المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(75) باب: في ترك الوضوء من مس الميتة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٢

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(65) بابٌ: فِى الاِنْتِضَاحِ

- ‌(66) باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا تَوَضَّأَ

- ‌(67) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ

- ‌(68) باب: في تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ

- ‌(69) بابٌ: إِذَا شَكَّ فِى الْحَدَثِ

- ‌(70) بابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ

- ‌(71) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ

- ‌(72) بابُ الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ

- ‌(73) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ

- ‌(74) باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ اللَّحْمِ النِّئِ وَغَسْلِهِ

- ‌(75) بابٌ: في تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ

- ‌(77) بابُ التَّشْدِيدِ فِى ذَلِكَ

- ‌(78) بابٌ: فِى الْوُضُوءِ مِنَ اللَّبَنِ

- ‌(79) باب الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ

- ‌(80) باب الْوُضُوءِ مِنَ الدَّمِ

- ‌(81) بابٌ: في الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌(82) بابٌ: فِى الرَّجُلِ يَطَأُ الأَذَى بِرِجْلِهِ

- ‌(83) بابٌ: في مَنْ يُحْدِثُ فِى الصَّلَاةِ

- ‌(84) بَابٌ: في الْمَذْيِ

- ‌(85) بَابٌ: في الإِكْسَالِ

- ‌(86) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَعُودُ

- ‌(88) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَنَامُ

- ‌(89) بَابُ الْجُنُبِ يَأْكُلُ

- ‌(90) بَابُ مَنْ قَالَ: الْجُنُبُ يَتَوَضَّأُ

- ‌(91) بَابٌ: في الْجُنُبِ يؤَخِّرُ الغُسْلَ

- ‌(92) بابٌ: فِى الْجُنُبِ يَقْرَأُ

- ‌(93) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَافِحُ

- ‌(94) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(95) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاسٍ

- ‌(97) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ

- ‌(98) بابٌ: فِى مِقْدَارِ الْمَاءِ الَّذِى يُجْزِئُ فِى الْغُسْل

- ‌(99) بَابٌ: في الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(100) بَابٌ: في الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ

- ‌(101) بابٌ: فِى الْمَرْأَةِ هَلْ تَنْقُضُ شَعَرَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ

- ‌(102) بابٌ: فِى الْجُنُبِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِىِّ

- ‌(103) بابٌ: فِيمَا يَفِيضُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْمَاءِ

- ‌(105) بَابٌ: في الْحَائِضِ تَنَاوَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ

- ‌(106) بَابٌ: في الْحَائِضِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ

- ‌(107) بَابٌ: في إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌(110) بَابُ مَنْ قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَة تَدَع الصَّلَاة

- ‌(112) بَابُ مَنْ قَالَ: تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتينِ وتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا

- ‌(113) بابٌ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ مَنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، وَلَمْ يَقُلْ: عِنْدَ الظُّهْرِ

- ‌(116) بَابُ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ بَيْنَ الأَيَّامِ

- ‌(117) بَابُ مَنْ قَالَ: تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌(118) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوُضُوءَ إِلَّا عِنْدَ الْحَدَثِ

- ‌(119) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ والْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ

- ‌(120) بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَغْشَاهَا زَوْجُهَا

- ‌(121) بَابُ مَا جَاءَ فِي وَقْتِ النُّفَسَاءِ

- ‌(122) بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ

- ‌(123) بَابُ التَيَمُّمِ

- ‌(124) بَابُ التَيَمُّمِ في الْحَضَرِ

- ‌(125) بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ

- ‌(126) بَابٌ: إِذَا خَافَ الْجُنُبُ الْبَرْدَ أَيَتَيَمَّمُ

- ‌(127) بَابٌ: فِي الْمَجْرُوحِ يَتَيَمَّمُ

- ‌(128) (بَابٌ: في الْمُتَيَمِّمِ يَجدُ الْمَاءَ بَعْدَمَا يُصَلِّي في الْوَقْتِ)

- ‌(129) بَابٌ: في الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ

- ‌(130) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ في تَرْكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(131) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُسْلِمُ فَيُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ

- ‌(132) بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِلُ ثَوْبَهَا الَّذِي تَلْبَسُهُ في حَيْضِهَا

- ‌(133) بَابُ الصَّلَاةِ في الثَّوْبِ الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ فِيهِ

- ‌(134) بَابُ الصَّلَاةِ في شُعُرِ النِّساءِ

- ‌(135) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(136) بَابُ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(137) بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(138) بَابُ الأَرْضِ يُصِيبُهَا الْبَوْلُ

