المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(73) باب الوضوء من لحوم الإبل - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٢

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(65) بابٌ: فِى الاِنْتِضَاحِ

- ‌(66) باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا تَوَضَّأَ

- ‌(67) باب الرَّجُلِ يُصَلِّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ

- ‌(68) باب: في تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ

- ‌(69) بابٌ: إِذَا شَكَّ فِى الْحَدَثِ

- ‌(70) بابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ

- ‌(71) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ

- ‌(72) بابُ الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ

- ‌(73) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ

- ‌(74) باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ اللَّحْمِ النِّئِ وَغَسْلِهِ

- ‌(75) بابٌ: في تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ

- ‌(77) بابُ التَّشْدِيدِ فِى ذَلِكَ

- ‌(78) بابٌ: فِى الْوُضُوءِ مِنَ اللَّبَنِ

- ‌(79) باب الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ

- ‌(80) باب الْوُضُوءِ مِنَ الدَّمِ

- ‌(81) بابٌ: في الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌(82) بابٌ: فِى الرَّجُلِ يَطَأُ الأَذَى بِرِجْلِهِ

- ‌(83) بابٌ: في مَنْ يُحْدِثُ فِى الصَّلَاةِ

- ‌(84) بَابٌ: في الْمَذْيِ

- ‌(85) بَابٌ: في الإِكْسَالِ

- ‌(86) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَعُودُ

- ‌(88) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَنَامُ

- ‌(89) بَابُ الْجُنُبِ يَأْكُلُ

- ‌(90) بَابُ مَنْ قَالَ: الْجُنُبُ يَتَوَضَّأُ

- ‌(91) بَابٌ: في الْجُنُبِ يؤَخِّرُ الغُسْلَ

- ‌(92) بابٌ: فِى الْجُنُبِ يَقْرَأُ

- ‌(93) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَافِحُ

- ‌(94) بَابٌ: في الْجُنُبِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ

- ‌(95) بَابٌ: في الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاسٍ

- ‌(97) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ

- ‌(98) بابٌ: فِى مِقْدَارِ الْمَاءِ الَّذِى يُجْزِئُ فِى الْغُسْل

- ‌(99) بَابٌ: في الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(100) بَابٌ: في الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ

- ‌(101) بابٌ: فِى الْمَرْأَةِ هَلْ تَنْقُضُ شَعَرَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ

- ‌(102) بابٌ: فِى الْجُنُبِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِىِّ

- ‌(103) بابٌ: فِيمَا يَفِيضُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْمَاءِ

- ‌(105) بَابٌ: في الْحَائِضِ تَنَاوَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ

- ‌(106) بَابٌ: في الْحَائِضِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ

- ‌(107) بَابٌ: في إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌(110) بَابُ مَنْ قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَة تَدَع الصَّلَاة

- ‌(112) بَابُ مَنْ قَالَ: تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتينِ وتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا

- ‌(113) بابٌ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ مَنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ

- ‌(114) بَابُ مَنْ قَالَ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ

- ‌(115) بَابُ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، وَلَمْ يَقُلْ: عِنْدَ الظُّهْرِ

- ‌(116) بَابُ مَنْ قَالَ: تَغْتَسِلُ بَيْنَ الأَيَّامِ

- ‌(117) بَابُ مَنْ قَالَ: تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌(118) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوُضُوءَ إِلَّا عِنْدَ الْحَدَثِ

- ‌(119) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ والْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ

- ‌(120) بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَغْشَاهَا زَوْجُهَا

- ‌(121) بَابُ مَا جَاءَ فِي وَقْتِ النُّفَسَاءِ

- ‌(122) بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ

- ‌(123) بَابُ التَيَمُّمِ

- ‌(124) بَابُ التَيَمُّمِ في الْحَضَرِ

- ‌(125) بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ

- ‌(126) بَابٌ: إِذَا خَافَ الْجُنُبُ الْبَرْدَ أَيَتَيَمَّمُ

- ‌(127) بَابٌ: فِي الْمَجْرُوحِ يَتَيَمَّمُ

- ‌(128) (بَابٌ: في الْمُتَيَمِّمِ يَجدُ الْمَاءَ بَعْدَمَا يُصَلِّي في الْوَقْتِ)

- ‌(129) بَابٌ: في الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ

- ‌(130) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ في تَرْكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(131) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُسْلِمُ فَيُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ

- ‌(132) بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِلُ ثَوْبَهَا الَّذِي تَلْبَسُهُ في حَيْضِهَا

- ‌(133) بَابُ الصَّلَاةِ في الثَّوْبِ الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ فِيهِ

- ‌(134) بَابُ الصَّلَاةِ في شُعُرِ النِّساءِ

- ‌(135) بَابٌ: في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(136) بَابُ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(137) بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(138) بَابُ الأَرْضِ يُصِيبُهَا الْبَوْلُ

- ‌(139) بَابٌ: في طُهُورِ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَت

- ‌(140) بَابٌ: في الأَذَى يُصِيْبُ الذَّيْلَ

- ‌(141) بَابٌ: في الأَذَى يُصِيْبُ النَّعْلَ

- ‌(142) بَابُ الإِعَادَةِ مِنَ النَّجَاسَةِ تَكُونُ في الثَّوبِ

- ‌(143) بَابٌ: في الْبُزَاقِ يُصِيبُ الثَّوْبَ

الفصل: ‌(73) باب الوضوء من لحوم الإبل

183 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ (1) ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ:"فِى الصَّلَاةِ". [انظر تخريج الحديث السابق]

(73) بابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ

184 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِىِّ،

===

183 -

(حدثنا مسدد قال: ثنا محمد بن جابر، عن قيس بن طلق بإسناده ومعناه) أي روى محمد بن جابر بإسناد حديث عبد الله بن بدر واتحاد معناه، (وقال: في الصلاة) أي زاد في الحديث لفظ: "في الصلاة"، فصار لفظ الحديث هكذا: فقال: "يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره في الصلاة بعد ما يتوضأ"، وقد مرَّ أن محمد بن جابر ضعيف، فالزيادة التي تفرد بها ضعيفة أيضًا.

(73)

(بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإبِلِ)(2)

هل يجب الوضوء من أكلها أم لا؟

184 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (قال: ثنا الأعمش) سليمان بن مهران، (عن عبد الله بن عبد الله الرازي) أبو جعفر، قاضي الري، مولى بني هاشم، أصله كوفي، وثَّقه أبو معمر الهذلي، ويعقوب بن سفيان، وأحمد بن حنبل، والعجلي، وقال

(1) زاد في نسخة: "عن أبيه".

(2)

وقال ابن العربي (1/ 112): حديث لحم الإبل صحيح ظاهر مشهور، وترك الوضوء منه ليس بقوي عندي، انتهى. قلت: والآثار الدالة على ترك الوضوء في "مصنف ابن أبي شيبة"(508 - 513)، وفي "شرح ابن رسلان". (ش).

ص: 64

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا» ؛

===

عبد الله بن أحمد: كانت جدته مولاة لعلي أو جاريته، وذكره ابن حبان وابن شاهين في "الثقات".

(عن عبد الرحمن (1) بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب) بن الحارث الأنصاري الأوسي، يكنى أبا عمارة، ويقال: أبو عمرو، وله ولأبيه صحبة، استصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فلم يشهدها، وأول مشاهده أحد، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة، وسافر معه ثمانية عشر سفرًا، ثم شهد مع علي -رضي الله تعالى عنه - الجمل وصفين وقتال الخوارج، ونزل الكوفة في إمارة مصعب بن الزبير، وأرّخه ابن حبان بأنه مات سنة 72 هـ (2).

(قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل) أي: من أكلها (فقال: توضؤوا منها)(3) أي: من أكلها.

فإن قيل: كيف قدّرتم فعل الأكل، والحديث عام لا تخصيص فيه بفعل دون فعل، وما الدليل على ذلك؟

(1) روى هذا الحديث حمادُ بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه، بسطه في "الغاية". (ش).

(2)

انظر: "أسد الغابة"(1/ 199) رقم (389).

(3)

ويكفي لصرف الحديث عن معناه الشرعي إلى معناه اللغوي أو المجاز وهو الندب، ترك جمهور الصحابة والخلفاء الأربعة العمل بالحديث، ومن شرائط العمل بخبر الواحد ترك الإعراض عنه في الصدر الأول كما بسط في الأصول، وقال ابن رسلان: الحديث يحتمل المعنى اللغوي والشرعي، وهو غسل الكفين والندب والوجوب والأكثرون ذهبوا إلى عدم النقض، انتهى. (ش).

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وأيضًا لو سلمنا أن المراد أكلُها، فلو أكل أحد لحم الجمل نيئًا غير مطبوخ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟ فلو قلتم: إنه ينقض الوضوء، فما الفرق بين الأكل نيًّا وبين مَسِّه بعضو من أعضائه من اليد واللسان، ولو قلتم: إنه لا ينقض الوضوء إلَّا بالنضيج منه، فما الدليل على هذا التخصيص عندكم، والحديث عام يشمل النضيج والنيئ؟

قلنا: قال الشوكاني (1): وقد اختلف في ذلك، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، قال النووي: ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، وابن عباس، وأبو الدرداء، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وجماهير من التابعين، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي وأصحابهم، فإنهم لا يرون الوضوء بأكل لحوم الإبل ولا بمسها، فلا يحتاج إلى الجواب.

وذهب إلى انتقاض الوضوء به (2) أحمدُ بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن المنذر، وابن خزيمة، واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحكى عن أصحاب الحديث مطلقًا، وحكى عن جماعة من الصحابة.

فيمكن الجواب عما ذهبوا إليه بأن الوجوب والحرمة إذا نسب إلى الشيء، فالنسب إليه باعتبار الفعل الذي يتعلق به باعتبار ما هو من أعظم منافعه، فلما نسب وجوب الوضوء إلى لحوم الإبل، وأعظم منافع اللحوم ليس إلَّا الأكل، فنُسِبَ وجوب الوضوء إلى أكلها لا لغيره من الأفعال من المسِّ وغيرها.

(1)"نيل الأوطار"(1/ 260).

(2)

ولو نيئًا، لكن باللحم فقط لا الكبد والطحال وغيرها، كذا في "نيل المآرب"(1/ 69). (ش).

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ويمكن الجواب عن الثاني بأنه لما علم تخصيصه بالأكل، والأكل لا يتحقق عرفًا إلَّا بالنضيج، ولا يُؤْكل نيئه عادة، فيختص حكم وجوب الوضوء بالنضيج ضرورة، والله أعلم، واحتج القائلون بالنقض بهذا الحديث وبأمثاله.

وأما القائلون بعدم النقض فاحتجوا بحديث جابر رضي الله عنه الذي أخرجه الأربعة (1) أنه قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" أي تحقق الأمران: الوضوء والترك، وكان الترك آخر الأمرين، فارتفع الوضوء أي وجوبه.

ولهذا قال الترمذي: وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مسّت النار، ولما كانت لحوم الإبل داخلة فيما مسّت النار، وكانت فردًا من أفراده، ونُسِخ وجوبُ الوضوء عنه بجميع أفراده، استلزم نسخ الوجوب عن هذا الفرد أيضًا.

فما قال النووي: لكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، مندفع، لأنا لا نسلم كونه منسوخًا بحيث إنه خاص، بل لأنه فرد من أفراد العام الذي نسخ، فإذا نسخ العام وهو وجوب الوضوء مما مست النار نسخ جميع أفرادها، ومن أفرادها أكل لحوم الإبِل التي مسته النار، ولو سُلِّمَ كونها خاصًّا، فالعام والخاص عندنا قطعيان متساويان، لا يقدم أحدهما على الآخر، فعلى هذا العام ينسخ الخاص أيضًا.

واعلم أن الشوكاني ذكر ها هنا قاعدة تَبَجَّحَ بذكرها، وحاصلها: أن أحاديث الأمر بالوضوء من لحوم الإبِل لم تشمل النبي صلى الله عليه وسلم لا بالتنصيص

(1) أخرجه أبو داود (192)، والترمذي (1/ 120)، وسنن النسائي (185)، والبيهقي (1/ 106).

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ولا بالظهور، بل هو مختص بالأمة، فلا يصلح تركه صلى الله عليه وسلم للوضوء مما مست النار ناسخًا لها ، لأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا، ولا ينسخه، بل يكون فعله لخلاف ما أمر به أمرًا خاصًا بالأمة دليل الاختصاص به، انتهى.

قلت: والأصل في الشرعيات أن ما ثبت من قوله أو فعله

أو تقريره صلى الله عليه وسلم، فهو عام له ولأمته، وإن كان الخطاب فيه خاصًّا ما لم يقم عليه دليل الاختصاص به صلى الله عليه وسلم أو بأمته، وما دام لم يقم دليل الاختصاص لا يحمل على الخصوص، وها هنا لم يقم دليل الاختصاص، والاستدلال بفعله لخلاف ما أمر به لا يصح، ولا يكون دليلًا على الاختصاص.

