الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّيْحَانِىُّ أَطْيَبُ قَالَ: لَا أَدْرِى.
(99) بَابٌ: في الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ
239 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ: قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ
===
التأمل: (الصيحاني أطيب) أي أطيب أنواع التمر وأعلاها، فكيف لا يكون إذا أعطى منه خمسة أرطال وثلثًا مؤديًا.
قال في "القاموس": الصيحاني من تمر المدينة، نسب إلى صَيْحان لِكَبْشٍ كان يُرْبَطُ إليها، أو اسم الكبش الصَّيَّاح، وهو من تغييرات النسب، كَصَنْعانِىٍّ، انتهى.
ثم الإِمام أحمد لما تأمل في وجه السؤال، وعلم أن حاصل الاعتراض أن الصيحاني من أنواع التمر يكون أثقل من غيره، فيكون ما يساوي منه خمسة أرطال وثلثًا وزنًا لا يساوي صاعًا إذا كيل في الصاع لثقله، فلا يبلغ الصاع بل يكون أقل منه، والواجب بالنص صاع، وقد قلت: من أعطى خمسة أرطال وثلثًا فقد أوفى، ففي هذا الحال كيف يكون مؤديًا لصدقته، فلم يحضره الجواب و (قال: لا أدري) وأما عندنا الأحناف فلا يكون مؤديًا حتى يستوفي مقدار الصاع (1).
(99)
(بَابٌ: في الغُسْلِ)
أي: في كيفيته وصفته (مِنَ الجَنَابَة)
239 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: ثنا زهير) بن معاوية
(1) وهكذا عند الشافعية كما بسط في "شرح الإحياء"(1/ 84)، وهكذا حكي عن الحنابلة في "المنهل"(2/ 336). (ش).
قال: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قال: ثنِى (1) سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ،
===
(قال: ثنا أبو إسحاق) السبيعي (قال: ثني سليمان بن صُرَد)(2) بضم المهملة وفتح الراء، ابن الجون الخزاعي، أبو مطرف الكوفي، له صحبة، وكان اسمه في الجاهلية يسار، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سليمان، سكن الكوفة، وكان له شرف في قومه، وشهد مع علي صفين، وكان في من كتب إلى الحسين يسأله القدوم إلى الكوفة، فلما قدمها ترك القتال معه، فلما قتل قدم سليمان هو والمسيب بن نجبة الفزاري وجميع من خذله وقالوا: ما لنا توبة إلَّا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه، فعسكروا بالنخيلة، وولّوا سليمان أمرهم، ثم ساروا فالتقوا بعبيد الله بن زياد بموضع يقال له: عين الوردة، فقتل سليمان ومن معه سنة 65 هـ، وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنة.
(عن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة مصغرًا (ابن مطعم)(3) ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر، ثم أسلم بعد ذلك عام خيبر، وقيل: يوم الفتح، كان يؤخذ عنه النسب، وكان أخذ النسب عن أبي بكر، مات سنة 59 هـ، (أنهم) أي بعض الصحابة (ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة)(4).
(1) وفي نسخة: "نا".
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 373) رقم (2232).
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(1/ 310 (رقم (698).
(4)
المشهور أنه تَعَبُّديٌّ، يخرج المني من الذكر ويغسل سائر بدنه، لكن قال الأطباء: إنه يخرج السم من المسامات عند الخروج بالشهوة. (ش).
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِى ثَلَاثًا» ، وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا.
[خ 254، م 327، ن 250، جه 575، ق 1/ 176، حم 4/ 84]
240 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ،
===
وفي "مسند أحمد" قال: "تذاكرنا الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية النسائي: قال: "تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: إني لأغسل كذا وكذا"، وفي رواية البيهقي:"قال: تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: أما أنا فأغسل رأسي كذا وكذا"، فعلم بهذه الروايات أن في رواية أبي داود اختصارًا.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم (أنا فأفيض) أي الماء (على رأسي (1) ثلاثًا، وأشار بيديه كلتيهما)، وقسيمُ أَمَّا ما ذكره الحاضرون (2) من الصحابة، أي أما أنتم فتفعلون (3) ما ذكرتم، وأما أنا فأفعل هكذا، وفيه سنية التثليث في الإفاضة على الرأس، وألحق به غيره فإن الغسل أولى بالتثليث من الوضوء المبني على التخفيف، قلت: لكن بعض الأحاديث تدل على أنه كان يقصد بالثلاث الاستيعاب مرة لا التكرار مرات كما قررناه في حاشية "سنن أبي داود"، وهكذا قال السندي في "شرح النسائي"(4).
240 -
(حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا أبو عاصم) النبيل
(1) ظاهره يدل على أنهم ذكروا أكثر من الثلاث، "ابن رسلان". (ش).
(2)
وذكره مسلم في "باب استحباب إفاضة الماء على الرأس"، فقال بعض القوم: أنا أغسل رأسي بكذا وكذا. (ش).
(3)
فبيَّن كل منهم فعل نفسه، كذا في "التقرير". (ش).
(4)
"سنن النسائي"(1/ 136).
عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَىْءٍ نَحْوِ الْحِلَابِ،
===
(عن حنظلة) بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي المكي، كان وكيع إذا أتى على حديثه قال: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان، وكان ثقة ثقة، وعن أحمد: أنه ثقة ثقة، وعن ابن معين: ثقة حجة، ووثقه أبو زرعة وأبو داود والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن عدي في "الكامل"، وأورد له حديثًا استنكره، لعل العلة فيه من غيره، وقال ابن المديني: كان عنده كتاب ولم يكن عندي مثل سيف، مات سنة 51 هـ.
(عن القاسم) بن محمد، (عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي أراد الاغتسال (من الجنابة دعا بشيء) أي بإناء (نحو الحلاب) أي على مقداره وقريبًا منه، قال في "المجمع": فدعا بإناء نحو من صاع أي قدر صاع.
