المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(95) باب: في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٢

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(65) بابٌ: فِى الاِنْتِضَاحِ

- ‌(66) باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا تَوَضَّأَ

- ‌(67) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ

- ‌(68) باب: في تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ

- ‌(69) بابٌ: إِذَا شَكَّ فِى الْحَدَثِ

- ‌(70) بابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ

- ‌(71) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ

- ‌(72) بابُ الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ

- ‌(73) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ

- ‌(74) باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ اللَّحْمِ النِّئِ وَغَسْلِهِ

- ‌(75) بابٌ: في تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ

- ‌(77) بابُ التَّشْدِيدِ فِى ذَلِكَ

- ‌(78) بابٌ: فِى الْوُضُوءِ مِنَ اللَّبَنِ

- ‌(79) باب الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ

- ‌(80) باب الْوُضُوءِ مِنَ الدَّمِ

- ‌(81) بابٌ: في الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌(82) بابٌ: فِى الرَّجُلِ يَطَأُ الأَذَى بِرِجْلِهِ

- ‌(83) بابٌ: في مَنْ يُحْدِثُ فِى الصَّلَاةِ

- ‌(84) بَابٌ: في الْمَذْيِ

- ‌(85) بَابٌ: في الإِكْسَالِ

- ‌(86) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَعُودُ

- ‌(88) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَنَامُ

- ‌(89) بَابُ الْجُنُبِ يَأْكُلُ

- ‌(90) بَابُ مَنْ قَالَ: الْجُنُبُ يَتَوَضَّأُ

- ‌(91) بَابٌ: في الْجُنُبِ يؤَخِّرُ الغُسْلَ

- ‌(92) بابٌ: فِى الْجُنُبِ يَقْرَأُ

- ‌(93) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَافِحُ

- ‌(94) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(95) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاسٍ

- ‌(97) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ

- ‌(98) بابٌ: فِى مِقْدَارِ الْمَاءِ الَّذِى يُجْزِئُ فِى الْغُسْل

- ‌(99) بَابٌ: في الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(100) بَابٌ: في الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ

- ‌(101) بابٌ: فِى الْمَرْأَةِ هَلْ تَنْقُضُ شَعَرَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ

- ‌(102) بابٌ: فِى الْجُنُبِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِىِّ

- ‌(103) بابٌ: فِيمَا يَفِيضُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْمَاءِ

- ‌(105) بَابٌ: في الْحَائِضِ تَنَاوَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ

- ‌(106) بَابٌ: في الْحَائِضِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ

- ‌(107) بَابٌ: في إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌(110) بَابُ مَنْ قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَة تَدَع الصَّلَاة

- ‌(112) بَابُ مَنْ قَالَ: تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتينِ وتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا

- ‌(113) بابٌ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ مَنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، وَلَمْ يَقُلْ: عِنْدَ الظُّهْرِ

- ‌(116) بَابُ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ بَيْنَ الأَيَّامِ

- ‌(117) بَابُ مَنْ قَالَ: تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌(118) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوُضُوءَ إِلَّا عِنْدَ الْحَدَثِ

- ‌(119) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ والْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ

- ‌(120) بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَغْشَاهَا زَوْجُهَا

- ‌(121) بَابُ مَا جَاءَ فِي وَقْتِ النُّفَسَاءِ

- ‌(122) بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ

- ‌(123) بَابُ التَيَمُّمِ

- ‌(124) بَابُ التَيَمُّمِ في الْحَضَرِ

- ‌(125) بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ

- ‌(126) بَابٌ: إِذَا خَافَ الْجُنُبُ الْبَرْدَ أَيَتَيَمَّمُ

- ‌(127) بَابٌ: فِي الْمَجْرُوحِ يَتَيَمَّمُ

- ‌(128) (بَابٌ: في الْمُتَيَمِّمِ يَجدُ الْمَاءَ بَعْدَمَا يُصَلِّي في الْوَقْتِ)

- ‌(129) بَابٌ: في الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ

- ‌(130) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ في تَرْكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(131) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُسْلِمُ فَيُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ

- ‌(132) بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِلُ ثَوْبَهَا الَّذِي تَلْبَسُهُ في حَيْضِهَا

- ‌(133) بَابُ الصَّلَاةِ في الثَّوْبِ الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ فِيهِ

- ‌(134) بَابُ الصَّلَاةِ في شُعُرِ النِّساءِ

- ‌(135) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(136) بَابُ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(137) بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(138) بَابُ الأَرْضِ يُصِيبُهَا الْبَوْلُ

- ‌(139) بَابٌ: في طُهُورِ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَت

- ‌(140) بَابٌ: في الأَذَى يُصِيْبُ الذَّيْلَ

- ‌(141) بَابٌ: في الأَذَى يُصِيْبُ النَّعْلَ

- ‌(142) بَابُ الإِعَادَةِ مِنَ النَّجَاسَةِ تَكُونُ في الثَّوبِ

- ‌(143) بَابٌ: في الْبُزَاقِ يُصِيبُ الثَّوْبَ

الفصل: ‌(95) باب: في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ فُلَيْتٌ الْعَامِرِىُّ.

(95) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاسٍ

233 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ زِيَادٍ

===

(قال أبو داود: هو) أي أفلت بن خليفة اسمه (فليت العامري) أيضًا فكان له اسمان، أحدهما أفلت، وثانيهما فليت.

(95)

(بَابٌ: في الْجُنُبِ (1) يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاسٍ)

أي: الجنابة، فتذكَّر! ماذا يصنع (2)؟

233 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة، (عن زياد

(1) قال ابن رسلان: قال ابن عبد البر: جملة قول مالك وأصحابه في إمام أحرم بقوم، فذكر أنه جنب، أنه يخرج ويقدم رجلًا، فإن خرج ولم يقدم أحدًا، قدموا لأنفسهم من يتم بهم، فإن لم يفعلوا وصلّوا فرادى أجزأتهم، وإن انتظروا ولم يقدموا أحدًا فسدت صلاتهم. قلت: والجملة أن ههنا ثلاث مسائل: الأولى: صلَّى بهم الإِمام محدثًا ولم يعلموا حتى الفراغ، لا تصح عندنا صلاته ولا صلاتهم، وتصح عند الثلاثة صلاتهم دون صلاته، كما سيأتي عن ابن قدامة، [الثانية]: ولو علم الإِمام في وسط الصلاة لا تصح صلاة الإِمام عند أحد، ولا يجوز له البناء كما في "الأوجز"(1/ 524)، [الثالثة]: وأما صلاة المأمومين فإن استخلفوا أحدًا أوصلّوا فرادى تصح عند مالك، ولا تصح عندنا والشافعي، كما سيأتي عن ابن رسلان، وكذلك عند أحمد، كما سيأتي عن ابن قدامة، وهكذا صرح بمذهب أحمد في المسائل الثلاث في "الروض المربع"(1/ 251)، وبمذهب مالك في "الشرح "الكبير" (1/ 124)، وبمذهب الشافعي في "شرح الإقناع" (2/ 87 - 157).

(2)

قال ابن قدامة (2/ 504): إذا صلَّى بالجماعة محدثًا أوجنبًا، فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا صحت صلاتهم دون صلاته، به قال مالك والأوزاعي والشافعي، وعن علي أنه يعيد ويعيدون، وبه قال ابن سيرين والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه، انتهى. =

ص: 218

الأَعْلَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ فِى صَلَاةِ الْفَجْرِ

===

الأعلم) هو زياد بن حسان بن قرة بقاف مضمومة وشدة راء، المعروف بزياد الأعلم، والأعلم هو مشقوق الشفة العليا، قال أحمد: ثقة ثقة، وقال ابن معين وأبو داود والنسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: شيخ، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن الحسن) البصري، (عن أبي بكرة) هو نفيع بضم أوله وفتح الفاء مصغرًا، ابن الحارث بن كلدة، أبو بكرة الثقفي، قيل: اسمه مسروح، وقيل: كان أبوه عبدًا لحارث بن كلدة يقال له: مسروح، فاستلحق الحارث أبا بكرة، وإنما قيل له: أبو بكرة، لأنه تدلى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه يومئذ، قال العجلي: كان من خيار الصحابة، مات بالبصرة سنة 51 هـ، وصلى عليه أبو برزة الأسلمي، قال أبو نعيم: آخى النبي صلى الله عليه وسلم يبينهما (1).

(أن رسول (2) الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر)، وفي "البخاري" من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:

= وأثر علي ذكره في "عبد الرزاق" ولم ينكر عليه، فكأنه إجماع منهم "الأوجز"(1/ 533). (ش).

(1)

انظر ترجمته في "أسد الغابة"(4/ 391) رقم (5739).

(2)

وفي "التقرير": اختلفوا في الجنب أو المحدث يصلي، هل يصح شروع القوم في الصلاة كما قالت الشافعية، أو لا كما قالت الحنفية، فحملوا حديث الباب على أنه عليه الصلاة والسلام تذكَّر بعد الشروع، وعندنا قبل الشروع، قلت: ولا يصح حملهم على بعد الشروع، لأن شرط الصحة عندهم عدم العلم إلى الفراغ عن الصلاة ولم يوجد، فالحاصل أن حديث الباب على صحة قوله:"كبَّر" لا يوافق أحدًا من الأربعة. (ش).

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة، وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف".

قال الحافظ: زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري: "قبل أن يكبر فانصرف"، ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة، وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم"، ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلًا:"أنه صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ في صلاة من الصلوات، ثم أشار بيده أن امكثوا"، ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله:"كبر" على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالًا، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان (1) كعادته، فإن ثبت وإلَّا فما في "الصحيح" أصح، انتهى "فتح"(2).

وقال الزرقاني (3): قال أبو عمر: من قال: إنه كبر زاد، وزيادة حافظ يجب قبولها.

قلت: والأولى أن يوفق بين الحديثين، الذي ورد عن أبي هريرة أنه قال:"قبل أن يكبر"، ورواية أبي بكرة أنه قال:"كبر"، بأن أبا هريرة نافٍ للتكبير، ونفيه محمول على أنه لم يسمعه، لأنه كان بعيدًا من الإِمام، وأبا بكرة مثبت، فقوله محمول على أنه كان قريبًا من الإِمام وسمع التكبير، فروى كما سمع ورأى.

(1) إذ قال: حديث أبي هريرة وحديث أبي بكرة فعلان في موضعين، خرج عليه الصلاة والسلام مرة فكبَّر، ثم ذكر أنه جنب، فانصرف واغتسل، ثم استأنف الصَّلاة، وجاء مرة أخرى، فلما أراد أن يكبر ذكر، فانصرف قبل أن يكبر. "المنهل"(2/ 316). (ش).

(2)

"فتح الباري"(2/ 121).

(3)

"شرح الزرقاني"(1/ 99).

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومما يجب أن ينبه عليه أن الإِمام محمد بن الحسن قال في "موطئه"(1) بعد ما أخرج هذا الحديث في "باب الحدث في الصلاة" من طريق مالك: ثنا إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار مرسلًا، قال: وبهذا نأخذ، من سبقه حدث في صلاة، فلا بأس أن ينصرف ولا يتكلم فيتوضأ، ثم يبني على ما صلى، وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى-.

فالإمام محمد فهم من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالصلاة وكبر، ثم سبقه الحدث فرجع فتوضأ، فصلى للناس.

قال مولانا الشيخ عبد الحي: استنباط هذه المسألة من حديث الباب كما فعله محمد غير صحيح بوجوهٍ:

أولها: أنه قد رُويت قصة انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة بلفظ: "انتظرنا أن يكبر"، ولفظ:"قبل أن يكبر"، فيحمل قوله:"كبر" على أنه أراد أن يكبر، قلت: وهذا غير وارد عليه فلعل عنده - رحمه الله تعالى- واقعتان مختلفتان، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان.

وثانيها: أن انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لأجل أنه كان جنبًا فنسي، كما أوضحته رواية الدارقطني:"ثم رجع وقد اغتسل"، وقد ورد في البخاري وغيره التصريح بأنه اغتسل، ثم رجع ورأسه يقطر ماءً، فعلم أن انصرافه كان لحدث سابق على الصلاة.

وثالثها: أنه ورد في البخاري وغيره أنه رجع بعد ما اغتسل، والحدث الذي يجوز بحدوثه في الصلاة البناء إنما هو الذي يوجب الوضوء، لا الذي يوجب الغسل.

(1)"التعليق الممجد"(1/ 522).

ص: 221

فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأسُهُ يَقْطُرُ

===

ورابعها: أن الإِمام إذا أحدث في الصلاة فذهب للتوضؤ لا بد له أن يستخلف، فلو لم يستخلف فسدت صلاته، وصلاة من اقتدى به، ولم ينقل أنه استخلف أحدًا.

وخامسها: أنه ورد في حديث أبي هريرة: "ثم رجع إلينا ورأسه يقطر ماء فكبر"، وهذا نص في أنه لم يَبْنِ على ما سبق، بل استأنف التكبير.

قلت (1): وهذه الاعتراضات كلها مبنية على أن ما وقع في حديث أبي هريرة وأبي بكرة وأنس، وما وقع لمالك في هذا الحديث المرسل قصة واحدة، ولو حمل على أن ما وقع في هذا الحديث المرسل غير ما وقع في تلك الأحاديث من الواقعة لا تقدحه هذه الاعتراضات، والحكم بوحدة الواقعة رأي محض (2) من العلماء، واحتمال لا دليل عليه، وإلى هذا أشار مولانا الشيخ اللكهنوي بقوله: وبالجملة إذا جمعت طرق حديث الباب، ونظر إلى ألفاظ رواياته، وحمل بعضها إلى بعض علم قطعًا أنه لا يصلح لاستنباط ما استنبطه محمد، والله أعلم.

(فأومأ بيده) أي أشار بيده (أن مكانكم) أي الزموا مكانكم، وفي رواية:"ثم قال كما أنتم"، كما سيأتي قريبًا، وفي "البخاري":"قال: على مكانكم"، وفي أخرى له:"فقال لنا: مكانكم"، فيحتمل أن يكون هو صلى الله عليه وسلم جمع بين الكلام والإشارة (ثم جاء) أي رجع من بيته (ورأسه يقطر) جملة حالية، أي والحال أنه اغتسل ورأسه يقطر، قال الحافظ: زاد الدارقطني: فقال: "إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل".

(1) انظر: "أوجز المسالك"(1/ 524).

(2)

ونقل ابن رسلان عن النووي في اختلاف "كبر" و"أراد أن يكبر" الأظهر أنهما قضيتان، وبذلك قال ابن الهمام، وقال أيضًا: ليس فيه أنه كبر القوم أيضًا. (ش).

ص: 222

فَصَلَّى بِهِمْ". [حم 5/ 41 - 45، ق 2/ 396، خزيمة 1629]

234 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قال: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، قَالَ فِى أَوَّلِهِ:"فَكَبَّرَ"، وَقَالَ فِى آخِرِهِ: فَلَمَّا

===

(فصلى بهم) أي فكبر، فصلى بهم فصلينا معه كما في "البخاري"، استدل البخاري بهذا الحديث على أنه إذا تذكَّر إنسان في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم.

وفي هذا الاستدلال نظر؛ لأنه أخرج الترمذي في "سننه"(1) بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا علي لا يحِلُّ لأحدٍ أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك"، قال الترمذي: هذا الحديث (2) حسن غريب، وقد سمع محمد بن إسماعيل مني هذا الحديث واستغربه، فلما كان يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم استطراق المسجد جنبًا لا يستدل به لغيره، ولو لم يكن له حلالًا لم يكن الله ليدعه أن يدخل المسجد في حالة الجنابة، وهو عليه حرام.

234 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه)، أي بإسناد حديث موسى ومعنى حديثه، (وقال في أوله: فكبر) أي زاد يزيد بن هارون على لفظ موسى لفظ "فكبر" فكان لفظ حديثه: دخل في صلاة الفجر فكبر.

(وقال) أي زاد يزيد بن هارون (في آخره) أي في آخر حديثه: (فلما

(1)"سنن الترمذي"(3727).

(2)

قال ابن التركماني: مداره على حماد بن سلمة، وجرحه البيهقي في عدة مواضع من كتابه. "الجوهر النقي"(2/ 396). (ش).

ص: 223

قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّى كُنْتُ جُنُبًا» . [حب 2235]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الزُّهْرِىُّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ (1)، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: "فَلَمَّا قَامَ فِى مُصَلَاّهُ وَانْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ ثُمَّ قَالَ: «كَمَا أَنْتُمْ» .

(2)

وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ،

===

قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر وإني كنت جنبًا. قال أبو داود: رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال) أي أبو هريرة: (فلما قام) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم) أي اثبتوا كما أنتم. وهذا التعليق أخرجه البخاري موصولًا في "صحيحه"(3) في باب هل يخرج من المسجد لعلة.

(ورواه أيوب) السختياني (4)(وابن عون)(5) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم، أبو عون الخزاز بمعجمة ثم مهملة آخره زاي، البصري، قال الحافظ في "التقريب": ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العمل والسن، قال ابن سعد: كان ثقة، وكان عثمانيًّا، وقال ابن حبان في "الثقات": كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلًا وورعًا ونسكًا وصلابة في السنة، وشدة على أهل البدع، مات سنة 151 هـ.

