الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
(246)
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }
شرح الكلمات:
{الْمَلأِ} : أشراف الناس من أهل الحل والعقد بينهم إذا نظر المرء إليهم ملأوا عينه رواء وقلبه هيبة.
عسى: كلمة توقع وترج.
{كُتِبَ} : فرض ولزم.
{مَلِكاً} : يسوسهم في السلم والحرب.
{أَنَّى يَكُونُ} : الاستفهام للإنكار بمعنى كيف يكون له الملك.
{اصْطَفَاهُ} : فضله عليكم واختاره لكم.
بسطة في الجسم: أي طولاً زائداً يعلو به من عداه.
معنى الآيات:
لقد فرض الله تعالى على المؤمنين القتال، ودارت رحى المعارك بداية من معركة بدر وكان لابد من المال والرجال الأبطال الشجعان، فاقتضى هذا الموقف شحذ الهمم وإلهاب المشاعر لتقوى الجماعة المسلمة بالمدينة على مواجهة حرب العرب والعجم معاً، ومن هنا لمطاردة الجبن والبخل وهما من شر الصفات في الرجال ذكر تعالى حادثة الفارين من الموت
التاركين ديارهم لغيرهم كيف أماتهم الله ولم ينجيهم فرارهم، ثم أحياهم ليكون ذلك عبرة لهم ولغيرهم، فالفرار من الموت لا يجدي الصبر والصمود حتى النصر، ثم أمر تعالى المؤمنين بعد أن أخذ ذلك المنظر من نفوسهم مأخذه فقال:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} ، ولما كان المال المقدم في القتال فتح الله لهم اكتتاباً مالياً وضاعف لهم الربح في القرض بشرط خلوصه وطيب النفس به، ثم قدم لهم هذا العرض التفصيلي لحادثة أخرى تمنل في ثناياها العظات والعبر لمن هو في موقف المسلمين الذين يحاربهم الأبيض والأحمر وبلا هوادة وعلى طول الزمن فقال تعالى وهو يخاطبهم في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ1 لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ} يريد ألم ينته إلى علمك بإخبارنا إياك قول أشراف بني إسرائيل –بعد وفادة موسى- لنبي لهم ابعث لنا2 ملكاً نقاتل في سبيل الله فنطرد أعداءنا من بلادنا ونسترد سيادتنا ونحكم شريعة ربنا. ونظراً إلى ضعفهم الروحي والبدني والمالي تخوف النبي أن لا يكونوا صادقين فيما طالبوه به فقال: {هَلْ3 عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} بتعيين الملك القائد أن لا تقاتلوا!؟ فدفعتهم الحمية فقالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الحال أنا قد أخرجنا من ديارنا4 وأبنائنا، وذلك أن العدو وهم البابليون لما غزوا فلسطين بعد أن فسق بنو إسرائيل فتبرجت نساؤهم واستباحوا الزنى والربا وعطلوا الكتاب وأعرضوا عن هدى أنبيائهم فسلط الله عليهم هذا العدو الجبار فشردهم فأصبحوا لاجئين. وما كان من نبي الله شمويل إلا أن بعث من تلك الجماعات الميتة موتاً معنوياً رجلاً منهم هو طالوت وقادهم فلما دنوا من المعركة جبنوا وتولى أكثرهم5 منهزمين قبل القتال، وصدق نبيهم في فراسته إذ قال لهم:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا} .
1 هو شمويل بن بال بن علقمة، هكذا ذكره القرطبي في تفسيره، ويقال فيه: شمعون أيضاً ويعرف بابن العجوز؛ لأن أمه كانت عجوزاً فسألت الله الولد فوهبها إياه بعد عقم وكبر سن.
2 {ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ..} فيه دليل على أن الجهاد لإعلاء كلمة الله لابد له من إمام تجتمع عليه كلمة الأمة وأيما جهاد يخلو من إمامة شرعية يقاتل تحت رايتها فعاقبتها خسر، وشاهد هذا حال المسلمين اليوم فقد قاتلوا الاستعمار تحت شعار الأحزاب فلما انتصروا خسروا كل شيء حتى دينهم.
3 عسيتم: بكسر السين، وعسيتم بفتح السين، وهما قراءتان سبعيتان. الأولى لنافع، والثانية لحفص.
4 أن الخروج من الوطن صعب على النفوس البشرية، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة قال:"إني أعلم أنك أحب البلاد إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت"، ويقول:"اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أكثر".
5 ولذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن تمني لقاء العدو فقال: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا".