الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(127) بَابٌ: فِي الْمَجْرُوحِ يَتَيَمَّمُ
336 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْطَاكِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "خَرَجْنَا فِى سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا (1) حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِى رَأْسِهِ،
===
(127)
(بَابٌ: في المَجْرُوحِ)
وفي نسخة: المجدور، وفي أخرى: المعذور (يَتَيَمَّمُ)(2) أي: إذا كان الرجل في جسده جراحة هل يتيمم أو يشد على جرحه عصابة فيمسح محل الجرح، ويغسل ما صح من جسده؟
336 -
(حدثنا موسى بن عبد الرحمن) بن زياد الحلبي (الأنطاكي) أبو سعيد القلّاء، بقاف وتشديد، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، وتتمة كلامه يغرب، وقال مسلم بن قاسم: ثقة.
(ثنا محمد بن سلمة) الحراني، (عن الزبير بن خريق) مصغرًا، الجزري، مولى بني قشير، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في التيمم، ذكره ابن حبان في "الثقات"، قال الحافظ: قال أبو داود عقب حديثه في كتاب "السنن": ليس بالقوي، وكذا قال الدارقطني.
قلت: لم أجد في النسخ الموجودة من "سنن أبي داود" أن أبا داود قال للزبير بن خريق: ليس بالقوي، نعم قال الدارقطني: ليس بالقوي.
(عن عطاء) بن أبي رباح، (عن جابر) بن عبد الله (قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا (3) منا حجر فشجه في رأسه). قال في "المجمع":
(1) وفي نسخة: "معنا".
(2)
قال صاحب "المغني"(1/ 339): الجمهور على أنه يتيمم خلافًا للحسن، إذ قال: لا بدَّ من الغسل، انتهى مختصرًا. (ش).
(3)
قال ابن رسلان: الرواية الصحيحة رجلًا معنا. (ش).
ثُمَّ احْتَلَمَ (1) ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِى رُخْصَةً فِى التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا (2): مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ تعالي
===
الشجُّ: ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه، ثم استعمل في غيره من الأعضاء (ثم احتلم، فسأل) أي ذلك الرجل (أصحابه، فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء)
أفتوا ذلك لأنهم غفلوا عن اليسر في الشريعة، وأن ليس المراد من الوجدان في قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا} على الحقيقة، بل تعم عدم الوجدان صورة ومعنى، ومعنى فقط، فعدم الوجدان صورة ومعنى فهو أن يكون بعيدًا عنه، وأما العدم من حيث المعنى فقط فهو أن يعجز عن استعمال الماء مع قربه لمانع، كما إذا لم يجد آلة الاستقاء على رأس البئر، أو كان بينه وبين الماء عدو أو سبع أو حية أو يخاف العطش على نفسه، فيكون عادمًا للماء معنى، لأن الله تعالى حرم إلقاء النفس إلى التهلكة.
(فاغتسل) أي فدخل الماء في جرحه (فمات) أي من الغسل، (فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك) أي الخبر (فقال: قتلوه) أسند القتل إليهم، لأنهم تسببوا بتكليفهم به باستعمال الماء مع وجود الجرح في رأسه، ليكون أدل على الإنكار عليهم "علي القاري"(3).
(قتلهم الله تعالى) إنما قاله زجرًا وتهديدًا، وأخذ منه أن لا قود ولا دية على المفتي وإن أفتى بغير الحق، وإن صاحب الخطأ الواضح غير معذور.
(1) وفي نسخة: "فاحتلم".
(2)
وفي نسخة: "فقالوا".
(3)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 89).
أَلَّا (1) سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا! فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ» - شَكَّ مُوسَى - «عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» . [ق 1/ 228، قط 1/ 190]
===
(ألَّا)(2) بفتح الهمزة وتشديد لام، حرف تحضيض، دخل على الماضي، فأفاد التنديم (سألوا إذ لم يعلموا) والمعنى: فلم لم يسألوا ولم يتعلموا ما لا يعلمون، (فإنما شفاء العيّ) بكسر العين هو العجز عن النطق والتحير في الكلام وغيره (السؤال) فإنه لا شفاء لداء الجهل إلَّا بالتعلم، قد قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3).