- ‌(139) بَابٌ: في طُهُورِ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَت

- ‌(140) بَابٌ: في الأَذَى يُصِيْبُ الذَّيْلَ

- ‌(141) بَابٌ: في الأَذَى يُصِيْبُ النَّعْلَ

- ‌(142) بَابُ الإِعَادَةِ مِنَ النَّجَاسَةِ تَكُونُ في الثَّوبِ

- ‌(143) بَابٌ: في الْبُزَاقِ يُصِيبُ الثَّوْبَ

الفصل: ‌(75) باب: في ترك الوضوء من مس الميتة

وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، لَمْ يَذْكُرَ أَبَا سَعِيدٍ.

(75) بابٌ: في تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ

186 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ -،

===

أبو بشر، وقيل: أبو عبيدة البصري، وثَّقه ابن سعد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، والعجلي، وقال الدارقطني: ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عبد البر: أجمعوا لا خلاف بينهم أن عبد الواحد بن زياد ثقة ثبت، وقال ابن القطان الفاسي: ثقة لم يعتل عليه بقادح، وقال صالح بن أحمد عن علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما رأيت عبد الواحد بن زياد يطلب حديثًا قط بالبصرة ولا بالكوفة، وكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره حديث الأعمش، فلا نعرف منه حرفًا، مات سنة 176 هـ أو بعدها.

(وأبو معاوية) محمد بن خازم، (عن هلال) أي ابن ميمون، (عن عطاء) أي ابن يزيد، (عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لم يذكر) أي كل واحد من عبد الواحد وأبي معاوية، وهكذا في النسخ الموجودة عندنا، وضبط صاحب "غاية المقصود" بصيغة التثنية وهو الأظهر، فقال: لم يذكرا (أبا سعيد).

(75)

بَابٌ في تَرْكِ الْوُضوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ

186 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: ثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي القرشي مولاهم، أبو محمد، ويقال: أبو أيوب المدني، كان أصله من البربر، عن أحمد: لا بأس به ثقة، وعن ابن معين: ثقة صالح، وقال

ص: 78

عن جَعْفَرٍ،

===

ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال الخليلي: ثقة، وقال ابن عدي: ثقة، وأثنى عليه مالك - رحمه الله تعالى-، وقال ابن الجنيد (1): إنما وضعه عند أهل المدينة أنه كان على السوق، وقال ابن الشاهين في "كتاب الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: لا بأس به وليس ممن يعتمد على حديثه، مات سنة 177 هـ.

(عن جعفر) بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي، أبو عبد الله المدني الصادق، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، فلذلك كان يقول: ولدني أبو بكر مرتين، قال ابن حبان: كان من سادات أهل البيت فقهًا وعلمًا وفضلًا، وقال علي بن الجعد عن زهير بن معاوية: قال أبي لجعفر بن محمد: إن لي جارًا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر، فقال جعفر: برأ الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر، وقال حفص بن غياث: سمعت جعفر بن محمد يقول: ما أرجو من شفاعة علي شيئًا إلَّا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله.

وثَّقه الإِمام الشافعي، ويحيى بن معين، وأبو حاتم وقال: لا يسأل عن مثله، ووثّقه النسائي، وقال مصعب الزبيري: كان مالك لا يروي عنه حتى يضمه إلى آخر. وقال ابن المديني: سئل يحيى بن سعيد عنه، فقال: في نفسي منه شيء، ومجالد أحب إلى منه، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف، سئل مرة: سمعت هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم، وسئل مرة، فقال: إنما وجدتها في كتبه، قال الحافظ:

(1) في "تهذيب التهذيب"(4/ 176): وقال ابن الجنيد عن ابن معين.

ص: 79

عَنْ أَبِيهِ، عَن جَابِرٍ: "أَنَّ رَسُولَ (1) اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ، فَمَرَّ بِجَدْىٍ

===

يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة، فذكر فيما سمعه أنه سمعه، وفيما لم يسمعه أنه وجده، وهذا يدل على تثبته، وقال الساجي: كان صدوقًا مأمونًا إذا حدث عنه الثقات فحديثه مستقيم، قال أبو موسى: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عن سفيان عنه، ولد سنة 80 هـ، ومات سنة 148 هـ.

