الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(70) بابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ
178 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى رَوْقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ،
===
(70)
(بَابُ الْوُضُوءِ (1) مِنَ الْقُبْلَةِ)
أي: هل يجب الوضوء إذا قبَّل رجل امرأته أو لا؟
178 -
(حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى) القطان (وعبد الرحمن) بن مهدي (قالا: ثنا سفيان) الثوري، (عن أبي روق)(2) بفتح الراء وسكون الواو بعدها قاف، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي، صاحب التفسير، قال أحمد والنسائي ويعقوب بن سفيان: لا بأس به، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن إبراهيم التيمي) هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب، أبو أسماء الكوفي، قتله الحجاج بن يوسف، ولم يبلغ أربعين سنة، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: ثقة مرجئ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الدارقطني: لم يسمع من حفصة ولا من عائشة، ولا أدرك زمانهما، وقال أحمد: لم يلق أبا ذر، وقال ابن المديني: لم يسمع من علي ولا من ابن عباس، وقال القطان في رواية إبراهيم التيمي عن أنس في القبلة للصائم: لا شيء، لم يسمعه، مات سنة 92 هـ أو بعدها.
(1) وبسط ابن العربي (1/ 124) الكلام عليه، وقال: ليس في الباب حديث ثابت، فليرجع إلى القرآن. (ش).
(2)
لم يذكره أحد بجرح، كذا في "الغاية". (ش).
عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". [ن 170، ت 86، جه 502]
===
(عن عائشة) أم المؤمنين (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ)(1)، وهذا الحديث دليل على أن مس الرجل المرأة غير ناقض للوضوء، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه، إلَّا إذا تباشر الفرجان وانتشرت الآلة وإن لم يُمذ، فقول الشيخين فيه انتقاض الوضوء.
وقال مالك (2): إن كان المس بشهوة يكون حدثًا، وإن كان بغير شهوة بأن كانت صغيرة أو كانت ذا رحم محرم منه لا يكون حدثًا، وهو أحد قولي الشافعي، وفي قولي يكون حدثًا كيف ما كان بشهوة أو بغير شهوة إذا لمس الأجنبية، احتجاجًا بقوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (3)، فالآية صرَّحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء، حيث أوجب به إحدى الطهارتين وهي التيمم، وهو حقيقة في لمس اليد، ويؤيد بقاءه على معناه الحقيقي قراءة {أَوْ لَامَسْتُمُ} فإنها ظاهرة في مجرد اللمس دون جماع.
وقال الآخرون: يجب المصير إلى المجاز وهو أن اللمس مراد به الجماع لوجود القرينة، وهي حديث عائشة رضي الله عنها في التقبيل، وحديثها في لمسها لبطن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحديثها ولفظه:"بئس ما عدلتمونا بالكلب والحمار، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يسجد غمزني فقبضت رجلي" رواه البخاري (4)، وفي رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: "إذا أراد أن
(1) قال صاحب "الغاية": الحديث ضعيف، لكنه مؤيد بروايات عديدة، ثم ذكرها، وبسط في دلائل الفريقين. (ش).
(2)
وكذا قال مالك في مس الأمرد الجميل، وحكي عن أحمد. كذا قاله الشعراني (1/ 142). (ش).
(3)
سورة النساء: الآية 43.
(4)
"صحيح البخاري" رقم الحديث (519).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يوتر مَسَّني برجله"، وفي رواية أبي سلمة عن عائشة: "فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي".
وأجيب بأن في حديث التقبيل ضعفًا، وأيضًا فهو مرسل، ورُدَّ بأن الضعف منجبر بكثرة رواياته، وبأن المرسل عندنا حجة، وبأحاديث لمس عائشة لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وبغمزه رجلها، والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها بقدمه صلى الله عليه وسلم، بما ذكره ابن حجر في "الفتح"(1) من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل، أو على أن ذلك خاص به، تكلف ومخالفة للظاهر.
وأما ما قالوا بأن في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي أخرجه أحمد والدارقطني والترمذي والبيهقي والحاكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ: أمر النبي صلى الله عليه وسلم السائل بالوضوء، وأنه صرح ابن عمر بأن من قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء، وعن ابن مسعود:"القبلة من اللمس، وفيها الوضوء، واللمس ما دون الجماع"، وعن عائشة:"ما كان أو قلَّ يوم إلَّا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فيقبل ويلمس"، وعن أبي هريرة:"اليد زناها اللمس"، وفي قصة ماعز:"لعلك قبَّلت أو لمست"، وروي عن عمر رضي الله عنه:"القبلة من اللمس وتوضؤوا منها".
والجواب عن هذا كله بأن حديث معاذ منقطع، لأن عبد الرحمن لم يسمع من معاذ. وأصل القصة في "الصحيحين" وغيرهما بدون الأمر بالوضوء والصلاة، ولو سُلِّم فيحتمل أن الأمر بالوضوء لأجل المعصية، وقد ورد أن الوضوء من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروج المذي.
(1)"فتح الباري"(1/ 492).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ مُرْسَلٌ،
===
أو هو طلب لشرط الصلاة المذكورة في الآية من غير نظر إلى انتقاض الوضوء وعدمه، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، وأيضًا لا دلالة فيه على النقض، لأنه لم يثبت أنه كان متوضئًا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء، ولا ثبت أنه كان متوضئًا عند اللمس، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد انتقض وضؤوه.
وأما ما رووا عن ابن عمر وابن مسعود وغيرهما فنحن لا ننكر صحة إطلاق اللمس على الجس باليد، بل هو المعنى الحقيقي، ولكنا ندعي أن المقام محفوف بقرائن توجب المصير إلى المجاز.
وأما قولهم: بأن القُبْلَةَ فيها الوضوء، فلا حجة في قول الصحابي، لا سيما إذا وقع معارضاً لما ورد عن الشارع، وقد صرح البحر ابنُ عباس الذي علمه الله تأويل كتابه، واستجاب فيه دعوة رسوله بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع، وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره لتلك المزية.
ويؤيد ذلك قول أكثر أهل العلم أن المراد بقول بعض الأعراب للنبي صلى الله عليه وسلم: "أن امرأته لا ترد يدَ لامس" الكناية عن كونها زانية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلقها، انتهى. "نيل"(1) وغيره ملخصًا.
(قال أبو داود: هو) أي حديث إبراهيم التيمي (مرسل)(2) والمرسل: هو ما سقط من آخره بعد التابعي، وصورته أن يقول التابعي سواء كان صغيرًا أو كبيرًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل صلى الله عليه وسلم كذا،
(1)"نيل الأوطار"(1/ 253).
(2)
قال النسائي (1/ 104): ليس في الباب أحسن من هذا وإن كان مرسلًا. "ابن رسلان". (ش).
وإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ لم يسمع مِنْ عَائِشَةَ (1) شيئًا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وكَذَا (2) رَوَاهُ الْفِرْيَابِىُّ وَغَيْرُهُ.
===
أو فُعِلَ بحضرته صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المشهور وهو المعتمد، قاله الحافظ في "شرح النخبة"(3)، فعلى هذا إطلاق المرسل ههنا مجاز على الاصطلاح، وحكم المرسل أنه ضعيف مردود لا يحتج به عند جماهير المحدثين.
وكذا عند الشافعي - رحمة الله عليه - وكثير من الفقهاء، وأصحاب الأصول، وقال مالك - رحمة الله عليه - في المشهور عنه: إنه صحيح، وقال أبو حنيفة - رحمة الله عليه - وطائفة من أصحابهما وغيرهم من أئمة العلماء كأحمد في المشهور عنه: إنه صحيح محتج به، بل حكى ابن جرير إجماع التابعين بأسرهم على قبوله، وأنهم لم يأت عنهم إنكاره، ولا عن واحد من الأئمة بعدهم "شرح الشرح".
(وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة) رضي الله عنها (شيئًا) أي بلا واسطة (قال أبو داود: وكذا)(4)، أي كما روى يحيى وعبد الرحمن عن سفيان بسنديهما مرسلًا كذا (رواه) أي الحديث (5)(الفريابي وغيره).
