الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الكلمات:
{وَيَسْتَفْتُونَكَ1} : يطلبون منك الفتيا في شأن النساء وميراثهن.
{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} : يقرأ عليكم في القرآن.
{مَا كُتِبَ لَهُنَّ} : ما فرض لهن من المهور والميراث.
{بِالْقِسْطِ} : بالعدل.
{نُشُوزاً} : ترفعاً وعدم طاعة.
{وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ} : جلبت النفوس على الشح فلا يفارقها أبداً.
{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} : فتركتوها كالمعلقة ما هي بالمزوجة ولا المطلقة.
{مِنْ سَعَتِهِ} : من رزقه الواسع.
{وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً} : واسع الفضل حكيماً يعطي فضله حسب علمه وحكمته.
معنى الآيات:
هذه الآيات الأربع كل آية منها تحمل حكماً شرعياً خاصاً فالأولى
(127)
نزلت إجابة لتساؤلات من بعض الأصحاب حول حقوق النساء ما لهن وما عليهن لن العرف الذي كان سائداً في الجاهلية كان يمنع النساء والأطفال من الميراث بالمر، وكان اليتامى لا يراعى لهم جانب ولا يحفظ لهم حق كامل، فلذا نزلت الآيات الأولى من هذه السورة وقررت حق المرأة والطفل في الإرث وحضت على المحافظة على مال اليتيم وكثرت التساؤلات لعل قرآناً ينزل إجابة لهم حيث اضطربت نفوسهم لما نزل فنزلت هذه الآية الكريمة تردهم إلى ما في أول السورة وأنه الحكم النهائي في القضية فلا مراجعة بعد هذه، فقال تعالى وهو يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} أي: وما زالوا يستفتونك في النساء، أي: في شأن مالهن وما عليهن من حقوق؛ كالإرث والمهر وما إلى ذلك. قل لهم أيها الرسول {اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} وقد أفتاكم فيهن وبين لكم مالهن وما عليهن. وقوله تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} أي: وما يتلى عليكم في يتامى النساء في أول السورة كافٍ لا تحتاجون معه إلى من يفتيكم أيضاً، إذ بين لكم أن من كانت تحته يتيمة دميمة لا يرغب في نكاحها فليعطها مالها وليزوجها غيره وليتزوج هو من
1 روى أشهب عن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي.
شاء، ولا يحل له أن يحبسها في بيته لأجل مالها، وإن كانت جميلة وأراد أن يتزوجها فليعطها مهر مثيلاتها ولا يبخسها حقها من مهرها شيئاً. وقوله:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} أي: وقد أفتاكم بما يتلى عليكم من الآيات في أول السورة في المستضعفين من الولدان حيث قد أعطاهم حقهم وافياً في آية {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية.
فلم هذه المراجعات والاستفتاءات؟ وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} أي: وما تلى عليكم في أول السورة كان آمراً إياكم بالقسط لليتامى والعدل في أموالهم فارجعوا إليه في قوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} ، وقوله تعالى في ختام الآية {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} حث لهم على فعل الخير بالإحسان إلى الضعيفين المرأة واليتيم زيادة على توفيتهما حقوقهما وعدم المساس بها. هذا ما دلت عليه الآية الكريمة: {وَيَسْتَفْتُونَكَ
…
} إلخ.
أما الآية الثانية (128){وَإِنِ امْرَأَةٌ1 خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ2 إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} فقد تضمنت حكماً عادلاً رحيماً وإرشاداً ربانياً سديداً وهو أن الزوجة إذا توقعت من زوجها نشوزاً، أي: ترفعاً أو إعراضاً عنها، وذلك لكبر سنها أو لقلة جمالها، وقد تزوج غيرها في هذا الحال في الإمكان أن تجري مع زوجها صلحاً يحفظ لها بقاءها في بيتها عزيزة محترمة فتتنازل له عن بعض حقها في الفراش وعن بعض ما كان واجباً لها وهذا خير لها من الفراق. ولذا قال تعالى:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ3} يريد أن الشح ملازم للنفس البشرية لا يفارقها والمرأة كالرجل في هذا إلا أن المرأة أضمن وأشح بنصيبها في الفراش وبباقي حقها من زوجها. إذاً فليراع الزوج هذا، ولذا قال تعالى:{وَإِنْ تُحْسِنُوا} أيها الأزواج إلى نسائكم {وَتَتَّقُوا} الله تعالى
1 خافت، أي: توقعت وليس بمعنى تيقنت.
2 روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} ، قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول له: أجعلك من شأني في حل. فنزلت هذه الآية. كما روي أن الآية نزلت في سودة أم المؤمنين لما أسنت، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها فآثرت الكون معه. فقالت له: امسكني واجعل يومي لعائشة. ففعل صلى الله عليه وسلم، وماتت وهي من أزواجه. رواه الترمذي. قالوا في الفرق بين النشوز والإعراض: أن النشوز هو: التباعد عنها. وأن الإعراض: أن لا يكلمها ولا يأنس بها.