(وهشام) بن حسان (6)(عن محمد) وفي نسخة: يعني ابن سيرين

(1) زاد في نسخة: "ابن عبد الرحمن".

(2)

زاد في نسخة: "قال أبو داود".

(3)

"صحيح البخاري"(639) ووصلها المصنف بعد حديث الباب من طرق عنه.

(4)

قلت: رواية أيوب السختياني عن ابن سيرين لم أقف عليها.

(5)

قلت: رواية ابن عون وصلها الشافعي في "الأم"(1/ 443) رقم (316).

(6)

قلت: رواية هشام بن حسان وصلها أحمد بن منيع في "مسنده"، ذكرها الحافظ البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"(2/ 329) رقم (1799).

ص: 224

عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَوْمِ أَنِ اجْلِسُوا، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى حَكِيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قال:"إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِى صَلَاةٍ".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال:

===

مرسلًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكبر ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا فذهب فاغتسل).

أورد المصنف هذا التعليق؛ لأن فيه "كبر" على خلاف ما رواه الزهري، وأيضًا فيه "أن اجلسوا" أي الأمر بالجلوس على خلاف ما في الروايات المارة، فإنها تشير إلى أنهم كانوا قائمين كما يدل عليه قوله:"كما أنتم".

(وكذلك رواه مالك)(1) أي ابن أنس (عن إسماعيل بن أبي حكيم) القرشي مولاهم المدني، وثقه ابن معين والنسائي والبرقي وابن وضاح، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: صالح، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن عبد البر في "التمهيد": كان فاضلًا ثقة، وهو حجة في ما روى عنه جماعة أهل العلم.

(عن عطاء بن يسار قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة) وهذا التعليق مرسل أيضًا، أورده لتقوية ما ساق في الروايات السابقة أنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة، وفي بعضها فكبر.

(قال أبو داود: وكذلك) أي كما حدث أيوب وابن عون وهشام عن محمد، ومالك عن إسماعيل، كذلك (حدثناه مسلم بن إبراهيم قال:

(1) أخرجه في "موطئه"(1/ 48)، ومن طريقه الشافعي في "الأم"(1/ 443) رقم (314).

ص: 225

حدثنا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَبَّرَ.

235 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ (1) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قال: حَدَّثَنَا (2) الزُّبَيْدِىُّ

===

حدثنا أبان) بن يزيد العطار (عن يحيى) وفي نسخة: ابن أبي كثير (عن الربيع بن محمد) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقال الحافظ في "التقريب": تابعي أرسل حديثًا، مجهول، من الثالثة (عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا تعليق ثالث (3) أورده لتأييد ما سبق أنه كبر.

235 -

(حدثنا عمرو بن عثمان قال: ثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي، كاتب محمد بن وليد الزبيدي بضم الزاي، ولي قضاء دمشق، قال المروزي عن أحمد: ليس به بأس، وقدمه على بقية، وقال عثمان الدارمي قلت لابن معين: فبقية كيف حديثه؟ قال: ثقة، قلت: هو أحب إليك أو محمد بن حرب؟ قال: ثقة وثقة، وثَّقه عثمان والعجلي ومحمد بن عوف والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، مات سنة 192 هـ، وقيل: سنة 194 هـ.

(قال: ثنا الزبيدي) بالزاي والموحدة مصغرًا، محمد بن الوليد بن عامر، أبو الهذيل الحمصي القاضي، سئل ابن معين: من أثبت من روى عن الزهري؟ فقال: مالك، ثم معمر، ثم عقيل، ثم يونس، ثم شعيب والأوزاعي والزبيدي وابن عيينة وكل هؤلاء ثقات، والزبيدي أثبت من ابن عيينة، وقال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي يفضل محمد بن الوليد

(1) زاد في نسخة: "الحمصي".

(2)

وفي نسخة: "أنا".

(3)

قال المذي في" التحفة"(8/ 276) رقم (11665) بعد إيراده: حديث مسلم بن إبراهيم لم يذكره أبو القاسم، وهو في الرواية.

ص: 226

(ح)(1): وحَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الأَزْرَقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عن يُونُسَ. (ح) (2): وَحَدَّثنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: ثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ إِمَامُ مَسْجِدِ صَنْعَاءَ

===

على جميع من سمع من الزهري، وقال الزهري: محمد بن الوليد قد حوى ما بين جنبي من العلم، وثَّقه علي بن المديني وابن سعد والعجلي وأبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الخليلي: ثقة حجة إذا كان الراوي عنه ثقة، مات سنة 148 هـ.

(ح: وحدثنا عياش) بتشديد التحتانية وآخره معجمة (ابن الأزرق) ويقال: عياش بن الوليد بن الأزرق، أبو النجم البصري، نزيل أذنة بمعجمة ونون وفتحات، قال العجلي: بصري ثقة قد كتبت عنه، مات سنة 237 هـ.

(قال أخبرنا ابن وهب) هو عبد الله بن وهب بن مسلم (عن يونس) بن يزيد الأيلي، (ح: وحدثنا مخلد بن خالد) بن يزيد الشعيري بفتح المعجمة وكسر المهملة، أبو محمد العسقلاني، نزيل طرسوس، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا أعرفه، وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، أنكر العياض في "شرح مسلم" هذا الاسم، وقال: لم أجد له ذكرًا عند أحد صنف رجال الصحيحين، ولا ممن صنف في المؤتلف، ولا أصحاب التقييد، وبالغ في ذلك حتى قال: ليس في الرواة أحد سمي مخلد بن خالد، وقد بالغ النووي في الرد عليه.

(قال: ثنا إبراهيم بن خالد) بن العبيد القرشي الصنعاني المؤذن، كان مؤذن مسجد صنعاء سبعين سنة، وثَّقه ابن معين وأحمد والبزار والدارقطني، وفي أبي داود (إمام مسجد صنعاء)، مات سنة 200 هـ.

(1) زاد في نسخة: "قال أبو داود".

(2)

زاد في نسخة: "قال أبو داود".

ص: 227

قَالَ: ثَنَا رَبَاحٌ، عن مَعْمَرٍ (ح): وَثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ عن الأَوْزَاعِيِّ ،

===

(قال: ثنا رباح) بن زيد القرشي مولاهم، الصنعاني، قال أحمد: كان خيارًا، ما أرى كان في زمانه خيرًا منه، قال أبو حاتم: جليل ثقة، وقال النسائي: ثقة، ووثَّقه العجلي والبزار ومسلم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 187 هـ.

(عن معمر) بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزل اليمن، وشهد جنازة الحسن البصري، عن ابن معين: أثبت الناس في الزهري معمر ومالك، قال: ومعمر عن ثابت ضعيف، وثَّقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي، وقال أبو حاتم: ما حدث معمر بالبصرة فيه أغاليط، وهو صالح الحديث، قال يحيى بن معين: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلَّا عن الزهري وابن طاوس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا. وما عمل في حديث الأعمش شيئًا، وحديث معمر عن ثابت، وعاصم بن أبي النجود، وهشام بن عروة، وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام، مات سنة 153 هـ.

(ح: وثنا مؤمل بن الفضل قال: ثنا الوليد) بن مسلم (عن الأوزاعي) هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو، اسمه يحمد الشامي، أبو عمرو الأوزاعي الفقيه، نزل بيروت في آخر عمره، فمات بها مرابطًا، وهذه النسبة إلى أوزاع، وهي قرية بدمشق خارج باب الفراديس، كان من فقراء أهل الشام وقرائهم وزهادهم، وثَّقه ابن معين والعجلي وابن سعد، وقال إبراهيم الحربي: سألت أحمد بن حنبل عن الأوزاعي؟ فقال: حديثه ضعيف، وقال يعقوب بن شيبة عن ابن معين: الأوزاعي في الزهري ليس بذاك، قال يعقوب: الأوزاعي ثقة ثبت، وفي روايته عن الزهري خاصة شيء، وفي سن وفاته اختلاف، مات سنة 158 هـ، وقيل قبلها.

ص: 228

كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:"أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا قَامَ فِى مَقَامِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «مَكَانَكُمْ» ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَنَحْنُ صُفُوفٌ". وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ حَرْبٍ، وَقَالَ عَيَّاشٌ فِى حَدِيثِهِ:"فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ اغْتَسَلَ".

[خ 275، م 605، ن 809]

===

(كلهم) أي الزبيدي ويونس ومعمر والأوزاعي يحدث (عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن، (عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة وصفَّ) أي: سوَّى (الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته الشريفة (حتى إذا قام في مقامه) أي في المحراب (ذكر) أي تذكر (أنه لم يغتسل)، وظاهر هذا الكلام يدل أن هذا التذكر كان قبل أن يكبر تكبيرة الافتتاح.

(فقال للناس: مكانكم) أي الزموا مكانكم (ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينطف رأسه) أي يقطر (وقد اغتسل ونحن صفوف، وهذا) أي الذي ذكرنا (لفظ ابن حرب، وقال عياش في حديثه: فلم نزل قيامًا ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل) وهذا السياق يخالف ما تقدم من رواية أيوب وابن عون وهشام عن محمد وفيها: "ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا"، وفي هذه:"فلم نزل قيامًا ننتظرهُ"، وهذه تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالجلوس، فلما أشار إليهم بالجلوس، فكيف انتظروه قيامًا؟

والجواب عنه مع قطع النظر عن كون رواية محمد مرسلة يمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم أشار إليهم، ففهم بعضهم من الإشارة أنه أشار إلى أن

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

نكون في مكاننا ولا نتفرق عن المسجد، وبعضهم فهموا أنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن نكون على حالنا الموجودة من القيام، وبعضهم فهموا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالجلوس فرووه كما فهموه، وأما الذي ورد من الجمع من القول والإشارة، فيمكن أن الذين رووا القول فعبروا عن الإشارة بالقول، ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم جمع بين القول والإشارة، فبعضهم سمع القول و [رأى] الإشارة، وبعضهم لم يسمع القول ورأى الإشارة، فهذا وجه الاختلاف فيما بينهم.

(تنبيه): قد تقدم أن الاختلاف الذي وقع في سياق هذا الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم كبر لافتتاح الصلاة أو لم يكبر، فرواية أبي هريرة كما في روايات "الصحيحين" تدل على أنه لم يكبر، ورواية أبي بكرة هذه التي أخرجها أبو داود، وكذلك رواية أبي هريرة التي أخرجها الدارقطني، وكذلك رواية أنس التي أخرجها الدارقطني من حديث قتادة عن أنس، والرواية المرسلة لعطاء بن يسار التي أخرجها مالك في "الموطأ"، وأبو داود في "سننه"، ومرسل محمد بن سيرين، ومرسل ربيع بن محمد اللذين أخرجهما أبو داود، كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر، وأما القوم فلا يدل لفظ من ألفاظ الحديث إلَّا فيما عند الدارقطني من حديث أنس، فإن فيه:"فكبر فكبرنا" على أنهم كبروا ودخلوا في الصلاة، فالظاهر كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم بالصلاة ولم يدخل فيها ولم يكبر، كذلك القوم لم يدخلوا في الصلاة، فمن قال: في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لم يعلموا بجنابته، أن صلاتهم ماضية ولا إعادة عليهم، وكذلك ما قالوا: في الحديث دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإِمام لا يبطل صلاته، فكأنه لم يتدبر فيه كل التدبر.

ص: 230

(96)

بَابٌ: في الرَّجُلِ يَجِدُ البِلَّةَ (1) في مَنَامِهِ

236 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِىُّ،

===

(96)

(بابٌ: في الرَّجُلِ يَجدُ الْبِلَّةَ (2) في مَنَامِه)

البلة بكسر الباء وتشديد اللام: النداوة، أي: بعد منامه، فعليه الغسل أم لا؟

236 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا حماد بن خالد الخياط) بمعجمة وشدة تحتية ومهملة، القرشي البصري، نزيل بغداد، أصله مدني، وثَّقه ابن معين وابن عمار والنسائي وابن المديني وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(قال: ثنا عبد الله العمري)(3)، هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، أبو عبد الرحمن العمري، اختلف في جرحه وتعديله، عن أحمد: لا بأس به، قد روى عنه، وكان أحمد يحسن الثناء عليه، وعن ابن معين: صويلح، وعنه: ليس به بأس، يكتب حديثه، وكان عبد الرحمن يحدث عنه، وقال ابن عدي: لا بأس به، في رواياته صدوق، وقال العجلي: لا بأس به، وقال ابن عمار الموصلي: لم يتركه أحد إلَّا يحيى بن سعيد، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، في

(1) وفي نسخة: "البلل".

(2)

قلت: لو رأى منيًا فأجمعوا على إيجاب الغسل، وإن لم يتذكر الاحتلام، كذا في "المغني"(1/ 270)، لكن حكى ابن رسلان خلاف الشافعي في صورة عدم التذكير، ولو شك في المذي والودي فذكر في" الشامي" أربع عشرة صورة "الأوجز"(1/ 540). (ش).