ولهذا عَدَّ جمهور الأمة من علماء الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ترك الوضوء مما مسّت النار ناسخًا لما أمر به قبل ذلك من الوضوء مما مسّت النار.

وقال بعضهم: إن المراد من الوضوء غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم.

ويؤيده الروايات التي رويت عن ابن مسعود: أنه جيء بقصعة فيها ثريد ولحم، فأكل ومضمض وغسل أصابعه، ثم قام إلى الصلاة، وكذلك عنه قال: لأن أتوضأ من الكلمة المنتنة أحبُّ إليَّ من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة.

وكذلك روي: أن عثمان رضي الله عنه أكل خبزًا ولحمًا، وغسل يديه، ثم مسح بهما وجهه، ثم صلى ولم يتوضأ.

وكذلك عن ابن عبّاس: أنه أتي بجفنة من ثريد ولحم، فأكل منها،

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وغسل أطراف أصابعه، ولم يتوضأ، أخرجها الطحاوي (1).

فهؤلاء الكبراء من الصحابة لما لم يتوضؤوا من أكل ما مسّته النار وضوءًا اصطلاحيًّا، واكتفوا على الوضوء اللغوي، عُلِمَ بذلك أن المراد بالوضوء ها هنا الوضوء اللغوي لا الاصطلاحي.

نعم، بقي ها هنا أن الذي ورد في الحديث هو الوضوء من لحوم الإبل غير مقيد بأكلها ولا بكونها نيئًا أو نضيجًا، ثم قيّده الشراح بالأكل كما قال النووي في "شرح مسلم"(2)، فاختلف العلماء في أكل لحوم الجزور، وكذلك قال الشوكاني في "النيل"(3) بعد نقل الحديث، وهو يدل على أن الأكل من لحوم الإبل من جملة نواقض الوضوء، وكذلك صرح القاري في "شرح المشكاة" (4): وفيه تأكيد الوضوء من أكل لحم الإبل، وهو واجب عند أحمد، وهذا يقتضي أن يكون المراد باللحم النضيج لا النيِّء، لأن النئ لا يؤكل.

فما قال ابن القيم (5): وأما من يجعل كون لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أو لم تمسه، فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث، يلزم عليه أن يجعله عامًا من الأكل والمس أيضًا، لأن لفظ الحديث كما أنه عارٍ عن كونه مطبوخًا كذلك عارٍ عن قيد الأكل، فلما جعله عامًا شاملًا للمطبوخ وغير المطبوخ، كذلك

(1) انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 67 - 68).

(2)

(2/ 284).

(3)

"نيل الأوطار"(1/ 260).

(4)

"مرقاة المفاتيح"(1/ 336).

(5)

"تهذيب سنن أبي داود"(1/ 106).

ص: 69

وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ:«لَا تَتَوَضَّؤوا مِنْهَا»

===

يلزم عليه أن يجعله عامًا من الأكل والمس، ولا قائل به غير الشيخ ابن القيم ومقلده صاحب "غاية المقصود".

وبالجملة فكما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء بلحوم الإبل، كذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من ألبان الإبل، أخرجه ابن ماجه (1) بسنده عن أسيد بن حضير وعبد الله بن عمرو يرفعانه، يقول:"توضؤوا من ألبان الإبل"، وهذا محمول عند جميع الأمة على شربها بأن يستحب له أن يمضمض ويزيل الدسومة عن فمه، كذلك يستحب له إذا أكل لحم الجزور أن يغسل يده وفمه وينفي الدسومة والزهومة.

(وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا توضؤوا منها)، وفي رواية جابر بن سمرة التي أخرجها مسلم قال:"إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ"، فعلى هذا ما في سياق أبي داود قال:"لا توضؤوا منها" معناه: لا يجب الوضوء من لحوم الغنم، فسياق رواية مسلم يدل على أن المراد الوضوء اللغوي، لأن قوله صلى الله عليه وسلم:"إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" في جواب من سأل عن وجوب الوضوء من لحوم الغنم، لو حمل على الوضوء الاصطلاحي لا يطابق الجواب السؤال.

