الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(81) بابٌ: في الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ
199 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قال: حَدَّثَنَا (1) ابْنُ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ قال: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِى الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ:«لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرَكُمْ» . [خ 570، م 639]
===
(81)
(بَابٌ: في الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ)(2)
199 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني نافع) مولى ابن عمر (قال: حدثني عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة) أي عن صلاة العشاء، كما يدل عليها الكلام الآتي (فأخَّرها) أي أخرها عن وقتها المعتاد (حتى رقدنا (3) في المسجد، ثم استيقظنا ثم رقدنا، ثم استيقظنا ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال) صلى الله عليه وسلم:(ليس أحد ينتظر (4) الصلاة) أي صلاة العشاء (غيركم) فإنهم كلهم صلوا ورقدوا، ولم يحصل
(1) وفي نسخة: "ثنا".
(2)
ذكر ابن العربي (1/ 104) فيه ثلاثة مذاهب، وجعل أحوال النوم أحد عشر، وذكر العيني (2/ 585) تسعة مذاهب، والصواب الملخص ما سيأتي عن كتب فروعهم. (ش).
(3)
قال ابن رسلان: هذا وحديث أنس رضي الله عنه الآتي محمول عند الشافعية على أنهم رقدوا قعودًا، إلَّا أن في "مسند البزار" بسند صحيح: أنهم يضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقوم إلى الصلاة. (ش) [انظر:"نصب الراية" 1/ 46].
(4)
على الظاهر، لأن الإِسلام لم يكن إذًا في أطراف المدينة إلَّا قليلًا، والظاهر أنهم صلوا لوقتها، أو علم بالوحي، كذا في "التقرير". (ش).
200 -
حَدَّثَنَا شَاذُّ بْنُ فَيَّاضٍ قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤونَ. [ق 1/ 119، قط 1/ 131، م 376، ت 78]
===
فضيلة انتظار الصلاة لغيركم، بل أنتم مختصون بهذه الفضيلة، وهذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم تسلية لهم، وجبرًا لكلفة الانتظار بحصول الفضيلة لهم.
والظاهر أن الحديث غير مناسب لترجمة الباب، لأنه لا يعلم منه أنهم توضؤوا للصلاة بعد الرقاد، أو لم يتوضؤوا، إلَّا أن يقال: إنه لا يخلو إما أن توضؤوا أو لم يتوضؤوا، فإن توضؤوا فيناسب الباب بأنهم رقدوا بحيث يوجب انتقاض الوضوء، وإن لم يتوضؤوا فيناسب بأنهم ناموا بحيث لا يوجب انتقاض الوضوء، فالحديث على كلا الحالين مناسب للباب.
200 -
(حدثنا شاذ (1) بن فياض) اليشكري أبو عبيدة البصري، واسمه هلال، وشاذ لقبه غلب عليه، قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال الساجي: صدوق عنده مناكير، وقال ابن حبان: كان ممن يرفع المقلوبات، ويقلب الأسانيد، لا يشتغل بروايته، كان محمد بن إسماعيل شديد الحمل عليه، مات سنة 225 هـ.
(قال: ثنا هشام) بن أبي عبد الله (الدستوائي، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق (2) رؤوسهم) يقال: خفق فلان رأسه إذا حركه من النعاس، أي ينامون حتى تسقط أذقانهم على صدورهم وهم قعود (ثم يصلون ولا يتوضؤون).
(1) بفتح الشين المعجمة وشدة الذال، انتهى. "ابن رسلان". (ش).
(2)
بفتح التاء وكسر الفاء، "ابن رسلان". (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ فِيهِ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "كُنَّا نخفقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
قال أبو داود: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ.
===
(قال أبو داود: وزاد فيه شعبة عن قتادة قال) أي أنس: كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال البيهقي في "سننه" (1): قال أبو داود: زاد فيه شعبة عن قتادة: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق الحديث بسنده عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج مسلم في "صحيحه"(2)، والترمذي في "سننه"(3) رواية شعبة، وليست فيها هذه الزيادة "ثم يصلون ولا يتوضؤون"، وهذا يدل على أن النوم ليس بناقض للوضوء في جميع الأحوال، بل هو ناقض عند استرخاء المسكة.
(قال أبو داود: ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر). قلت: لم أجد رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فيما تتبعت من كتب الحديث، إلَّا ما ذكر البيهقي (4) في "باب ما ورد في نوم الساجد" بعد سوق حديث يزيد أبي خالد الدالاني، فقال: ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، وكذا قال الترمذي في "سننه"، فلعل مراد أبي داود من رواية ابن أبي عروبة هذه الرواية الموقوفة،
(1)"السنن الكبرى"(1/ 120).