(عن أبيه) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو جعفر الباقر، أمه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وليس يروي عنه من يحتج به، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال ابن البرقي: كان فقيهًا فاضلًا، وقال محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر وابنه جعفر بن محمد عن أبي بكر وعمر؟ فقالا لي: يا سالم، تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامَيْ هدى، وعنه قال: ما أدركت أحدًا من أهل بيتي إلَّا وهو يتولاهما، مات سنة 114 هـ.

(عن جابر) بن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق) قال الشارح: سميت به لقيام الناس غالبًا فيها على سوقها، أو لأن ما يباع يساق إليها.

(داخلًا من بعض العالية) وجمعها العوالي (2) وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة من جهة نجد، (والناس كنفتيه) (3) أي: جانبيه.

(فمر بجَدْيٍ) والجدي من أولاد المعز ذكرها ما بلغ ستة أشهر

(1) وفي نسخة: "النبي".

(2)

قال الكرماني: العوالي قرى لشرقي المدينة، كذا في "الغاية". (ش).

(3)

ويروى كنفيه بحذف التاء، أي: جانبيه. "ابن رسلان". (ش).

ص: 80

أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ (1) ثُمَّ قَالَ:«أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا (2) لَهُ» ؟ . وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

[م 2957، حم 3/ 365، ق 1/ 139]

===

أو سبعة أشهر (أَسَكّ)(3) قال في "القاموس": والسَّكَكُ محركةً: الضَّمَمُ، وصِغَرُ الأُذُنِ، ولُزُوقُها بالرأس، وقلة إشرافها، أو صِغَرُ قُوْفِ الأذن، وضيق الصِّماخِ، وهو أَسَكُّ، وهي سَكَّاء، فعلى هذا معناه صغير الأذنين أو مقطوعهما (ميت، فتناوله) أي مد يده إليه (فأخذ بأذنه) لأنه كان صغير الأذنين لا مقطوعهما.

(ثم قال) صلى الله عليه وسلم مخاطبًا لمن حضر من الصحابة: (أيكم يحب أن هذا) أي الجدي (له، وساق الحديث) هذا قول أبي داود، أي وساق شيخي عبد الله بن مسلمة الحديث إلى آخره، ولكن اختصرته، وذكرت منه على قدر الضرورة، وتمامه في مسلم (4)، ثم قال:"أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ "، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به، قال:"تحبون أنه لكم"، قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنه أَسَكُّ، فكيف وهو ميت، فقال:"فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم"، انتهى.

وهذا الحديث يدل على أن مس الميتة مع كونه نجسًا لا ينقض الوضوء، فكيف إذا كان لحم الحيوان المذكى طاهرًا، فإنه لا ينقض الوضوء أيضًا (5).

(1) وفي نسخة: "بأذنيه".

(2)

وفي نسخة: "هذه".

(3)

لم ينصرف للوصف ووزن الفعل. "ابن رسلان". وفي "التقرير": أفاد بزيادة هذا الوصف زيادة في تعييبها وقلة الرغبة فيها. (ش).

(4)

["صحيح مسلم" ح (2957)]، وكذا في "الأدب المفرد" للبخاري ح (962). (ش).

(5)

لأنه لو نقض لنقل إلينا، "ابن رسلان". (ش).

ص: 81

(76)

بابٌ: فِى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ (1) النَّارُ

187 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". [خ 207، م 354]

188 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِىُّ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِى صَخْرَةَ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ،

===

(76)

(بابٌ: في تَرْكِ الْوُضُوءِ (2) مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)

187 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: ثنا مالك) بن أنس الإِمام (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) أكل كتف شاة) أي نضيجًا (4)(ثم صلى ولم يتوضأ) وهذا يدل على أن أكل ما مسته النار غير ناقض للوضوء.

188 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن سليمان الأنباري، المعنى) أي معنى حديثهما واحد (قالا: ثنا وكيع) بن الجراح، (عن مسعر) بن كدام بكسر الكاف وتخفيف الدال.

(عن أبي صخرة جامع بن شداد) المحاربي الكوفي، وثَّقه ابن معين

(1) وفي نسخة: "مسته".

(2)

بذلك قال الجمهور، منهم الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة، كما سيأتي قريبًا، وبسطه في "المرقاة"(1/ 335). (ش).

(3)

أفاد القاضي إسماعيل أنه كان في بيت ضباعة، ويحتمل أن يكون في بيت ميمونة، كما في رواية البخاري، انتهى. "ابن رسلان". (ش).

(4)

اختلف في الجمع بينه وبين ما ورد عند البخاري وغيره: أنه عليه السلام ما أكل شاة مسموطة، راجع الجزء التاسع من "الفتح"(9/ 531). (ش).

