الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(69) بابٌ: إِذَا شَكَّ فِى الْحَدَثِ
176 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
===
(69)
(بَابٌ: إِذَا شكَّ في الْحَدَثِ)
هل ينصرف (1) ويتوضأ أو لا؟
176 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل (ومحمد بن أحمد بن أبي خلف) السلمي مولاهم، أبو عبد الله البغدادي، إمام مسجد أبي معمر القطيعي بفتح القاف، قال أبو حاتم: ثقة صدوق، وذكره ابن حهبان في "الثقات"، وقال: ربما أخطأ، قلت: وقع في كتاب اللعان لأبي داود: ثنا أحمد بن محمد بن أبي خلف، قال الغساني: أظنه وهماً، مات سنة 237 هـ.
(قالا: ثنا سفيان) بن عيينهّ، (عن الزهري) ابن شهاب، (عن سعيد بن المسيب) بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، كان من سادات التابعين فقهًا ودينًا وورعًا وعبادة وفضلًا، وكان أفقه أهل الحجاز، وأعبر الناس للرؤيا، ما نودي بالصلاة من أربعين سنة إلَّا
(1) قال في "المغني"(1/ 262): من تيقن في الطهارة ثم شك في الحدث أو العكس، فهو على ما تيقن، بهذا قال سائر أهل العلم فيما علمنا إلَّا الحسن، قال: إن كان قبل الدخول في الصلاة لا يدخل فيها مع الشك، وإن كان في الصلاة مضى فيها، وقال مالك: إن كان يستنكهه كثيرًا فهو على وضوء، وإلًا فلا يدخل في الصلاة مع الشك، انتهى. وقال ابن رسلان: المشهور عن مالك النقض مطلقًا، وروي عنه النقض خارج الصلاة، وروي عنه مثل الجمهور لا وضوء عليه مطلقًا، انتهى.
قلت: فهذه أربع روايات عن مالك رحمه الله، وذكر ابن العربي (1/ 100) خمسة أقوال وبسطها أشد البسط. (ش).
وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: "شُكِىَ (1) إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ
===
وسعيد في المسجد، فلما بايع عبد الملك للوليد وسليمان، وأبى سعيد ذلك، فضربه هشام بن إسماعيل المخزومي ثلاثين سوطًا، وألبسه ثيابًا من شعر، وأمر به فطيف به، ثم سجن، قال أبو طالب: قلت لأحمد: سعيد بن المسيب؟ قال: ومن مثل سعيد ثقة من أهل الخير، فقلت له: سعيد عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟ وقال الميموني عن أحمد بن حنبل: مرسلات سعيد صحاح لا نرى أصح من مرسلاته، وقال الربيع عن الشافعي: إرسال ابن المسيب عندنا حسن، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين.
(وعباد بن تميم) عطف على سعيد بن المسيب، أي الزهري يروي عنهما، وهو عباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني المدني، روى عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وهو أخو تميم والد عباد لأمه، وقيل: إن له رؤية، قال عباد: كنت يوم الخندق ابن خمس سنين، وعلى هذا فكان عند الوفاة النبوية ابن عشر تقريبًا، ولكن المشهور أنه تابعي، وثَّقه العجلي والنسائي وغيرهما، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن عمه (2)) عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، أي سعيد بن المسيب وعباد بن تميم كلاهما (3) يرويان عن عم عباد بن تميم (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلُ) قال النووي: شكي بضم الشين وكسر الكاف، والرجل
(1) وفي نسخة: "شَكَى".
(2)
اختلف في أنه عمه لأبيه أو لأمه. (ش).
(3)
ذكره ابن رسلان عن ابن حجر احتمالًا وقال: وعليه جرى صاحب "الأطراف"(رقم الحديث 5296)، لكن لم يذكر الاحتمال الثاني، وذكر صاحب "الغاية" هناك احتمالًا آخر، وهو أن تكون رواية سعيد مرسلة، إذ روى ابن ماجه عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (ش).
يَجِدُ الشَّىْءَ فِى الصَّلَاةِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ! فَقَالَ: «لَا يَنْفَتِلُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . [خ 137، م 361، ن 160، جه 513، ق 1/ 161]
===
مرفوع، ولم يسم ها هنا الشاكي، وجاء في رواية البخاري أن السائل هو عبد الله بن زيد الراوي، وينبغي أن لا يتوهم بهذا أنه شكى مفتوحة الشين والكاف، ويجعل الشاكي هو عمه المذكور، فإن هذا الوهم غلط، انتهى.
وقال العيني في "شرح البخاري"(1) بعد نقل كلام النووي: قلت: دعوى الغلط غلط، بل يجوز الوجهان: شكى بصيغة المعلوم، والشاكي هو عبد الله بن زيد، والرجل حينئذ بالنصب مفعوله، وشكي بصيغة المجهول، والشاكي غير معلوم، والرجل حينئذ بالرفع على أنه مفعول ناب عن الفاعل، وقال الكرماني: الرجل هو فاعل شكى، وهو غلط لا يخفى، انتهى.
(يجد الشيء في الصلاة) أي الحدث (2) خارجًا منه (حتى يخيل إليه) والخيال ها هنا بمعنى الظن، والظن ها هنا أعم من تساوي الاحتمالين، أو ترجيح أحدهما على ما هو أجل اللغة، من أن الظن خلاف اليقين.
(فقال: لا ينفتل) أي ينصرف عن الصلاة على احتمال نقض الوضوء (حتى يسمع صوتًا أو يجد رلحًا)(3) أي حتى يعلم وجودهما بالعلم اليقيني، ولا يشترط السماع والشم بالإجماع، فإن الأصم لا يسمع صوته،
(1)"عمدة القاري"(2/ 357).