(2)
"صحيح مسلم"(376).
(3)
"سنن الترمذي"(78).
(4)
"السنن الكبرى"(1/ 121).
201 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِى حَاجَةً،
===
فعلى هذا كان ينبغي للمصنف أن يذكر هذا الكلام في ذيل حديث ابن عباس الذي ذكره فيما بعد قريبًا (1).
201 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: ثنا حماد) لعله ابن سلمة (2)، (عن ثابت البناني) هو ثابت بن أسلم البناني بضم الموحدة ونونين مخففين، نسبة إلى بنانة بن سعد، أبو محمد البصري، وثَّقه أحمد والعجلي والنسائي، وقال حماد بن سلمة: كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، فكنت أقلب على ثابت الأحاديث أجعل أنسًا لابن أبي ليلى، وأجعل ابن أبي ليلى لأنس أشوشها عليه، فيجيء بها على الاستواء، وحكي عن ثابت قال: صحبت أنسًا أربعين سنة، قال أحمد بن حنبل: قال يحيى القطان: ثابت اختلط، وفي "الكامل" لابن عدي عن القطان: عجب من أيوب يدع ثابتًا لا يكتب عنه، مات سنة 127 هـ.
(أن أنس بن مالك قال: أقيمت صلاة العشاء فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن لي حاجة) يعني أريد أن أشاورك وأناجيك،
(1) قلت: يحتمل أن المؤلف أراد رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة التي وصلها في كتاب الصلاة (1321 - 1322)، وأيضًا يحتمل أنه أراد رواية من رواه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس فيها زيادة:"كانوا يضعون جنوبهم فينامون"، كما أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(5/ 467) رقم (3199)، وانظر:"مجمع الزوائد" للهيثمي (1/ 248).
(2)
به جزم ابن رسلان. (ش).
فَقَامَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَعَسَ الْقَوْمُ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا". [ق 1/ 120، م 370]
202 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى،
===
(فقام) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يناجيه) أي الرجل (حتى نعس (1) القوم أو بعض القوم) أو للشك من الراوي، ومعنى نعس
…
إلخ، أي ناموا قاعدين (ثم صلى بهم ولم يذكر) أنس أو ثابت أو غيرهما من الرواة (وضوءًا).
وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن ثابت، عن أنس ولفظه قال: أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم، أو بعض القوم، ثم صلوا، وليس فيه "لم يذكر وضوءًا"، وقد ورد ذكر الوضوء في رواية قتادة عن أنس بقوله:"ولا يتوضؤون".
قال النووي (2): وفيه جواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما في الأمور المهمة، ولكنه مكروه في غير المهم، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهم من أمور الدين مصلحته راجحة على تقديم الصلاة، وفيه أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.
202 -
(حدثنا يحيى بن معين، وهناد بن السري) ابن مصعد (3)(وعثمان بن أبي شيبة، عن عبد السلام بن حرب، وهذا) أي المذكور (لفظ حديث يحيى) أي ابن معين، ولم يذكر لفظ حديث هناد وعثمان، وهذه
(1) بفتح العين، وغلط من ضمها. (ش).
(2)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 73).
(3)
كذا في الأصل، والظاهر: مصعب. انظر: "تهذيب التهذيب"(11/ 70).
عَنْ أَبِى خَالِدٍ الدَّالَانِىِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى وَلَا يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ! فَقَالَ: «إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا» . زَادَ عُثْمَانُ وَهَنَّادٌ: «فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» . [ت 77، حم 1/ 256، ق 1/ 121]
===
جملة معترضة، (عن أبي خالد الدالاني) أي روى عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني، هو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة الأسدي الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال ابن معين وأحمد بن حنبل والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: منكر الحديث، وقال ابن حبان في "الضعفاء": كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، خالف الثقات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق، فكيف إذا انفرد بالمعضلات، وذكره الكرابيسي في المدلسين، وقال الحاكم: إن الأئمة المتقدمين شهدوا له بالصدق والإتقان، وقال ابن عبد البر: ليس بحجة.
(عن قتادة) بن دعامة، (عن أبي العالية) رفيع بن مهران، (عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ) أي يسمع منه صوت نفخه (ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، فقلت) أي قال ابن عباس: فقلت (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (صليت ولم تتوضأ، وقد نمت) جملة حالية أي حال كونك قد نمت، والنوم ناقض للوضوء وصليت من غير تجديد الوضوء.
(فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعًا) وانتهى إلى ههنا حديث يحيى، قال أبو داود:(زاد عثمان وهناد: فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) يعني ليست هذه الجملة في حديث يحيى.
والحصر في قوله: إنما الوضوء
…
إلخ، ليس بحقيقي، بل هو حصر إضافي تدل عليه الجملة التي رواها عثمان وهناد، "فإنه إذا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَوْلُهُ: «الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا» هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إِلَاّ يَزِيدُ الدَّالَانِىُّ عَنْ قَتَادَةَ،
===
اضطجع
…
إلخ"، فإنه بدل على أن النوم في حد نفسه ليس بناقض للوضوء، فلو كان بنفسه ناقضًا للوضوء، لاستلزم نقض الوضوء في جميع أحواله، ولكن كونه ناقضًا للوضوء مستلزم لاسترخاء المفاصل، واسترخاء المفاصل مظنة لخروج الريح، ولا يدرك خروجه، لأنها حالة عدم الإدراك والشعور، فلهذا أقيم السبب مقام الأصل، كما أقيم السفر مقام الخوف، فالنوم ليس بناقض للوضوء إلَّا في صورة استرخاء المفاصل، فلو نام أحد بحيث لم تسترخ مفاصله لا يكون نومه ناقضًا للوضوء.
واعلم أن جوابه صلى الله عليه وسلم هذا جواب على أسلوب الحكيم، فإن ابن عباس رضي الله عنهما سأله عن فعله، وكان جوابه أن عيني تنامان ولا ينام قلبي، ولكنه صلى الله عليه وسلم أجابه بما يختص بالأمة، فإن الحكم في الأمة بأسرها هو عدم انتقاض الطهارة بنومهم في السجود وانتقاضها في حالة الاضطجاع، فأجاب بهذا الجواب إظهارًا لمسألة نقض الوضوء، وإبانةً للسائل بما يفيده، ولو أجاب بالاختصاص لم يفد تلك الفائدة، فلهذا اختار هذا الجواب.
(قال أبو داود (1): قوله: الوضوء على من نام مضطجعًا، هو حديث منكر لم يروه إلَّا يزيد الدالاني (2) عن قتادة)، والحديث المنكر (3) ما خالف فيه الضعيف الحفاظ المتقنين، وقد مر أن يزيد الدالاني ضعيف عند أكثر
(1) وكذا ضعفه ابن العربي، وقال: هذا قول ابن عباس. (ش)[انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 103].
(2)
دالان بطن من همدان، ولم يكن هذا منهم، بل كان نازلًا فيهم. "ابن رسلان". (ش).
(3)
وقال ابن رسلان: المنكر، كما قاله الحافظ أبو بكر البرزنجي: ما تفرد به أحد ولا يعرف متنه من غير روايته، أنتهى، قلت: وله شاهد عند البيهقي (1/ 120) من =
وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مَحْفُوظًا،
===
المحدثين، وإن وثقه أبو حاتم، ولعله يكون ضعيفًا عند أبي داود (وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئًا من هذا).
قلت: أخرج البيهقي بسنده عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع له غطيط، فقام فصلى ولم يتوضأ، وأخرج بسنده عن كريب، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، ثم قال البيهقي (1): مخرج في الصحيحين من حديث الثوري دون الزيادة التي تفرد بها أبو خالد الدالاني، وكذلك رواه سعيد بن جبير وغيره عن ابن عباس في حديث المبيت دون تلك (2) الزيادة، ونومه هذا كان مضطجعًا وكان تركه صلى الله عليه وسلم الوضوء منه مخصوصًا به.
(وقال (3): كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظًا)، ذكر البيهقي في "سننه" بقوله: أخبرنا أبو علي الروذباري، قال: أخبرنا أبو بكر بن داسة، قال: قال أبو داود السجستاني: قوله: الوضوء على من نام مضطجعًا
…
إلخ، وفيه: وقال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظًا، فعلم بهذا أن لفظ عكرمة متروك في النسخ التي عندنا، ففاعل قال هو عكرمة لا ابن عباس (4) ومعناه كان
= حديث حذيفة، قال: كنت في مسجد المدينة جالسًا، الحديث، وفيه قال عليه الصلاة والسلام:"لا، حتى تضع جنبك". (ش).
(1)
"السنن "الكبرى" (1/ 122).
