الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(94)
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ1 عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ2 وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) }
شرح الكلمات:
{الدَّارُ الآخِرَةُ} : المراد منها نعيمها وما أعد الله تعالى فيها لأوليائه.
{خَالِصَةً} : خاصة لا يدخلها أحد سواكم.
{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} : تمنوه في نفوسكم واطلبوه بألسنتكم، فإن من كانت له الدار الآخرة لا خير له في بقائه في الدنيا.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} : أي في دعوى أن نعيم الآخرة خاص بكم لا يشارككم فيه غيركم.
{حَيَاةٍ} : التنكير فيها لتعم كل حياة ولو كانت ذميمة.
{يَوَدُّ} : يحب.
1 روى الترمذي في سبب نزول: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ
…
} إلخ. أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال جبريل: "قالوا: ذلك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذلك عدونا لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك، فأنزل الله الآية إلى قوله:{لِلْكَافِرِينَ} .
2 ذكر جبريل وميكائيل بعد ذكرهم في عموم الملائكة دليل على شرفهما وعلو مقامهما.
{الَّذِينَ أَشْرَكُوا} : هم غير أهل الكتاب من سائر الكفار.
{بِمُزَحْزِحِهِ} : بمبعده من العذاب.
{أَنْ يُعَمَّرَ} : تعميره ألف سنة.
جبريل: روح القدس الموكل بالوحي يتنزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} : نزل جبريل القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} : القرآن مصدق لما في الكتب السابقة من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم والبشارة به ومن التوحيد ووجوب الإسلام لله تعالى.
ميكال1: ميكال وميكائيل: ملك من أعاظم الملائكة، وقيل: معناه عبيد الله.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الرد على اليهود وإبطال حججهم الواهية، ففي الآية الأولى (94) أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم مباهلاً إياهم: إن كانت الدار الآخرة خالصة لكم لا يدخل الجنة معكم أحد فتمنوا الموت لتدخلوا الجنة وتستريحوا من عناء الدنيا ومكابدة العيش فيها، فإن لم تتمنوا ظهر كذبكم وثبت كفركم وأنكم أصحاب النار، وفعلاً ما تمنوا الموت ولو تمنوه لماتوا عن آخرهم.
وفي الآية الثانية (95) أخبر تعالى أن اليهود لن يتمنوا الموت أبداً، وذلك بسبب ما قدموه من الذنوب والخطايا العظام الموجبة لهم عذاب النار بأنهم مجرمون ظلمة والله عليم بالظالمين، وسيجزيهم بظلمهم إنه حكيم عليم.
وفي الآية الثالثة (96) يخبر الله تعالى أن اليهود أحرص الناس على الحياة حتى من المشركين الذين يود الواحد منهم أن يعيش ألف سنة، فكيف يتمنون الموت إذاً وهم على هذا الحال من الحرص على الحياة، وذلك لعلمهم بسوء مصيرهم إن هم ماتوا. كما يخبر تعالى أن الكافر لا ينجيه من العذاب طول العمر ولو عاش أكثر من ألف سنة، ثم هدد الله تعالى اليهود وتوعدهم بقوله:{وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الشر والفساد وسيجزيهم به.
1 في جبريل وميكائيل لغات عدة، أشهرها: جبريل وجبرائيل وجبرين –بالنون- وميكائيل، وميكال، ميكائيل. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: عبد الله، وميكائيل، عبيد الله.
وفي الآية الرابعة (97) يأمر تعالى رسوله أن يرد على اليهود قولهم: لو كان الملك الذي يأتيك بالوحي ميكائيل لأمنا بك، ولكن لما كان جبريل، فجبريل عدونا؛ لأنه ينزل بالعذاب، بقوله:{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} فليمت غيظاً وحنقاً، فإن جبريل هو الذي ينزل بالقرآن بإذن ربه على قلب رسوله مصدقاً –القرآن- لما سبقه من الكتب وهدى يهتدى به وبشرى يبشر به المؤمنون الصالحون.
وفي الآية الخامسة (98) يخبر تعالى أن من يعاديه عز وجل ويعادي أولياءه1 من الملائكة والرسل وبخاصة جبريل فإنه كافر، والله عدو له ولسائر الكافرين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
صحة الإسلام، وبطلان اليهودية، وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت.
2-
المؤمن الصالح يفضل الموت على الحياة لما يرجوه من الراحة والسعادة بعد الموت.
3-
صدق القرآن فيما أخبر به عن اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة، إذ هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم.
4-
عداوة الله تعالى للكافرين. ولذا وجب على المؤمن معاداة أهل الكفر لمعاداتهم لله، ومعاداة الله تعالى لهم.
{وَلَقَدْ2 أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ3 (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ
1 في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب".
2 ذكر الطبري أن قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ
…
} إلى قوله: {الْفَاسِقُون} نزل رداً على ابن صوريا اليهودي، حيث قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها.
3 كابن صوريا، وأضرابه ممن تعمدوا الخروج عن منهج الحق وهم يعلمون.
لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ1 فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) }
شرح الكلمات:
{آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : هي آيات القرآن الكريم الواضحة فيما تدل عليه من معان.
{يَكْفُرُ بِهَا} : يجحد بكونها كتاب الله ووحيه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
{الْفَاسِقُونَ} : الخارجون عما يجب أن يكونوا عليه من الإيمان بالله والإسلام له ظاهراً وباطناً.
{أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا} : الهمزة للإستفهام الإنكاري، والواو عاطفة على تقديره أكفروا بالقرآن ونبيه، وكلما عاهدوا إلخ
…
العهد: الوعد الملزم.
{نَبَذَه} : طرحه وألقاه غير آبه به ولا ملتفت إليه.
{رَسُولٌ} : التنكير للتعظيم، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبله عيسى عليه السلام
{لِمَا مَعَهُمْ} : من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وتقرير نبوته، وسائر أصول الدين في التوراة.
{كِتَابَ اللهِ} : التوراة2 لدلالتها على نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحة دينه الإسلام.
{وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} : أي أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه لمنافاته لما هم معروفون عليه من الكفر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ كأنهم لا يعلمون مع أنهم يعلمون حق العلم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته والرد على اليهود وإظهار
1 النبذ: الطرح والإلقاء، ولذا سمي اللقيط منبوذاً، وسمي النبيذ: نبيذاً؛ لأنه طرح التمر والزبيب في الماء وعليه قول الشاعر:
نظرت إلى عنوانه فنبذته
…
كنبذك نعلاً من نعالك
يكون القرآن الكريم، فقد نبذوه أيضاً بعد علمهم؛ بأنه الحق مصدقاً لما معهم.
ما هم عليه من الفسق والظلم في الآية الأولى (99) يرد تعالى على قول ابن صوريا اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشيء، بقوله:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ} ؛ كالأعور بن صوريا اليهودي. وفي الآية الثانية (100) ينكر الحق سبحانه وتعالى على اليهود كفرهم ونبذهم للعهود والمواثيق وليسجل عليهم عدم إيمان أكثرهم بقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} . وفي الآية الثالثة (101) ينعي البارئ عز وجل على علماء اليهود نبذهم للتوراة لما رأوا فيها من تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثباتها فقال: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ1 فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ2 كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
الفسق العام ينتج الكفر، إن العبد إذا فسق3 وواصل الفسق عن أوامر الله ورسوله سيؤدي به ذلك إلى أن ينكر ما حرم الله وما أوجب فيكفر لذلك والعياذ بالله.
2-
اليهود لا يلتزمون بوعد ولا يفون بعهد، فيجب أن لا يوثق في عهودهم أبداً.
3-
التوراة أحد كتب الله عز وجل المنزلة أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران عليه السلام.
4-
قبح جريمة من تنكر للحق بعد معرفته، ويصبح وكأنه جاهل به.
{وَاتَّبَعُوا4 مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ
1 قال السدي في تفسير هذه الآية: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم، عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت فلم توافق القرآن. فهذا معنى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ
…
} .
2 الظهور: جمع ظهر ويجمع على ظهران يقال لمن أعرض عن شيء: رماه وراء ظهره.
3 الفسق: مشتق من فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرتها، وبه سميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها على أهل الدار.
4 اشتهر بين علماء السلف أن ما تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان كان سببه: أن مردة من الشياطين كتبوا كتاباً ضمنوه الكثير من ضروب السحر والشعوذة والأباطيل ونسبوه إلى كاتب سليمان، وهو: أصف ودفنوه تحت كرسي سليمان حين ابتلي بنزع ملكه، ولما مات سليمان أخرج الكتاب شياطين الجن بالتعاون مع شياطين الإنس، وأعلنوا في الناس أن سليمان كان ساحراً، وما غلب الجن والإنس إلا بالسحر، فصدقهم أناس وكذب آخرون، ولما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وكفر به اليهود وتنكروا للتوراة لاتفاقها مع القرآن أنزل الله تعالى قوله:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} فبرأ سليمان وكفر اليهود.