(2)
وفي "الغاية": قيده بعض المالكية بالصلاة، وأوجبوا الوضوء خارج الصلاة، كذا قال "ابن رسلان". (ش).
(3)
أي: رائحة، كذا في "التقرير". (ش).
177 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قال: أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ،
===
والأخشم الذي زاحت حاسة شمه لا يشم أصلًا، وهذا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال:"إذا استهل الصبي وُرِّث وصُلِّي عليه"، ولم يرد تخصيص الاستهلال الذي هو الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة وقبض وبسط ونحوها، فالمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى.
وهذا الحديث أصل من أصول الإِسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها، والعلماء متفقون على هذه القاعدة، قاله العيني في "شرح البخاري"(1) والنووي في "شرح مسلم"(2).
177 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد) بن سلمة (قال: أخبرنا سهيل بن أبي صالح) اسمه ذكوان السمان، أبو يزيد المدني، قال ابن عيينة: كنا نعد سهيلًا ثبتًا في الحديث، وعن أحمد: ما أصلح حديثه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس به بأس، روى له البخاري مقرونًا بغيره، وعاب ذلك عليه النسائي، فقال السلمي: سألت الدارقطني لِمَ ترك البخاري حديث سهيل في كتاب "الصحيح"؟ فقال: لا أعرف له فيه عذراً، فقد كان النسائي إذا مر بحديث سهيل، قال: سهيل والله خير من أبي اليمان ويحيى بن بكير وغيرهما، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يخطئ، وذكر البخاري في "تاريخه" قال: كان لسهيل أخ فمات فوجد عليه، فنسي كثيرًا من الحديث، وذكر ابن أبي خيثمة
(1)(2/ 258).
(2)
(4/ 49).
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِى دُبُرِهِ: أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ؟ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . [م 362، ت 75، دي 721، حم 2/ 414، خزيمة 24، ق 2/ 254]
===
في "تاريخه" عن يحيى قال: لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه، وقال ابن سعد: كان سهيل ثقة، كثير الحديث، وقيل في حديثه بالعراق: إنه نسي الكثير منه، وساء حفظه في آخر عمره.
(عن أبيه) هو أبو صالح السمان ذكوان، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره) أي اختلاجًا (أحدث أو لم يحدث) أي شك بالاختلاج وحركة الدبر (فأشكل عليه) أنه أحدث أو لم يحدث، ولهذا قال الشراح: لعل فيه تقديمًا وتأخيرًا، أي فأشكل عليه أحدث أو لم يحدث، (فلا ينصرف) أي عن الصلاة على احتمال خروج الريح (حتى يسمع صوتًا) أي صوت الريح الخارجة من الدبر (أو يجد ريحًا)(1) أي يجد نتن الريح، وهذا مجاز عن تيقن الحدث، لأنهما سببان لعلم ذلك.
قال الإِمام: في الحديث دليل (2) على أن الريح الخارجة من أحد
(1) ولفظ الترمذي: "لا وضوء إلَّا من صوت أو ريح"، وبسط ابن العربي الكلام على هذا الحصر [انظر:"عارضة الأحوذي"(1/ 97)]. (ش).
(2)
وفي "التقرير": استدل بعموم حديث الباب، ولا يصح الاستدلال؛ لأن المذكور هو ما يتخيل في الدبر، نعم الروايات الخالية عن ذكر الدبر يمكن الاستدلال بها إلَّا أنه ليس بريح خارج من النجس فتأمل، انتهى ملخصًا.
وبسط الاختلاف في "السعاية"(1/ 196)، وقال ابن العربي: فيه الوضوء عند الشافعي، ودليلنا أنه ليس بريح معتاد فأشبه الجشاء، انتهى. (ش).
[انظر: "عارضة الأحوذي" (1/ 98)].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
السبيلين توجب الوضوء، وقال أصحاب أبي حنيفة- رحمة الله عليه -: خروج الريح من القُبل لا يوجب الوضوء.
قلت: اختلف في الريح الخارجة من قبل المرأة، وذكر الرجل، فلم يذكر حكمهما في ظاهر الرواية، وروي عن محمد - رحمة الله عليه - أنه قال: فيهما الوضوء، وذكر الكرخي- رحمة الله عليه - أنه لا وضوء فيهما إلَّا أن تكون المرأة مفضاة، فيخرج منها ريح منتنة، فيستحب لها الوضوء.
وجه رواية محمد رحمه الله أن كل واحد منهما مسلك النجاسة كالدبر، فكانت الريح الخارجة منهما كالخارجة من الدبر، فيكون حدثًا.
ووجه ما ذكره الكرخي رحمه الله، أن الريح ليست بحدث في نفسها، لأنها طاهرة، وخروج الطاهر لا يوجب انتقاض الطهارة، وإنما انتقاض الطهارة بما يخرج بخروجها من أجزاء النجس، وموضع الوطء من فرج المرأة ليس بمسلك البول، فالخارج منه من الريح لا يجاوره النجس، وإذا كانت مفضاة فقد صار مسلك البول ومسلك الوطء مسلكًا واحدًا، فيحتمل أن الريح خرجت من مسلك البول، فيستحب لها الوضوء ولا يجب؛ لأن الطهارة الثابتة بيقين لا يحكم بزوالها بالشك، وقيل: إن خروج الريح من الذكر لا يتصور، وإنما هو اختلاج يظنه الإنسان ريحًا، كذا في "البدائع"(1).
(1)"بدائع الصنائع"(1/ 122).