قال السمعاني في "الأنساب"(6): الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء، ثم الياء المفتوحة آخر الحروف وفي آخرها الباء الموحدة، هذه النسبة إلى
(1) وفي نسخة: "عن عائشة".
(2)
وفي نسخة: "هكذا".
(3)
انظر: "شرح النخبة" للقاري (ص 400).
(4)
قال في "الغاية": الغرض أن فيه تعريضًا على من وصله. (ش).
(5)
ذكر متابعته في "عقود الجواهر المنيفة"(1/ 66). (ش).
(6)
(3/ 451).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فارياب، هي بلدة بنواحي بلخ، وينسب إليها الفريابي والفاريابي والفيريابي أيضًا بإثبات الياء، خرج منها جماعة من المحدثين والأئمة، وأما المشهور فهو أبو عبد الله محمد بن يوسف الفريابي، سكن قَيْسارِيّة (1) بلدة بساحل الشام، انتهى. وثَّقه ابن معين والعجلي والنسائي وأبو حاتم، قال العجلي: قال بعض البغداديين: أخطأ محمد بن يوسف في مائة وخمسين حديثًا من حديث سفيان، وقال أبو بشر الدولابي، عن البخاري نا محمد بن يوسف: وكان من أفضل أهل زمانه.
قلت: لم أجد رواية الفريابي في شيء من كتب الحديث، وأما رواية غيره فرواية وكيع، وأبي عاصم، ومحمد بن جعفر، وعبد الرزاق، وقبيصة عن سفيان أخرجها الدارقطني في "سننه"(2)، ورواية عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أبي روق، أخرجها البيهقي (3) أيضًا في "سننه" بسنده مرسلًا، وقال الدارقطني: لم يروه عن إبراهيم التيمي غير أبي روق عطية بن الحارث، ولا نعلم حدّث به عنه غير الثوري وأبي حنيفة - رحمة الله عليهما -، فأسنده الثوري عن عائشة رضي الله عنها، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة رضي الله عنها، وكلاهما أرسله، وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ولا من حفصة ولا أدرك زمانهما.
وقال الدارقطني (4): وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن
(1) في الأصل: "فياربة" وهو تحريف، والصواب:"قَيْسَاريّة" كما في "الأنساب".
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 139).
(3)
"السنن الكبرى"(1/ 127).
(4)
وقال أيضًا في "العلل": رواه إبراهيم بن حراشة عن الثوري بسنده فوصله، كذا في "حاشية النسائي". (ش).
179 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ النَّبِىَّ (1) صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ هِىَ
===
الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة، فوصل إسناده، واختلف عنه في لفظه، فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد:"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقبِّل وهو صائم"، وقال عنه غير عثمان:"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ".
قلت: وتكلم البيهقي في حديث عائشة هذا، وقال: والحديث الصحيح عن عائشة في قبلة الصائم، فحمله الضعفاء من الرواة على ترك الوضوء منها، ولو صح إسناده لقلنا به إن شاء الله تعالى، فهذا تضعيف منه للثقات من غير دليل ظاهر، والمعنيان مختلفان، فلا يعلل أحدهما بالآخر "الجوهر النقي"، فلو أنصف لكان عليه أن يبين وجه ضعف رواته، فتضعيف الرواة بلا دليل بعيد من الديانة، والله الموفق.
179 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع) بن الجراح (قال: ثنا الأعمش) سليمان بن مهران، (عن حبيب) بن أبي ثابت، (عن عروة) بن الزبير (2)، (عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال عروة) أي ابن الزبير: (فقلت لها) أي لعائشة: (من) استفهامية (3) بمعنى النفي (هي) أي المرأة من نسائه التي قبَّلها
(1) وفي نسخة: "رسول الله".
(2)
كذا في "ابن رسلان". (ش).
(3)
وأجاد والدي المرحوم في "الكوكب الدري"(1/ 115) في وجه هذا السؤال، =
إِلَاّ أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ". [جه 502، ت 86، حم 6/ 21]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رَوَاهُ زَائِدَةُ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِىُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ.
180 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدٍ الطَّالْقَانِىُّ
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلَّا أنتِ؟ فضحكت) استبشارًا بمكانتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقًا لقول عروة.
(قال أبو داود: هكذا) أي مثل (1) ما روى وكيع عن الأعمش، عن حبيب، عن عروة غير منسوب إلى أبيه (رواه زائدة وعبد الحميد الحماني) هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم (2) ونون بعد الألف، أبو يحيى الكوفي، ولقبه بشمين، أصله خوارزمي، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو داود: كان داعية في الإرجاء، وقال النسائي: ليس بقوي، وقال في موضع آخر: ثقة، وقال ابن عدي: هو وابنه ممن يكتب حديثه، وقال ابن قانع: ثقة، وقال ابن سعد وأحمد: كان ضعيفًا، وقال العجلي: كوفي ضعيف الحديث مرجئ، مات سنة 202 هـ (عن سليمان الأعمش).
180 -
(حدثنا إبراهيمِ بن مخلد الطالقاني)، ذكره ابن حبان في "الثقات"، ووثَّقه مسلمة بن قاسم الأندلسي
= وحاصله: العلم علمان: علم عيان وبيان، والأول أوكد، فلذا سأل: أي العلمين حصل لك؟ فلله دره، نوَّر الله مرقده. (ش).
(1)
وفي "التقرير": الغرض توثيق الرواية بذكر المتابعات، انتهى، قلت: والأوجه ما قاله الشيخ في "البذل". (ش).
(2)
نسبة إلى حمان، قبيلة من تميم نزلوا الكوفة، "ابن رسلان"، وأخرج حديثه الدارقطني (1/ 142). (ش).
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (1) ابْنَ مَغْرَاءَ قال: حَدَّثَنَا (2) الأَعْمَشُ قال: ثَنَا (3) أَصْحَابٌ لَنَا، عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِىِّ ،
===
(قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء) بفتح الميم وإسكان المعجمة آخره راء، ابن عياض بن الحارث بن عبد الله بن وهب الدوسي، أبو زهير الكوفي، سكن الري وولي قضاء الأردن، وثَّقه أبو خالد الأحمر والخليلي، وقال علي بن المديني: ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ست مائة حديث، تركناه لم يكن بذاك، وقال ابن عدي: وهو كما قال علي، إنما أنكرت على أبي زهير هذا أحاديث يرويها عن الأعمش لا يتابعه عليها الثقات، وله عن غير الأعمش، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم، وقال أبو جعفر محمد بن مهران: كان صاحب سمر، وقال الساجي: من أهل الصدق، فيه ضعف، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(قال: ثنا الأعمش قال) أي الأعمش: (ثنا أصحاب لنا) أي كثير من شيوخنا، (عن عروة المزني) (4) (قال الحافظ في "تهذيبه" (5): عروة المزني: روى حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ"، وقع في رواية أبي داود والترمذي غير منسوب، ونسب في رواية ابن ماجه عروة بن الزبير أي برواية وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، ثم قال:
(1) وفي نسخة: "يعني ابن مغراء".
(2)
وفي نسخة: "أنا".
(3)
وفي نسخة: "أنا".
(4)
وقال الذهبي: قيل: هو عروة بن الزبير، انتهى. (ش).
(5)
(7/ 190).
عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
===
قلت: فعروة المزني على هذا شيخ لا يدرى من هو، ولم أره في كتب مَن صنَّف في الرجال إلَّا هكذا، يعللون هذه الأحاديث ولا يعرفون من حاله بشيء.
(عن عائشة (1) بهذا الحديث).
قلت: غرض المصنف بهذا الكلام تضعيف الحديث المار الذي أخرجه بسنده عن حبيب عن عروة عن عائشة بأن عروة هذا ليس هو عروة بن الزبير بل هو عروة المزني مجهول، فيضعف هذا الحديث لجهالته.
وهذا الظن فاسد (2) بوجوه:
الأول: أن الذي قال بأن عروة ها هنا هو عروة المزني: عبد الرحمن بن مغراء، وقد علمت أنه لا يحتج بقوله، فكيف يثبت كونه مزنيّاً بقوله.
