الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
المرتد يستتاب ثلاثة أيام وإلا قتل كفراً أخذاً من قوله: {ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} .
{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
(138)
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) }
شرح الكلمات:
{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} : البشارة: الخير الذي تتأثر به بشرة من يلقى عليه خيراً كان أو شراً. والمنافق: من يبطن الكفر ويظهر الإيمان تقية ليحفظ دمه وماله.
{أَوْلِيَاءَ} : يوالونهم محبة ونصرة لهم على المؤمنين.
{الْعِزَّةَ} : الغلبة والمنعة.
{وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} : يذكونها استخفافاً بها وإنكاراً وجحوداً لها.
{يَخُوضُوا} : يتكلموا في موضوع آخر من موضوعات الكلام.
{مِثْلُهُمْ} : أي: في الكفر والإثم.
{يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} : ينتظرون متى يحصل لكم انهزام أو إنكسار: فيعلنون عن كفرهم.
{نَصِيبٌ} : أي: من النصر وعبر عنه بالنصيب القليل لأن انتصارهم على المؤمنين نادر.
{نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} : أي: نستول عليكم ونمنعكم من المؤمنين إن قاتلوكم.
{سَبِيلاً} : أي: طريقاً إلى إذلالهم واستعبادهم والتسلط عليهم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر المنافقين بلفظ البشارة؛ لأن المخبر به يسوء وجوههم وهو العذاب الأليم، وقد يكون في الدنيا بالذل والمهانة والقتل، وأما في الآخرة فهو أسوأ العذاب وأشده، وهو لازم لهم لخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم، ثم وصفهم تعالى بأخس صفاتهم وشرها فقال:{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ1 مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فيعطون محبتهم ونصرتهم وولاءهم للكافرين ويمنعون ذلك المؤمنين وذلك لأن قلوبهم كافرة آثمة لم يدخلها إيمان ولم يُنرها عمل الإسلام، ثم وبخهم تعالى ناعياً عليهم جهلهم فقال:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} أي: يطلبون العزة، أي: المنعة والغلبة من الكافرين أجهلوا أم عموا فلم يعرفوا أن {الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} فمن أعزه الله عز ومن أذله ذل، والعزة تطلب الإيمان وصالح الأعمال لا بالكفر والشر والفساد. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (138) والثانية (139) .
أما الآية الرابعة (140) فإن الله تعالى يؤدب المؤمنين فيذكرهم بما أنزل عليهم في سورة الأنعام حيث نهاهم عن مجالسة أهل الباطل إذا خاضوا في الطعن في آيات الله ودينه فقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هذا الأدب أخذ الله تعالى به رسوله والمؤمنين، وهم في مكة قبل الهجرة لأن سورة الأنعام مكية ولما هاجروا إلى المدينة، وبدأ النفاق وأصبح للمنافقين مجالس خاصة ينتقدون فيها المؤمنين ويخوضون فيها في آيات الله تعالى استهزاء وسخرية ذكر الله تعالى المؤمنين بما أنزل عليهم في مكة فقال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ2 اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ3 حَتَّى
1 في الآية دليل على حرمة موالاة الكافرين وأنها من صفات المنافقين، ومن مظاهر الموالاة المحرمة الاستعانة بهم على أمور الدين وعلى أذية المسلمين. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لحق به مشرك ليقاتل معه، فقال له:"ارجع فإنا لا نستعين بمشرك". في الصحيح.
2 أوقع السماع على الآيات، والمراد سماع الكفر، والاستهزاء بها، كما يقال: سمعت فلانًا يلام، أي: سمعت اللوم فيه.
3 قوله: {في حديث غيره} أي: في غير الكفر والاستهزاء بالآيات.
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً} أي: إذا رضيتم بالجلوس معهم، وهم يخوضون في آيات الله {مِثْلُهُمْ} في الإثم والجريمة1، والجزاء أيضاً، {إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} فهل ترضون أن تكونوا معهم في جهنم، وإن قلتم لا إذا فلا تجالسوهم. ثم ذكر تعالى وصفاً آخر للمنافقين يحمل التنفير منهم والكراهية والبغض لهم فقال:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} أي: ينتظرون بكم الدوائر ويتحينون الفرص {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ} أي: نصر وغنيمة قالوا: {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} فأشركونا في الغنيمة، {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} في النصر، قالوا لهم:{أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ2 عَلَيْكُمْ} أي: نستول عليكم {وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أن يقاتلوكم، فأعطونا مما غنمتم، وهكذا المنافقون يمسكون العصا من الوسط، فأي جانب غلب كانوا معه. ألا لعنة الله على المنافقين وما على المؤمنين إلا الصبر لأن مشكلة المنافقين عويصة الحل، فالله يحكم بينهم يوم القيامة. أما الكافرون الظاهرون فلن يجعل الله تعالى لهم على المؤمنين سبيلاً لا لاستئصالهم وإبادتهم، ولا لاذلالهم والتسلط عليهم ما داموا مؤمنين صادقين في إيمانهم3. وهذا ما ختم الله تعالى به الآية الكريمة إذ قال:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
2-
الباعث للناس على اتخاذ الكافرين أولياء هو الرغبة في العزة ورفع المذلة وهذا باطل، فالعزة لله ولا تطلب إلا منه تعالى بالإيمان واتباع منهجه.
3-
حرمة مجالسة أهل الباطل إذا كانوا يخوضون في آيات الله نقداً واستهزاء وسخرية.
4-
الرضا بالكفر كفر، والرضا بالإثم إثم.
5-
تكفل الله تعالى بعزة المؤمنين الصادقين ومنعتهم فلا يسلط عليهم أعداءه
1 في الآية دليل على حرمة الجلوس في مجالس المعاصي وغشيان الذنوب إلى أن ينكر ذلك على أصحابها؛ لأن الرضا بالمعصية معيصية، بل الرضا بالكفر كفر بالإجماع. ويدخل في هذا مجالس أرباب الأهواء وأصحاب البدع، والآية محكمة لا نسخ فيها.
2 أصل الاستحواذ: الحوط، يقال: حاذه يحذه حوذًا، إذ أحاطه، فمعنى: استحوذ: أحاط واستولى وغلب.
3 يشهد لهذا حديث مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "إني سألت ربي ألا يهلكها –أي: أمته- بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضاً". وهو معنى قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .