الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(123) بَابُ التَيَمُّمِ
317 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. (ح): وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ - الْمَعْنَى وَاحِدٌ-،
===
(123)
(بَابُ التَّيَمُّمِ)
مصدر من باب التفعل، وأصله من الأَمِّ وهو القَصد (1)، فالتيمم في اللغة: مطلق القصد، وفي الشرع: قصد الصعيد الطاهر واستعماله بصفة مخصوصة لاستباحة الصلاة وامتثال الأمر، واختلف في التيمم هل هو عزيمة (2) أو رخصة؟ وفصل بعضهم فقال: هو لعدم الماء عزيمة، والعذر رخصة، والتيمم فضيلة خصت بها هذه الأمة دون غيرها من الأمم وثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع.
317 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا أبو معاوية) محمد بن خازم، (ح: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا عبدة) بن سليمان (المعنى واحد) أي الروايتان رواية أبي معاوية ورواية عبدة متحدتان في المعنى.
= الحائض تنقض دون الجنب كما تقدم في "باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ". (ش).
(1)
قال ابن رسلان: ولوجود معنى القصد في التيمم اتفق فقهاء الأمصار على وجوب النية فيه إلَّا ما حكي عن الأوزاعي، انتهى، وحكى صاحب "الهداية"(1/ 28) فيه خلاف زفر أيضًا، وابن رشد في "البداية"(1/ 67) عن الحسن بن حي، قال القسطلاني (1/ 668): شرع سنة خمس أو ست، انتهى، وذكره في "الخميس"(1/ 473) سنة 5 هـ، وفي "تلقيح فهوم أهل الأثر"(ص 40) سنة 4 هـ، وفي "المنهل"، (3/ 147) في غزوة بني المصطلق سنة 5 هـ. (ش).
(2)
قال ابن رسلان: ويبني عليه قضاء القاضي بسفره، والصحيح أنه يقضي لأنه رخصة، وقيل: لا يقضي لأنه عزيمة، فتأمل. (ش).
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِى طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ
===
(عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، (عن عائشة قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير) رضي الله عنه (وأناسًا معه في طلب قلادة) القلادة ما يقلد في العنق ويعلق (أضلتها) أي أضاعتها وسقطت عنها (عائشة) جعلت نفسها غائبة (فحضرت الصلاة) أي للذين بعثوا في طلب القلادة (فصلوا (1) بغير وضوء) (2) ، لأنه لم يكن هناك ماء ولم ينزل حكم التيمم.
قال العيني في "شرحه على البخاري"(3): قال النووي: فيه دليل على أن من عدم الماء والتراب يصلي على حاله، وهذه المسألة فيها خلاف، وهو أربعة أقوال: وأصحها عند أصحابنا: أنه يجب عليه أن يصلي ويعيد الصلاة.
والثاني: أنه لا تجب عليه الصلاة، ولكن يستحب، ويجب عليه القضاء سواء صلَّى أو لم يصل، والثالث: تحرم عليه الصلاة لكونه محدثًا،
(1) قال ابن رسلان: أغرب ابن المنذر فادَّعى أنه تفرَّد ابن عبدة بهذه الزيادة. (ش).
(2)
استدل ابن قدامة بهذا الحديث على أنه يصلي بدون الوضوء، ثم هل يقضي؟ فلهم فيه قولان؛ والراجح عدم القضاء، [انظر:"المغني"(1/ 328)]، وكذا استدل ابن رسلان وقال: به قال الشافعي وأحمد وأكثر أصحاب مالك، انتهى، وحكى القسطلاني (1/ 673) عن أحمد وجوب الأداء وعدم القضاء، لأنه يكون بأمر جديد، ولا أمر ههنا. (ش).
(3)
"عمدة القاري"(3/ 199).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وتجب عليه الإعادة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، والرابع: تجب الصلاة ولا تجب الإعادة، وهو مذهب المزني، وهو أقوى الأقوال دليلاً، ويعضده هذا الحديث، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الإعادة مثل هذه الصلاة.
وقال ابن بطال: الصحيح من مذهب مالك أنه لا يصلي ولا إعادة عليه قياسًا على الحائض، وقال أبو عمر (1): قال ابن خواز منداد: الصحيح من مذهب مالك أن كل من لم يقدر على الماء، ولا على الصعيد حتى خرج الوقت أنه لا يصلي ولا شيء عليه، رواه المدنيون عن مالك (2) وهو الصحيح.
وقال في "البدائع"(3): المحبوس في مكان نجس لا يجد ماءً ولا ترابًا نظيفًا فإنه لا يصلي عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: يصلي بالإيماء ثم يعيد إذا خرج، وهو قول الشافعي، وقول محمد مضطرب، وجه قول أبي يوسف أنه إن عجز عن حقيقة الأداء فلم يعجز عن التشبّه فيؤمر بالتشبّه كما في باب الصوم، وقال بعض مشايخنا: إنما يصلي بالإيماء على مذهبه إذا كان المكان رطبًا، أما إذا كان يابسًا فإنه يصلي بركوع وسجود، والصحيح عنده أنه يومئ كيف ما كان، لأنه لو سجد لصار مستعملًا للنجاسة، ولأبي حنيفة أن الطهارة شرط أهلية أداء الصلاة، فإن الله تعالى جعل أهل مناجاته الطاهر لا المحدث، والتشبه
(1) أي ابن عبد البر، ويشكل عليه ما في "المغني" (1/ 328) عنه أنه قال: هذه رواية منكرة، ويزول الإشكال عن العيني إذ حكى كلامه مفصلًا. (ش).
(2)
وبه جزم في "مختصر الخليل"(1/ 200)، والدردير (1/ 162). (ش).
(3)
"بدائع الصنائع"(1/ 175).
فَأَتَوُا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ
===
إنما يصح من الأهل، ألا ترى أن الحائض لا يلزمه التشبه في باب الصوم والصلاة لانعدام الأهلية.
وقال في "الدر المختار" وحاشيته (1): والمحصور فاقد الطهورين بأن حُبِس في مكان نجس ولا يمكنه إخراج تراب مطهر، وكذا العاجز عنهما لمرض، يؤخرها عنده لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا صلاة إلَّا بطهور"، وقالا: يتشبه بالمصلين وجوبًا أي احترامًا للوقت ولا يقرأ سواء حدثه أصغر أو أكبر، وظاهره أنه لا ينوي أيضًا، لأنه تشبه لا صلاة حقيقة، فيركع ويسجد إن وجد مكانًا يابسًا، وإلَّا يومئ قائمًا ثم يعيد كالصوم، أي في مثل الحائض إذا طهرت في رمضان فإنها تمسك تشبهًا بالصائم لحرمة الشهر ثم تقضي، به يفتى، وإليه صح رجوعه أي الإِمام كما في "الفيض".
(فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له) أنهم حضرتهم الصلاة، ولم يكن هناك ماء فصلوا بغير وضوء، (فانزلت آية التيمم) واستدل على جواز صلاتهم، بأنهم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وفيه أولًا عدم ذكر الإنكار في الرواية لا يستلزم عدمه، وثانيًا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلَّا بطهور"، فهذا يدل على نفي الصلاة عند عدم الطهارة من غير احتمال، وهذا الحديث لو سلم دلالته يدل على جواز الصلاة مع احتمال عدم الجواز فيه، فلهذا لا يعارض المنع، فلأجل ذلك اختارت الحنفية عدم جواز الصلاة وقالوا: يتشبه بالمصلين صورة، ولا يصلي حقيقة، ورجحوا المنع، والله تعالى أعلم.
(1)"رد المحتار"(1/ 472).
زَادَ ابْنُ نُفَيْلٍ: فَقَالَ لَهَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ، مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ (1) اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ فِيهِ فَرَجًا". [خ 336، م 367، ن 310، جه 568، حم 6/ 57، ط 1/ 53/ 89، دي 746، ق 1/ 204]
===
قال ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة، قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة، وقال القرطبي: هي آية النساء، لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وليس في آية النساء ذكر الوضوء.
قلت: لو وقف هؤلاء على ما ذكره الحميدي في جمعه في حديث عمرو بن الحارث، فذكر الحديث، وفيه: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) لما احتاجوا إلى هذا التخرص، وكأن البخاري أشار إلى هذا إذ تلا بقية الآية الكريمة، كذا في "شرح البخاري"(3) للعيني، واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم، لأن معنى "فتيمموا" اقصدوا، وهو قول فقهاء الأمصار إلَّا الأوزاعي.
(زاد ابن نفيل) أي على رواية عثمان: (فقال لها) أي لعائشة رضي الله عنها (أسيد بن حضير: يرحمك الله) وإنما قال ما قال دون غيره، لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع (ما نزل بك أمر تكرهينه إلَّا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجًا)، لعله إشارة إلى ما وقع لها في قصة الإفك من الكراهة وحصول الفرج بنزول الآيات.
(1) وفي نسخة: "جعله".
(2)
صورة المائدة: الآية 6.
(3)
"عمدة القاري"(3/ 189).
318 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حدثنِى (1) يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قال: إن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ "أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ
===
318 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب، حدثني يونس) بن يزيد الأيلي، (عن ابن شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، روى عن أبيه، وأرسل عن عم أبيه عبد الله بن مسعود، قال الواقدي: كان عالمًا ثقة فقيهًا كثير الحديث والعلم، وقال العجلي: كان أحد فقهاء المدينة تابعي ثقة، وقال أبو زرعة: ثقة مأمون إمام، وقال ابن عبد البر: كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين يدور عليهم الفتوى، وكان عالمًا فاضلًا مقدمًا في الفقه تقيًا شاعرًا محصنًا، لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا فيما علمت فقيه أشعر منه، ولا شاعر أفقه منه، مات سنة 94 هـ أو بعدها.
(حدثه (2) عن عمار بن ياسر أنه كان يحدث) أي يروي لتلامذته من التابعين (أنهم) أي الصحابة (تمسحوا) أي تيمموا (وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد (3) لصلاة الفجر) أي لأدائها، (فضربوا) بيان لتمسحوا (بأكفهم
(1) وفي نسخة: "أخبرني".
(2)
قال ابن رسلان: هو منقطع لأن عبيد الله لم يدرك عمارًا، ورواه ابن ماجه عن عبيد الله عن أبيه عن عمار وهو متصل، قلت: وستأتي رواية عبيد الله عن ابن عباس عن عمار، وقال ابن العربي (1/ 239): ومن الغريب اتفاقهم على حديث عمار مع ما فيه الاضطراب والنقص والزيادة وغير ذلك. (ش).
(3)
اختلف أهل التفسير في المراد بالصعيد، قال ابن رسلان: الأكثرون على أنه التراب، وقال آخرون: هو جميع ما على الأرض، فلذا اختلفت الفقهاء في اشتراط التراب للتيمم، قال به الشافعي وأبو يوسف، ولم يقله الإِمام ومالك، وهما قولان لأحمد، كذا في "الأوجز"(1/ 577). (ش).
الصَّعِيدَ، ثُمَّ مَسَحُوا وُجُوهَهُمْ (1) مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إِلَى الْمَنَاكِبِ وَالآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ". [ن 314، جه 566، حم 4/ 320، ق 1/ 208]
===
الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة) بطريق الاستيعاب، (ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى) أي ضربة أخرى، (فمسحوا بأيدهم كلها إلى المناكب والآباط) بالمد جمع إبط (من بطون أيديهم) من للابتداء أي ابتدأوا بالمسح من بطون الأيدي لا من ظهورها كما ذكره الفقهاء في باب الاستحباب، ويمكن أن يقال: المراد بالابتداء ابتداء آلة المسح لا ابتداء الممسوح، فيوافق ما ذكروه في ذلك الباب وهو أقرب للصواب.
قال البغوي في "المعالم": ذهب الزهري إلى أنه يمسح اليدين إلى المنكبين لما روي عن عمار أنه قال: تيممنا إلى المناكب، وذلك حكايه فعله لم ينقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما روي أنه قال: أجنبت فتمعكت، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَه بالوجه والكفين، انتهى إليه.
وقال البيضاوي: اليد اسم للعضو إلى المنكب، وما روي أنه عليه الصلاة والسلام تيمم ومسح يديه إلى مرفقيه، والقياس [على الوضوء] دليل على أن المراد بالأيدي هنا إلى المرافق، انتهى، ويعني بالقياس قياس الفرع على الأصل، والله أعلم، "علي القاري"(2).
وأما رواية الآباط فقال الشافعي رحمه الله وغيره: إن كان ذلك (3) وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكلُّ تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده، فهو ناسخ له،
(1) وفي نسخة: "بوجوههم".
(2)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 91).
(3)
مع الاختلاف في ذلك، ففي الرواية الآتية إلى ما فوق المرفقين. (ش).
319 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ، "قَالَ قَامَ الْمُسْلِمُونَ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ التُّرَابَ، وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا"، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَنَاكِبَ وَالآبَاطَ. قَالَ ابْنُ اللَّيْثِ: إِلَى مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ. [انظر سابقه]
===
وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به (1).
319 -
(حدثنا سليمان بن داود المهري) هو سليمان بن داود بن حماد بن سعد المهري، أبو الربيع، ابن أخي رشدين المصري، قال الآجري: ذكر لأبي داود أبو الربيع ابن أخي رشدين؟ فقال: قل من رأيت في فضله، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن يونس: كان زاهدًا فقيهًا على مذهب مالك، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 253 هـ.
(وعبد الملك بن شعيب، عن ابن وهب نحو هذا الحديث) أي حدث سليمان وعبد الملك عن ابن وهب نحو ما حدث أحمد بن صالح عنه باتحاد المعنى واختلاف اللفظ.
(قال) أي ابن وهب أو كل واحد من سليمان وعبد الملك: (قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا (2) من التراب شيئًا، فذكر) بعد ذكر الاختلاف (نحوه) أي نحو ما تقدم (ولم يذكر المناكب والآباط، قال ابن الليث) أي عبد الملك بن شعيب: (إلى ما فوق المرفقين) أي
(1) وقال ابن رسلان: فيه أنه يستحب الإطالة للغرة والتحجيل في التيمم كما في الوضوء، وهو قول أصحابنا كما هو ظاهر "المنهاج"، فيبلغ إلى الآباط. (ش).
(2)
قال ابن رسلان: يؤخذ منه أنه يجوز التيمم وإن لم يعلق بهما التراب، وبه قال مالك وأبو حنيفة خلافًا للشافعي وأحمد، إذ قالا: لا يجوز إلَّا أن يعلق بالكف من التراب شيء. (ش).
320 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِى خَلَفٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِىُّ
===
مسحوا إلى ما فوق المرفقين، وهذا الحديث منقطع؛ فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر.
وقد أخرج الطحاوي (1) هذا الحديث منقطعًا وموصولًا، فأخرج من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس (2) عن عمار بن ياسر، ومن طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عمار بن ياسر، ومن طريق محمد بن إسحاق وصالح عن الزهري عن عبيد الله عن عبد الله بن عباس عن عمار، ومن طريق مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن أبيه عن عمار.
320 -
(حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذويب الذهلي، الحافظ، أبو عبد الله (النيسابوري) الإِمام، قال أبو حاتم: محمد بن يحيى إمام زمانه وهو ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت مأمون أحد الأئمة في الحديث، وقال ابن خراش: كان محمد بن يحيى من أئمة العلم، وقال الخطيب: كان أحد الأئمة العارفين والحفاظ المتقنين والثقات المأمونين، وقال أبو أحمد الفراء: محمد بن يحيى عندنا إمام ثقة مبرز، وقال أحمد بن سيار: كان ثقة، كتب الكثير ودون الكتب، مات سنة 258 هـ.
(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 111).
(2)
وسيأتي عند المصنف أيضًا بهذا السند، وذكر ابن رسلان أن ابن ماجه أخرجه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار فتأمل، قلت: وإليه أشار المصنف أيضًا كما سيأتي وهو الاضطراب الذي ذكره ابن العربي. (ش). [انظر: "عارضة الأحوذي" (1/ 240)].
فِى آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، أَخْبَرَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
===
(في آخرين)"في" إما بمعنى "مع"، أو معناه: حدثنا محمد بن أحمد ومحمد بن يحيى حال كونهما داخلين في آخرين من المحدثين الذين حدثونا بهذا الحديث، (قالوا) أي محمد بن أحمد ومحمد بن يحيى وآخرون:(نا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وثَّقه ابن معين والعجلي وابن سعد، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 208 هـ.
(نا أبي) هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، قال أحمد: ثقة وأحاديثه مستقيمة، وقال ابن معين: ثقة حجة، وقال العجلي وأبو حاتم: ثقة، وقال صالح جزرة: حديثه عن الزهري ليس بذاك؛ لأنه كان صغيرًا حين سمع من الزهري، قال ابن عدي: هو من ثقات المسلمين، حدث عنه جماعة من الأئمة، ولم يختلف أحد في الكتابة عنه، وقول من تكلم فيه تحامل، وله أحاديث صالحة مستقيمة عن الزهري وغيره، مات سنة 85 هـ.
(عن صالح) بن كيسان المدني أبو حمد، ويقال: أبو الحارث، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، رأى ابن عمر وابن الزبير، وقال ابن معين: سمع منهما، قال حرب: سئل عنه أحمد قال: بخ بخ، وقال أحمد، وابن المديني: صالح أكبر من الزهري، وثَّقه ابن معين، وقال يعقوب بن شيبة: صالح ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: ثقة يعد في التابعين، ووثَّقه النسائي وابن خراش والعجلي.
(عن ابن شهاب، حدثني عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَّسَ بِأُولَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ، فَحَبَسَ النَّاسَ ابْتِغَاءُ عِقْدِهَا ذَلِكَ، حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ!
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذكرُهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم
===
(عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرَّس) والتعريس نزول المسافر آخر الليلة نزلة للاستراحة (بأولات الجيش) وفي رواية البخاري: "بالبيداء (1) وبذات الجيش"، قال العيني: قال أبو عبيد: إن ذات الجيش من المدينة على بريد، قال: وبينها وبين العقيق سبعة أميال، (ومعه عائشة، فانقطع عقد لها) وهو القلادة، وهو كل ما يعقد ويعلق في العنق، قيل: كان ثمنه اثني عشر (2) درهمًا، (من جزع ظفار) بفتح الجيم وسكون الزاي جمع جزعة: خرز يماني، وظفار كقطام اسم مدينة لحمير باليمن، وروي جزع أظفار، والصحيح (3) رواية ظفار كقطام.
(فحبس الناس ابتغاء) أي طلب (عقدها (4) ذلك) أي الساقط (حتى أضاء) أي برق (الفجر وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! ! فأنزل الله تعالى ذكره على رسوله صلى الله عليه وسلم
(1) واختلفوا في أنه كان في طريق مكة أو طريق خيبر، هذا في "الأوجز"(1/ 555)، وأيًّا ما كان فهذه أسماء المياه فيشكل قولهم: ليسوا على ماء إلَّا أن يقال: إن المراد قرب هؤلاء المواضع، ولأجل هذا اختلفت التعبيرات. (ش).
(2)
كذا في "العيني"(3/ 187). (ش).
(3)
وقال ابن رسلان: وروي أظفار، وهو اسم لنوع من الجزع يعرفونه. (ش).
(4)
وقالوا بفقدانه مرتين لاختلاف الروايات "أوجز المسالك"(1/ 554). (ش).
رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الآبَاطِ". [خ 334، م 367، ن 314، ق 1/ 208]
زَادَ ابْنُ يَحْيَى فِى حَدِيثِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِى حَدِيثِهِ: وَلَا يَعْتَبِرُ بِهَذَا النَّاسُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ
===
رخصة التطهر بالصعيد الطيب) أي آية التيمم، (فقام المسلمون) أي الذين كانوا (مع رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا (2) من التراب شيئًا فمسحوا بها) أي بالأيدي التي ضرب بها الأرض (وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط، زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس) أي لا يأخذ (3) الفقهاء في التيمم بهذا القول، وقد عزى البعض هذا القول إلى الزهري كما تقدم.
(قال أبو داود: وكذلك) أي كما رواه صالح بن كيسان
(1) وهل تيمم صلى الله عليه وسلم أيضًا؟ ظاهر اللفظ، نعم، ولكن قال ابن رسلان: قال ابن عبد البر: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت عليه الصلاة إلَّا بوضوء ولا يدفع ذلك إلَّا جاهل أو معاند، وكذا حكاه عنه صاحب "المنهل"(3/ 147). (ش).
(2)
فيه حجة لنا ولمالك كما تقدم. (ش).
(3)
قال الخطابي (1/ 151): لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم المسح ما وراء المرفقين، وفيه نظر لما سيأتي أنه مذهب الزهري والصديق رضي الله عنه، قلت: ويشكل على هذا قول الزهري "لا يعتبر به الناس"، فتأمل. (ش).
رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَذَكَرَ ضَرْبَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ يُونُسُ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ: ضَرْبَتَيْنِ.
===
(رواه ابن إسحاق) أي محمد (قال فيه: عن ابن عباس) أي أدخل في السند بين عبيد الله بن عبد الله وعمار بن ياسر عبد الله بن عباس، وأخرج رواية صالح وابن إسحاق الإِمام الطحاوي (1)(وذكر) أي ابن إسحاق (ضربتين) ولكن كلام الطحاوي يومئ إلى خلاف ما قال المصنف، فإن كلام المصنف يدل على أن صالح بن كيسان ذكر ضربة واحدة وخالفه ابن إسحاق فذكر ضربتين.
وأما الطحاوي فأخرج رواية ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمار قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية التيمم فضربنا ضربة واحدة للوجه، ثم ضربنا ضربة واحدة لليدين إلى المنكبين ظهرًا وبطنًا. ثم أخرج رواية صالح بن كيسان عن ابن شهاب، وقال، فذكر بإسناده مثله، وكلام الطحاوي هذا يدل على أن صالحًا أيضًا ذكر في روايته ضربتين على وفق ما ذكره ابن إسحاق.
(كما ذكره) أي الضربتين (يونس) وقد تقدمت رواية يونس عن ابن شهاب موصولة من المصنف، (ورواه معمر عن الزهري ضربتين)(2) أي كما رواه ابن إسحاق ويونس.
(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 110)، وأخرجه أيضًا أبو يعلى في "مسنده"(3/ 199) رقم (1630)، والبزار في "مسنده"(4/ 221) رقم (1384)، والطيالسي في "مسنده"(ص 88) رقم (637).
(2)
رواية معمر عن الزهري وصلها عبد الرزاق (1/ 213) رقم (827)، ومن طريقه أحمد (4/ 320)، وأبو يعلى (3/ 200) رقم (1632)، وابن عبد البر في "التمهيد"(19/ 285).
وَقَالَ مَالِكٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ
===
(وقال مالك: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه (1) عن عمار) أخرجه الطحاوي (2) كما قدمنا، وزاد مالك فيه: عن أبيه، ولم يذكر ضربتين. (وكذلك) أي مثل ما قال مالك بزيادة عن أبيه في السند (قال أبو أويس)(3) هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أبو أويس المدني، ابن عم مالك، وصهر على أخته، قال أبو داود عن أحمد: ليس به بأس، أو قال: ثقة، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: صالح ولكن حديثه ليس بذاك الجائز، وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: ليس بقوي، وقال مرة: ابن أويس وابنه ضعيفان، وعن ابن معين: أبو أويس مثل فليح فيه ضعف، وقال إبراهيم بن جنيد عن ابن معين: ضعيف، وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا، وقال عمرو بن علي: فيه ضعف وهو عندهم من أهل الصدق، وقال النسائي: مدني ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج وليس بالقوي، وقال الخليلي: منهم من رضي حفظه ومنهم من يضعفه، وهو مقارب الأمر، وقال ابن عبد البر: لا يحكي عنه أحد جرحة في دينه وأمانته، وإنما عابوه بسوء حفظه، وقال الحاكم أبو عبد الله: قد نسب إلى كثرة الوهم، مات سنة 167 هـ.
(1) رجَّح الزيلعي رواية أبيه على الرواية التي ليس فيها الواسطة، وذكر الترجيح في واسطة ابن عباس وأبيه. [انظر:"نصب الراية"(1/ 156)]. (ش).
(2)
(1/ 110)، وأخرجه أيضًا النسائي (1/ 168) رقم (315)، وابن حبان (4/ 134) رقم (1310)، وابن عبد البر (19/ 283)، والبيهقي (1/ 208).
(3)
رواية أبي أويس أخرجها أبو يعلى في "مسنده"(3/ 199) رقم (1631).
عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَشَكَّ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وقَالَ فيه مَرَّةً: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، اضطرب فيه، وَمَرَّةً (1) قَالَ: عَنْ أَبِيهِ، وَمَرَّةً قَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ اضْطَرَبَ فيه (2) وَفِى سَمَاعِهِ عنَ (3) الزُّهْرِىِّ (4)،
===
(عن الزهري، وشك فيه ابن عيينة) أي سفيان (وقال فيه مرة: عن عبيد الله عن أبيه، أوعن عبيد الله عن ابن عباس)، فالشك والتردد إنما وقع منه في لفظ "عن أبيه" وفي لفظ "عن ابن عباس"، يعني أن عبيد الله بن عبد الله في حديثه روى عن أبيه عبد الله بن عتبة، أو عن عبد الله بن عباس، وهذا بيان للشك، و (اضطرب فيه و) هذا بيان الاضطراب بأنه (مرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس).
وحاصل هذا الكلام أن سفيان بن عيينة روى هذا الحديث مرة بالشك في لفظ "عن أبيه وعن ابن عباس" بين عبيد الله وبين عمار بأنه قال في سنده عن الزهري: عن عبيد الله عن أبيه عن عمار، أو عن ابن عباس عن عمار بن ياسر، واضطرب فيه مرة أخرى فروى مرة عن الزهري، عن عبيد الله عن أبيه عن عمار، وروى مرة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمار.
(اضطرب فيه)(5) أي في سند الحديث يذكر عن أبيه مرة، ويذكر عن ابن عباس مرة أخرى (وفي سماعه) أي واضطرب ابن عيينة في سماعه (عن الزهري). قال البيهقي في
(1) وفي نسخة: "قال: مرة".
(2)
وفي نسخة: "اضطرب فيه ابن عيينة".
(3)
وفي نسخة: "من".
(4)
زاد في نسخة: "شك".
(5)
تأكيد للأول إن كانت الواو بعده صحيحة والأوجه النسخة التي بدون الواو، واضطرب فيه في سماعه
…
إلخ، فهذا اضطراب ثانٍ. (ش).
وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (1) الضَّرْبَتَيْنِ إِلَّا مَنْ سَمَّيْتُ.
321 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ؟
===
"سننه"(2): وأما سفيان بن عيينة فإنه شك في ذكر أبيه في إسناده، ورواه مرة عن ابن دينار عن الزهري، ومرة عن الزهري نفسه (ولم يذكر أحد منهم) أي من أصحاب الزهري (الضربتين إلَّا من سميت)، فعلى قول المصنف الذين ذكروا الضربتين عنه ثلاثة من أصحاب الزهري: يونس وابن إسحاق ومعمر، ولم يذكره غيرهم من أصحابه، وهذا الحصر منقوض بقول البيهقي: وحفظ فيه معمر ويونس ضربتين كما حفظهما ابن أبي ذئب.
وقد تقدم أن الطحاوي قال: إن صالح بن كيسان روى عن الزهري مثل ما روى ابن إسحاق ضربتين فصاروا خمسة، فعلم بذلك أن الحصر استقرائي.
321 -
(حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، نا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش) هو سليمان، (عن شقيق) أبي وائل، (قال) أي شقيق:(كنت جالسًا بين يدي عبد الله) أي ابن مسعود (وأبي موسى الأشعري، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود، (أرأيت) أي أخبرني (لو أن رجلًا أجنب) أي صار جنبًا (فلم يجد الماء شهرًا، أما كان يتيمم؟ )، وكأنه بلغه أن ابن مسعود يقول
(1) زاد في نسخة: "في هذا الحديث".
(2)
"السنن الكبرى"(1/ 208).
فَقَالَ (1): لَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (2)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِى هَذَا (3) لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ.
===
باختصاص التيمم بالمحدث، ولا يجيز التيمم للجنب، فجرى بينهما الكلام في هذه المسألة.
(قال: لا) أي لا يتيمم، وفي رواية البخاري:"فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء"(وإن لم يجد الماء شهرًا) فلا يتيمم ولايصلي؛ فإنه فاقد الطهورين لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلَّا بطهور".
(فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فإن هذه الآية تدل على جواز التيمم للجنب، لأن قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} كناية عن الجماع (فقال عبد الله) أي ابن مسعود: (لو رخص لهم) أي للناس عامة (في هذا) أي في التيمم للجنب (لأوشكوا)(4) أي لأسرعوا (إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد).
قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه الملازمة بين الرخصة في تيمم الجنب وتيمم المتبرد، حتى صح أن يقال: لو رخصنا لهم في ذلك لكان إذا وجد أحدهم البرد تيمم؟ قلت: الجهة الجامعة بينهما اشتراكهما في عدم
(1) وفي نسخة: "فقال".
(2)
سورة المائدة: الآية 6.
(3)
وفي نسخة: "هذه".
(4)
فيه رد على من قال: إن "أوشك" لا يستعمل ماضيًا بل مضارعًا فقط، كذا قال ابن رسلان. (ش).
فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِهَذَا (1)؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِى الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا» ، فَضَرَبَ (2) بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ
===
القُدْرة على استعمال الماء، لأن عدم القدرة إما بفقد الماء وإما بتعذر الاستعمال، انتهى، نقله العيني (3).
(فقال له أبو موسى: وإنما) بتقدير همزة الاستفهام (كرهتم هذا) أي التيمم للجنب (لهذا؟ ) أي لأجل هذا المعنى (قال: نعم، فقال له) أي لعبد الله (أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت) أي صرت جنبًا، (فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة (4)، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) أي الشأن والقصة من التمرغ في الصعيد لغرض التيمم من الجنابة (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بيده على الأرض)، وفي رواية البخاري: "فضرب النبي صلى الله عليه وسلم
(1) وفي نسخة: "لذا".
(2)
وفي نسخة: "وضرب".
(3)
"عمدة القاري"(3/ 232).
(4)
قال ابن رسلان: الظاهر أن اللمس المذكور في الآية لم يكن عنده بمعنى الجماع، فلما رأى الوضوء خاصًا ببعض الأعضاء وبدله التيمم وهو أيضًا خاص بالبعض فقاس عليه أن الغسل هو تعميم البدن بالغسل، فتيمم الجنابة أيضًا يكون كذلك، ثم بسط ابن رسلان الكلام على أن القياس يجوز أم لا، لأن ابن حزم أبطل بهذا الحديث القياس مطلقًا، فارجع إليه. (ش).
فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟ ". [خ 347، م 368، ن 320، ق 1/ 315]
===
بكفيه الأرض"، وفي أخرى له: "وضرب بكفه ضربة على الأرض"، وفي رواية مسلم من طريق أبي معاوية: "ثم ضرب بيديه"، وفي نسخة: "بيده"، ومن طريق عبد الواحد عن الأعمش: "وضرب بيديه إلى الأرض".
(فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين)، وفي رواية البخاري:"ثم نفضهما"، وفي أخرى له:"ونفخ فيهما"، والمراد بضرب الشمال على اليمين، وبضرب اليمين على الشمال مسح اليمين بالشمال ومسح الشمال باليمين على الكفين أي فقط لا على الذراعين.
(ثم مسح وجهه) أي بعد مسح الكفين، وفي رواية البخاري:"ثم مسح بها ظهر كله بشماله أو ظهر شماله بكفه". قال الحافظ في "الفتح"(1): كذا في جميع الروايات بالشك، وفي هذا السياق تقديم مسح الكفين على مسح الوجه، وفي مسلم بالواو لا بلفظ ثم، وهذه الرواية تقتضي على خلاف الترتيب تقديم مسح اليدين على مسح الوجه.
(فقال له عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟ ).
واعلم أنه قد وقع في هذا السياق من الكلام تقديم وتأخير، فإن الظاهر أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه استدل أولًا بقصة عمار
(1)"فتح الباري"(1/ 56).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وعمر رضي الله عنهما فلم يقبله عبد الله، وقال: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار، فكيف يستدل بأمر لم يقنع عمر عليه ولم يقبله، وجواب ابن مسعود هذا وإن لم يكن قاطعًا لاستدلال أبي موسى، لأن عدم قناعة عمر كان لأنه لم يحفظه، فكيف يسقط الاحتجاج بقول من حفظه، ولكن انتقل أبو موسى إلى استدلال آخر قصرًا للبحث وحذرًا عن طول الكلام، فاستدل على مدعاه بالآية التي في سورة المائدة، فقبل عبد الله هذا الاستدلال، وان كان يمكن له أن يقول: المراد بالملامسة غير المجامعة، ولكن اكتفى عبد الله بن مسعود على بيان مذهبه.
وحاصله أنه لا يقول بعدم جواز التيمم للجنب مطلقًا بل هو مسلم عنده أيضًا. وهذا الذي قلته من عدم جوازه كان دفعًا للمفسدة لئلا يتسارع الناس في ذلك إذا برد عليهم الماء أو عرض لهم عذر يسير، فلو رخص لهم في ذلك لاستبقوا إلى التيمم، فلأجل ذلك قلت هذا القول احتياطًا وسدًّا للباب، وقد أخرج البخاري هذا الحديث في "صحيحه" بهذا الترتيب من طريق حفص بن غياث عن الأعمش، عن شقيق، وأما على هذا الترتيب الذي في أبي داود، فلما انقطع البحث بالاستدلال بالآية، ووافق عبد الله أبا موسى في المسألة، فلا معنى بعده للاستدلال بقول عمار.
واعلم أن العلماء بعد ما اتفقوا على مشروعية التيمم للصلاة عند عدم الماء من غير فرق بين المحدث والجنب، وأجمعوا على ذلك، ولم يخالف فيه أحد إلَّا ما حكي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب، وقيل: إن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك، اختلفوا في أن التيمم ضربة واحدة أو ضربتان أو ثلاث ضربات، وفي أن محل المسح في التيمم من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
اليدين إلى الكفين فقط أو إلى المرفقين أو الآباط، ولم يذهب إلى هذا المذهب الأخير إلَّا الزهري.
وقد ذهب في الاختلاف الأول إلى القول الأول عطاء (1) ومكحول والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق، ونقله ابن المنذر (2) عن جمهور العلماء، وهو قول عامة أهل الحديث.
وذهب إلى الثاني من الفقهاء سفيان الثوري ومالك (3) وأبو حنيفة وابن المبارك والشافعي، وبه قال بعض أهل العلم من الصحابة والتابعين منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم النخعي والحسن البصري، وذهب ابن المسيب وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث ضربات، ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين.
احتج الفريق الأول بحديث الباب وبأمثاله من الأحاديث المُجْمَع على صحتها، واستدل الفريق الثاني بالأحاديث الكثيرة التي فيها ذكر الضربتين، والاستدلال بها موقوف على تمهيد عدة مقدمات.
أولاهما: أن عدم ذكر الشيء والسكوت عنه لا يدل على نفيه، وكذا إذا ذكر العدد فهو لا ينفي ما فوقه، لأن مفهوم العدد غير معتبر.
وثانيتها: أن الزيادة إذا ثبتت تقبل ما لم تكن منافية لما ثبت في غيرها من الروايات الثابتة.
وثالثتها: أن الروايات الضعيفة إذا تعددت طرقها اكتسبت قوة وتبلغ
(1) ونقله ابن رسلان عن عامة أصحابهم. (ش).
(2)
ورواية عن مالك، كذا في "الأوجز"(1/ 571). (ش).
(3)
المرجح عند مالك ضربة فرض، وضربتان سنة، كذا في "الأوجز"(1/ 571). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مبلغ الاحتجاج بها، حتى إنها تبلغ مرتبة الشهرة والتواتر، حتى لا يقدح فيها ضعف الرواة.
ورابعتها: أن الحديث إذا رواه ثقة مرفوعًا، ورواه ثقة أو ثقات موقوفًا، فوقفهم الحديث لا يستلزم ضعف الرفع، ولا يستدل به على ضعف المرفوع، فإنه زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة إلَّا أن تدل القرينة على الشذوذ، ولأن الراوي يرويه مرة فيريد أن يحدث به تحديثًا فيرفعها، ويريد أن يفتي به مرة فيوقفها، فلا منافاة في كونه مرفوعًا وموقوفًا، فيصح رفعه ووقفه، فقول بعض المحدثين: فالصواب موقوف في الحديث الذي روي مرفوعًا بطريق صحيح، وكذلك موقوفًا غير موجه.
فإذا تمهدت المقدمات فنقول بحول الله وقوته: إن الأحاديث المثبتة لوحدة الضربة صريحًا لم أجدها في البخاري، ولكن في رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش فقال:"إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه"، وفي نسخة:"بيده إلى الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه"، وهذه الرواية على النسخة التي فيها لفظة "بيده" بالإفراد دليل ظاهر على أن المقصود، والغرض بهذا التيمم بيان صورة الضرب والمسح، لا جميع ما يحصل به التيمم.
وكذلك قوله: "ثم مسح الشمال على اليمين"، فإن الاكتفاء على مسح الشمال على اليمين ظاهر في أن الغرض ليس إلَّا بيان الصورة الإجمالية.
وكذلك ما ورد في هذه الرواية: "وظاهر كفيه"، وكذا في رواية البخاري:"ثم مسح بها ظهر كله بشماله أو ظهر شماله بكفه"، ففي الاكتفاء على مسح ظاهر الكفين على رواية مسلم، وعلى ظهر أحدهما خاصة على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رواية البخاري أصرح دلالة على ما قلنا، وإلَّا فالواجب في المسح أن يكون على ظهر الكف الواحد أو الكفين لا جميع الكفين، لأنه أقل ما ورد فيه في الروايات الصحيحة الصريحة ولم يقل به أحد.
وفي رواية له من طريق عبد الواحد عن الأعمش: فقال: "إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض فنفض يديه"، وأما في البخاري ففيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك هكذا، فَضَرَبَ النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه".
وفي رواية له: فقال: "يكفيك الوجه والكفين"(1)، وفي أخرى له: قال عمار: "فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض فمسح وجهه وكفيه"، وفي أخرى له في باب التيمم ضربة: فقال: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كله بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه"، وفي أخرى له في هذا الباب: فقال: "إنما يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفيه واحدة".
وهذا السياق الأخير للبخاري وإن كان فيه تصريح بالوحدة، ولكن ليس فيه ذكر ضربة ولا ضربتين، فالظاهر أن معناه: ومسح وجهه وكفيه واحدة، أي مسحة واحدة، كما فسر به الحافظ في "الفتح"، وكأن البخاري رحمه الله أخذ بهذا أن المراد من المسحة الواحدة الضربة الواحدة، ولذلك أخرجه في "باب التيمم ضربة".
(1) قوله: "والكفين" بالنصب رواية أبي ذر وكريمة، وفي رواية الأصيلي وغيره "والكفان" بالرفع وهو الظاهر، والأحسن وجه النصب أن تكون "الواو" بمعنى "مع". كذا في "شرح العيني" للبخاري (3/ 214).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلنا: لا نسلم ذلك بل يحتمل أن يكون معناه: ومسح كل واحد من الوجه والكفين مسحة واحدة، لا مسحتين ولا ثلاث مسحات، فحينئذ لا يمكن أن يستدل بهذا على وحدة الضربة، وأما الروايات التي تقدم ذكرها، فلا يجوز أن يستدل بها أيضًا، لأن الروايات التي صرح فيها بالوحدة لا تدل على نفي ما فوقها، وكذلك الروايات التي ليس فيها ذكر الوحدة بل ذكر فيها الضربة كما في البخاري:"وضرب بكفه ضربة"، فهي أيضًا لا يقتضي نفي الزائد إلَّا بطريق المفهوم، والاستدلال بالمفهوم لا تقوم به حجة على الخصم، فبقيت الروايات المثبتة للضربتين سالمة عن المعارضة.
وأما الروايات المثبتة للضربتين، فمنها ما ذكره المصنف وغيره من طريق يونس عن ابن شهاب، عن حديث عمار بن ياسر:"أنهم تمسحوا بأكفهم للصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم"، قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق قال فيه: عن ابن عباس، وذكر فيه ضربتين كما ذكره يونس، ورواه معمر عن الزهري ضربتين، انتهى.
قلت: وكذلك رواه ابن أبي ذئب عن الزهري وفيه: قال عبد الله: "وكان يحدث أن الناس طفقوا يومئذ يمسحون بأكفهم الأرض فيمسحون وجوههم، ثم يعودون فيضربون ضربة أخرى، فيمسحون بها أيديهم إلى المناكب والآباط"، أخرجه البيهقي (1)، وهذه الروايات ظاهرة في أنهم كانوا علموا بالآية أنهم أمروا بالتيمم بمسح الوجه والأيدي، ولكن
(1)"السنن الكبرى"(1/ 208).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لم يعلموا أن المراد بالأيدي كلها من الأنامل إلى المناكب والَاباط أو بعضها، وعلموا أنهم أمروا بضربتين في التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين.
قال الشوكاني (1): وقد روى الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر: "يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين"، وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف وإن كان حجة عند الشافعي.
قلت: قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(2): قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: كان إبراهيم بن أبي يحيى قدريًّا، قيل للربيع: فما حمل الشافعي على أن روى عنه؟ قال: كان يقول: لأن يخرّ إبراهيم من بعد أو من السماء أحب إليه من أن يكذب، وكان ثقة في الحديث، وقال أبو أحمد بن عدي: سألت أحمد بن محمد بن سعيد يعني ابن عقدة فقلت له: تعلم أحدًا أحسن القول في إبراهيم غير الشافعي؟ فقال: نعم، حدثنا أحمد بن يحيى الأودي سمعت حمدان بن الأصبهاني قلت: أتدين بحديث إبراهيم بن أبي يحيى؟ قال: نعم، ثم قال لي أحمد بن محمد بن سعيد: نظرت في حديث إبراهيم كثيرًا وليس بمنكر الحديث، قال ابن عدي: وهذا الذي قاله كما قال، وقد نظرت أنا أيضًا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرًا، إلَّا عن شيوخ يحتملون، وإنما يروي المنكر من قبل الراوي عنه، أو من قبل شيخه، وهو من جملة من يكتب حديثه.
وأيضًا قال الحافظ في ترجمته في موضع آخر: وقال الشافعي في كتاب "اختلاف الحديث": ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي، وقال
(1)"نيل الأوطار"(1/ 340).
(2)
(1/ 159).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أيضًا: قال العجلي: كان قدريًّا معتزليًّا رافضيًّا، وكان من أحفظ الناس، وكان قد سمع علمًا كثيرًا، وقرابته كلهم ثقات، وهو غير ثقة، وقال الذهبي في "الميزان": وقد وثَّقه الشافعي وابن الأصبهاني.
ومنها ما أخرجه الطحاوي (1) وغيره عن أسلع التميمي رضي الله عنه مرفوعًا: حدثنا محمد بن الحجاج قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا أبو يوسف عن الربيع بن بدر قال: حدثني أبي عن جدي عن أسلع التميمي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لي:"يا أسلع قم فارحل لنا" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتني بعدك جنابة فسكت عني، حتى أتاه جبرئيل عليه السلام بآية التيمم فقال لي:"يا أسلع! قم فتيمم صعيدًا طيبًا ضربتين: ضربة لوجهك وضربة لذراعيك ظاهرهما وباطنهما"، الحديث.
قال الشوكاني (2): وفيه الربيع بن بدر وهو ضعيف، وقال البيهقي: الربيع بن بدر ضعيف إلَّا أنه غير متفرد.
ومنها ما روي عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا، فالمرفوع ما أخرجه الدارقطني (3): حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي، ثنا عبد الله بن الحسين بن جابر، ثنا عبد الرحيم بن مطرف، ثنا علي بن ظبيان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين"، كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعًا، ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما، وهو الصواب.
(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 113).
(2)
"نيل الأوطار"(1/ 340).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 180).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلت: قال الشوكاني: وفي إسناده علي بن ظبيان، قال الحافظ: هو ضعيف ضعفه القطان وابن معين وغير واحد، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (1) في ترجمته بعد ما نقل تضعيفه عن جمهور المحدثين: وقال طلحة بن محمد بن جعفر: علي بن ظبيان رجل جليل دَيِّنٌ متواضع حسن العلم بالفقه من أصحاب أبي حنيفة، وكان خشنًا في باب الحكم ولَّاه هارون الرشيد، وأخرج الحاكم في "المستدرك" (2) حديثه في التيمم وقال: إنه صدوق، ثم أخرج رواية يحيى بن سعيد وهشيم عن ابن عمر أنه كان يقول: التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للكفين إلى المرفقين، فهذه الرواية الموقوفة في حكم المرفوع، لأنه لا مدخل فيه للرأي والاجتهاد، أو يقال: إن ابن عمر أفتى من نفسه مرة فلم يرفعه، ورفعه مرة.
ومن المرفوع أيضًا ما أخرجه الدارقطني (3) بسنده من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضربتين: ضربة للوجه والكفين، وضربة للذراعين إلى المرفقين"، ومن طريق سليمان بن أبي داود الحراني عن سالم ونافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"في التيمم ضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين"، قال الدارقطني: سليمان بن أرقم وسليمان بن أبي داود ضعيفان.
ومنها ما روي عن جابر مرفوعًا وموقوفًا، فالمرفوع ما أخرجه الدارقطني بسنده: حدثنا محمد بن مخلد وإسماعيل بن علي وعبد الباقي بن
(1)(7/ 341).
(2)
(1/ 179).
(3)
"سنن الدارقطني"(689 - 690).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قانع قالوا: نا إبراهيم بن إسحاق الحربي، نا محمد بن عثمان (1) الأنماطي، ثنا حرمي بن عمارة، عن عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين"، ثم قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات، والصواب موقوف.
قال الشيخ شمس الحق في "حاشيته على الدارقطني": قوله: رجاله كلهم ثقات، وقال الحاكم أيضًا: صحيح الإسناد، وقال ابن الجوزي في "التحقيق": وعثمان بن محمد متكلم فيه، وتعقبه صاحب "التنقيح" تابعًا للشيخ تقي الدين في "الإِمام"، وقال ما معناه: إن هذا الكلام لا يقبل منه، لأنه لم يبين من تكلم فيه، وقد روى عنه أبو داود وأبو بكر بن أبي عاصم وغيرهما، وذكره ابن أبي حاتم في كتابه ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الذهبي: فيه لين، قال العيني (2): وأخرجه البيهقي أيضًا والحاكم أيضًا من حديث إسحاق الحربي (3)، وقال: هذا إسناد صحيح، وقال الذهبي أيضًا: إسناده صحيح، ولا يلتفت إلى قول من يمنع صحته.
ومنها ما روي عن ابن عمر مرفوعًا فقد أخرج البيهقي (4) وغيره بسنده من طريق محمد بن ثابت العبدي: حدثنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجته إلى ابن عباس فلما أن قضى حاجته كان من حديثه يومئذ قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك المدينة، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من غائط أو بول،
(1) كذا في الأصل، والظاهر بدله عثمان بن محمد. انظر:"سنن الدارقطني"(1/ 18).
(2)
"عمدة القاري"(3/ 210).
(3)
كذا في "العيني"، والظاهر بدله ابن إسحاق. (ش).
(4)
"السنن الكبرى"(1/ 206).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فسلم عليه رجل فلم يرد عليه، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بكفيه فمسح لوجهه مسحة، ثم ضرب بكفيه الثانية فمسح ذراعيه إلى المرفقين"، الحديث.
ثم قال البيهقي: وقد أنكر بعض الحفاظ رفع هذا الحديث على محمد بن ثابت، فقد رواه جماعة عن نافع من فعل ابن عمر، ثم أخرج رواية يزيد بن الهاد أن نافعًا حدثه عن ابن عمر قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، الحديث، فرفعه يزيد بن الهاد كما رفعه محمد بن ثابت، ثم قال البيهقي: فهذه الرواية شاهدة لرواية محمد بن ثابت العبدي إلَّا أنه حفظ فيها الذراعين، انتهى.
ثم قال بسنده إلى عثمان بن سعيد الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين قلت: محمد بن ثابت العبدي، قال: ليس به بأس، كذا قال في رواية الدارمي عنه، وهو في هذا الحديث غير مستحق للتزكية بالدلائل التي ذكرتها، وقد رواه جماعة من الأئمة عن محمد بن ثابت مثل يحيى بن معين ومعلي بن منصور وسعيد بن منصور وغيرهم، وأثنى عليه مسلم بن إبراهيم ورواه عنه، وهو عن ابن عمر مشهور.
قال مولانا الشيخ عبد الحي في "السعاية"(1):
ومنها ما أخرجه أحمد (2) من حديث أبي هريرة: أن قومًا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نسكن الرمال ولا نجد الماء شهرًا أو شهرين، وفينا الجنب والحائض والنفساء، فقال:"عليكم بأرضكم ثم ضرب بيده على الأرض ضربة واحدة، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها على يديه إلى المرفقين".
(2) انظر: "نصب الراية"(1/ 156). و"مسند أحمد"(2/ 278 - 352).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال ابن الهمام في "فتح القدير"(1): وهو حديث يعرف بالمثنى بن الصباح، وقد ضعَّفه أحمد وابن معين في آخرين، ورواه أبو يعلى من حديث ابن لهيعة وهو أيضًا ضعيف، وله طريق آخر في "معجم الطبراني الأوسط"، حدثنا أحمد بن محمد البزار الأصبهاني، ثنا الحسن بن عمارة الحضرمي، ثنا وكيع بن الجراح، عن إبراهيم بن يزيد، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكره، وقال: لا نعلم لسليمان الأحول عن سعيد غير هذا الحديث، انتهى، وفيها إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف أيضًا.
ومنها حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين"، رواه البزار (2) بسنده عن عائشة مرفوعًا. قلت: قال العيني في "شرحه على البخاري"(3): حديث عائشة أخرجه البزار بإسناده عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين"، وفي إسناده الحريش بن الخريت، ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة.
قلت: قال الحافظ في "التهذيب": وقال الدارقطني: يعتبر به، وقال يحيى: ليس به بأس، وقال البخاري في "تاريخه": أرجو أن يكون صالحًا، روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا.
ومنها ما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه أخرجه الطبراني (4)
(1)(1/ 112).
(2)
انظر: "مجمع الزوائد"(1/ 591).
(3)
"عمدة القاري"(3/ 210).
(4)
"المعجم الكبير"(8/ 7959).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بإسناده إليه عن النبي-صلي الله عليه وسلم- قال: "التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين"، وفي إسناده جعفر بن الزبير، قال شعبة: وضع أربع مئة حديث، قلت: قال الحافظ في "التقريب": متروك الحديث، وكان صالحًا في نفسه، وقال في "تهذيب التهذيب": قال أبو داود: من خيار الناس، ولكن لا أكتب حديثه، روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا في مس الذكر.
واستدلوا أيضًا بالكتاب لقوله تعالي: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1)، وأمروا بمسح الوجه واليدين، وفي الغسل لا يجوز استعمال ماء واحد في عضوين في الوضوء، فلا يجوز استعمال تراب واحد في عضوين في التيمم، لأن الخلف لا يخالف الأصل، فإن النص وان لم يتعرض للتكرار نصًّا وهو متعرض له دلالة فلا يقال فيه: إنه إثبات الحكم بالقياس بمقابلة النص، ألا ترى أن استيعاب العضوين (2) بالمسح وإن لم يتعرض له النص، لكن لما كان التيمم بدلًا عن الوضوء والاستيعاب فيه من تمام الركن فكذا في البدل.
وأما الآثار المروية من الصحابة والتابعين في هذا الباب فكثيرة، ولكن لا نطول الكلام بذكرها.
وأما الاختلاف الثاني فقد اختلف في محل المسح في التيمم، قال الأكثرون: هو ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، ومالك والشافعي وأصحابهما، والليث بن سعد، غير أن عند مالك إلى الرسغين فرض، وإلى المرفقين اختيار، وقال
(1) سورة المائدة: الآية 6.
(2)
قال ابن القيم: الاقتصار في التيمم على العضوين في غاية الموافقة للقياس "إعلام الموقعين"(2/ 18). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الحسن بن حي وابن أبي ليلى: ضربتان يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه، وقال الخطابي: لم يقل ذلك أحد من أهل العلم، وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات، ضربة للوجه، وضربة للذراعين، وضربة لهما أخرى جميعًا، حكي ذلك القول في "البدائع"(1).
وقال الزهري (2): يتيمم الآباط، وقالت طائفة من العلماء: يضرب أربع ضربات، ضربتان للوجه وضربتان لليدين، وليس له أصل من السنة، وقال بعض العلماء: يتيمم الجنب إلى المنكبين وغيره إلى الكوعين، وهو قول ضعيف، وفي رواية عن ابن سيرين: ضربة للوجه، وضربة للكفين، وضربة للذراعين.
قال النووي (3): اختلف العلماء في كيفية التيمم، فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا بد من ضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وممن قال بهذا من العلماء علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد الله وسفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة واْصحاب الرأي وآخرون رضي الله عنهم أجمعين-.
وذهبت طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين (4)، وهو مذهب عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وعامة
(1)"بدائع الصنائع"(1/ 165).
(2)
وحكاه ابن رسلان عن ابن المنذر والطحاوي وغيرهما أنه مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. (ش).
(3)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (2/ 295).
(4)
ونقل ابن رسلان عن النووي في "شرح المهذب"(2/ 262) أنه الأقوى دليلًا، وهو قول قديم للشافعي. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أصحاب الحديث، قلت: وأهم ما يعتنى به من هذه الأقوال المذكورة في هذا الباب قولان، القول الأول ما قاله أصحابنا الحنفية وأكثر الفقهاء، والقول الثاني ما قاله أصحاب الحديث وغيرهم.
واستدل الفريق الثاني بما رواه عمار في حديثه: "ثم مسح بهما وجهه وكفيه"، وأيضًا في قصة عمار فقال:"يكفيك الوجه والكفان".
قال الحافظ في "الفتح"(1): إن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فاما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملًا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في "الصحيحين"، وبذكر المرفقين في "السنن"، وفي رواية "إلى نصف الذراع"، وفي رواية "إلى الآباط"، فأما رواية المرفقين وكذا نصفط الذراعين ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره بالحجة فيما أمر به.
قال العيني (2): قلت: قوله: لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، غير مسلَّم، لأنا قد ذكرنا أنه روي فيه عن جابر مرفوعًا:"إن التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين"، وأن الحاكم قال: إسناده صحيح، وأن الذهبي قال: إسناده صحيح، ولا يلتفت إلى قول من يمنع صحته، فإن قلت: رواه جماعة موقوقًا، قلت: الرفع أقوى وأثبت، لأنه أسند من وجهين.
(1)"فتح الباري"(1/ 444).
(2)
"عدة القاري"(3/ 211).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فقوله: أما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملًا، غير صحيح، ولا يطلق عليه حد الإجمال، بل هو مطلق يتناول إلى الكفين وإلى المرفقين وإلى ما وراء ذلك، ولكن رواية الدارقطني في هذا الحديث خصصته وفسرته بقوله:"فمسح بوجهه وذراعيه"، فإن قلت: هذا القائل لم يرد الإجمال ألاصطلاحي، بل أراد الإجمال اللغوي، قلت: إن كان كذلك، فحديث الدارقطني أوضحه وكشفه كما ذكرنا، انتهى.
قلت: قد ذكرنا فيما تقدم أن حديث عمار اختلفت ألفاظه فيما رواه البخاري ومسلم، ففي رواية عن عمار: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه"، وفي أخرى له: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يكفيك الوجه والكفين"، وفي هذين الحديثين ذكر الوجه والكفين، وفي أخرى له: ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كله بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه"، وفي رواية له: قال عمار: "فضرب النبي-صلي الله عليه وسلم- بيده الأرض فمسح وجهه وكفيه".
فاختلفت روايات البخاري في أن آلة المسح من رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كانت واحدة أو ثنتين؟ فالرواية التي فيها "فضرب بكفيه" تدل على أن آلة المسح من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كفيه، والرواية التي فيها ضرب النبي -صلي الله عليه وسلم- بيده أو ضرب بكفه تدل على أن آلة المسح من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت واحدة، ومثل ذلك الاختلاف وقع الاختلاف في محل المسح أيضًا، وفي بعضها:"مسح وجهه وكفيه"، وفي بعضها:"مسح ظهر كفه بشماله"، أو "ظهر شماله بكفه".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فيفهم من هذه الروايات أن أدنى ما يكفي المتيمم من المسح أن يمسح بيد واحدة على ظهر الكفين؛ ظهر كف اليمين بالشمال، وظهر كف الشمال باليمين، بل رواية لفظ "أو" تدل على أن أدنى الكفاية أن يمسح بيد واحدة ظهر كف إحدى يديه اليمين أو الشمال.
وأما الروايات التي ورد فيها مسح الكفين، فيمكن أن يؤؤَّل بحذف المضاف أي وظهر كفيه، أو يقال: إن أدنى ما يكفي في التيمم من المسح هو المسح بيد واحدة على ظهر الكفين أو على ظهر كف واحد، وأما مسح الكفين جميعهما ظهرًا وبطنًا فاختيار، فليت شعري أي شيء حملهم على أنهم تركوا هذه الروايات الصريحة الصحيحة، وأوجبوا مسح الكفين ظاهرًا وباطنًا، فلو اعتذروا أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك الفعل وكان غرضه بيان صورة الضرب لا بيان جميع ما يحصل به التيمم، فهذا هو قول المخالفين، ويثبت أن يلزم مسح الذراعين إلى المرفقين، وإلَّا فلا يثبت لزوم المسح على الكفين ظاهرًا وباطنًا.
وأما الفريق الثاني فاستدلوا على أن التيمم يلزم فيه المسح على الوجه واليدين إلى المرفقين، واستدلوا بأحاديث كثيرة، منها حديث أبي الجهيم بن الحارث الصمة الأنصاري أخرجه مسلم وأبو داود (1) بلفظ:"فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام"، وهذا لفظ مسلم وأبي داود، وأخرجه الدارقطني والبيهقي (2) من طريق الليث ولفظه:"فمسح بوجهه وذراعيه ثم رد عليه السلام".
ثم بعد إخراج رواية الليث المتقدمة، قال البيهقي (3): أخبرنا
(1)"صحيح مسلم"(114)، و"سنن أبي داود"(329).
(2)
"سنن الدارقطني"(671)، و"السنن الكبرى"(1/ 205).
(3)
"السنن الكبرى"(1/ 205).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أبو زكريا بن إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعي، ثنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث، عن الأعرج، عن ابن الصمة قال:"مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يبول، فسلمت عليه فلم يرد عليَّ، حتى قام إلى جدار، فحَتَّه بعصًا كانت معه، ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه، ثم ردَّ عليَّ"، هذا شاهد رواية أبي صالح كاتب الليث إلَّا أن هذا منقطع، لأن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج لم يسمع من ابن الصمة، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قد اختلفت الحفاظ في عدالتهما، إلَّا أن لروايتهما بذكر الذراعين فيه شاهدًا من حديث ابن عمر.
قلت: وإبراهيم بن محمد هذا وإن تكلم فيه أهل الحديث لكن وثَّقه الشافعي وابن الأصبهاني وابن عقدة، وقد تقدم ذكره، وعبد الرحمن بن معاوية هذا، قال الذهبي في "الميزان" (1): قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي قال: أبو الحويرث روى عنه سفيان وشعبة، فقلت: إن بشر بن عمر زعم أنه سأل مالكًا عنه، فقال: ليس بثقة فأنكره، ثم قال: لا، قد حدث عنه شعبة، وروى عثمان بن سعيد وغيره، عن ابن معين: ثقة.
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(2): وقال بشر بن عمر عن مالك: ليس بثقة، وقال عبد الله بن أحمد: أنكر أبي ذلك عن قول مالك، وقال: قد روى عنه شعبة وسفيان، ونقل ابن عدي في ترجمته من طريق أحمد بن سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: ثقة، وكذا من طريق عثمان الدارمي عن يحيى، وقال العقيلي: وثَّقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"،
(1) رقم الترجمة: (5912).
(2)
(6/ 272).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال أبو الجويرية: ونقل ذلك الحاكم أبو أحمد عن البخاري، ثم قال: وهو وهم، ولم يتكلم فيه البخاري بشيء.
وأيضًا أخرج الدارقطني (1): حدثنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن إبراهيم المروزي، ثنا محمد بن خلف بن عبد العزيز بن عثمان بن جبلة، ثنا أبو حاتم أحمد بن حمدويه بن جميل بن مهران المروزي، ثنا أبو معاذ، ثنا أبو عصمة، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي جهيم، وفيه:"فضرب الحائط بيده ضربة فمسح بها وجهه، ثم ضرب بها أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين، ثم رد عليَّ السلام"، قال أبو معاذ: وحدثني خارجة عن عبد الله بن عطاء، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي جهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
فهذه الروايا التي أخرجها الدارقطني وفيها ذكر مسح الذراعين تدل على أن ما وقع في رواية مسلم وأبي داود وغيرهما من رواية أبي الجهيم بلفظ: "فمسح بوجهه ويديه"، محمول على الذراعين لا على الكفين.
ومنها حديث ابن عمر الذي أخرجه أبو داود (2) وغيره من طريق محمد بن ثابت العبدي ولفظه: قال: "مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك، وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة، فضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب بهما ضربة أخرى ومسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام"، قال أبو داود: روى محمد بن ثابت حديثًا منكرًا في التيمم لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)"سنن الدارقطني"(1/ 177).
(2)
ح (330).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الشوكاني (1): وقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وأحمد، قلت: قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(2): قال محمد بن سليمان: لُوَيْنٌ، وأحمد بن عبد الله العجلي: ثقة، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين يكتب حديثه. وقال الذهبي في "الميزان"(3): وروى معاوية بن صالح عن يحيى: ليس به بأس، ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير، يعني أنه عليه الصلاة والسلام تيمم لرد السلام، والصواب موقوف.
قال البيهقي (4): قد أنكر بعض الحفاظ رفع هذا الحديث على محمد بن ثابت العبدي، فقد رواه جماعة عن نافع من فعل ابن عمر، والذي رواه غيره عن نافع من فعل ابن عمر إنما هو التيمم فقط، فأما هذه القصة فهي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - مشهورة برواية أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة وغيره، وثابت عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا مر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلم فلم يردّ عليه، إلَّا أنه قصر بروايته، ورواه يزيد بن الهاد أتم من ذلك.
ثم قال البيهقي: وفعل ابن عمر التيمم على الوجه والذراعين إلى المرفقين شاهد لصحة رواية محمد بن ثابت.
ومنها حديث جابر رضي الله عنه أخرجه الدارقطني (5) مرفوعًا
(1)" نيل الأوطار"(1/ 240).
(2)
(9/ 85).
(3)
(3/ 495).
(4)
"السنن الكبرى"(1/ 206).
(5)
"سنن الدارقطني"(1/ 181).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بسنده عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين"، ثم قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الحاكم.
وقال العلامة العيني (1): قال الذهبي أيضًا: إسناده صحيح، ولا يلتفت إلى قول من يمنع صحته، وهذا حديث صحيح صريح في إثبات الدعوى، ولو لم يكن هذا الحديث الصحيح الصريح بأيدي الفريق الأول لكانت الأحاديث الضعاف التي تكلم فيه كافية في إثبات الدعوى، لأن لمجموعها قوة تكفي في إثبات الدعوى.
واستدلوا أيضًا بالكتاب (2) بقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (3)، فإن الله تعالى أمر بمسح اليد، فلا يجوز التقييد فيه إلَّا بدليل، وقد ورد في التقييد أحاديث مختلفة، فأدنى التقييد الذي ورد فيه هو ظهر الكف الواحد ثم الكفين والثالث إلى المرفقين.
فأما التقييد بالأولين فيحتمل أن يكون لأجل بيان صورة الضرب، ويحتمل أن يكون لأجل بيان ما يحصل به جميع الفعل، فلما كان مبناه على الاحتمال لم يبق الاستدلال، ولا يصح الاحتجاج به، وبقي التقييد بالمرفق، وليس فيه احتمال يمنع الاستدلال، فيؤخذ به، وهو الأشبه بالقياس؛ لأن المرفق جعل غاية للأمر بالغسل في الوضوء، والتيمم بدل
(1)"عمدة القاري"(3/ 211).
(2)
واستدل ابن العربي بالقرآن على خلافه، ونقله عن ابن عباس رضي الله عنهما. (ش) [انظر:"العارضة"(1/ 240)].
(3)
سورة المائدة: الآية 6.
322 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا (1) سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ،
===
عن الوضوء، والبدل لا يخالف المبدل، وذكر الغاية هناك يكون ذكرًا هاهنا بالقياس ودلالة النص، وقد قام دليل الإجماع في إسقاط ما وراء المرفقين، فسقط وبقي ما دونهما على الأصل.
قال الخطابي (2): وقد يقول من يخالف في هذا: لو كان حكم التيمم حكم الطهارة بالماء لكان التيمم على أربعة أعضاء، فيقال له: إن العضوين المحذوفين لا عبرة بهما، لأنهما إذا سقطا سقطت (3) المقايسة عليهما، فأما العضوان الباقيان فالواجب أن يراعى فيهما حكم الأصول، ويستشهد لهما بالقياس، ويستوفى شرطه في أمرهما كركعتي السفر قد اعتبر فيهما حكم الأصل، وإن كان الشطر الآخر ساقطًا.
322 -
(حدثنا محمد بن كثير العبدي، نا سفيان) بن سعيد الثوري، (عن سلمة بن كهيل) بن حصين الحضرمي، أبو يحيى الكوفي، قال أحمد: سلمة بن كهيل متقن الحديث، ووثَّقه ابن معين والعجلي وابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وكان يتشيَّع، أتى سلمة بن كهيل زيد بن علي بن الحسين، لما خرج فنهاه عن الخروج وحذَّره من غدر أهل الكوفة، فأبى فقال له: أتأذن لي أن أخرج من البلد؟ فأذن له، فخرج إلى اليمامة، مات سنة 121 هـ.
(عن أبي مالك)، قال البيهقي (4): هو حبيب بن صهبان الكاهلي
(1) وفي نسخة: "أنا".
(2)
"معالم السنن"(1/ 152).
(3)
وفي الأصل: "أسقطنا"، وفي "المعالم":"سقطت" بدل "أسقطنا".
(4)
"السنن الكبرى"(1/ 210).
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّا نَكُونُ بِالْمَكَانِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ
===
عن عبد الرحمن، قال الحافظ: قال ابن سعد: كان ثقة معروفًا قليل الحديث، وقال العجلي: ثقة، روى عن عمر وعمار بن ياسر، وعنه الأعمش والمسيب بن رافع وأبو حصين.
قلت: والذي يظهر لي (1) أن أبا مالك هذا هو غزوان الغفاري الكوفي، قال ابن معين: أبو مالك هو الغفاري كوفي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، لأنه ذكر الحافظ في شيوخ غزوان عبد الرحمن بن أبزى في ترجمة غزوان، وفي من روى عنه سلمة بن كهيل، ولم يذكر في ترجمة حبيب بن صهبان في شيوخه عبد الرحمن بن أبزى، ولا فيمن روى عنه سلمة بن كهيل، وأيضًا حبيب بن صهبان ليس عليه علامة إلَّا (بخ)، كأنه لم يرو عنه أصحاب الكتب الستة إلَّا البخاري في "الأدب المفرد"، وأما غزوان فعليه علامة (خت د ت س) في "التقريب" و"تهذيب التهذيب" و"الخلاصة"، كأنه روى عنه البخاري في التعليق وأبو داود والترمذي والنسائي، والله تعالى أعلم.
(عن عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث، استخلفه نافع بن عبد الحارث على أهل مكة أيام عمر، وقال لعمر: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، ثم سكن الكوفة، مختلف في صحبته، ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين"، وقال البخاري: له صحبة، وذكره غير واحد في الصحابة، وقال أبو حاتم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلَّى خلفه.
(قال: كنت عند عمر) أي ابن الخطاب أمير المؤمنين (فجاءه رجل) لم يسم (2)(فقال: إنا نكون بالمكان الشهر أو الشهرين) أي فتصيبنا
(1) به جزم ابن رسلان، فللَّه الحمد. (ش).
(2)
قاله الحافظ في "الفتح"(1/ 443). (ش).
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ أُصَلِّى حَتَّى أَجِدَ الْمَاءَ. قَالَ: فَقَالَ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا تَذْكُرُ إِذْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِى الإِبِلِ فَأَصَابَتْنَا جَنَابَةٌ، فَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا» ، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ (1) بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَمَّارُ، اتَّقِ اللَّهَ! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا.
===
الجنابة، ولا نجد الماء إلّا قليلًا (قال عمر) رضي الله عنه:(أما أنا فلم كن أصلي حتى أجد الماء) أي إذا أصابتني الجنابة.
(قال: فقال عمار: يا أمير المومنين، أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل) أي في رعيتها في البر (فأصابتنا جنابة) فلم نجد الماء (فأما أنا فتمعكت) أي تمرَّغْت وتقلَّبْت في التراب (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول) أي تفعل (هكذا وضرب بيده إلى الأرض، ثم نفخهما (2)، ثم مسح بهما وجهه وبديه إلى نصف (3) الذراع؟ فقال عمر: يا عمار، اتق الله) أي فيما تقول، ولا أعلم تلك القصة.
(فقال) أي عمار: (يا أمير المومنين، إن شئت والله لم أذكره)(4) أي هذا الأمر (أبدًا) ولفظ "والله" قسم اعترض بين الشرط والجزاء،
(1) وفي نسخة: "مس".
(2)
قال ابن رسلان: استدل به أيضًا على ما تقدم، أن التيمم يجوز بدون الغبار إذ لو كان الغبار مطلوبًا ما نفخ فيه، وأجيب بأنه يحتمل تقليلًا للتراب، انتهى. (ش).
(3)
قال ابن عطية: لم يقل به أحد من العلماء، كذا في "ابن رسلان". (ش).
(4)
لأن طاعتك أولى من إشاعة هذا الخبر، أو لأن التبليغ قد حصل في الجملة، أو لا أذكره، أي: با لإشاعة الفاشلة، "ابن رسلان"، (ش).
فَقَالَ عُمَرُ: كَلَاّ، وَاللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ". [خ 338، م 368، ت 144، ن 312، جه 569، ق 1/ 209]
323 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ:«يَا عَمَّارُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا» ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ إلي الأَرْضَ، ثُمَّ ضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَالذِّرَاعَيْنِ (1) إِلَى نِصْفِ السَّاعِدَ (2)، وَلَمْ يَبْلُغِ الْمِرْفَقَيْنِ: ضَرْبَةً وَاحِدَةً". [انظر تخريج الحديث السابق]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ،
===
(فقال عمر: كلا) حرف ردع، أي: لا أنهاك عن ذكره فلا تمتنع منه (والله لنولينك) أي لنحملنك (من ذلك) أي من تلك القصة (ما توليت) أي ما تحملت به ورضيت له.
323 -
(حدثنا محمد بن العلاء، نا حفص) بن غياث، (نا الأعمش) سليمان بن مهران، (عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبزى) هو عبد الرحمن، (عن عمَّار بن ياسر في هذا الحديث فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا عمار، إنما يكفيك هكذا، ثم ضرب بيديه إلى الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعد، ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة).
(قال أبو داود: ورواه وكيع (3) عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل،
(1) وفي نسخة: "وذراعيه".
(2)
وفي نسخة: "الساعدين".
(3)
أخرج ابن أبي شيبة رواية وكيع في "مصنفه"(1/ 159).
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى. قال: وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، يَعْنِى عَنْ أَبِيهِ.
324 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ -، أَخْبَرَنَا (1) شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ ذَرٍّ،
===
عن عبد الرحمن بن أبزى. قال) أي أبو داود: (ورواه جرير (2) عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، يعني عن أبيه) (3) أراد المصنف بإيراد هذه الروايات أن أصحاب الأعمش اختلفوا فيما بينهم في الرواية عنه فقال: حفص عنه عن سلمة بن كهيل عن ابن أبزى عن عمار، فلم يدخل بين سلمة بن كهيل وبين ابن أبزى أحدًا ولم يسم ابن أبزى، وأما وكيع فروى عنه عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى فوافق حفصًا في ترك الواسطة، ولكن سمى ابن أبزى، وأما جرير فروى عنه عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن، فزاد بين سلمة بن كهيل وبين ابن أبزى سعيد بن عبد الرحمن، وقد تقدم أنه كان في حديث الثوري بين سلمة بن كهيل وابن أبزى واسطة أبي مالك.
324 -
(حدثنا محمد بن بشار، نا محمد - يعني ابن جعفر -، نا شعبة، عن سلمة) بن كهيل، (عن ذر) بفتح معجمة وشدة راء، ابن عبد الله
(1) وفي نسخة: "أنا".
(2)
ورواية جرير أخرجها الدارقطني (1/ 183)، وأبو عوانة (1/ 305)، والبزار (4/ 225) رقم (1386).
(3)
قلت: رواية وكيع في هذه النسخة من "السنن" عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار، وهذه الرواية أخرجها ابن أبي شيبة، فيها عن ابن أبزى عن أبيه عن عمار، فتبين خطأ هذه النسخة، والصواب ذكر "أبيه" في السند، كلما في "تحفة الأشراف" للمزي (10362)، وقد أشار إليه الأستاذ محمد عوامة في تحقيقه للسنن: أن هناك نسخة أخرى بزيادة "أبيه".
عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ:«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ» . وَضَرَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ (1) إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا (2) وَمَسَحَ بِهَا (3) وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. شَكَّ سَلَمَةُ قَالَ: لَا أَدْرِى فِيهِ "إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ - يَعْنِى - أَوْ إِلَى الْكَفَّيْنِ". [انظر سابقه]
===
المرهبي، بضم الميم وسكون الراء وكسر الهاء وموحدة، نسبة إلى مرهبة بطن من همدان، الهمداني، أبو عمرو الكوفي، قال ابن معين والنسائي وابن خراش: ثقة، ووثَّقه ابن نمير، وقال أبو حاتم والبخاري: صدوق، وقال أبو داود: كان مرجئًا، وهجره إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير للإرجاء، وقال أحمد بن حنبل: لم يسمع من عبد الرحمن بن أبزى.
(عن ابن عبد الرحمن بن أبزى) اسمه سعيد بن عبد الرحمن الخزاعي مولاهم الكوفي، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث، (عن أبيه) هو عبد الرحمن بن أبزى، (عن عمار بهذه القصة) أي حدثنا محمد بن بشار بهذه القصة.