3 الشح: هو البخل، ومنه الحديث:"أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى"، غير أن الشح يطلق على حرص النفس على الحقوق وقلة التسامح فيها.
فيهن فلا تحرموهن ما لهن من حق في الفراش وغيره فإن الله تعالى يجزيكم بالإحسان إحساناً وبالخير خيراً فإنه تعالى {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} .
هذا ما دلت عليه الآية (128) وأما الآية الثالثة (129) وهي قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ1 فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} فقد تضمنت حقيقة كبرى وهي عجز الزوج عن العدل بين زوجاته اللائي في عصمته، فمهما حرص على العدل وتوخاه فإنه لن يصل إلى منتهاه أبداً، والمراد بالعدل هنا في الحب والجماع. أما في القسمة والكساء والغذاء والعشرة بالمعروف فهذا مستطاع له، ولما علم تعالى هذا من عبده رخص له في ذلك ولم يؤاخذه بميلة النفس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم هذا قسمي2 فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" والمحرم على الزوج هو الميل3 الكامل إلى إحدى زوجاته عن باقيهن، لأن ذلك يؤدي أن تبقى المؤمنة في وضع لا هي متزوجة تتمنع بالحقوق الزوجية ولا هي مطلقة يمكنها أن تتزوج من رجل آخر تسعد بحقوقها معه، وهذا معنى قوله تعالى:{فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} ، وقوله تعالى:{وَإِنْ تُصْلِحُوا} أي: أيها الأزواج في أعمالكم وفي القسم بين زوجاتكم وتتقوا الله تعالى في ذلك فلا تميلوا كل الميل، ولا تجوروا فيما تطيقون العدل فيه فإنه تعالى يغفر لكم ما عجزتم عن القيام به لضعفكم ويرحمكم في دنياكم وأخراكم لأن الله تعالى كان وما زال عفواً للتائبين رحيما ًبالمؤمنين.
هذا ما دلت عليه الآية الثالثة، أما الآية الرابعة (130) وهي قوله تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ4 وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً} فإن الله تعالى يعد الزوجين الذين لم يوفقا للإصلاح بينهما لشح كل منهما بماله وعدم التنازل عن شيء من ذلك يعدهما ربهما إن هم تفرقا بالمعروف أن يغني كلا من سعته، وهو الواسع الحكيم. فالمرأة يرزقها زوجاً خيراً من زوجها الذي فارقته، والرجل يرزقه كذلك امرأة خيراً ممن فارقها لتعذر الصلح بينهما.
1 هذا دال على أن المحبة أمر قهري، يعجز الإنسان عن جلبها، كما يعجز عن دفعها، وإن كانت لها أسباب لا يملك توفيرها، فلذا عفي عن هذا الحب القهري وجوداً وعدمًا.
2 رواه أبو داود بإسناد صحيح، ورواه غيره. والمراد بقوله:"فيما تملك ولا أملك". القلب؛ لأن القلوب بيد الله يقبلها كيف يشاء.
3 ورد في ذنب الميل إلى إحدى الزوجات وعيد شديد، وذلك فيما رواه أحمد وأصحاب السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من كانت له امرأتان فمال إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه ساقط".
4 هناك إشارة إلى أن هذا الوعد الإلهي مشروط بمحاولة الصلح أولاً فإن لم يتم وتفرقا على طاعة الله تعالى، أنجز الله تعالى لهما ما وعد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير مبدأ إرث النساء والأطفال، والمحافظة على مال اليتامى وحرمة أكلها.
2-
استحباب الصلح بين الزوجين عند تعذر البقاء مع بعضهما إلا به.
3-
تعذر العدل بين الزوجين في الحب والوطء استلزم عدم المؤاخذة به واكتفى الشارع بالعدل في الفراش، والطعام والشراب والكسوة والمعاشرة بالمعروف.
4-
الترغيب في الإصلاح والتقوى وفعل الخيرات.
5-
الفرقة بين الزوجين إن كانت على مبدأ الإصلاح والتقوى أعقبت خيراً عاجلاً آجلاً.
1 إن قيل ما وجه تكرار جملة: {لله مَا في السمَواتْ ومَا في الأرض} ثلاث مرات؟ فالجواب: أنه تعالى لما ذكر أن الزوجين إذا تفرقا بعد مصالحة، وعلى تقوى يغنيهما الله. برهن على ذلك بأن له ما في السموات وما في الأرض، ومن كان كذلك قهو قادر على إغنائهما، ولما وصى عباده بتقواه وهي طاعته بفعل الأمر وترك النهي، أعلم أنه قادر على عقوبة من عصاه، وأنه لم يوص بالتقوى لحاجة به، إنه يملك ما في السموات وما في الأرض، ومن كان كذلك فلا حاجة به إلى أحد، ولما ذكر غناه وحمده دلل عليهما بأن له ما في السموات ما في الأرض وأنه الحفيظ لعباده المدبر لهم.