ص: 82

عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "ضِفْتُ النَّبِىَّ (1) صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِىَ، وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزُّ لِى بِهَا مِنْهُ. قَالَ: فَجَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ.

===

وأبو حاتم والنسائي، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة متقن، وقال العجلي: شيخ عالٍ ثقة من قدماء شيوخ الثوري، مات سنة 127 هـ أو 128 هـ.

(عن المغيرة بن عبد الله) بن أبي عقيل اليشكري الكوفي، وثَّقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن المغيرة بن شعبة قال) أي المغيرة: (ضفت (2) النبي صلى الله عليه وسلم) ضقت بصيغة المتكلم من ضاف يضيف كبعت، أي نزلت عليه ضيفًا، لأنه لم يكن من أهل المدينة، ولا يأوي إلى أهل ولا مال، وكان من الفقراء (ذات ليلة) أي ليلة، ولفظ ذات مقحم.

(فأمر بجنب فشوي) أي أمر صلى الله عليه وسلم بطبخ الجنب، أي أحد شقي الشاة الذي فيه الأضلاع، فطبخ (وأخذ) صلى الله عليه وسلم (الشفرة) أي السكين (فجعل يحزُّ لي) أي يقطع (بها) أي بالشفرة (3) (منه) أي من الجنب. (قال) أي المغيرة: فبينما هو يأكل (جاء بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فآذنه بالصلاة) أي أعلمه بوقت قيام الصلاة.

(1) وفي نسخة: "رسول الله".

(2)

ولفظ الترمذي في "شمائله"(ح 159): "ضفت مع النبي صلى الله عليه وسلم" يدل على أن المضيف كان غيره عليه الصلاة والسلام، وسكت عنه صاحب "المنهل"(2/ 214)، ويمكن الجمع بينهما عندي بأن المغيرة كان ضيفه صلى الله عليه وسلم، كما هو نص لفظ أبي داود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ضيوفه مدعوًا عند أحد، كما ذكرته في هامش "الخصائل". (ش).

(3)

ويشكل عليه ما سيأتي في الأطعمة من المنع عن القطع بالسكين، قال المنذري (3/ 450): هذا الحديث مما أنكر عليه، وثبت أنه عليه الصلاة والسلام قطع بالسكين، كذا في "ابن رسلان"، قلت: وسيأتي هناك أنه ذكر في "الموضوعات"، لكن لو سلم فالجمع ما سيأتي هناك أن حديث المنع إن صح يحمل على لحم قد تكامل نضجه. (ش).

ص: 83

قال: فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ وَقَالَ: «مَا لَهُ؟ تَرِبَتْ يَدَاهُ» ، وَقَامَ يُصَلِّى". و (1) زَادَ الأَنْبَارِىُّ:"وَكَانَ شَارِبِى وَفَى (2) فَقَصَّهُ لِى عَلَى سِوَاكٍ، أَوْ قَالَ: "أَقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِوَاكٍ". [حم 4/ 252]

===

(قال) أي المغيرة: (فألقى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفرة، وقال: ما له) أي لبلال؟ (تربت يداه) هذه كلمة استعملت في اللوم والمعتبة، وإن كان أصلها الدعاء على المقول له بالفقر والذلة، ولكن لما استعملت في اللوم جردت عن معناها الأصلي، وإنما قال ذلك، لأن بلالًا كان الأنسب له أن لا يؤذنه بالصلاة، وهو على الطعام مع الضيف (3)، بل كان عليه أن ينتظر حتى يفرغ، وأما إذا آذنه بالصلاة، فلم يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم عن القيام تأدبًا بأمر مولاه تعالى، ومسارعة إلى طاعة ربه.

(وقام يصلي) أي من غير أن يجدد الوضوء، وعلم بذلك جواز الصلاة مع حضور (4) الطعام إذا لم يشغل قلبه.

(زاد الأنباري) أي محمد بن سليمان أحد شيخي أبي داود، ولم يزده عثمان:(وكان شاربي) قال في "القاموس": وما سال على الفم من الشعر، وما طال من ناحية السبلة، أو السبلة كلها شارب (وَفَى) أي طال (فقصّه) أي الشارب (لي على سواك)(5) أي وضع السواك تحت الشارب وقصه عليه (أو قال) صلى الله عليه وسلم، وهذا شك من بعض الرواة:(أقصه) أي الشارب (لك على سواك).

(1) في نسخة: بغير واو.

(2)

في نسخة: "وفا".

