادقين قال تعالى:
{وَلَمَّا بَرَزُوا1 لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا2 أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ3 بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
1 البراز: المكان الفسيح في الأرض والمتسع منها والمتبرز الذاهب في البراز وكانوا يخرجون لقضاء الحاجة في البراز فأطلق لفظ: البراز على ما يحل فيه، وهو: العذرة.
2 فيه مشروعية الدعاء في مثل هذا الموقف، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر حتى سقط ردائه، وكان إذا لاقى العدو قال:"اللهم بك أصول وبك أجول" ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم". وعلم أصحابه ذلك.
3 الهزم: الكسر، ومنه قولهم: سقاء متهزم، إذا أثنى بعضه على بعض مع الجفاف، وقيل في زمزم: هزمه جبريل، أي: هزمها جبريل برجله، فتكسرت الأرض وخرج الماء.
بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) }
شرح الكلمات:
{بَرَزُوا لِجَالُوتَ} : ظهروا في ميدان المعركة وجالوت قائد قوات العمالقة.
{أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} : أصبب الصبر في قلوبنا صباً حتى تمتلئ فلم يبقى للخوف والجزع موضع.
{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} : في أرض المعركة حتى لا ننهزم وذلك بتقوية قلوبنا والشد من عزائمنا.
{دَاوُدُ} : هو نبي الله ورسوله داود، وكان يومئذ غير نبي1 ولا رسول في جيش طالوت.
{وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} : كان ذلك بعد موت شمويل النبي وموت طالوت الملك.
{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} : فعلمه صنعة الدروع، وفهم منطق الطير هو وولده سليمان عليهما السلام.
{لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} : وذلك بغلبة أهل الشرك على أهل التوحيد، وأهل الكفر على أهل الإيمان.
معنى الآيات:
لما التقى الجيشان جيش الإيمان وجيش الكفر طالب جالوت بالمبارزة فخرج2 له داود من جيش طالوت فقتله والتحم الجيشان فنصر الله جيش طالوت وكان عدد أفراده ثلاثمائة وأربعة عشر مقاتلاً لا غير لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بدر: "إنكم على عدة أصحاب طالوت" وكانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً فهزم الله جيش الباطل على كثرته ونصر جيش الحق على قلته. وهنا ظهر كوكب داود في الأفق بقتله رأس الشر جالوت فمن الله عليه بالنبوة والملك بعد موت
1 أي: لم ينبأ بعد ولم يرسل، إذ الرسل ينبئون ويرسلون غالباً في سن الأربعين.
2 لم يقص الله تعالى علينا شيئاً عن كيفية قتل داود لجالوت لعدم الفائدة الكبيرة منها، وخلاصتها كما يلي: كان والد داود في جيش طالوت وله ستة أبناء معه، واسمه: إيشا، وكان داود أصغرهم وكان يرعى الغنم، وكان لنبيهم درع وأوحى الله أن من استوت عليه درعه هو الذي يقاتل جالوت فاستوت على داود وقبل البراز، قال طالوت: من قتل جالوت أشاطره ملكي وأزوجه ابنتي وكان داود قد مر بحجر فناداه أن خذني يا داود وقاتل بي فجعله في مخلاته واحتفظ به، فلما برز لجالوت جعل الحجر في مقلاعه وكان رامياً فرمى جالوت فقتله. وهذه بداية أمره عليه السلام.
كل من النبي شمويل والملك طالوت قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ1 وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} .
وختم الله القصة ذات العبر والعظات العظيمة بقوله: {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} بالجهاد2 والقتال، لاستولى أهل الكفر وأفسدوا الأرض بالظلم والشرك والمعاصي، ولكن الله تعالى بتدبيره الحكيم يسلط بعضاً على بعض، ويدفع بعضاً ببعض منة منه وفضلاً. كما قال عز وجل:{وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} .
ثم التفت إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقال له تقريراً لنبوته وعلو مكانته: {تِلْكَ آيَاتُ اللهِ} التي تقدمت في هذا السياق {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
الجهاد الشرعي يشترط له الإمام المبايع بيعة شرعية.
2-
يشترط للولاية الكفاءة وأهم خصائصها العلم، وسلامة العقل والبدن.
3-
جواز التبرك بآثار الأنبياء كعمامة النبي أو ثوبه أو نعله مثلاً.
4-
جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه.
5-
فضيلة الإيمان بلقاء الله، وفضيلة الصبر على طاعة الله خاصة في معارك الجهاد في سبيل الله.
6-
بيان الحكمة في مشروعية الجهاد، وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل الإيمان والعدل، لتنتظم الحياة ويعمر الكون.
1 فسر ابن كثير الحكمة بالنبوة لقرينة الملك، إذ جعله الله تعالى ملكاً نبياً؛ كولده سليمان عليهما السلام.
2 وفي صحيح الحديث: "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" وفيه معنى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض} ، وأورد ابن كثير أحاديث في هذا المعنى وضعفها.
* في قول طالوت في رقم 1 من قتل جالوت: أشركه في ملكي وأزوجه ابنتي موجود نظيره في الإسلام. إذ للإمام أن يقول: من جاءني برأس فلان فله كذا، ومن دخل حصن كذا فله كذا وكذا.