والثاني: أنه خالفه في ذلك وكيع، وقد صرح بأنه عروة بن الزبير أخرج روايته ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه"، الحديث، فثبت بهذا أن عروة ههنا هو عروة بن الزبير.
(1) وقد روى الطبراني عن عائشة: "أنه عليه الصلاة والسلام يُقَبِّلُ بعض نسائه، ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ"، وعن أم سلمة:"كان عليه الصلاة والسلام يقبل ثم يخرج إلى الصلاة لا يحدث وضوءًا"، رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه يزيد بن سنان وثقه البخاري وأبو حاتم ولينه ابن معاوية، وبقية رجاله موثوقون، "ابن رسلان". (ش) [انظر:"مجمع الزوائد"(1280 - 1281)].
(2)
وكذا حقق كونه ابن الزبير صاحب "الغاية" بالبسط. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والثالث: أن الأعمش يصرح في حديث عبد الرحمن بن مغراء بأنه حدثه شيوخه عن عروة المزني، فلو كان عروة هذا مجهولًا لا يعرف كيف يحدث عنه الكثيرون من شيوخه؟ فيستدل بهذا أنه عروة بن الزبير، ونعته بالمزني غلط من عبد الرحمن، ووهم منه، لأنه غير موثوق به، خصوصًا إذا خالفه وكيع.
والرابع: أن المعروف عند المحدثين أن من يذكر غير منسوب يحمل على ما هو المشهور المتعارف فيما بينهم، ولا يحمل على المجهول قطعًا.
والخامس (1): قال عروة: "فقلت لها من هي إلَّا أنت فضحكت"، هذا الكلام يدل على أن عروة ها هنا هو ابن الزبير، لأن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يجري إلَّا على لسان من كان بينه وبينها بَسُوْطَة، فعروة بن الزبير ابن أخت عائشة -رضي الله تعالى عنها -، يمكن أن يجسر بمثل هذا الكلام، لأنها خالته، ولا يمكن أن يجسر به عندها من ليس له نوع تعلق بها.
السادس: الروايات التي أخرجها الإِمام أحمد في "مسنده"، والدارقطني في "سننه" بسنديهما من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة تدل أيضًا على أن عروة ههنا، هو ابن الزبير لا المزني.
السابع: أن سليمان الأعمش وإن كان ثقة حافظًا، لكن يحدث عن أصحاب له مجهولين، فكيف يعتمد على قولهم: ولا يدرى من هم، والله أعلم.
(1) وبهذا جزم الحافظ في "الدراية"(1/ 44). (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لِرَجُلٍ: احْكِ عَنِّى أَنَّ هَذَيْنِ (1) - يَعْنِى حَدِيثَ الأَعْمَشِ هَذَا عَنْ حَبِيبٍ، وَحَدِيثَهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِى الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ - قَالَ يَحْيَى: احْكِ عَنِّى أَنَّهُمَا شِبْهُ لَا شَىْءَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِىَ عَنِ الثَّوْرِىِّ أنه قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبٌ إِلَاّ عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِىِّ (2) - يَعْنِى - لَمْ يُحَدِّثْهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِشَىْءٍ.
===
(قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني) أي ارو وأظهر عني (أن هذين) أي الحديثين كما في نسخة (يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، قال يحيى: اِحك عني) وهذا تكرار للقول (3) الأول (أنهما) أي الحديثين (شبه (4) لا شيء) أي ضعيفان. ووجه ضعفهما أمران: الأول: أن راويهما عروة المزني مجهول، والثاني: أن حبيبًا لم يحدث عن عروة ابن الزبير بشيء، وقد ذكرنا قبل قريبًا ما يكفي في إزالة العلة الأولى، وهي جهالة المزني، وأما ما يتعلق بالعلة الثانية فيأتيك عن قريب.
(قال أبو داود: وروي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلَّا عن عروة المزني، يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء) وكلام الثوري الذي حكاه أبو داود ها هنا عنه لا يعتمد عليه، لأنه رواه غير مسند، وقول
(1) وفي نسخة: "الحديثين".