(إنما كان يكفيه) أي الرجل المحتلم (أن يتيمم) أولًا (ويعصر)(4) لم يوجد لفظ "ويعصر" فيما أخرج البيهقي هذا الحديث في "سننه" من رواية ابن داسة، وأخرج الدارقطني هذا الحديث برواية ابن أبي داود عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وفيه كما في أبي داود:"ويعصر أو يعصب"، ثم قال في آخره: شك موسى.
(أو يعصب) أي يشد، و"أو" للشك من الراوي، أي قال هذا اللفظ أو ذاك (شك موسى) في هذا اللفظ (على جرحه) بضم الجيم (خرقة) أي قطعة من الثوب لئلا يصل إليه بلة الماء (ثم يمسح عليها) أي على الخرقة باليد (وبغسل سائر جسده) وهذا يدل على الجمع بين التيمم وغسل سائر
(1) وفي نسخة: "ألا تسألوا إذ لم تعلموا".
(2)
قال ابن رسلان: قال أهل اللغة: يجوز تخفيف ألا وتشديدها، فمن شدَّد فمغيَّرة من هلَّا، أو هي مغيرة من ألَّا. (ش).
(3)
سورة النحل: الآية 43.
(4)
قال ابن رسلان: يحتمل أنه أراد بـ "يعصب" شدَّ الخرقة على الجرح مع الربط. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
البدن بالماء دون الاكتفاء بأحدهما، كما هو مذهب الشافعي (1).
والجواب أن الحديث ضعيف، قد تفرد به (2) زبير بن خريق، وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء، عن ابن عباس وهو الصواب، قال الدارقطني (3): اختلف (4) فيه على الأوزاعي، والصواب أن الأوزاعي أرسل آخره عن عطاء، وصحح هذا الحديث ابن السكن، وروى من طريق الوليد بن عبيد بن أبي رباح عن عمه عطاء مرفوعًا، والوليد بن عبيد ضعفه الدارقطني، وقواه من صحح حديثه، وأيضًا مع ضعفه مخالف للقياس، وهو الجمع بين البدل والمبدل منه.
وحاصله أن المأمور به الغسل المبيح للصلاة، والغسل الذي لا يبيح الصلاة، وجوده وعدمه بمنزلة واحدة كما لو كان الماء نجسًا، ولأن الغسل إذا لم يفد الجواز كان الاشتغال به سفهًا مع أن فيه تضييع الماء، وأنه حرام، فصار كمن وجد ما يطعم به خمسة مساكين فكفَّر بالصَّوم أنه يجوز ولا يؤمَرُ بإطعام الخمسة لعدم الفائدة، فكذا هذا بل أولى، لأن هناك لا يؤدي إلى تضييع المال، فالمراد من الماء المطلق في الآية هو المقيد، وهو الماء المفيد لإباحة الصلاة عند الغسل به، كما يقيد بالماء الطاهر، ولأن مطلق الماء ينصرف إلى المتعارف، والمتعارف من الماء في باب
(1) مذهب الشافعي وأحمد أنه يغسل الصحيح ويتيمم للباقي، وعند الحنفية ومالك: إن كان الأكثر جريحًا يتيمم وإلَّا يغسل كما في "المغني"(1/ 336) ويمسح للباقي، ولو تساويا فكذلك، كما في "الشامي"(1/ 481). (ش).
(2)
قال ابن رسلان: تفرد زريق بذكر التيمم لم يقع في رواية عطاء، نبَّه على ذلك ابن القطان. (ش).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 190).
(4)
قلت: بل اختلف فيه على عطاء أيضًا كما ترى. (ش).
337 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ:
===
الوضوء والغسل هو الماء الذي يكفي للوضوء والغسل، فينصرف المطلق إليه.
أو يقال: إن لفظ الواو في قوله: ويعصر بمعنى أو، فعلى كلا التوجيهين لا يدل الحديث على الجمع بين التيمم وغسل سائر البدن.
ثم اعلم أن مطابقة الحديث بالباب إذا كانت ترجمة الباب بلفظ المجدور والمعذور ظاهرة، وأما إذا كانت بلفظ المجروح فمطابقته على مذهب الشافعي واضحة، وأما على مذهبنا فإن المجروح إذا كان جرحه في غالب البدن يجوز له التيمم، وأما إذا كان أكثر البدن صحيحًا، فحينئذ يغسل الصحيح، ويمسح المجروح، فالمطابقة على الأول ثابتة وجودًا، وعلى الثاني عدمًا.