(3)

وذكر ابن العربي هذا الحديث وتكلَّم على سنده. (ش)[انظر: "عارضة الأحوذي" (1/ 172)].

ص: 231

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ (2) وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا؟ قَالَ: «يَغْتَسِلُ» ،

===

حديثه اضطراب، وقال الخليلي: ثقة، غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه، وأما عثمان الدارمي فقال عن ابن معين: صالح ثقة، وقال عبد الله بن علي ابن المديني عن أبيه: ضعيف، وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن حبان: غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك، وقال الترمذي عن البخاري: ذاهب لا أروي عنه شيئًا، وقال البخاري في "التاريخ": كان يحيى بن سعيد يضعفه، وقال الحاكم: ليس بالقوي عندهم، مات سنة 171 هـ، وقيل بعدها.

(عن عبيد الله) بن عمر بن حفص، (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن التيمي، قال ابن سعد: أمه أم ولد يقال لها: سودة، كان ثقة رفيعًا عالمًا فقيهًا إمامًا ورعًا كثير الحديث، وقال البخاري: قتل أبوه وبقي القاسم يتيمًا في حجر عائشة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، وقال البخاري: كان أفضل أهل زمانه، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، مات سنة 106 هـ.

(عن عائشة قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل) أي في ثوبه بعد ما يستيقظ (ولا يذكر) أي لا يتذكر (احتلامًا؟ قال: يغتسل)(3)

(1) وفي نسخة: "رسول الله".

(2)

وفي نسخة: "يجد الشيء".

(3)

قال الترمذي (1/ 192): به قال أحمد وإسحاق، وقال الشافعي: يجب إذا كانت البلة بلة نطفة، انتهى، قال ابن رسلان: عندنا لا يجب الغسل إلَّا أن يتذكر الاحتلام أيضًا، انتهى، وكذا قال ابن العربي في "العارضة"(1/ 173)، وفي "الشرح الكبير" للدردير: إن شك في مني أو مذي اغتسل وجوبًا، وإن شك مع ودي أيضًا، أي في الثلاثة لا غسل لضعف احتمال الوجوب، إلى آخر ما قال. (ش) [انظر:"الشرح الكبير"(1/ 132)].

ص: 232

وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنْ (1) قَدِ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ؟ قَالَ: «لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» . فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» .

[ت 113، جه 612، حم 6/ 256، دي 765]

===

أي يجب عليه الغسل (وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: لا غسل عليه، فقالت أم سليم) بنت ملحان بن خالد الأنصارية، أخت أم حرام والدة أنس بن مالك، اختلف (2) في اسمها سهلة أو رميلة أو رميثة أو أنيثة أو مليكة، زوجة أبي طلحة الأنصاري يقال: إنها هي الغميصاء أو رميصاء، كانت تحت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت له أنسًا، فلما جاء الله تعالى بالإِسلام أسلمت وعرضت على زوجها الإِسلام، فغضب عليها، وخرج إلى الشام وهلك، فتزوجت بعده أبا طلحة خطبها وهو مشرك، فأبت عليه إلَّا أن يسلم فأسلم، فولدت له غلامًا كان قد أعجب به، فمات صغيرًا وأسف عليه، وقيل: إنه أبو عمير صاحب النغير، ثم ولدت له عبد الله بن أبي طلحة وبورك فيه، وهو والد إسحاق بن أبي طلحة الفقيه وإخوته، وكانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم، ومناقبها كثيرة شهيرة، وماتت في خلافة عثمان.

(المرأة ترى ذلك) أي البلل ولا تتذكر الاحتلام (أعليها غسل؟ قال: نعم) يجب عليها الغسل (إنما النساء (3) شقائق الرجال) أي نظائرهم وأمثالهم في الطباع والأخلاق، كأنهن شققن منهم،

(1) وفي نسخة: "أنه".

(2)

بسطها العيني (3/ 67)، انتهى. (ش).

(3)

وكتب الوالد في "الكوكب الدري" ما قالت الفقهاء: إن المرأة إذا تذكرت احتلامًا ولم تر بللًا تغتسل لاحتمال أن المني لعله دخل في فرجها لسعته، لا يلتفت إليه لهذا الحديث. (ش) [انظر:"الكوكب الدري"(1/ 145)].

ص: 233