(3)

والظاهر بقاء رغبة المغيرة إليه بعد، كذا في "التقرير". (ش).

(4)

قال الحافظ (1/ 311): استدل به البخاري على أن الأمر بتقديم الطعام خاص لغير الإِمام الراتب، وبسطه صاحب "المنهل"(2/ 215)، وقال ابن رسلان: حديث تقديم الطعام محمول على حالة الصوم أو الجوع. (ش).

(5)

فيه النظر في مصالح الضيف وتفقد أحواله، بسطه "ابن رسلان". (ش).

ص: 84

189 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قال: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كَانَ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى". [جه 488]

190 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِىُّ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ،

===

حاصله أن في رواية الأنباري بعد قوله: وكان شاربي وفَى، وقع الشك لبعض الرواة في أن قص الشارب وقع منه صلى الله عليه وسلم على سواك، أو لم يقع، بل قال: أقصه في الزمان المستقبل على سواك، ثم بعد ذلك لم يذكر أن القص وقع ولم يقع.

189 -

(حدثنا مسدد، قال: ثنا أبو الأحوص، قال: ثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال) أي ابن عباس: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفًا ثم مسح يده بمسح) المسح (1) بالكسر: البلاس، وهو ثوب من الشعر غليظ، (كان تحته) صلى الله عليه وسلم (ثم قام) إلى الصلاة (فصلى) أي: من غير أن يجدد الوضوء.

190 -

(حدثنا حفص بن عمر النمري، قال: ثنا همام) بن يحيى، (عن قتادة) بن دعامة، (عن يحيى بن يعمر)(2) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة، وفي "المغني": بفتح الميم وضمها، البصري، أبو سليمان القيسي الجدلي، قاضي مرو، وهو أول من نقط المصاحف، وثقه ابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وكان على قضاء مرو، ولاه قتيبة بن مسلم،

(1) في "الشمائل" ح (314): "كان فراشه عليه الصلاة والسلام مِسْحًا نثنيه ثنيتين"، الحديث. (ش).

(2)

لم ينصرف لوزن الفعل. "ابن رسلان". (ش).

ص: 85

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم انْتَهَسَ مِنْ كَتِفٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". [حم 1/ 279]

191 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِىُّ قال: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ

===

وقيل: إن قتيبة عزله لما بلغه أنه يشرب المُنَصَّف (2)، مات قبل المئة، وقيل: بعدها.

(عن ابن عباس) هو عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهس) النهس (3) بفتح النون وسكون الهاء وسين مهملة، هو الأكل بمقدم الفم، وبالمعجمة بالأضراس، وقيل: هما بمعنى (من كتف، ثم صلَّى ولم يتوضأ)(4).

191 -

(حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي) أبو إسحاق المصيصي المقسمي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وفي موضع آخر: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(قال: ثنا حجاج) بن محمد المصيصي قال: (قال ابن جريج) عبد الملك: (أخبرني محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهُدَير بالتصغير، التيمي، أبو عبد الله، أو أبو بكر المدني، أحد الأئمة الأعلام، عن ابن عيينة: كان من معادن الصدق، ويجتمع إليه الصالحون، وما رأيت

(1) وفي نسخة: "رسول الله".

(2)

الشراب طُبِخَ حتى ذهب نصفه.

(3)

قال ابن رسلان: بالمهملة، أخذ اللحم بأطراف الأسنان، وبالمعجمة بجميع الأسنان. (ش).

(4)

بوب عليه البخاري "باب من لم يتوضأ من لحم شاة والسويق"، وليس في الحديث ذكر السويق، لكنه يفهم من باب الأولى، فإنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته، فبالسويق أولى، "ابن رسلان". (ش).

ص: 86

قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "قَرَّبْتُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا وَلَحْمًا، فَأَكَلَ ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ".

[حم 3/ 322]

===

أحدًا أجدر أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل عمن هو من ابن المنكدر لتحريه، وقال الحميدي: حافظ، وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، وقال الواقدي: كان ثقة ورعًا عابدًا يكثر الإسناد عن جابر، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال إبراهيم بن المنذر: غاية في الحفظ والإتقان والزهد، حجة، مات سنة 130 هـ.

(قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قربت (1) للنبي صلى الله عليه وسلم خبزًا ولحماً، فأكل ثم دعا بوضوء) (2) أي بماء للوضوء (فتوضأ به، ثم صلَّى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه) أي بما بقي من الطعام (فأكل) أي ثانيًا (ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ).