(2)
ذكر المزي كلمة الثوري في" تحفة الأشراف" مرتين، مرة في (11/ 627) رقم (17371) مع الحديث، ومرة في (12/ 338) رقم (18768) مفردة، قال المزي:"أبو داود في الطهارة عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى عن سفيان به. قلت: لم نقف عليه في "سنن أبي داود" من هذا الوجه.
(3)
أعاده لبعد الأول، كذا في "غاية المقصود". (ش).
(4)
بكسر الشين وسكون الموحدة، وسقط التنوين للإضافة، "ابن رسلان". (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا.
===
الثوري لو ثبت (1) يحمل على علمه، فإن حبيبًا لا ينكر لقاءه عروة بن الزبير لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم موتًا، وقد قال مسلم في خطبة كتابه: لا يلزم ثبوت سماع الراوي عمن روى عنه للاتصال، وادعى الاتفاق على أنه يكفي إمكان اللقاء.
ومال أبو عمر إلى تصحيح هذا الحديث، فقال: صححه الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وقد ذكرنا فيما تقدم أن ابن ماجه صرح في "سننه" أنه ابن الزبير.
وقال في "الجوهر النقي"(2): وأيضًا قال الدارقطني (3): أخرج حديث القُبلة في "سننه"[عن] ابن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، وقد رد المصنف كلام الثوري هذا ولم يقبله.
(قال أبو داود (4): وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا).
قلت: روى حبيب بن أبي ثابت عن عروة أربعة أحاديث:
(1) والأوجه عندي أن حبيبًا إذا لم يحدث الثوري عن غير المزني، فلا يستلزم أنه ما حدّث غيره أيضًا عن غيره. (ش).
(2)
انظر: "السنن الكبرى مع الجوهر النقي"(1/ 124).
(3)
قلت: "وأيضًا قال الدارقطني
…
إلخ"، كذا في "الجوهر النقي"، وهكذا نقل في
الأصل، وهذا سبق قلم من صاحب "الجوهر النقي"، والظاهر أن ابن ماجه أخرج حديث القبلة
…
إلخ. انظر: "سنن ابن ماجه "ح (503).
(4)
قال الزيلعي (1/ 72): هذا يدل على أن المصنف لم يرض بما حكاه عن الثوري ويقدم هذا، لأنه مثبت، وما قاله الثوري نافٍ. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أولها: هذا الذي في القبلة أخرجها أبو داود والترمذي وغيرهما، وقد مر أن عروة ها هنا غير منسوب في أكثر الروايات، وفي رواية ابن ماجه مصرح بأنه ابن الزبير (1).
والثاني: ما أخرجه الترمذي (2) بسنده عن حمزة الزيات، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهُمَّ عافني في جسدي"، الحديث. ثم قال الترمذي: سمعت محمدًا يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا، ولعل (3) مراد أبي داود في هذا الكلام برواية حمزة الزيات هو هذا الحديث، ولكن لم يصرح فيه الترمذي بأنه عن عروة بن الزبير.
والثالث: ما أخرجه أبو داود (4) بسنده عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة في الاستحاضة، ثم قال أبو داود: ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا الحديث؛ أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش، وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعًا، وأوقفه أيضًا أسباط عن الأعمش موقوفًا على عائشة، ثم قال أبو داود: ودل على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة، عن عائشة قالت:"فكانت تغتسل لكل صلاة" في حديث المستحاضة، فبيَّن أبو داود ها هنا علتين: إحداهما كون هذا الحديث موقوفًا، والثانية كونه مخالفًا لرواية الزهري، ولم يبين العلة الثالثة وهي عدم سماع حبيب عن عروة، لأنها غير ثابتة عنده.
(1) وكذا الدارقطني (1/ 137)، وابن أبي شيبة. (ش).
(2)
"سنن الترمذي"(خ 3480).
(3)
وبه جزم صاحب "الغاية". (ش).
(4)
"سنن أبي داود"(ح 298).