الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
فضل العزيمة1 الصادقة مقرونة بالتوكل على الله تعالى.
5-
طلب النصر من غير الله خذلان، والمنصور من نصره الله، والمخذول من خذله الله عز وجل.
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
(161)
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) }
شرح الكلمات:
{أَنْ يَغُلَّ} : أي: يأخذ من الغنيمة خفية، إذ الغل والغلول بمعنى السرقة من الغنائم قبل قسمتها.
{تُوَفَّى} : تجزى ما كسبته في الدنيا وافياً تاماً يوم القيامة.
{رِضْوَانَ اللهِ} : المراد به ما يوجب رضوانه من الإيمان والصدق والجهاد.
وسخط الله: غضبه الشديد على الفاسقين عن أمره المؤذين لرسوله صلى الله عليه وسلم.
1 من الحزم المشورة، والحزم: جودة النظر في الأمر وتنقيحه، والحذر من الخطأ فيه والعزم قصد الإمضاء فيما حزم فيه ومن مظاهر الحزم والعزم للرسول صلى الله عليه وسلم: أنه استشار أصحابه في الخروج إلى قتال المشركين خارج المدينة أو البقاء فيها. والقتال داخلها. ورأى عدم الخروج أصلح، ورأى أكثر الأصحاب الخروج فوافقهم فدخل بيته فلبس آلات حربه وخرج فلما رأوا كذلك تراجعوا واعتذروا ولكنه أبى أن يتراجع، فتلجى حزمه وعزمه، وقال:"لا ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه".
{مَنَّ} : أنعم وتفضل.
{رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} : هو محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَيُزَكِّيهِمْ} : بما يرشدهم إليه من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية.
{وَالْحِكْمَةَ} : كل قول صالح نافع أبداً ومنه السنة النبوية. معنى الآيات:
الغل والغلول1 والإغلال بمعنى واحد، وهو أخذ المرء شيئاً من الغنائم قبل قسمتها وما دام السياق في غزوة أحد، فالمناسبة قائمة بين الآيات وهذه، ففي الآية الأولى (161) ينفي تعالي أن يكون من شأن الأنبياء أو مما يتأتى صدوره عنهم الإغلال وضمن تلك أن أتباع الأنبياء يحرم عليهم أن يغلوا، ولذا قرئ في السبع أن يُغل بضم2 الياء وفتح الغين، أي: يفعله أتباعه بأخذهم من الغنائم بدون إذنه. هذا معنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} ثم ذكر تعالى جزاء وعقوبة من يفعل وقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} فأخبرهم تعالى أن من أغل شيئاً يأت به يوم القيامة يحمله حتى البقرة والشاة كما يبين ذلك في الحديث3، ثم يحاسب عليه كغيره ويجزي به، كما تجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر ولا تظلم نفس شيئاً لغنى الرب تعالى عن الظلم وعدله. هذا مضمون الآية الأولى، أما الثانية (162) ينفي تعالى أن تكون حال المتبع لرضوان الله تعالى بالإيمان به ورسوله وطاعتهما بفعل الأمر واجتناب النهي، كحال المتبع لسخط الله تعالى بتكذيبه تعالى وتكذيب رسوله ومعصيتهما بترك الواجبات وفعل المحرمات فكانت جهنم مأواه، وبئس المصير جهنم. هذا معنى قوله تعالى:{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ثم ذكر تعالى أن كلاً من
1 سمي الغلول: غلولاً، لأن الأيدي فيها مغلولة، أي: ممنوعة، كأن فيها غلاً، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه.
2 فتح الياء قراءة حفص، وهي رد على من تصور أن النبي في إمكانه أن يأخذ شيئاً من الغنيمة قبل قسمتها فأخبر تعالى أنه من غير الممكن أن يغل النبي لعصمة الله تعالى لأنبياءه، وقراءة الضم قراءة نافع، وهي: تحرم على اتباع النبي الغلول بصيغة بليغة، إذ تجعل غلولهم من قبيل المعتذر الذي لا يحدث.
3 في صحيح مسلم أن أبا هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال: "لا ألقين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أعنى، فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبغلتك، ثم ذكر الفرس والشاة والنفس والرقاع". والرقاع: جمع رقعة وهي ما يكتب عليها.
أهل الرضوان، وأصحاب السخط متفاوتون في درجاتهم1 عند الله، بحسب أثر أعمالهم في نفوسهم قوة وضعفاً فقال:{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} ، فدل ذلك على عدالة العليم الحكيم. هذا ما دلت الآية (163) ، أما الآية الأخيرة (164) فقد تضمنت امتنان الله تعالى على المؤمنين من العرب ببعثه رسوله فيهم، يتلو عليهم آيات الله ويدعوهم إليه فيؤمنون ويكملون في إيمانهم ويزكيهم من أوضار الشرك وظلمة الكفر بما يهديهم به، ويدعوهم إليه من الإيمان وصالح الأعمال وفاضل الأخلاق وسامي الآداب، ويعلمهم الكتاب المتضمن للشرائع والهدايات والحكمة التي هي فهم أسرار الكتاب، والسنة، وتتجلي هذه النعمة أكثر لمن يذكر حال العرب في جاهليتهم قبل هذه النعمة العظيمة عليهم، هذا معنى قوله تعالى في الآية الأخيرة:{لَقَدْ مَنَّ2 اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ3 يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تحريم4 الغلول، وأنه من كبائر الذنوب5.
2-
طلب رضوان الله واجب، وتجنب سخطه واجب كذلك، والأول يكون بالإيمان وصالح الأعمال والثاني يكون بترك الشرك والمعاصي.
3-
الإسلام أكبر نعمة وأجلها على المسلمين فيجب شكرها بالعمل به والتقيد بشرائعه وأحكامه.
4-
فضل العلم بالكتاب والسنة.
1 المشهور: أن أهل النار في دركات متوافتة كما أن أهل الجنة في درجات متوافتة، فالدرجة: ما أريد بها الارتفاع، والدركة: ما أريد بها السفول والهبوط.
2 من هنا: بمعنى أسدى النعمة للمؤمنين، ببعثة الرسول فيهم، وليس هو من المن المذموم الذي هو تعداد النعمة إلى أن الله تعالى له أن يمن وهو أمن من كل من، من وأعطى.
3 قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هذه للعرب خاصة: إذ فهمت من كلمة: {مِنْ أَنْفسهم} إنها تعنى من جنسهم العربي، وبعضهم يرى العموم فيها لكل مؤمن ومؤمنة وهو كذلك، إذ هو بشر مثلهم.
4 شاهده قوله صلى الله عليه وسلم في الذي غل الشملة يوم خييبر: "والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم تشتعل عليها ناراً". ولما سمع هذا الوعيد أحد الأصحاب جاء بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شراك أو شراكين من نار" رواه مالك في الموطأ.
5 الإجماع على أن الغال لا تقطع يده ولكن يعذر، والغلول لا يكون إلا في الغنائم وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم هدايا العمال غلولاً ويفضحون بها يوم القيامة، لحديث مسلم في قصة ابن اللتبية.