الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
يحسن بالمرء ترك الاعتزاز بشرف وصلاح1 الماضين2، والإقبال على نفسه بتزكيتها وتطهيرها.
6-
سنة الله في الخلق أن المرء يجزى بعمله، ولا يسأل عن عمل غيره.
7-
يطلق لفظ الأب على العم تغليباً وتعظيماً.
{وَقَالُوا3 كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(135)
قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا4 وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ5 بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) }
شرح الكلمات:
تهتدوا: تصيبوا طريق الحق.
1 وفي الحديث الصحيح: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، وفي هذا المعنى قال الشاعر الحكيم:
لا تقل أصلي وفصلي يا فتى
إنما أصل الفتى ما قد حصل2 ذكر ابن كثير عن ابن إسحاق ابن عبد الله بن صوريا الأعور اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقال النصارى مثل ذلك. فأنزل الله عز وجل:{وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} الآية.
3 روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما أنزل علينا، وما أنزل إليكم..".
4 الأسباط: أولاد يعقوب عليهم السلام وهم: اثنا عشر ولداً: يوسف وبنيامين وبوذا ولكل واحد منهم أمة من الناس. الواحد: سبط والجمع: أسباط، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيبلة، وفي ولد إسماعيل عليه السلام، وسموا الأسباط من السبط، وهو: التتابع لأنهم متتابعون.
5 أي: لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كصنيع اليهود والنصارى.
ملة إبراهيم: دين إبراهيم الذي كان عليه.
حنيفاً1: مستقيماً على دين الله موحداً فيه لا يشرك بالله شيئاً.
ما أوتي موسى: التوراة.
وما أوتي عيسى: الإنجيل.
في شقاق: خلاف وفراق وعداء لك وحرب عليك.
صبغة الله: دينه الذي طهرنا به ظاهراً وباطناً فظهرت آثاره علينا كما يظهر أثر الصبغ على الثوب المصبوغ.
معنى الآيات:
ما زال السياق في حجاج أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام فقد قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. كونوا يهوداً تهتدوا إلى الحق، وقالت النصارى من وفد نجران، كذلك كونوا نصارى تهتدوا. فحكى الله تعالى قولهم، وعلم رسوله أن يقول لهم لا تتبع يهودية ولا نصرانية بل تتبع دين إبراهيم الحنيف المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال.
وفي الآية الثانية (136) أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين أن يعلنوا في وضوح عن عقيدتهم الحقة، وهي الإيمان بالله وما أنزل من القرآن، وما أنزل على الأنبياء كافة، وما أوتي موسى وعيسى من التوراة والإنجيل خاصة، مع عدم التفرقة بين رسول ورسول والإسلام الظاهر والباطن لله رب العالمين.
وفي الآية الثالثة (137) يقول تعالى لرسوله والمؤمنين إن آمن اليهود والنصارى إيماناً صحيحاً كإيمانكم2 فقد اهتدوا، وإن أبوا فتولوا وأعرضوا فأمرهم لا يعدو شقاقاً وحرباً لله ورسوله، والله تعالى سيكفيكهم بما شاء وهو السميع لأقوالهم الباطلة العليم بأعمالهم الفاسدة، وقد أنجز3 تعالى وعده لرسوله فأخرج اليهود من المدينة بل ومن الحجاز مع ما
1 أصل الحنف: الميل ومنه قولهم: رجل أحنف أي: مائل القدمين إلى بعضهما بعضاً، قالت أم الأحنف: والله لولا الحنف برجله ما كان في فتيانكم من مثله. ولما مال إبراهيم عن أديان الشرك إلى دين التوحيد قيل فيه: حنيف، وصار بمعنى مستقيم، إذ هو على منهج الحق، وغيره على الباطل.
2 الآية: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ..} ، وكان ابن عباس يقرأها:"فإن آمنوا بالذي أمنتم به" وهو تفسير لا قراءة، وعليه فمثل: زائدة نظيرها، ليس كمثله شيء، أي ليس كهو شيء.
3 نعم: أنجز الله تعالى وعده لرسوله فكفاه اليهود الذين وطنوا العزم على قتله صلى الله عليه وسلم، فحاولوا وخابوا ولم يقدروا إذ كفاه الله تعالى إياهم.
جللهم به من الخزي والعار.
وفي الآية الرابعة (138 يقول تعالى لرسوله رداً على اليهود والنصارى قولوا لهم: نتبع1 صبغة الله بها وفطرته عليها وهي الإسلام، ونحن له تعالى عابدون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
لا هداية إلا في الإسلام ولا سعادة ولا كمال إلا بالإسلام.
2-
الكفر برسول، كفر بكل الرسل فقد كفر اليهود بعيسى، وكفر النصاري بمحمد صلى الله عليه وسلم فأصبحوا بذلك كافرين، وآمن المسلمون بكل الرسل فأصبحوا بذلك مؤمنين.
3-
لا يزال اليهود والنصارى في عداء للإسلام وحرب على المسلمين، والمسلمون يكفيهم الله تعالى شرهم إذا هم استقاموا على الإسلام عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وحكماً.