فإن السؤال لو حمل على وجوب الوضوء لكان جوابه أن يقول: لا، أو يقول: لا تتوضؤوا، كما في سياق أبي داود، فهذا يدل على أن السؤال كان عن استحباب الوضوء اللغوي هل يستحب غسل اليد والفم، فذكر في جوابه كلا الأمرين أي الغسل وعدم الغسل سواء، لأن لحوم الغنم ليس فيها دسومة وزهومة يبقى أثرها بعد الأكل، فقال:"إن شئت فتوضأ"، أي فاغسل اليد والفم، "وإن شئت فلا تتوضأ" أي فلا تغسلهما.

(1)"سنن ابن ماجه" ح (496، 497).

ص: 70

وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِى مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِى مَبَارِكِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» . وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِى مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟

===

فهذه قرينة واضحة على أن المراد بالوضوء الوضوء اللغوي، وهي ترشدك إلى أن الوضوء في لحوم الإبل هو الوضوء اللغوي لا غير، والله أعلم.

(وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل (1)) المبارك جمع مبرك، وهو موضع بروك الإبل، وهو للإبل بمنزلة الربوض للغنم، والاضطجاع للإنسان، والجثوم للطير، كره الصلاة في مبارك الإبل لما لا يؤمن من نفارها، فيلحق المصلي ضرر من صدمته وغيرها، فلا يكون له حضور.

(فإنها من الشياطين)(2)، قال في "القاموس": والشيطان معروف، وكل عادٍ متمرد من حسن أو إنس أو دابة.

(وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ )، والمربض للغنم كالمبرك

(1) اختلف المشايخ في علة المنع فقيل: يستتر بها عند الخلاء، وقيل: أهلها لا ينظفونها، وقيل: إنها لا تستقر في معاطنها، وقيل: لثقل رائحتها الكريهة، والأوجه ما هو المنصوص في علته أنها من الشياطين، فقيل على الحقيقة، وقيل: تشبيهٌ للنفور، ولا يشكل بصلاته عليه الصلاة والسلام على الناقة، فإن كونها من الشياطين لا تقطع الصلاة، فإن نفس الشيطان يسلط على المصلي في الصلاة، ويقول له: اذكر كذا اذكر كذا، فإنه إذا لم يقطع الصلاة نفسه، فكيف يقطع من هو في حكمه، ثم لو صلى فيها، فالجمهور على الكراهة، وأحمد على الفساد، وللجمهور صلاته صلى الله عليه وسلم على الناقة، وما قاله الشافعي: إن الشيطان لا يقطع الصلاة كما ورد في عدة روايات، ولا خلاف في الجواز في المرابض، واختلفوا في البقر بأيهما يلحق "ملخص من الأوجز"(3/ 504). (ش).

(2)

وفي "التقرير": أي يوسوس بالركض والبول وغير ذلك. (ش).

ص: 71

فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا، فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» . [ت 81، جه 494، حم 4/ 288، خزيمة 1/ 21 - 22]

===

للإبل، وأما المعاطن فهو جمع معطن محل العطن، وهو مبرك الإبل حول الماء.

(فقال: صلوا فيها، فإنها بركة). قال الشوكاني (1): والحديث يدل على جواز الصلاة في مرابض الغنم، وعلى تحريمها في معاطن الإبل، وإليه ذهب أحمد بن حنبل فقال: لا تصح بحالٍ، وقال: من صلَّى في عطن إبل أعاد أبدًا، وسئل مالك - رحمه الله تعالى - عمن لا يجد إلَّا عطن إبل قال: لا يصلي فيه، قيل: فإن بسط عليه ثوبًا، قال: لا، وقال ابن حزم: لا تحل في عطن إبل.

وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة، وعلى التحريم مع وجودها، وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة، وذلك متوقف على نجاسة أبوال (2) الإبل وأزبالها، وقد عرفت ما فيه، ولو سلمنا النجاسة لم يصح جعلها علة، لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم، إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها.

وأيضًا قد قيل: إن حكمة النهي ما فيها من النفور، فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها، أو أذى يحصل منها، أو تشوش الخاطر

(1)"نيل الأوطار"(2/ 573).

(2)

وسيأتي حكم بول ما يؤكل لحمه على هامش باب الجنب يتيمم، وأطال صاحب "الغاية" البحث ها هنا في نجاسة الأرواث، واستدل بالحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه، إذ المرابض لا تخلو عنها غالبًا، وعلة النهي عن المعاطن كونها من الشياطين، فعلم أنها طاهرة كلها، وأجاب عنه الحافظ في "الفتح"(1/ 527) فأرجع إليه. (ش).

ص: 72