الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
(267)
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (269) }
شرح الكلمات:
{مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} : من جيد أموالكم وأصلحها.
{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} : من الحبوب وأنواع الثمار.
{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} : لا تقصدوا الرديء تنفقون منه.
{إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ1} : إلا أن تغضوا أبصاركم عن النظر في رداءته فتأخذونه بتساهل منكم وتسامح.
{حَمِيدٌ} : محمود في الأرض والسماء في الأولى والأخرى لما أفاض ويفيض من النعم على خلقه.
{يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} : يخوفكم من الفقر ليمنعكم من الإنفاق في سبيل الله.
{وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} : يدعوكم إلى ارتكاب الفواحش ومنها البخل والشح.
{الْحِكْمَةَ} : فهم أسرار الشرع، وحفظ الكتاب والسنة.
{أُولُو الأَلْبَابِ} : أصحاب العقول الراجحة المفكرة فيما ينفع أصحابها.
1 يقال: أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز، وما في التفسير فهو مأخوذ من تغميض العين لعدم رؤية العيب والرداءة، وقراءة الجمهور تشهد للمعنيين التجاوز، وتغميض العين.
معنى الآيات:
بعدما رغب تعالى عباده المؤمنين في الإنفاق في سبيله في الآية السابقة ناداهم هنا بعنوان الإيمان، وأمرهم بإخراج زكاة أموالهم من جيد ما يكسبون فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ1 آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ2 وَمِمَّا أَخْرَجْنَا} يريد الحبوب والثمار كما أن ما يكسبونه يشمل النقدين والماشية من إبل وبقر وغنم، ونهاهم عن التصدق بالرديء من أموالهم، فقال:{وَلا تَيَمَّمُوا3 الْخَبِيثَ مِنْه4ُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يريد لا ينبغي لكم أن تنفقوا الرديء وأنتم لو أعطيتموه في حق لكم ما كنتم لتقبلوه لولا أنكم تغمضون وتتساهلون في قبوله، وهذا منه تعالى تأديب لهم وتربية. وأعلمهم أخيراً أنه تعالى غني عن خلقه ونفقاتهم فلم يأمرهم بالزكاة والصدقات لحاجة به، وإنما أمرهم بذلك لإكمالهم وإسعادهم، وأنه تعالى حميد محمود بماله من إنعام على سائر خلقه، كان هذا معنى الآية (267) أما الآية (268) فإنه تعالى يحذر عباده من الشيطان ووسواسه فأخبرهم أن الشيطان يعدهم الفقر5، أي: يخوفهم منه حتى لا يزكوا ولا يتصدقوا ويأمرهم بالفحشاء فينفقون أموالهم في الشر والفساد ويبخلون بها في الخير، والصالح العام، أما هو تعالى فإنه بأمره إياهم بالإنفاق يعدهم مغفرة ذنوبهم؛ لأن الصدقة تكفر الخطيئة، وفضلاً منه وهو الرزق الواسع الحسن، وهو الواسع الفضل العليم بالخلق. فاستجيبوا أيها المؤمنون لنداء الله تعالى، وأعرضوا عن نداء الشيطان فإنه عدوكم لا يعدكم إلا بالشر، يأمركم إلا بالسوء والباطل، كان هذا ما تضمنته الآية الثانية، أما الآية الثالثة (269) فإن الله تعالى يرغب في تعلم العلم النافع الذي يحمل على العمل الصالح، ولا يكون ذلك إلا علم الكتاب والسنة حفظاً وفهماً وفقهاً فيهما فقال
1 قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ
…
} إلخ. اثنتان من الله تعالى، واثنتان من الشيطان. ويفسره حديث الترمذي إذ فيه قول صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ
…
} الآية.
2 الآية في الزكاة قطعاً، والنهي عن الإنفاق من الرديء يشمل الزكاة. والتطوع معاً.
3 روى الحاكم وصححه على شرط الشيخين في سبب نزول هذه الآية عن البراء قال: هذه الآية نزلت فينا، كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل وكان أناس مما لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص فيعلقه فنزلت:{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} الآية.
4 أي: من الخبيث الذي هو الرديء.
5 تفتح فاء الفقر، وتضم كالضعف والضُعف.
تعالى: {يُؤْتِي} أي: هو تعالى: {الْحِكْمَةَ مَنْ1 يَشَاءُ} من طلبها وتعرض لها راغباً فيها سائلاً الله تعالى أن يعلمه، وأخبر أخيراً أن من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً2 فليطلب العاقل الحكمة قبل طلب الدنيا هذه تذكرة {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يقوم مقامهما من العمل وفي الناطق من الإبل والبقر والغنم إذ الكل داخل في قوله: {مَا كَسَبْتُمْ} وهذا بشرط الحول3 وبلوغ النصاب.
2-
وجوب الزكاة في الحرث: الحبوب والثمار وذلك فيما بلغ نصاباً، وكذا في المعادن إذ يشملها لفظ الخارج من الأرض.
3-
قبح الإنفاق من الرديء وترك الجيد.
4-
التحذير من الشيطان ووجوب مجاهدته بالإعراض عن وساوسه ومخالفة أوامره.
5-
إجابة نداء الله والعمل بإرشاده.
6-
فضل العلم على المال.
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا4 هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ
1 الحكمة: النبوة والقرآن والإصابة في الأمور بوضع كل شيء في موضعه، فأعلى الحكمة النبوة ثم القرآن والسنة. وفي الصحيح:"لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها". واللفظ يشمل القرآن والسنة.
2 أصل الحكمة: إحكام الشيء وإتقانه، وعليه فحفظ القرآن والسنة وفهما والعمل بهما هو الحكمة، وفي الصحيح:"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". وورد: رأس الحكمة مخافة الله.
3 الحول: هو مرور سنة كاملة على زكاة النقدين والأنعام وعروض التجارة، والنصاب في الحبوب والثمار خمسة أوسق لحديث الصحيح:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" والوسق: ستون صاعاً، والصاع: أربعة أمداد. وفي النقدين: الذهب عشرون ديناراً ما يعادل سبعين غراماً، وفي الفضة: مائتا درهم: ما يعادل 460 غراماً، وفي الغنم أربعون شاة، وفي البقر ثلاثون بقرة، وفي الإبل خمس منها.
4 قوله تعالى: {فَنِعِمَّا هِيَ} ثناء على إبداء الصداقة وقوله: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ} حكم على أن الإخفاء خير من الإبداء، قال أحد الحكماء: إذا اصطنعت المعروف فاستره، وإذا اصطنع إليك فانشره. قال دعبل الخزاعي:
إذا انتقموا أعلنوا أمرهم
…
وإن أنعموا أنعموا باكتتام