الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
الرسالة المحمدية عامة لسار الناس أبيضهم وأصفرهم.
إثبات صفتي العلم والحكمة لله تعالى. وبموجبهما يتم الجزاء العادل الرحيم.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً
(171)
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (173) }
شرح الكلمات:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} : المراد بهم1 هنا: النصارى.
{لا تَغْلُوا2 فِي دِينِكُمْ} : الغلو: تجاوز الحد للشيء، فعيسى عليه السلام عبد الله ورسوله فغلوا فيه فقالوا هو الله.
1 النصارى غلوا في عيسى فتجاوزوا حد الإفراط حيث ألهوه، أي: جعلوه إلهًا وعبدوه، واليهود غلوا في التفريط في عيسى، إذ قالوا: ساحر وابن زنا والعياذ بالله.
2 الغلو مشتق من غلوة السهم، وهي منتهى اندفاعه، ويطلق الغلو في الشرع على الزيادة على المطلوب في الاعتقاد والقول والعمل.
{الْمَسِيحُ} : هو عيسى عليه السلام ولقب بالمسيح لأنه ممسوح من الذنوب، أي: لا ذنب له قط.
{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا} : أي: قول الله تعالى له {كن} فكان –ألقاها إلى مريم: أوصلها لها وأبلغها إياها وهي قول الملائكة لها إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم.
{وَرُوحٌ مِنْهُ} : أي: عيسى كان بنفخة جبريل روح الله في كم درعها.
{وَكِيلاً} : حفيظاً وشاهداً عليماً.
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ} : لا يرفض عبوديته لله تعالى أنفة وكبراً.
{وَيَسْتَكْبِرْ} : يرى نفسه كبيرة فوق ما طلب منه أن يقوله أو يفعله إعجاباً وغروراً.
{وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} : أي: لا يجدون يوم القيامة ولياً يتولى الدفاع عنهم ولا نصيراً ينصرهم حتى لا يدخلوا النار ويعذبوا فيها.
معنى الآيات:
ما زال السياق مع أهل الكتاب، ففي الآية الأولى (171) نادى الرب تبارك وتعالى النصارى بلقب الكتاب الذي هو الإنجيل ونهاهم عن الغلو في دينهم من التنطع والتكلف؛ كالترهب واعتزال النساء وما إلى ذلك من البدع التي حمل عليها الغلو، كما نهاهم عن قولهم على الله تبارك وتعالى غير الحق، وذلك بنسبة الولد إليه تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وأخبرهم بأن عيسى لم يكن1 أبداً غير رسول الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم2، حيث بعث إليها جبريل فبشرها بأن الله تعالى قد يهبها غلاماً زكياً، ونفخ وهو روح الله في كم درعها فكان عيسى بكلمة التكوين وهي {كن} وبسبب تلك النفخة من روح الله جبريل عليه السلام فلم يكن عيسى الله ولا ابن الله فارجعوا إلى الحق وآمنوا بالله ورسله جبريل وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، ولا تقولوا زوراً وباطلاً: الله ثالث ثلاثة آلهة3. انتهوا عن القول الكذب يكن
1 لأن: إنما أداة قصر فمن هنا قصر عيسى عليه السلام على ثلاث صفات، وهي: الرسالة، والكلمة، والروح، أي: هو لم يكون غير رسول الله وكلمته وروح منه، والقصر إضافي كما هو ظاهر.
2 لم يذكر الله تعالى امرأة في القرآن باسمها العلم سوى مريم، إذ ذكرها في القرآن في نحو من ثلاثين موضعًا، وسر هذا أن العرب يتحاشون أن يذكروا أسماء نساؤهم إنما يكنون عنهن بالعرس والأهل والعائلة. وأما الإماء فيذكرونهن بأسماؤهن، لذا ذكر تعالى مريم وهي أمته باسمها العلم ثلاثين مرة.
3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد من التثليث: الله تعالى وصاحبته وابنه. والأقانيم عند بعضهم هي: الأب والابن وروح القدس. وعند بعضهم هو: الوجود والحياة والعلم.
انتهاؤكم خيراً لكم حالاً ومآلاً، إنما الله سبحانه وتعالى إله واحد له ولا ند ولا ولد. سبحانه تنزه وعلا وجل وعظم أن يكون له ولد، ولم تكن له صاحبة، ولم يكن ذا حاجة وله ما في السموات وما في الأرض خلقاً وملكاً وحكماً وتدبيراً، وكفى به سبحانه وتعالى وكيلاً شاهداً عليماً فحسبكم الله تعالى رباً وإلهاً فإنه يكفيكم كل ما يهمكم فلا تلتفتون إلى غيره ولا تطلبون سواه.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (171) ، وأما الآيتان الثانية (172) والثالثة (173) فقد أخبر تعالى أن عبده ورسوله المسيح عليه السلام لن يستنكف أبداً أن يعبد الله وينسب إليه بعنوان العبودية فيقال عبد الله ورسوله، حتى الملائكة المقربون منهم فضلاً عن غيرهم لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى وعن لقب العبودية فهم عباد الله وملائكته، ثم توعد تعالي كل من يستنكف عن عبادته عنها من سائر الناس بأنه سيحشرهم جميعاً ويحاسبهم على أعمالهم فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات آمنوا بألوهيته تعالى وحده وعبدوه وحده بما شرع لهم من أنواع العبادات وهي الأعمال الصالحة فهؤلاء يوفيهم أجورهم كاملة ويزيدهم من فضله الحسنة بعشر أمثالها، وقد يضاعف إلى سبعمائة ضعف. وأما الذين استنكفوا واستكبروا، أي: حملتهم الأنفة والكبر على عدم قبول الحق والرجوع إليه فأصروا على الاعتقاد الباطل والعمل الفاسد فيعذبهم تعالى عذاباً أليماً، أي: موجعاً لا يجدون لهم من دونه ولياً ولا ناصراً فينتهي أمرهم إلى عذاب الخلد جزاء بما كانوا يعملون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
حرمة الغلو في الدين إذ هي من الأسباب الموجبة للابتداع1 والضلال.
2-
حرمة القول على الله تعالى بدون علم مطلقاً والقول عليه بغير الحق بصورة خاصة.
3-
بيان المعتقد الحق في عيسى2 عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله كان بكلمة الله ونفخة
1 قال مطرف بن عبيد الله: والعدل حسنة بين سيئتين: الأولى: الإفراط. والثانية: التفريط. فالغلو: إفراط. والتقصير: تفريط. كلاهما مذموم. قال الشاعر:
وأوف ولا تستوف حقك كله
…
وسامح فلم يستوف قط كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد
…
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
2 ذكر القرطبي عند تفسير هذه الآية قصة طويلة في سب فساد دين المسيح عليه السلام، وأن الذي أفسده هو بولس اليهودي ولعنا نذكرها في تفسير آية المائدة:{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} إن شاء الله تعالى.