قال الخطابي (1): الحلاب: إناء يسع قدر حلبة ناقة، وقد ذكره محمد بن إسماعيل في كتابه (2)، وتأوله على استعمال الطيب في الطهور، وأحسبه توهم أنه يريد به (3) المحلب الذي يستعمل في غسل
(1)"معالم السنن"(1/ 125).
(2)
توضيحه أن الإِمام البخاري بوَّب عليه "باب من بدأ بالحلاب أو الطيب"، وذكر فيه هذا الحديث، فتفرق الشراح فيه على ثلاث فرق، بسطها الحافظ في "الفتح"(1/ 369)، فقال جماعة: وهم البخاري، والغلط لا يسلم منه أحد. وقال آخرون: في الحديث تصحيف، والصحيح الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام: ماء الورد، وقيل بالتوجيه فقيل: أراد تطييب البدن، وقيل: أشار إلى أن لا طيب قبله
…
إلخ. إلى آخر ما قال، وبسط في هامش "اللامع"(2/ 210). (ش).
(3)
وفي "المعالم": "أريد به".
فَأَخَذَ بِكَفِّيهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ (1) فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ". [خ 258، م 318، ن 424]
241 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
===
الأيدي، وليس هذا من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرته لك، ومنه قول الشاعر:
صَاحِ! هَلْ رَأيتَ أَوْ سَمِعْتَ بِراعٍ
…
رَدَّ في الضَّرْعِ مَا قَرَى في الْحِلَابِ؟
(فأخذ) منه الماء (بكفيه، فبدأ (2) بشق رأسه الأيمن) أي أدخل الماء في شعور شق رأسه الأيمن ثم الأيسر، (ثم أخذ بكفيه فقال) أي أشار (بهما) أي بكفيه (على رأسه) أي أفاض الماء بكفيه على جميع رأسه، وأخرج البيهقي (3) بسنده من طريق أبي عاصم عن حنظلة، عن القاسم، عن عائشة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل في حلاب قدر هذا، وأرانا أبو عاصم قدر الحلاب بيده، فإذا هو كقدر كوز يسع ثمانية أرطال، ثم يصب على شق رأسه الأيمن، ثم يصب على شق رأسه الأيسر، ثم يأخذ كفيه فيصب وسط رأسه".
241 -
(حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي، مولى عبد القيس، أبو يوسف الدورقي الحافظ البغدادي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي ومسلمة والخطيب: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة 252 هـ.
(1) وفي نسخة: "بكفه".
(2)
وفي "التقرير": أي يُشَرِّب الماء شعر رأسه يمينًا ثم يسارًا، فالمذكور أولًا التشريب، والمذكور ثانيًا هو الغسل. (ش).
(3)
"السنن الكبرى"(1/ 184).
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ -، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ صَدَقَةَ قال: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ أَحَدُ بَنِى تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ: "دَخَلْتُ مَعَ أُمِّى وَخَالَتِى عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا إِحْدَاهُمَا: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغُسْلِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ
===
(قال: ثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة، عن صدقة) بن سعيد الحنفي الكوفي، قال أبو حاتم: شيخ
…
، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البخاري: عنده عجائب، وقال الساجي: ليس بشيء، وقال محمد بن وضاح: ضعيف.
(قال: ثنا جميع (1) بن عمير) كلاهما بالتصغير (أحد بني تيم الله بن ثعلبة) التيمي، أبو الأسود الكوفي، قال ابن حبان: رافضي يضع الحديث، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: كوفي تابعي، من عنق الشيعة، محله الصدق، صالح الحديث، وقال الساجي: له أحاديث مناكير، وفيه نظر، وهو صدوق، وقال العجلي: تابعي ثقة، له عند الأربعة ثلاثة أحاديث، وقد حسنن الترمذي بعضها.
(قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة) في جوابها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إذا اغتسل (يتوضأ (2) وضوءه للصلاة ثم يفيض) أي الماء (على رأسه
(1) فهو يروي عن عائشة. كذا في "التقرير". (ش).
(2)
أوجبه الظاهرية، وهو رواية عن أحمد والشافعي، وقال الجمهور: هو مندوب، والغسل يجزئ عنه بشرط المضمضة والاستنشاق عند من أوجبهما في الغسل، كذا في "الأوجز"(1/ 498)، قال ابن رسلان: هو سنَّة خلافًا لأبي ثور إذ قال: شرط =
ثَلَاثَ مَرارٍ (1) ، وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رُءُوسِنَا خَمْسًا مِنْ أَجْلِ الضَّفْرِ". [جه 574، حم 6/ 188، دي 1149]
242 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِىُّ. (ح): (2) وثنا مُسَدَّدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ بيَمِينِهِ (3)، وَقَالَ مُسَدَّدٌ: - غَسَلَ يَدَيْهِ،
===
ثلاث مرار، ونحن نفيض على رؤوسنا (4) خمسًا من أجل الضفر) بفتح الضاد المعجمة وسكون الفاء مصدر من باب ضرب، أي من أجل فتل الشعر، كأنَّ عائشة رضي الله عنها أمرتهما بأن تفيضا على رؤوسهما خمسًا إذا كانتا مضفورتي الشعر احتياطًا ، ولئلا يبقى ريب في أنّ الماء وَصَلَ أصول الشعر أم لا.
242 -
(حدثنا سليمان بن حرب الواشحي (5)، ح: وثنا مسدد قالا: نا حماد) بن سلمة، (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة، (عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي أراد الاغتسال (من الجنابة) إلى ههنا اتفق لفظ سليمان ومسدد ثم اختلفا (قال سليمان: يبدأ فيفرغ) أي الماء (بيمينه) على شماله، كما في نسخة، (وقال مسدد: غسل يديه
= للغسل، قال ابن المنذر: هو خلاف الإجماع، انتهى، وكذا حكى عنه ابن العربي، وأجاب عن الحديث بثلاثة أجوبة. (ش) [انظر:"عارضة الأحوذي"(1/ 156)].
(1)
وفي نسخة: "مرات".
(2)
وفي نسخة بغير ح.