ولعله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء من أكل ما مسته النار، لأنه نسخ وجوب الوضوء به، أو يقال: إنه توضأ أولًا وضوءًا لغويًا استحبابًا، ثم لم يتوضأ ثانيًا لبيان جواز الترك.

(1) لعل هذه رواية أخرى غير ما في الترمذي، ولفظه: عن جابر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت، الحديث (80)، وإلَّا فرواية أبي داود وهم، لأن رواية الترمذي مؤيدة برواية الطحاوي والبيهقي، وسكت عن هذا الاخنلاف صاحب "العون" و"العارضة" و"تحفة الأحوذي" و"الشروح الأربعة" و"التلخيص الحبير"(1/ 175). (ش).

(2)

لوجود حدث آخر، ولم يحدث في العصر، أو توضأ في الظهر لما مسته النار استحبابًا، ولم يتوضأ في العصر خوفًا من أن يفهم الوجوب، كذا في "التقرير". (ش).

[قلت: توضأ النبي- صلى الله عليه وسلم في الظهر لوجود حدث كما وقعت الصراحة في حديث مفصل أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده" (3/ 274) ح (15080)].

ص: 87

192 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ أَبُو عِمْرَانَ الرَّمْلِىُّ قال: حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:"كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ". [ن 185، خزيمة 43، حب 1134]

===

192 -

(حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي) وكان نسائي الأصل، وثَّقه ابن أبي حاتم، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 262 هـ.

(قال: ثنا علي بن عياش) بن مسلم الألهاني، أبو الحسن الحمصي البكاء، وثَّقه العجلي والنسائي، وقال الدارقطني: ثقة حجة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان متقنًا، مات سنة 219 هـ.

(قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة) اسمه دينار الأموي مولاهم، أبو بشر الحمصي، قال أحمد: ثبت صالح الحديث، وقال ابن معين: ثقة، ووثَّقه العجلي ويعقوب بن أبي شيبة وأبو حاتم والنسائي، مات سنة 162 هـ.

(عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) أي: كان آخر الفعلين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأمر بمعنى المأمور، وهو الفعل، ويحتمل أن يكون الأمر في معناه، فحينئذ يكون معنى هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء مما مسته النار أولًا ففعل، ثم أمر بترك الوضوء منه فترك، فكان أَخر الأمرين ترك الوضوء بما مسته النار.

قال النووي في "شرح مسلم"(1): حديث جابر حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن بأسانيدهم.

(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 43).

ص: 88

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهَذَا اخْتِصَارٌ مِنَ الْحَدِيثِ الأَوَّلِ.

===

قال الشوكاني (1): ويشهد لأصل الحديث ما أخرجه البخاري في الصحيح عن سعيد بن الحارث، قلت لجابر: الوضوء مما مست النار؟ قال: لا، وللحديث شاهد من حديث محمد بن مسلمة أخرجه الطبراني في "الأوسط" ولفظه:"أكل آخر أمره لحمًا، ثم صلَّى ولم يتوضأ".

(قال أبو داود (2): وهذا اختصار (3) من الحديث الأول) ولفظ "هذا" إشارة إلى قول جابر: "كان آخر الأمرين"، الحديث.

والمراد من الحديث الأول الحديث الذي تقدم وهو حديث محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قربت للنبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.

والذي يفهم من كلام البيهقي أن المصنف أشار بهذا الكلام إلى أن من استدل بقول جابر هذا على نسخ وجوب الوضوء مما مسته النار، فاستدلاله بهذا القول غير سديد، فإن هذا القول لا يدل على أن ترك الوضوء بما مسته النار كان آخر فعله صلى الله عليه وسلم مطلقًا، بل هذا اختصار من

(1)"نيل الأوطار"(1/ 271).

(2)

قلت: والحديث سكت عليه النسائي، وقال ابن رسلان: وتأول الحديث بعضهم أن المراد بآخر الأمرين أي من الصلاتين لا مطلقًا، ومنهم أبو داود، فعندهم أحاديث ترك الوضوء منسوخة بأوامر الوضوء، وقال النووي: هذا الذي قالوه ليس كما زعموه، وتأويلهم حديث جابر خلاف الظاهر بغير دليل، فلا يقبل، والجمهور على أن الوضوء منسوخ بحديث جابر هذا وهو الصحيح، انتهى.

قلت: ويأبى هذا التأويل ما أخرجه البخاري في "صحيحه" في "باب المنديل" عن جابر: "كنا لا نتوضأ مما مست النار"ح (5457). (ش).

