الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقَالُوا1 اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
(116)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا2 يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) }
شرح الكلمات:
سبحانه: تنزه وتقدس عن كل نقص ومنه أن يكون له ولد.
قانتون: خاضعون مطيعون تجري عليهم أقداره وتنفذ فيهم أحكامه.
بديع السموات: مبدعها أي موجدها على غير مثال سابق.
قضى أمراً: حكم بإيجاده.
أو تأتيه آية: كآيات موسى وعيسى في العصا وإحياء الموتى.
ولا تسأل: قرئ بالتاء للمجهول، ولا نافية والفعل مرفوع، وقرئ بالبناء للمعلوم ولا ناهية والفعل مجزوم.
الجحيم: دركة من دركات النار وهي أشدها عذاباً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر أباطيل الكافرين من أهل الكتاب والمشركين والرد عليها بما يظهر زيفها ويبطلها نهائياً ففي الآيتين الأولى (116) والثانية (117) يذكر تعالى قول
1 الضمير المرفوع في {قالوا} عائد إلى الفرق الثلاث، وهم: أهل الكتاب، ومشركوا العرب.
2 لولا: بمعنى لعل التحضيضية.
أهل الكتاب والمشركين في أن الله اتخذ ولداً، إذ قالت اليهود: العزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال بعض مشركي العرب: الملائكة بنات الله، ذكر تعالى قولهم اتخذ الله ولداً ثم نزه1 نفسه عن هذا القول الباطل والفرية2 الممقوتة، وذكر الأدلة العقلية على بطلان الدعوى.
فأولاً: مِلْكيةُ الله تعالى لما في السموات والأرض، وخضوع3 كل من فيهما لحكمه وتصريفه وتدبيره يتنافى عقلاً مع اتخاذ ولد منهم.
ثانياً: قدرة الله تعالى المتجلية في إبداعه السموات والأرض وفي قوله للشيء كن فيكون يتنافى معها احتياجه إلى الولد4، وهو مالك كل شيء ورب كل شيء، وفي الآية الثالثة (118) يرد تعالى على قولة المشركين الجاهلين:{لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} حيث اقترحوا ذلك ليؤمنوا ويوحدوا، فأخبر تعالى أن مثل هذا الطلب طلبه من قبلهم فتشابهت قلوبهم في الظلمة والانتكاس، فقد قال اليهود لموسى أرنا الله جهرة، أما رؤية الله وتكليمه إياهم فغير ممكن في هذه الحياة حياة الامتحان والتكليف، لذا لم يجب إليه أحداً من قبلهم ولا من بعدهم، وأما الآيات فما أنزل الله تعالى وبينه في كتابه من الآيات الدالة على الإيمان بالله ووجوب عبادته وتوحيده فيها، وعلى صدق نبيه في رسالته ووجوب الإيمان به واتباعه كاف ومغن عن أية آية مادية يريدونها، ولكن القوم لكفرهم وعنادهم لم يروا في آيات القرآن ما يهديهم وذلك لعدم إيقانهم، والآيات يراها وينتفع بها الموقنون لا الشاكون المكذبون.
وفي الآية الرابعة (119) يخفف تعالى على نبيه همَّ مطالبة المشركين بالآيات بأنه غير مكلف بهداية أحد ولا ملزم بإيمان آخر، ولا هو مسئول5 يوم القيامة عمن يدخل النار من الناس، إذ مهمته محصورة في التبشير6 والإنذار تبشير من آمن وعمل صالحاً بالفوز بالجنة
1 وذلك بقوله: {سبحانه} مصدر معناه: التبرئة والتنزيه والمحاشاة.
2 أحرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمي إياي فقوله لي: ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً".
3 الخضوع هنا تفسير القنوت، والقنوت يكون بمعنى الطاعة في ذلة وانكسار وخشوع، كما هو في هذا السياق ويكون بمعنى السكوت كما في الصلاة، كقوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي: لا تتكلموا في صلاتكم، ويكون بمعنى الدعاء في الصلاة.
4 من الأدلة العقلية على إبطال فرية اتخاذ الله تعالى الولد: أن الولدية تقضي التجانس، والله تعالى ليس كمثله شيء، وهو لا يجانسه شيء، ثم الولد يتنافى مع الرق والملك والله له ملك السموات والأرض، فكيف يكون الرقيق ولداً؟!.
5 قرأ نافع وحده {ولا تَسأل} بفتح التاء وسكون اللام في قوله: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا ليت شعري ما فعل أبواي" فأنزل الله تعالى هذه الآية.
6 البشير كالنذير فعلهما بشر، وأنذر. واسم الفاعل: مبشر ومنذر، ونقل إلى بشير ونذير للمبالغة في الفعل.