(3)
وفي نسخة: "من يمينه على شماله".
(4)
أي في بعض الأوقات، فلا ينافي ما سيأتي من ثلاث في "باب في المرأة هل تنقض شعرها"، وكذا في رواية "الموطأ" ثلاثًا. (ش).
(5)
نسبة إلى بني واشح بطن من الأزد. (ش).
ويَصُبُّ الإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ اتَّفَقَا: فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، - قَالَ مُسَدَّدٌ: يُفْرِغُ عَلَى شِمَالِهِ، وَرُبَّمَا كَنَتْ عَنِ الْفَرْجِ -
===
ويصب) وفي نسخة: فصب، أما النسخة الأولى فليس فيها واو إلَّا في النسخة الدهلوية، وأما النسخة المكتوبة والنسخة المصرية والنسخة التي في "عون المعبود" فكلها خالية عن الواو، وهو الأولى (الإناء على يده اليمنى)(1).
وحاصل قول مسدد (2) أنه قال: غسل هو صلى الله عليه وسلم أولاً يديه، ثم ذكر صفة غسل اليدين بأنه يصب الماء من الإناء أولاً على يده اليمنى، ثم لم يذكر غسل اليسرى، لأنه كان قد فهم من قوله: غسل يديه، وكذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها، ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل عنه بشماله".
(ثم اتفقا) أي سليمان ومسدد بعد الاختلاف المذكور فقالا: (فيغسل فرجه (3)، وقال مسدد) أي زاد مسدد بعد قوله:"فيغسل فرجه"(يفرغ على شماله) أي بيمينه (وربما كَنَتْ عن الفرج) يعني يقول مسدد: إن عائشة ربما لم تذكر لفظ الفرج، بل كَنَتْ عنها بلفظ آخر، كما في "رواية مسلم":"ثم صب الماء على الأذى الذي به".
(1) قال ابن رسلان: وهذا الأدب إذا كان فم الإناء ضيقًا، كالإبريق ونحوه يكون الإناء يساره ويصب به على يمينه، وإذا كان واسعًا كالقدح يكون على يمينه، انتهى. (ش).
(2)
وأوضح رواية كليهما في "التقرير"، فأرجع إليه إن شئت. (ش).
(3)
قال ابن العربي (1/ 155): فيه جواز ذكر الفرج للضرورة ولا يدخل في الرفث، ورَدَّ على الشافعي في قوله بطهارة المني أو رطوبة الفرج، وذكر في الحديث ثلاثة عشر حكمًا، ورطوبة الفرج نجس عند الصاحبين، طاهر عند الإِمام، وكذا في الأصح عند الشافعية، وسيأتي في "البذل" تحت "باب المني يصيب الثوب". (ش).
ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ (1) لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ (2) فِى الإِنَاءِ فَيُخَلِّلُ شَعْرَهُ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ الْبَشَرَةَ، أَوْ: أَنْقَى الْبَشَرَةَ، أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، فَإِذَا (3) فَضَلَ فَضْلَةٌ
===
ثم اتفقا سليمان ومسدد ولم يختلفا إلى آخر الحديث فقالا: (ثم) أي بعد الفراغ من غسل اليدين والاستنجاء (يتوضأ وضوءه للصلاة)(4) ظاهره أنه كان يغسل (5) رجليه قبل غسل سائر البدن، وقد ثبت أنه كان يغسلهما بعد التنحي عن ذلك المكان، ويجمع بأنه كان يفعل أحيانًا كذا وأحيانًا كذا، أو يؤول بأنه كان يغسل رجليه لإزالة الحدث أولًا، ثم يغسل بعد ذلك للنظافة وإزالة الطين ثانيًا، هكذا في تقرير مولانا محمد يحيى - المرحوم -.
(ثم يدخل يديه في الإناء) أي فيأخذ الماء منه. (فيخلل)(6) أي فيدخل الماء خلال (شعره حتى إذا رأى أنه) أي الماء (قد أصاب البشرة) أي بشرة (7) الرأس (أو أنقى البشرة) هذا الشك من بعض الرواة (أفرغ على رأسه ثلاثًا، فإذا فضل (8) فضلة) أي بقي بقية من الماء، قال في "القاموس": الفضلة:
(1) وفي نسخة: "كوضوئه".
(2)
وفي نسخة: "يده".
(3)
وفي نسخة: "وإذا".
(4)
قال الزرقاني عن الحافظ: هو المحفوظ في حديث عائشة، فما في "مسلم" عنها:"ثم يغسل رجليه"، وهمٌ تفرَّد به أبو معاوية
…
إلخ. (ش)[انظر: "شرح الزرقاني" (1/ 91)].
(5)
به قال الشافعي ومالك في المشهور عنه، ورجحه الشامي (1/ 322). (ش).
(6)
قال ابن العربى (1/ 157): خلل رأسه خاصةً، وتخليل اللحية اختلفت الرواية فيه عن إمامنا
…
إلخ، وقال الزرقاني (1/ 91): هذا التخليل غير واجب اتفاقًا إلَّا أن يكون رأسه ملبدًا بشيء، وقال عياض: احتجَّ به بعضهم على تخليل اللحية إما بالعموم أو بقياسه على الرأس، "ابن رسلان". (ش).
(7)
أو المراد بشرة البدن بالدلك، "التقرير". (ش).
(8)
هذا ترخيص للتجاوز عن حد الضرورة إذا لم يبلغ حد التبذير، كذا في "التقرير". (ش).
صَبَّهَا عَلَيْهِ". [خ 272، م 316، ت 104، ن 243، جه 574، ط 1/ 44، حم 6/ 52، دي 748]
243 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ الْبَاهِلِىُّ
===
البقية، كالفَضْل، والفُضَالَة بالضم، وقال في "لسان العرب": والفضل والفضلة: البقية من الشيء، وحركت في كليهما الفاء بالفتح.
(صبها عليه) والمراد بصب الفضلة عليه صبها على سائر الجسد، كما في رواية النسائي:"ثم يفرغ على رأسه ثلاثًا، ثم يفيض على سائر جسده"، وفي أخرى له:"ويصب على رأسه ثلاثًا، ثم يفيض على سائر جسده"، وفي أخرى له:"ثم يفيض على رأسه ثلاثًا، ثم يصب عليه الماء"، وفي أخرى له:"ثم يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على جسده كله".
243 -
(حدثنا عمرو بن علي الباهلي) وهو عمرو بن علي بن بحر بن كَنِيز، كذا في "التقريب" و"تهذيب التهذيب" و"التاريخ الصغير" للبخاري، و"تذكرة الحفاظ" و"الجمع بين رجال الصحيحين" مكبرًا.
وقال في "الخلاصة" في ترجمة بحر: بحر بن كنيز - بنون وزاي - مصغر، (1) وضبطه عبد الغني بفتح الكاف، الباهلي، أبو حفص البصري الصيرفي الفلاس الحافظ أحد الأعلام، قال النسائي: ثقة. وقال الدارقطني: كان من الحفاظ، وبعض أصحاب الحديث يفضلونه على ابن المديني ويتعصبون له، وقد صنف العلل والتاريخ، وهو إمام متقن، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال الحاكم: وقد كان عمرو بن علي أيضًا يقول في علي بن المديني، وقد أجل الله تعالى محلهما جميعًا عن ذلك يعني أن كلام الأقران غير معتبر في حق بعضهم بعضًا إذا كان غير مفسر لا يقدح، وقال صالح جزرة: ما رأيت في المحدثين بالبصرة أكيس من خياط، ومن أبي حفص
(1) في الأصل تقديم وتأخير في العبارة. والصواب ما حررناه من "الخلاصة"(ص 46).
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى عَدِىٍّ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ، عَنِ النَّخَعِىِّ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِكَفَّيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ مَرَافِغَهُ
===
الفلاس، وكانا متهمين، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة حافظ، وقد تكلم فيه علي بن المديني، وطعن في روايته عن يزيد بن زريع، انتهى، وإنما طعن في روايته عن يزيد؛ لأنه استصغره فيه، مات سنة 249 هـ.
(ثنا محمد بن أبي عدي) منسوب إلى جده، وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ويقال: إن كنية إبراهيم أبو عدي، فعلى هذا يكون منسوبًا إلى أبيه السلمي مولاهم، القسملي، نزل فيهم، أبو عمرو البصري، أحسن الثناء عليه عبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن معاذ، ووثَّقه أبو حاتم والنسائي وابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وفي "الميزان": قال أبو حاتم مرة: لا يحتج به، مات سنة 294 هـ (1).
(ثنا سعيد) بن أبي عروبة، (عن أبي معشر) هو زياد بن كليب، (عن النخعي) هو إبراهيم بن يزيد، (عن الأسود) بن يزيد، (عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغه) (2) بفتح الميم وكسر الفاء والغين المعجمة، جمع رفغ بضم الراء وفتحها وسكون الفاء، وهي مغابن البدن أي مطاويه، وما يجتمع فيه الأوساخ كالإبطين وأصول الفخذين ونحو ذلك، وعن ابن الأعرابي:
(1) كذا في الأصل، وهو مقتضى كونه من التاسعة، لكن صرح في "التهذيب"(9/ 13)، و"الميزان"(3/ 647)، و"الكاشف"(3/ 16)، و"الخلاصة" (ص 324): سنة 194 هـ، فتأمل. (ش).
(2)
قال صاحب "العون"(1/ 413): كنى به عن الفرج لرواية: "إذا التقى الرفغان وجب الغسل". (ش).
وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَإِذَا أَنْقَاهُمَا أَهْوَى بِهِمَا إِلَى حَائِطٍ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْوُضُوءَ وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ". [حم 6/ 171]
===
أصول اليدين والفخذين، لا واحد لها من لفظها، وفي نسخة بالقاف، وفي أخرى بالعين المهملة (1)، قال الشيخ ولي الدين: والأولى هي الصحيحة "مرقاة الصعود"(2).
(وأفاض عليه الماء) ، الظاهر (3) أن الضمير يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث تقديم وتأخير، وأصل العبارة: ثم غسل فرجه ثم مرافغه، فإذا أنقاهما أي الفرج والمرافغ أو اليدين، أهوى بهما، أي أمال باليدين نحو حائط ليدلكهما تنظيفًا، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه، وأفاض عليه الماء، أي على جسده، ويمكن (4) أن يرجع الضمير إلى المرافغ بتأويل ما ذكر، فحينئذ لا يحتاج أن يقال فيه تقديم وتأخير.
(فإذا أنقاهما) من النجاسة (أهوى بهما)(5) أي أمالهما (إلى حائط) ليغسلهما بالتراب، فيكون أنظف (ثم يستقبل الوضوء ويفيض) أي يصب (الماء على رأسه).
(1) لم أجد في معناه ما يناسب المحل في "القاموس" ولا في "المجمع". (ش).
(2)
قال ابن رسلان: روي مرافقه بالقاف والغين، وعلى الأول غسل الأيدي مع المرافق، وعلى الثاني مطاوي البدن، فليتعهد كل ذلك، فإنه يجب إيصال الماء في الغسل إلى غضون البدن، كداخل السرة، وباطن الأذنين، والإبطين، وما بين الأليتين، وأصابع الرجلين، وكل ذلك متفق عليه. (ش).
(3)
قال ابن رسلان: استدل به من لم يقل بالدلك، وأوله غيره أنه بمعنى الغسل، وقال ابن العربي: إن حكم الدلك على الاحتياط. (ش).
(4)
كذا في "التقرير"، فقال: يحتمل أن يراد بالمرافغ الذكر مع لواحقه، فالضمير إليه. (ش).
(5)
فيه إشارة إلى نجاسة المني وإلَّا لا يحتاج إلى مثل هذه الشدة. (ش).
244 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَوْكَر، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عُرْوَةَ الْهَمْدَانِىِّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِىُّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها: "لَئِنْ شِئْتُمْ لأُرِيَنَّكُمْ أَثَرَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْحَائِطِ حَيْثُ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ". [حم 6/ 236]
245 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ
===
244 -
(حدثنا الحسن بن شوكر) بفتح أوله والكاف والراء، البغدادي، أبو علي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، قيل: إن البخاري روى عنه، (ثنا هشيم) بن بشير، (عن عروة الهمداني) هو عروة بن الحارث أبو فروة الهمداني الكوفي، وهو الأكبر، وثَّقه ابن معين، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، روى له البخاري مقرونًا بغيره، (ثنا الشعبي) هو عامر (1) (قال: قالت عائشة: لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) ويضرب الحائط (2) بيده ويغسله بترابه، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يغسل يده بالتراب في الغسل.
245 -
(حدثنا مسدد بن مسرهد، نا عبد الله بن داود، عن الأعمش) سليمان، (عن سالم) بن أبي الجعد، (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، أبو رشدين، أدرك عثمان، وثَّقه ابن معين والنسائي وابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات بالمدينة سنة 98 هـ.
(1) لم يسمعه الشعبي عن عائشة فهو مرسل، "ابن رسلان". (ش).
(2)
وفيه أيضًا إشارة إلى نجاسة المني، قال ابن رسلان: وفي "الطبراني" بسنده عن ابن مسعود: "السنَّة في الغسل من الجنابة أن تغسل كفك حتى تَنْقَى، ثم تُدْخِلَ يدك في الإناء فتغسل فرجك حتى تَنْقَى، ثم تضرب يسارك على الحائط أو الأرض فَتَدْلُكَها"، الحديث ("المعجم الكبير": 10411). (ش).
قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "وَضَعْتُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم غُسْلاً يَغْتَسِلُ بِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ صَبَّ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ
===
(قال: ثنا ابن عباس) عبد الله، (عن خالته ميمونة) بنت الحارث العامرية الهلالية (1)، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: كان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وتوفيت بسَرِف حيث بني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما بين مكة والمدينة على عشرة أميال من مكة، سنة 51 هـ ، وصلى عليها عبد الله بن عباس.
(قالت: وضعت (2) للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا)، قال في "درجات مرقاة الصعود" (3): كقفل: ما يغتسل به، كأُكل لما يؤكل، وبكسر غينه ضبطه ابن باطش (4)، وابن دقيق العيد وابن سيد الناس فغلطوا فيه، (يغتسل به من الجنابة فأكفأ)(5) أي أمال (الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثًا (6) ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده) (7) أي اليسرى
(1) انظر ترجمتها في: "أسد الغابة"(5/ 401) رقم (7306).
(2)
فيه استخدام الزوج بالزوجة، والمسألة من كتاب النكاح، قاله ابن العربي (1/ 155)، قلت: وتقدم في هامش في "باب غسل السواك". (ش).
(3)
(ص 40).
(4)
كذا في "الدرجات"(ص 40)، وفي "تهذيب اللغات" للنووي (2/ 95): ابن باطيش وهو المعروف. (ش).
(5)
بسط ابن العربي معنى الإكفاء. (ش).
(6)
قال ابن رسلان: الشرك من الأعمش كما في "البخاري"، وأخرج أبو عوانة عن فضيل عن الأعمش ثلاثًا بدون الشك، فعلم أن الأعمش شك أولًا ثم جزم، لأن سماع فضيل متأخر. (ش).
(7)
قال ابن بطال: هذا محمول على أنه كان على يده أذى من نجاسة، انتهى، وأنت خبير بما فيه، وتقدم الكلام على هذا مفصلًا في "باب الاستنجاء بالماء". (ش).
الأَرْضَ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ (1) وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى نَاحِيَة فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ الْمِنْدِيلَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ عَنْ جَسَدِهِ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِالْمِنْدِيلِ بَأْسا، وَلَكِنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعَادَةَ. [خ 257، م 317،
===
(الأرض فغسلها) أي بالتراب (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب (2) على رأسه وجسده، ثم تنحى) أي عن موضع غسله (ناحية) أي جانبًا (فغسل رجليه، فناولته المنديل) بكسر الميم: ما يحمل في اليد للوسخ والامتهان (فلم يأخذه (3) وجعل ينفض (4) الماء) أي يزيله (عن جسده، فذكرت ذلك لأبراهيم)، هذا قول الأعمش، يعني ما حدثني (5) به سالم ذكرته لإبراهيم النخعي، وسألته عن المسح بالمنديل هل يجوز ذلك؟ (فقال: كانوا) أي الصحابة (لا يرون بالمنديل بأسًا) أي لا يمنعون عن إستعمال المنديل (ولكن كانوا يكرهون العادة" (6) أي الاعتياد بذلك.
(1) وفي نسخة: "مضمض".
(2)
لم يذكر فيه مسح الرأس، وهو مذكور فيما تقدم، وصرف ابن العربي حديث عائشة إلى حديث ميمونة. (ش).
(3)
وكرهه أنس. (ش).
(4)
قال ابن رسلان: فيه جواز النفض، ومن منعه لأن النافض كالمتبرم (كذا في الأصل) بماء الوضوء، وفي "التقرير": إن كان على الحقيقة فبيان للجواز؛ لأن الوضوء يوزن فيستحب إبقاؤه، وإن كان على المجاز بأن يراد إنتفاض الماء بنفسه لا بفعله عليه الصلاة والسلام، لكنه لما كان قائما به ظاهرًا نسب إليه، والبسط في "الحل المفهم لصحيح مسلم"(1/ 61). وذكر الترمذي "باب المنديل في الوضوء" مستقلاً، وشرحه ابن العربي (1/ 68)، والعيني (3/ 10) وبسطا في الروايات الدالة على المنديل، وفي الكرماني عن النووي: فيه خمسة أوجه. (ش).
(5)
كذا في "التقرير". (ش).