(3)

وقال الشوكاني (1/ 271): في الحديث علة أخرى أن ابن المنكدر لم يسمعه عن جابر، بل سمعه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قلت: لكن الطريق الأول يأباه. (ش).

ص: 89

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الحديث الأول الذي رواه جابر بن عبد الله يقول: "قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزًا ولحمًا فأكل، ثم دعا بوضوء فتوضأ به، ثم صلَّى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ".

فهذا يدل على أن ترك الوضوء بما مسته النار كان آخر الأمرين في ذلك المجلس لا مطلقًا، فلا يستدل به على النسخ، لأنه يمكن أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم:"الوضوء مما مست النار" أو "توضؤوا مما مست النار"، ورد بعد هذه القصة.

قلت: وهذا الظن ناشئ من غير دليل يدلس عليه، فإن هذا الظن موقوف على ثبوت أن وضوءه صلى الله عليه وسلم بعد أكل الخبز واللحم أولًا كان لأجل الأكل، وهو في حيز المنع، بل يحتمل أن وضوءه صلى الله عليه وسلم لوجود حدث آخر لا لما أكله، ولو سلم ذلك فلا نسلم أن هذا الفعل ليس هو آخر الأمرين مطلقًا بل مختص بذاك المجلس، ونقول: إن هذا الفعل الذي ثبت في هذا المجلس هو آخر الفعلين مطلقًا، ما دام لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل أو أمر بخلافه بعد ذلك المجلس، ولم يثبت هذا.

فلو سلَّمنا أن هذا الحديث اختصار من الحديث الأول لا يضرنا، وقد استدل به المحققون من الأئمة بنسخ الوضوء بما مسته النار بهذا القول وبأمثاله من أقوال الصحابة وأفعالهم رضي الله عنهم.

قال البيهقي في "سننه"(1): قال الزعفراني: قال أبو عبد الله الشافعي: وإنما قلنا: لا يتوضأ منه، لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس، وإنما صحبه بعد الفتح، يروى عنه أنه رآه يأكل من

(1)"السنن الكبرى"(1/ 155).

ص: 90

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

كتف شاة ثم صلَّى ولم يتوضأ، وهذا عندنا من أشد الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ، وأن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يتوضأ منه، ثم عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأبي بن كعب، وأبي طلحة كل هؤلاء لم يتوضؤوا منه.

قال الشيخ: أما الطريقة الأولى فإليها ذهب جماعة من العلماء، واحتجوا فيها بما احتج به الشافعي من رواية ابن عباس، ثم برواية جابر بن عبد الله الأنصاري ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة.

أما حديث جابر فأخرجه بسنده، قال: كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار.

ثم فأخرجه بسند آخر، قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل خبزًا ولحمًا، ثم صلَّى ولم يتوضأ.

وأما حديث محمد بن مسلمة أخرجه بسنده عن محمد بن مسلمة، قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مما غيرت النار، ثم صلَّى ولم يتوضأ، وكان آخر أمريه.

وأما حديث أبي هريرة، أخرجه بسنده عن أبي هريرة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل من كتف شاة، ثم صلَّى ولم يتوضأ.

ثم قال البيهقي (1) بعد تخريج هذه الروايات: وقد روي في حديث آخر ما يتوهم أن يكون الناسخ إيجاب الوضوء منه، ثم ساق تلك الروايات، ثم قال: فهذه الأحاديث قد اختلف فيها، واختلف في الأول

(1)"السنن الكبرى"(1/ 157).

ص: 91

193 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى كَرِيمَةَ

===

والآخر منها، فلم نقف على الناسخ والمنسوخ منها ببيان بَيِّنٍ يحكم به دون ما سواه، فنظرنا إلى ما اجتمع إليه الخلفاء الراشدون والأعلام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذنا بإجماعهم بالرخصة فيه، وبالحديث الذي يروى فيه الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت فيه: أولًا: أن البيهقي خالف إمامه الشافعي في قوله: فلم نقف على الناسخ والمنسوخ منها، وقد تقدم أن إمامه صرح يكون حكم الوضوء منسوخًا.

وثانيًا: أن البيهقي صرح يكون إيجاب الوضوء منه ناسخًا على التوهم، والتوهم لا يكون حجة بل لا يكون قابلًا للقبول ولا يلتفت إليه.

وثالثاً: أن الحديث الذي ذكره في معرض الاستدلال على كون إيجاب الوضوء هو الناسخ، في سنده زيد بن جبيرة عن أبيه، وزيد هذا، قال ابن معين: لا شيء، وقال ابن أبي حاتم والبخاري: منكر الحديث، كذا في "الجوهر النقي"(1).