4-
الواجب على من دخل الإسلام أن يغتسل غسلاً كغسل الجنابة إذ هذا من صبغة2 الله تعالى، لا المعمودية النصرانية التي هي غمس المولود يوم السابع من ولادته في ماء يقال له المعمودي وإدعاء أنه طهر بذلك ولا يحتاج إلى الختان.
{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
1 الصبغ: الشيء يصبغ به، فالصبح بدون تاء كالقشر، فزيدت فيه التاء، فقيل: صبغة؛ كقشرة، وهي في الآية منصوبة "صبغة" إما إنها بدل من ملة المنصوبة بتقدير: نتبع ملة، وإما إنها على المفعولية المطلقة، أي: صبغنا صبغة الله، نحو: وعد الله حقا، وفي هذا رد على اليهود والنصارى، إذ اليهود نشأت فيهم الصبغة، إذ كان الكاهن يغتسل كل عام ليكفر خطايا بني إسرائيل في يوم عيد معلوم لهم، والنصارى ما زالوا يعمدون أطفالهم يوم السابع، فيغمسونهم في الماء. هذه صبغة اليهود والنصارى، أما صبغة المسلمين، فهي اتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وشتان ما بينهما.
2 تعميد النصارى لأطفالهم، وهو صبغهم بالماء؛ كالثوب يصبغ باللون من الألوان، فهم يرون أن الولد لما يصبغ بالماء أصبح نصرانياً لا يفارقه. أي هذا الإثم الذي هو النصراني.
وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ1 أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً2 عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون (141) }
شرح الكلمات:
أتحاجوننا3 في الله: أتجادلوننا في دينه والإيمان به وبرسوله، والاستفهام للإنكار.
له مخلصون4: مخلصون العبادة له، لا نشرك غيره فيها، وأنتم مشركون.
شهادة عنده من الله: المراد بهذه الشهادة ما أخذ عليهم في كتابهم من الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره.
الغافل: من لا يتفطن للأمور لعدم مبالاته بها. معنى الآيات:
يأمر تعالى رسوله أن ينكر على أهل الكتاب جدالهم في الله تعالى إذ ادعوا أنهم أولى بالله من الرسول والمؤمنين، وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، فعلّم الله رسوله كيف يرد عليهم منكراً عليهم دعواهم الباطلة. كما أفحمهم وقطع حجتهم في دعواهم أن إبراهيم والأنبياء بعده كانوا هوداً أو نصارى5، إذ قال له: قل لهم: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ؟} فإن قالوا نحن أعلم، كفروا، وإن قالوا الله أعلم انقطعوا؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم ما كانوا أبداً يهوداً ولا نصارى، ولكن كانوا مسلمين، ثم هددهم تعالى بجريمتهم الكبرى وهي كتمانهم الحق وجحودهم
1 الاستفهام.
2 قال ابن كثير، عن الحسن البصري: إن أهل الكتاب كانوا يقراءون في كتاب الله الذي آتاهم: إن الدين الإسلام وإن محمداً رسول الله وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا براء من اليهودية والنصرانية فشهدوا لله بذلك وأقروا على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك.
3 والاستفهام أيضاً للتعجب من حالهم وللتوبيخ لهم على سوء سلوكهم، ومعنى في الله، أي: في دينه وولايته ونسخ شرائعه السابقة بالإسلام وكفر من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ودينه الذي هو الإسلام.
4 الإخلاص: تخليص العبادة من الالتفات إلى غير الله تعالى. وعرفه الجنيد فقال: الإخلاص سر بين العبد وبين الله تعالى لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده، ولا هو فيميله.
نعوت الرسول والأمر بالإيمان به عند ظهوره فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .
ثم أعاد لهم ما أدبهم به في الآيات السابقة مبالغة في تأديبهم وإصلاحهم لو كانوا أهلاً لذلك، فأعلمهم أن التمسح بأعتاب الماضين والتشبث بالنسب الفارغة إلى الأولين غير مجد لهم ولا نافع، فليقبلوا على إنقاذ أنفسهم من الجهل والكفر بالإيمان والإسلام والإحسان، أما من مضوا فهم أمة قد أفضوا إلى ما كسبوا وسيجزون به، وأنتم لكم ما كسبتم وستجزون به، ولا تجزون بعمل غيركم ولا تسألون عنه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
فضيلة الإخلاص وهو عدم الالتفات إلى غير الله تعالى عند القيام بالعبادات.
2-
كل امرئ يجزى بعمله، وغير مسئول عن عمل غيره، إلا إذا كان سبباً فيه.
3-
اليهودية والنصرانية1 بدعة ابتدعها اليهود والنصارى.
4-
تفاوت الظلم بحسب الآثار المترتبة عليه.
5-
حرمة2 كتمان الشهادة لا سيما شهادة من الله تعالى.
6-
عدم الاتكال على حسب الآباء والأجداد ووجوب الإقبال على النفس لتزكيتها وتطهيرها بالإيمان الصحيح والعمل الصالح.
1 قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً} آل عمران.
2 إذ قال تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} البقرة.