(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك، وضرب النبي -صلي الله عليه وسلم- بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه، شك سلمة) وهذا قول شعبة أي قال شعبة بسنده إلى عمار فقال، الحديث (قال) أي سلمة:(لاأدري فيه) أي في هذا الحديث (إلي المرفقين) أي ومسح بها إلى المرفقين (يعني) وضمير الفاعل في "يعني" يرجع إلى سلمة، معناه: أن شعبة لم يحفظ لفظ سلمة الذي تكلم به بعد قوله: "إلى المرفقين"، ولكن حفظ معناه، فقال شعبة: يريد سلمة بما تكلم به بعد قوله: إلى المرفقين (أو إلى الكفين).
(1) وفي نسخة: "بيديه".
(2)
وفي نسخة: "فيهما".
(3)
وفي نسخة: "بهما".
325 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِىُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ - يَعْنِى الأَعْوَرَ -: حَدَّثَنِى شُعْبَةُ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: "ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا (1) وَمَسَحَ بِهَا (2) وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، أَوْ: إِلَى الذِّرَاعَيْنِ. قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ سَلَمَةُ يَقُولُ: الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ. فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ ذَاتَ يَوْمٍ: انْظُرْ مَا تَقُولُ،
===
325 -
(حدثنا علي بن سهل الرملي) ابن قادم، ويقال: ابن موسى الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين وشين معجمة، أبو الحسن الرملي، بفتح راء وسكون ميم، منسوب إلى رملة قرية من فلسطين، نسائي الأصل، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحاكم: كان محدث أهل الرملة وحافظهم، مات سنة 261 هـ.
(نا حجاج - يعني الأعور -) ابن محمد، (حدثني شعبة بإسناده بهذا الحديث) أي الحديث المتقدم، (قال) أي عمار:(ثم نفخ فيها) أي في اليد (ومسح بها) أي باليد (وجهه وكفيه إلى المرفقين أو إلى الذراعين).
غرض المصنف بذكر هذه الرواية أن الرواية الأولى تدل على أن سلمة شك في قوله: "إلى المرفقين أو إلى الكفين"، وهذه الرواية تدل على أنه شك في لفظ:"إلى المرفقين أو إلى الذراعين"، هذا الشك ليس فيه إلَّا اختلاف في اللفظ، وأما الشك الأول ففيه اختلاف في اللفظ والمعنى.
(قال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين) يعني يقول سلمة في حديثه: ومسح بها وجهه وكفيه والذراعين، (فقال له) أي لسلمة (منصور) بن المعتمر (ذات يوم) أي يومًا، ولفظ ذات مقحم: (انظر ما تقول،
(1) وفي نسخة: "فيهما".
(2)
وفي نسخة: "بهما".
فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ". [انظر سابقه]
326 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ فِى هَذَا الْحَدِيثِ (1) قَالَ: فَقَالَ: - يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ إِلَى الأَرْضِ وتَمْسَحَ (2) بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ»
===
فإنه لا يذكر الذراعين غيرك) أي فأنت متفرد في ذكر الذراعين من بين أصحاب ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، فإن كنت على يقين منه فاذكره وإلَّا فلا تذكره، ثم ساق المصنف الحديث من غير طريق سلمة بن كهيل، وهو طريق الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن الذي ليس فيه ذكر الذراعين فقال:
326 -
(حدثنا مسدد، نا يحيى) القطان، (عن شعبة) بن الحجاج، (حدثني الحكم) بن عتيبة، (عن ذر) بن عبد الله، (عن ابن عبد الرحمن بن أبزى) سعيد، (عن أبيه) هو عبد الرحمن بن أبزى، (عن عمار في هذا الحديث قال) أي عمار، وهذا قول عبد الرحمن بن أبزى:(فقال- يعني النبي صلى الله عليه وسلم) زاد لفظ "يعني" لأن عمارًا لم يقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال عمار لفظ "فقال" فقط، فلو لم يزد لفظ "يعني" لتوهم أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم من قول عمار:(إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض وتمسح بهما وجهك وكفيك).
قلت: حديث سلمة عن ذر وحديث الحكم عن ذر كلاهما صحيحان،
(1) وفي نسخة: "بهذا".
(2)
وفي نسخة: "فتمسح".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والفرق بينهما بأن سلمة بن كهيل ذكر في حديثه غاية المسح، فقال:"ومسح بها وجهه وكفيه إلى المرفقين أو إلى الذراعين"، وأما الحكم فلم يذكر غاية المسح في حديثه، وقال:"وتمسح بهما وجهك وكفيك"، فاقتصر على ذكر مسح الكفين ولم يذكر غاية المسح، وزيادة الثقة مقبولة، لأنه لا تنافي بينهما، فإن المسح على المرفقين يشتمل مسح الكفين، وهو متضمنه، فتقبل زيادة سلمة بن كهيل.
فإن قلت: قد شك سلمة في هذه الزيادة كما تقدم من شعبة، قال:"لاأدري فيه إلى المرفقين - يعني - أو إلى الكفين".
قلت: قد تقدم أن القول الصحيح المحقق أن سلمة شك في لفظ الغاية أنها إلى المرفقين أو إلى الذراعين، وأما الشك في لفظ إلى المرفقين أو إلى الكفين فلم يتحقق، فإن الحديث الذي ذكر شعبة فيه ذلك الشك فلفظه:"وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه"، فلا معنى ههنا لقوله:"إلى الكفين"، حتى يقع الشك في لفظ "إلى المرفقين" أو لفظ "إلى الكفين"، ويدل عليه زيادة لفظ "يعني"، فإن زيادة لفظ "يعني" تدل دلالة واضحة على أن سلمة لم يقل: أو إلى الكفين، بل شعبة فهم من كلامه أن الشك واقع في "إلى المرفقين" أو "إلى الكفين"، وفهم شعبة ليس بحجة، والصحيح ما رواه حجاج الأعور عن شعبة، وفيه أن الشك في "إلى المرفقين" أو "إلى الذراعين".
فثبت بهذا التقرير أن سلمة بن كهيل ليس بشاك في المرفقين والكفين، بل هو شاك في المرفقين والذراعين، وهذا الشك لا يضر، لأن هذا الشك واقع في لفظ الغاية بأن لفظ الغاية كان إما المرفقين أوالذراعين، وهذا شك في اللفظ فقط لا في المعنى.
وَسَاقَ الْحَدِيثَ. [انظر سابقه]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَخْطُبُ بِمِثْلِهِ، إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَنْفُخْ. وَذَكَرَ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ فِى هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: "فضَرَبَ بِكَفَّيْهِ إِلَى الأَرْضِ وَنَفَخَ".
327 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ،
===
(وساق الحديث) أي بتمامه، وقد ذكره مسلم في "صحيحه" فقال عمر:"اتق الله يا عمار"، الحديث.
(قال أبو داود: ورواه شعبة، عن حصين، عن أبي مالك) هو غزوان (1) الغفاري (قال: سمعت عمارًا يخطب بمثله) أي بمثل ما تقدم في الحديث من مسح الوجه والكفين (إلَّا أنه قال: لم ينفخ) وكان الحديث المتقدم خاليًا عن ذكر النفخ ونفيه، (وذكر حسين بن محمد) هو حسين بن محمد بن بهرام (2) بكسر موحدة، وقيل بفتحها، التميمي، أبو أحمد، ويقال: أبو علي، المؤدب، المروزي، سكن بغداد، وثَّقه ابن سعد وابن قانع ومحمد بن مسعود وابن نمير والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 213 هـ أو بعدها. (عن شعبة عن الحكم) بن عتيبة (في هذا الحديث) المتقدم (قال: فضرب بكفيه إلى الأرض ونفخ) فزاد ذكر النفخ.
327 -
(حدثنا محمد بن المنهال) التميمي المجاشعي أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله البصري، الضرير، الحافظ، وثقه العجلي وأبو حاتم،
(1) وبه جزم ابن رسلان. (ش).
(2)
هكذا في "شرح ابن رسلان".
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ:"سَأَلْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّيَمُّمِ، فَأَمَرَنِى ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ". [ت 144، دي 745، حم 4/ 263، ق 1/ 210، خزيمة 267]
===
وقال عثمان بن الخرزاذ: أحفظ من رأيت أربعة، فذكره أولهم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ووثفه ابن معين، مات سنة 231 هـ.
(نا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي مصغرًا، (عن سعيد) بن أبي عروبة، (عن قتادة) بن دعامة، (عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، قال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان من الطبقة الثالثة في "الثقات". وأما الحديث الذي روى أبو داود وابن ماجه من طريق عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قصة شبرمة، فوقع عندهما عزرة غير منسوب، وجزم البيهقي بأنه عزرة بن يحيى.
قال الحافظ في "تهذيبه"(1): وعزرة بن يحيى لم أر له ذكرًا في "تاريخ البخاري"، ونقل عن أبي علي النيسابوري أنه قال: روى قتادة أيضًا عن عزرة بن ثابت، وعن عزرة بن عبد الرحمن، وعلى هذا فقتادة روى عن ثلاثة كل منهم اسمه عزرة.
(عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه) عبد الرحمن، (عن عمار بن ياسر قال) أي عمار:(سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم، فأمرني ضربةً واحدةً للوجه والكفين)، وأما من يقول بضربتين فيتأول فيه فأمرني ضربة واحدة للوجه وضربة واحدة للكفين، لما تقدم في رواية عمار في
(1)"تهذيب التهذيب"(1/ 193).
328 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنِ التَّيَمُّمِ فِى السَّفَرِ فَقَالَ: حَدَّثَنِى مُحَدِّثٌ عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» . [انظر سابقه]
===
التيمم بضربتين، وأما تأويل الكفين فبتقدير الغاية أي والكفين إلى المرفقين، لما روي عنه فيما تقدم من قوله: إلى المرفقين أو إلى الذراعين، فما قال البعض من أن فيه دليلًا صريحًا على الاقتصار في التيمم على الوجه والكفين بضربة واحدة، وإن ما زاد على الكفين ليس بضروري، وهذا القول قوي من حيث الدليل غير مستقيم، ومر بحثه فيما تقدم بأنه ورد في الروايات الصحيحة الصريحة الاكتفاء في التيمم بيد واحدة بظهر إحدى اليدين يكون (1) التيمم على الكفين ظهرًا وبطنًا إلَّا بالاختيار وتحصيل الفضل.
328 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا أبان) العطار (قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال) أي قضادة: (حدثني محدث) وعبّر بلفظ المحدث للإشارة إلى أدنى التوثيق، لأنه كان ثقة عنده، فلا يضر جهالته، وقد أخرجه المصنف على سبيل المتابعات، ويحتمل في المتابعات ما لا يحتمل في الأصول كما قد أخرج البخاري، وعن أيوب عن رجل عن أنس بن مالك في الحج بإسناد مجهول، لكنه ذكره على سبيل المتابعة.
(عن الشعبي) عامر بن شراحيل، (عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار بن ياسر أن رسول الله قال: إلى المرفقين)، يعني أنه صلى الله عليه وسلم أمرني ضربة واحدة للوجه والكفين إلى المرفقين، فما ورد في الرواية
(1) كذا في الأصل، والظاهر "فلا يكون"، فليتأمل.