193 -

(حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: ثنا عبد الملك بن أبي كريمة) الأنصاري مولاهم، أبو زيد المغربي، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في ترك الوضوء مما مست النار، قال أبو العرب في "طبقات علماء القيروان": كان ثقة خيارًا، يقال: إنه كان مستجابًا، وقال سحنون: كان ورعًا صاحب أحاديث، وقال أبو جعفر أحمد بن أبي خالد المقرئ: كان ثقة، مات سنة 204 هـ أو بعدها.

(1)(1/ 158).

ص: 92

- قَالَ ابْنُ السَّرْحِ: مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ - قَالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ ثُمَامَةَ الْمُرَادِىُّ قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ (1) صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِى مَسْجِدِ مِصْرَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِى سَابِعَ سَبْعَةٍ، أَوْ سَادِسَ سِتَّةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

===

(قال ابن السرح: من خيار المسلمين) أي يقول المصنف: قال شيخي أحمد بن عمرو بن السرح: كان عبد الملك من خيار المسلمين، وهذا توثيق من ابن السرح لشيخه عبد الملك.

(قال: حدثني عبيد) مصغرًا (ابن ثمامة المرادي) ويقال: عتبة بن ثمامة، وهو الصواب، قال الحافظ: في "التقريب": مقبول من الخامسة.

(قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء)(2) بن عبد الله بن معدي كرب الزبيدي بضم الزاي، حليف أبي وداعة السهمي، وابن أخي محمية بن جزء الزبيدي، قال البخاري: له صحبة، سكن مصر، وذكر أبو جعفر الطحاوي، أن وفاته كانت بسقط القدور قرية بأسفل مصر، ذكر الطبري أنه كان اسمه العاصي، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وهو آخر من مات بمصر من الصحابة، مات سنة 85 هـ أو بعدها (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).

(فسمعته يحدث في مسجد مصر قال) أي عبد الله بن الحارث: (لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كانوا سبعة

(1) وفي نسخة: "النبي".

(2)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 572) رقم (2873).

ص: 93

فِى دَارِ رَجُلٍ، فَمَرَّ بِلَالٌ، فَنَادَاهُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجْنَا فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ؟ » . قَالَ: نَعَمْ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، فَتَنَاوَلَ (1) مِنْهَا بَضْعَةً، فَلَمْ يَزَلْ يَعْلُكُهَا حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ".

===

وأنا سابعهم، أو كانوا ستة وأنا سادسهم، وهذا شك من بعض الرواة (في دار رجل) لم يعرف من هو (فمر بلال فناداه) أي آذنه (بالصلاة فخرجنا) من الدار (فمررنا برجل) ولم يعرف هذا الرجل (وبُرْمَته) والبرمة بضم الباء وسكون الراء: القدر مطلقًا، وهي في الأصل ما اتخذ من الحجر، وجمعها بِرَامٌ وبُرَمٌ وكصُرَدٍ (على النار) أي تطبخ على النار.

(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت بُرْمَتُك) أي تم وكمل نضج برمتك؟ (قال: نعم، بأبي أنت وأمي) أي مفدي أنت بأبي وأمي. (فتناول) أي أخذ (منها) أي من البرمة (بضعة) أي قطعة من اللحم فجعلها في فيه، (فلم يزل يعلكها) أي يمضغها (حتى أحرم (2) بالصلاة) أي كبر للتحريم، معناه أنه ابتلعها قبيل التكبير (وأنا انظر إليه)(3) صلى الله عليه وسلم أي إلى فعله ذلك، ويحتمل أن يكون الغرض منه بيان قوة حفظه لتلك الواقعة، فحينئذ معناه: وكأني أنظر إليه الآن، والأول أقرب.

(1) وفي نسخة: "فناوله".

(2)

فيه جواز الأكل ماشيًا، وهذا مخصص للنهي الوارد في "الصحيح" لمسلم ح (2024): نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا، قال قتادة رضي الله عنه: قلنا لأنس رضي الله عنه: فالأكل ماشيًا قال: أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ. انتهى. "ابن رسلان". وفي "التقرير": فيه مسائل: إطابة نفس المسلم، وعدم الطهارة، ولا غسل الأيدي ولا المضمضة. انتهى. (ش).

(3)

قال ابن رسلان: فيه مراقبة أهل العلم في أفعالهم وأحوالهم، انتهى. (ش).

ص: 94