337 -
(حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي) ذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره العقيلي في "الضعفاء"، وقال: لا يتابع على حديثه، وذكره ابن وضاح وقال فيه: شيخ.
(ثنا محمد بن شعيب) بن شابور بالمعجمة والموحدة، الأموي مولاهم، أبو عبد الله الدمشقي، كان يسكن بيروت، قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسًا، وما علمت إلَّا خيرًا، وقال ابن معين: كان مرجئًا، وليس به في الحديث بأس، وقال إسحاق بن راهويه: روى ابن المبارك عن محمد بن شعيب فقال: أخبرنا الثقة من أهل العلم محمد بن شعيب، وقال ابن عمار ودحيم: ثقة، وقال العجلي: شامي ثقة، وقال الآجري عن أبي داود: محمد بن شعيب في الأوزاعي ثبت، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 200 هـ.
أَخْبَرَنِى الأَوْزَاعِىُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَصَابَ رَجُلاً جُرْحٌ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ احْتَلَمَ، فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذلك رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ تعالي، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالَ؟ » . [جه 572، دي 752، حم 1/ 330، ق 1/ 227، ك 1/ 165]
===
(أخبرني الأوزاعي أنه) أي الأوزاعي (بلغه عن عطاء بن أبي رباح) أي الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من عطاء، ولكن وصل إليه بلاغًا بالواسطة، (أنه) أي عطاء (سمع عبد الله بن عباس قال) أي ابن عباس:(أصاب رجلًا جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم احتلم) أي أصابته جنابة (فأمر بالاغتسال) أي أمره بعض من كان معه من الرفقاء بالاغتسال (فاغتسل) بفتواهم، فأضرّه الغسل (فمات) أي دخل الماء في جرحه فمات منه.
(فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه) أي أهلكوه بفتواهم (قتلهم (1) الله تعالى) أي أهلكهم أو لعنهم، (ألم يكن شفاء العي السؤال؟ ) أي لما كانوا أعياء كان يجب عليهم أن يسألوا العلماء عن المسألة ويحققوها عنهم، أو معناه: كان عليهم أن يسألوا عن المسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفتوا قبل أن يتعلموا منه صلى الله عليه وسلم.
أخرج ابن ماجه هذا الحديث موصولًا في "سننه"، (2)، ولفظه: حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، ثنا الأوزاعي،
(1) قال ابن الصلاح: إذا أتلف المستفتي بفتوى أحد شيئًا ثم علم خطأه، يضمن المفتي إن كان أهلاً، وإلَّا فلا؛ لأن التقصير إذًا من المستفتي، وقال ابن رسلان: الظاهر أن من نصب للفتوى واشتهر فلا تقصير من المستفتي. (ش).
(2)
"سنن ابن ماجه" ح (572).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عن عطاء بن أبي رباح قال: "سمعت ابن عباس يخبر أن رجلًا أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام، فأمر بالاغتسال، فاغتسل فكُزَّ (1) فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله، أو لم يكن شفاء العي السؤال؟ قال عطاء: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو غسل جسده وترك رأسه وحيث أصابه الجراحة"، انتهى.
واختلف في أن الأوزاعي سمع هذا الحديث عن عطاء، فحكي عن أبي زرعة وأبي حاتم: لم يسمعه الأوزاعي عن عطاء، إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاء، بين ذلك ابن أبي العشرين في روايته عن الأوزاعي، ولكن حكى الشيخ أبو الطيب في "التعليق المغني" (2) وقال: ورواه الحاكم من حديث بشر بن بكر، ثنا الأوزاعي، ثني عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس:"أن رجلًا أصابه جرح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك"، الحديث. قال الحاكم: بشر (3) بن بكر ثقة مأمون، وقد أقام إسناده، وهو صحيح على شرطهما، انتهى.
وقال الدارقطني: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، وأسند الحديث، قلت: فيمكن أن يكون الأوزاعي روى عن عطاء بطريقتين بواسطة وبغير واسطة، والله أعلم، ولفظة "لو" إما للتمني، أو الجزاء محذوف أي لأصاب أو لكفاه.
(1) فكُزَّ: بكاف وزاي مشددة على بناء المفعول: داءٌ يأخذ من شدة البرد.
(2)
انظر: "سنن الدارقطني"(1/ 350).
(3)
ليست هذه العبارة في نسخة الحاكم الذي عندنا، بل سكت عن التصحيح وسكت عنه الذهبي. (ش).