الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
(64)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) }
شرح الكلمات:
{يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ1} : يريدون أنه تعالى ضيق عليهم الرزق ولم يوسع عليهم.
{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} : دعاء عليهم بأن يحرموا الإنفاق في الخير وفيما ينفعهم.
{وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} : طردوا من رحمة الله بسبب وصفهم الرب تعالى بالبخل.
{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} : لا كما قالوا لعنهم الله: يد الله مغلولة، أي: ممسكة عن الإنفاق.
{طُغْيَاناً} : تجاوزاً لحد الاعتدال في قولهم الكاذب وعملهم الفاسد.
{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ} : أي: بين اليهود والنصارى.
{أَوْقَدُوا نَاراً} : أي: نار الفتنة والتحريش والإغراء والعداوات للحرب.
1 القائل: فنحاص اليهودي عليه لعائن الله وهو يعنى: بمغلولة: بخيلة لا تنفق، وهو كاذب، بل يمين الله ملأى لا يغيظها نفقة سحاء الليل والنهار:"أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه" حديث الشيخين.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَاب} ِ: اليهود والنصارى.
{مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} : كناية عن بسط الرزق عليهم.
{أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ} : معتدلة لا غالبة مفرطة، ولا جافية مفرطة.
معنى الآيات:
يحبر تعالى عن كفر اليهود وجرأتهم على الله تعالى بباطل القول وسيء العمل، فيقول:{وَقَالَتِ1 الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} يريدون أنه تعالى أمسك عنهم الرزق وضيقه عليهم، فرد الله تعالى عليهم بقوله:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} هو دعاء عليهم بأن لا يوفقوا للإنفاق فيما ينفعهم {ولعنوا بما قالوا} . ولعنهم تعالى ولعنهم كل صالح في الأرض والسماء بسبب قولهم الخبيث الفاسد. وأكذبهم تعالى في قولهم {يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} فقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} كما قال عنه رسوله في الصحيح: "يمين الله سحاء2 تنفق الليل والنهار" ثم أخبر تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليسله ويخفف عنه ما يجد في نفسه من جراء كفر اليهود وخبثهم فقال: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ} أي: من اليهود {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} من الآيات التي تبين خبثهم وتكشف النقاب عن سوء أفعالهم المخزية لهم. {طُغْيَاناً وَكُفْراً} أي: إبعاداً في الظلم والشر وكفراً بتكذيبك وتكذيب ما أنزل إليك وذلك دفعاً للحق ليبرروا باطلهم وما هم عليه من الاعتقاد الفاسد والعمل السيء، ثم أخبر تعالى رسوله بتدبيره فيهم انتقاماً منهم فقال عز وجل من قائل:{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ3 وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: أن العداوة بين اليهود والنصارى لا تنتهي إلى يوم القيامة، ثم أخبر عن اليهود أنهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ} وذلك بالتحريش بين الأفراد والجماعات وحتى الشعوب والأمم، وبالإغراء، وقالة السوء، {أَطْفَأَهَا الله} تعالى فلم يفلحوا فيما أرادوه، وقد أذلهم الله على يد رسوله والمؤمنين وأخزاهم وعن دار الإيمان أجلاهم وأخبر تعالى أنهم يسعون دائماً وأبداً في الأرض بالفساد، فلذا أبغضهم الله وغضب عليهم، لأنه تعالى لا يحب المفسدين، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (64)، أما الآية الثانية (65) وهي قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ} من يهود ونصارى {آمَنُوا} بالله ورسوله وبما
1 إنه وإن القائل: فنحاص بن عازوراء فإن رضي اليهود بمقالته سلكهم في سلكه واعتبروا كلهم قائلون، إذ الرضى بالكفر كفر.
2 هذا اللفظ معنى للحديث لا لفظه، وقد تقدم قريبًا لفظه كما في الصحيحين.
3 الكلام صالح لأن يكون: {بينهم} المراد بهم اليهود أنفسهم كقوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} ، وأن يكون المراد بين اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم معًا في قوله تعالى:{لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} ، والواقع شاهد.
جاء من الدين الحق وعملوا به، {وَاتَّقَوْا} الكفر والشرك وكبائر الذنوب الفواحش، لكفر الله عنهم سيئآتهم فلم يؤاخذهم ولم يفضحهم بها ولأدخلهم جنات النعيم. وهذا وعد الله تعالى اليهود والنصارى فلو أنهم آمنوا واتقوا لأنجزه لهم قطعاً. وهو لا يخلف الميعاد.
أما الآية الأخيرة (66) في هذا السياق فهي تتضمن وعداً إلهياً آخر وهو أن اليهود والنصارى لو أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ومن ذلك القرآن الكريم، ومعنى أقاموا ذلك آمنوا بالعقائد الصحيحة الواردة في تلك الكتب وعملوا بالشرائع السليمة والآداب الرفيعة والأخلاق الفاضلة التي تضمنتها تلك الكتب لو فعلوا ذلك لبسط الله تعالى عليهم الرزق وأسبغ عليهم النعم ولأصبحوا في خيرات وبركات تحوطهم من كل جانب هذا ما وعدهم الله به. ثم أخبر تعالى عن واقعهم المرير فقال:{مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ} لم تغل ولم تحف فلم تقل في عيسى أنه ابن الله ولا هو ابن زنى، ولكن قالت عبد الله ورسوله، ولذا لما جاء النبي الأمي بشارة عيسى1 عليه السلام آمنوا به وصدقوا بما جاء به من الهدى والدين الحق وهم عبد الله بن سلام وبعض اليهود، والنجاشي من النصارى وخلق كثير لا يحصون عداً. وكثير من أهل الكتاب ساء2، أي: قبح ما يعلمون من أعمال الكفر والشرك والشر والفساد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
أقبح وصف الله تعالى بما لا يليق بجلاله وكماله.
2-
ثبوت صفة اليدين لله تعالى ووجوب الإيمان بها على مراد الله تعالى، وعلى ما يليق بجلاله وكماله.
3-
تقرير ما هو موجود بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء3 وهو من تدبير الله تعالى.
4-
سعى اليهود الدائم في الفساد في الأرض فقد ضربوا البشرية بالذهب المادي الإلحادي الشيوعي، وضربوها أيضاً بالإباحة ومكائد الماسونية.
1 بشارة عيسى بدل من النبي الأمي، وقلنا: بشارة عيسى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى عليهم السلام".
2 أي: بئس: شيء عملوه، إذ كذبوا الرسل وحرفوا الكتب وأكلوا السحت.
3 وإن قيل: إن التعاون القائم اليوم بين اليهود والنصارى يرد ما في الآية، قلنا: إن اليهود احتالوا على النصارى فضربوهم بالإلحاد، فلما قضي على العقيدة الدينية فيهم أصبحوا سخرة لهم يتحكمون فيهم، وبذلك فرضوا عليهم حبهم وعدم عداوتهم.