(6)
قال ابن رسلان: أي العادة التي ألفوها في الجاهلية. (ش).
ت 103، ن 253، جه 573، دي 712، حم 6/ 335، ق 1/ 177]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ: كَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِلْعَادَةِ؟ فَقَالَ: هَكَذَا هُوَ، وَلَكِنْ وَجَدْتُهُ فِى كِتَابِى هَكَذَا.
===
(قال أبو داود: قال مسدد: قلت لعبد الله بن داود: كانوا يكرهونه للعادة؟ ) أي بتقدير الاستفهام هل المراد بهذا كانوا يكرهونه للعادة أي لأجل العادة؟ (فقال) أي عبد الله بن داود: (هكذا هو) أي ما قلتَ لي هو المراد (1)(ولكن وجدته في كتابي هكذا)(2) أي لفظ العادة بغير اللام الجارة مروية عن الأستاذ.
اختلف العلماء في تأخير غسل الرجلين في الغسل، فعن مالك: إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما، وعند الحنفية: سنة الغسل أن يقدم الوضوء عليه إلَّا غسل الرجلين، فإنه يؤخره إذا كان قائمًا في مستنقع الماء، أو على تراب بحيث يحتاج إلى غسلهما بعد ذلك، أما لو قام على حجر أو لوح بحيث لا يحتاج إلى غسلهما مرة أخرى، فلا يؤخر غسلهما، وعند الشافعية في الأفضل قولان: أصحهما وأشهرهما أن يكمل وضوءه، لأن أكثر الروايات كذلك.
وأما المسح بالمنديل فلا يكره عند مالك والثوري، وتمسكوا بحديث قيس بن سعد الذي أخرجه ابن ماجه وأبو داود (3) ولفظه: "فاغتسل ثم ناوله
(1) فظاهر كلام ابن رسلان: أي في حفظي كذا كما يظهر بما نقلته في صدر الكتاب. (ش).
(2)
قال ابن رسلان: قال أصحاب الحديث: إذا وجد في الكتاب خلاف الحفظ، فإن حفظه من الكتاب فليرجع إليه، وإن حفظه من فم الشيخ ولا تردد في حفظه فليعتمد على حفظه، والأولى أن ينبه كما قاله المصنف: في حفظي كذا، وكتابي كذا، انتهى. (ش).
(3)
"سنن ابن ماجه"(466)، و"سنن أبي داود"(5185).
246 -
حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْخُرَاسَانِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ
===
ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها"، وفي الترمذي (1) من حديث عائشة قالت: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء"، وفي سنده أبو معاذ، وهو ضعيف.
وأيضًا في الترمذي من حديث معاذ: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه"، قال الحافظ: وإسناده ضعيف، وأخرج ابن ماجه (2) عن سلمان الفارسي:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف فمسح بها وجهه".
وقال الحنفية: يستحب أن يمسح بدنه بمنديل بعد الغسل وإن كان فيها أحاديث ضعيفة، لكن يجوز العمل بالضعيف في الفضائل، وأيضًا حصل له قوة بتعدد الطرق، وكرهه بعضهم، قال الترمذي: ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري.
قال الشوكاني (3): وبهذا قال عمرو بن أبي ليلى وغيره، واستدلوا بما رواه ابن شاهين عن أنس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا علي، ولا ابن مسعود". قال الحافظ: وإسناده ضعيف، وأيضًا لا دليل فيه على الكراهة، لأنه يمكن تركهم استعمال المنديل عند ما رآهم أنس لأغراض أخر.
246 -
(حدثنا الحسين بن عيسى الخراساني، نا ابن
(1)"سنن الترمذي"(53 - 54).
(2)
"سنن ابن ماجه"(468).
(3)
"نيل الأوطار"(1/ 230).
أَبِى فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: "إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يُفْرِغُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى سَبْعَ مِرَارٍ، ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ فَنَسِىَ مَرَّةً كَمْ أَفْرَغَ، فَسَأَلَنِى كَمْ أَفْرَغْتُ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِى، فَقَالَ: لَا أُمَّ لَكَ،
===
أبي فديك) هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك مصغرًا، واسمه دينار، قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ليس بحجة، مات سنة 200 هـ.
(عن ابن أبي ذئب، عن شعبة) بن دينار الهاشمي، مولى ابن عباس، أبو عبد الله، ويقال: أبو يحيى المدني، عن أحمد: ما أرى به بأسًا، وعن ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال مالك: ليس بثقة، وقال الجوزجاني والنسائي: ليس بقوي، وقال ابن سعد: لا يحتج به، وقال أبو زرعة والساجي: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال البخاري: يتكلم فيه مالك ويحتمل منه، وقال ابن حبان: روى عن ابن عباس ما لا أصل له، وقال ابن عدي: لم أجد له حديثًا منكرًا، فأحكم عليه بالضعف إلَّا حديثًا واحدًا، ولعل البلاء من تلميذه، وقال: أرجو أنه لا بأس به.
(قال: إن ابن عبّاس كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار) يمكن أن يحمل هذا العدد على ما كان قبل في ابتداء الإِسلام ثم نسخ، ولعل ابن عباس لم يقل بنسخه، أو الحديث ليس بحجة لضعفه (ثم يغسل فرجه، فنسي) ابن عباس (مرة كم أفرغ) أي نسي عدد إفراغ الماء عليه (فسألني كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري) كم أفرغتَ سبعًا أو أقل.
(فقال) أي ابن عباس: (لا أم لك) هو سبٌّ وذمٌّ يقال عند المعتبة
وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْرِىَ؟ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَطَهَّرُ". [حم 1/ 307]
247 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْمٍ،
===
(وما يمنعك أن تدري؟ ) أي شيء يمنعك أن تتعلم مني (1)، (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر).
247 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا أيوب بن جابر) بن سيار بن طارق السحيمي مصغرًا، أبو سليمان اليمامي، ثم الكوفي، قال أحمد: حديثه يشبه حديث أهل الصدق، وقال ابن معين: ضعيف ليس بشيء، وكان علي بن المديني يضع حديث أيوب بن جابر، أي يضعفه، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، ضعيف، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه، وقال البخاري في "الأوسط": هو أوثق من أخيه محمد، وقال عمرو بن علي: صالح.
(عن عبد الله بن عصم) بمهملتين وضم أوله، ويقال: ابن عصمة أبو علوان بضم المهملة وسكون اللام، الحنفي العجلي، أصله من أهل اليمامة، وحديثه في الكوفة، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: ليس به بأس؛ وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يخطئ كثيرًا، وقد ذكره ابن حبان أيضًا في "الضعفاء" فقال: منكر الحديث جدًّا على قلة روايته، يحدث عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم حتى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة.
(1) فيه تنبيه على المراقبة لأفعال المشايخ، كذا في "الحاشية". (ش).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَتِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مِرَارٍ (1) ، وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ سَبْعَ مِرَارٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ حَتَّى جُعِلَتِ (2) الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ (3) مَرَّةً، وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ مَرَّةً".
[حم 2/ 109، ق 1/ 179]
===
(عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (قال: كانت الصلاة) أي في الابتداء حين فرضت (4)(خمسين) أي صلاة (والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول (5) من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل) ربه التخفيف (حتى جعلت)(6) أي بقيت (الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة).
واعلم أنه اختلف في غسل البول من الثوب هل يكفيه غسله مرة واحدة أو لا بد من الغسل ثلاثًا؟ فعند الشافعي يطهر بالغسل (7) مرة واحدة
(1) وفي نسخة: "مرات".
(2)
وفي نسخة: "جعل".
(3)
وفي نسخة: "غسل الجنابة".
(4)
قال ابن رسلان: أي كانت أمة موسى مكلفين بها، قال القرطبي: ولم يكلف بها غيرها من الأمم، وعالجهم موسى على إقامتها كما يدل عليه قوله: إني بلوت بني إسرائيل. (ش).
(5)
وهو رواية لأحمد والثانية مثل الشافعي، "ابن رسلان". (ش).
(6)
فيه النسخ قبل العمل، وأنكره بعض الحنفية، قاله ابن رسلان. (ش).
(7)
واختاره ابن العربي (1/ 222) وأبطل الثلاثة، وقال: قال أحمد: يجب غسل سائر النجاسات سبعًا، وعندنا زوال العين ولو بمرة، كذا في "الشامي"(1/ 589)، وفي "المنهل" (3/ 19): غسل الثوب مرة مذهب الشافعية والمالكية، غير أن الشافعية قالوا: يندب التثليث لكن محله إذا زالت النجاسة، وإلَّا يجب التكرار حتى تزول، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختاره صاحب "المغني"(1/ 75)، والثانية له: التسبيع. (ش)
248 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ: حَدَّثَنا الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ (1) ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ،
===
اعتبارًا بالحدث إلَّا في ولوغ الكلب، وأما عند الحنفية في ظاهر الرواية أنه لا يطهر إلَّا بالغسل ثلاثًا، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثًا"، فقد أمر بالغسل ثلاثًا في النجاسة التي هي غير مرئية.
وأيضًا روي أنه قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء، حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده"، أمر بالغسل ثلاثًا عند توهم النجاسة، فعند تحققها أولى، ثم التقدير بالثلاث عندنا ليس بلازم، بل هو مفوض إلى غالب رأيه وأكبر ظنه، وإنما ورد النص بالتقدير بالثلاث بناءً على غالب العادات، فإن الغالب أنها تزول بالثلاث، ولأن الثلاث هو الحد الفاصل لإبلاء العذر، كما في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام حيث قال له موسى في المرة الثالثة:{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} (2).
248 -
(حدثنا نصر بن علي، نا الحارث بن وجيه)(3) الراسبي أبو محمد البصري، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم والنسائي: ضعيف، وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير، وعن أبي داود: حديثه منكر وهو ضعيف، وقال الساجي: ضعيف الحديث، وقال العقيلي: ضعفه نصر بن علي، وقال يعقوب بن سفيان: بصري لين الحديث، وقال الطبري: ليس بذاك، وقال الترمذي: الحارث بن وجيه، وقيل: وجبة، شيخ ليس بذاك.
(نا مالك بن دينار) السامي بمهملة مولاهم، أبو يحيى، كان من
(1) زاد في نسخة: "الراسبي".
(2)
سورة الكهف: الآية 76.
(3)
بفتح الواو وكسر الجيم وسكون الياء، وحكى الترمذي فتح الواو وسكون الجيم ثم باءً موحدة، وقيل: سكون الحاء المهملة، قاله ابن رسلان، وقال ابن العربي (1/ 161): الحارث بن وجيه الراسبي منكر الحديث، وذكر هذا الحديث. (ش).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً، فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» . [ن 106، جه 597، ق 1/ 175]
===
علماء البصرة وزهادها المشهورين، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، ويتقوت بأجرته، ولا يأكل شيئًا من الطيبات، وكان من المتعقدة الصبر، والمتقشفة الخشن، كان أبوه من سبي سجستان، وقيل: من كابل، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقة، وقال بعضهم: صالح الحديث، وقال الأزدي: يعرف وينكر، قال في "الميزان": استشهد به البخاري والنسائي، مات سنة 130 هـ.
(عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: إن تحت كل شعرة جنابة) الشعرة بفتح الشين وسكون العين، قال في "القاموس": الشعر ويحرك: نبتة الجسم مما ليس بصوف ولا وبر، جمعه شعور وشعار وأشعار، الواحد شعرة، وقد يكنى بها عن الجميع، (فاغسلوا الشعر) بفتح العين ويسكن أي جميعه، فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت جنابة (وأنقوا) من الإنقاء (البشر).
قال القاري (1): قال ابن الملك: البشرة ظاهر الجلد، أي نظفوها من الوسخ، فلو منع الوسخ يعني كالطين اليابس والعجين والشمع وصول الماء لم يرفع الجنابة، قال الخطابي (2): ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة، لأنه لا يكون شعره كله شعرة شعرة مغسولاً إلَّا بنقضها، وإليه ذهب إبراهيم النخعي، وقال عامة أهل العلم: إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينفذ شعره (3) يجزيه.
(1)"مرقاة المفاتيح"(2/ 37).
(2)
"معالم السنن"(1/ 126).
(3)
وفي "المعالم": "وإن لم ينقض شعره".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
===
قلت: عند الحنفية فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة، فإن الشعر المسترسل من ذوائبها غسله موضوع في الغسل إذا بلغ الماء أصول شعرها، بخلاف الرجل فإنه يجب عليه إيصال الماء إلى أثناء الشعر لما في "مسلم" (1) من حديث أم سلمة:"قالت (2): قلت: يا رسول الله، إني امرأة أَشُدُّ ضفْرَ رأسي أفأنقضه لغسل (3) الجنابة؟ فقال: لا"، الحديث.
قال الخطابي: وقد يحتج به من يوجب الاستنشاق (4) في الجنابة لما في داخل الأنف من الشعر، واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله:"وأنقوا البشرة"، وزعم أن داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة، لأن البشرة عندهم ما ظهر من البدن يباشره البصر من الناظر إليه، وأما في داخل الأنف والفم فهو الأدمة، والعرب تقول: فلان مؤدم مبشر، إذا كان حسن الظاهر مخبوء الباطن، قلت: قال في "القاموس": والأدمة محركة باطن الجِلْدَةِ التي تلي اللحم، أو ظاهرها الذي عليه الشعر، وما ظهر من جلد الرأس، ورجل مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ كمكرم: حاذق مجرب، جَمَعَ لينَ الأَدَمَةِ وخُشونَةَ البَشَرَةِ.
(قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف)(5) وقد مر بيان المنكر فيما تقدم.
(1) رقم الحديث (330).
(2)
وفي الأصل: "قال"، وهو تحريف.
(3)
وفي الأصل: "في الغسل"، وهو تحريف.
(4)
كذا استدل به صاحب "السعاية"(1/ 274).
(5)
ونقل ابن رسلان ضعفه عن الدارقطني وغيره مفصلًا، انتهى، قلت: لكن الجمهور لم يلتفتوا إلى نكارته حيث استدلوا به على وجوب تخليل اللحية في غسل الجنابة، كما تقدم عن ابن سيد الناس. (ش).
249 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ،
===
249 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد) بن سلمة، (أنا عطاء بن السائب) بن مالك، ويقال: زيد، ويقال: يزيد الثقفي، أبو السائب، أو أبو زيد، أو أبو يزيد، أو أبو محمد الكوفي، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة ثقة، رجل صالح، وقال أبو طالب عن أحمد: من سمع منه قديمًا فسماعه صحيح، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء، سمع منه قديمًا سفيان وشعبة، وسمع منه حديثًا جرير وخالد وإسماعيل وعلي بن عاصم.
وقال شعبة: حدثنا عطاء بن السائب وكان نسيًّا، وقال ابن معين: عطاء بن السائب اختلط، وجميع من سمع من عطاء سمع منه في الاختلاط إلَّا شعبة والثوري، وقال أبو حاتم: في حديث البصريين عنه تخاليط كثيرة، لأنه قدم عليهم في آخر عمره، وعن يحيى القطان قال: سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير، وقال الدارقطني: دخل عطاء البصرة مرتين، فسماع أيوب وحماد بن سلمة في الرحلة الأولى صحيح، وقال العقيلي: تغير حفظه، وسماع حماد بن زيد منه قبل التغير، وقال العقيلي أيضًا: وسماع حماد بن سلمة بعد الاختلاط، وقال ابن الجارود في "الضعفاء": حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عنه جيد، وحديث جرير وأشباهه ليس بذاك، وقال يعقوب بن سفيان: هو ثقة حجة، وما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة سماع هؤلاء سماع قديم.
قال الحافظ بعد ما نقل كلام أهل الجرح والتعديل: فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سماع سفيان الثوري وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيه إلَّا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه، والظاهر أنه سمع منه مرتين: مرة مع أيوب كما يومئ إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة، وسمع منه مع جرير وذويه.
عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قال: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ» .
قَالَ عَلِىٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِى، فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِى،
===
(عن زاذان) بزاي وذال معجمتين، أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر الكندي مولاهم، الكوفي، الضرير، البزار، يقال: إنه شهد خطبة عمر بالجابية في سنة 16 هـ، قال ابن معين: ثقة، لا يسأل عن مثله، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال الخطيب: كان ثقة، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال ابن عدي: أحاديثه لا بأس بها إذا روى عن ثقة، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال ابن حبان في "الثقات": كان يخطئ كثيرًا، مات سنة 82 هـ.
(عن علي) بن أبي طالب (قال) أي علي: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك موضع شعرة من جنابة) متعلق بقوله: ترك، أي من محل جنابة، فمن تبعيضية، أو كائنًا من محل جنابة، فيكون صفة لموضع (لم يغسلها) صفة موضع، وأنث الضمير باعتبار المضاف إليه، ويحتمل أن يرجع الضمير إلى المضاف إليه، كما في قوله تعالى:{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (1) على الراجح، وكقول الله عز وجل:{عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} (2)، (فعل بها) أي بسبب تلك الشعرة (كذا وكذا من النار) كنايتين (3) عن العدد أي يضاعف له العذاب أضعافًا كثيرة، قاله الطيبي، وقال البعض: إما كناية عن أقبح ما يفعل به، أو إبهام من شدة الوعيد.
(قال علي: فمن ثم) أي من أجل هذا التهديد والوعيد الشديد (عاديت رأسي، فمن ثم عاديت رأسي،
(1) سورة الأنعام: الآية 145.
(2)
سورة سبأ: الآية 42.
(3)
كذا في "المرقاة"(1/ 37)(ش).