(2)
لكن ابن رسلان أخرجه من أبي أمامة وغيره، فحصلت المتابعة. (ش).
(3)
هذه دلائل على نكارته، لأن حاصله أنه عليه الصلاة والسلام، لو اضطجع لا ينقض وضوؤه مع أنه صلى الله عليه وسلم محفوظ عنه، وأنت خبير بأنه لا تعارض بينهما، لأنه أجاب ابن عباس بما يفيده، كذا في "التقرير". (ش).
(4)
وجزم ابن رسلان بأن فاعله ابن عباس. (ش). [قلت: أخرج هذا الحديث أحمد في "مسنده" (1/ 244) وفيه صراحة بأن فاعله عكرمة].
وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها -: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «تَنَامُ عَيْنَاىَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِى» .
وَقَالَ شُعْبَةُ: إِنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةُ، عنْ (1) أَبِى الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ:
===
النبي صلى الله عليه وسلم محفوظًا من أن يخرج منه حدث ولم يشعر به، وليس معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظًا من خروج الحدث.
(وقالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تنام عيناي ولا ينام (2) قلبي). قال النووي (3): هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وسبق في حديث نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي، فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس، وإن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين (4) لا بالقلب، وأما أمر الحدث ونحوه متعلق بالقلب (5)، وقيل: إنه كان في وقت ينام قلبه، وفي وقت لا ينام، فصادف الوادي نومه، والصواب الأول.
قال في "مرقاة الصعود"(6): قال ولي الدين: إن ابن الصياد تنام عيناه ولا ينام قلبه مكرًا به، لئلا يخلو وقته عن فجور ومفسدة مبالغة في عقوبته، بخلاف قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه إكرام له، لئلا يخلو وقته عن المعارف الإلهية، والمصالح الدينية والدنيوية، فهو رافع لدرجاته ومعظم لشأنه.
(وقال شعبة: إنما سمع قتادة عن أبي العالية أربعة أحاديث)،
(1) وفي نسخة: "من".
(2)
وهذا من كمال الحضور، ودوام الشهود حتى لا يغفل عليه الصلاة والسلام في النوم أيضًا، وبسطه في "بهجة النفوس"(1/ 216) وذكر ما يناسبه من الحكايات. (ش).
(3)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 21).
(4)
وبه جزم في "البحر الرائق"(1/ 76). (ش).
(5)
وأورد عليه مولانا محمد حسن مفتي بهوبال أن إدراك الحدث متعلق بالحس الظاهر أيضًا، فإن الريح يحيى عند مروره لا بالقلب، فتأمل، قلت: ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "وكاء السه العينان"، الحديث، فإنه أدار الحكم على العين لا على القلب. (ش).
(6)
انظر: "درجات مرقاة الصعود"(ص 36).
حَدِيثَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ،
===
وفي "الترمذي"(1): قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلَّا ثلاثة أشياء: حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"، وحديث علي:"القضاة ثلاثة".
وقال البيهقي (2) بعد ما نقل قول أبي داود: قال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية
…
إلخ. قال الشيخ: وسمع أيضًا حديث ابن عباس في ما يقول عند الكرب، أخرجه الترمذي معنعنًا، ولكن قال: هذا حديث حسن صحيح، وحديثه في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم موسى وغيره، أخرجه مسلم في "صحيحه"(3) في كتاب الأنبياء (4)، في باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فعلى هذا تكون الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ستة، فالحصر الذي ورد في الترمذي في الثلاثة، وفي أبي داود في الأربعة تقريبي.
(حديث يونس بن متى) والحديث أخرجه البخاري (5) في كتاب الأنبياء بسنده: حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية حدثنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس، الحديث، وفيه تصريح بسماع قتادة عن أبي العالية، وكذلك أخرجه مسلم (6) بتصريح السماع في أحاديث الأنبياء (7)،
(1)"سنن الترمذي"(1/ 344).
(2)
"السنن الكبرى"(1/ 121).
(3)
"صحيح مسلم"(165).
(4)
كذا في الأصل. والظاهر: كتاب الإيمان.
(5)
"صحيح البخاري"(3395).
(6)
"صحيح مسلم"(2377).
(7)
كذا في الأصل. والظاهر: كتاب الفضائل.
وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِى الصَّلَاةِ، وَحَدِيثَ:"الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ"، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ:"حَدَّثَنِى رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِى عُمَرُ".
===
وأما ما أخرجه المؤلف في باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام، فهو معنعن ليس فيه تصريح بسماع قتادة عن أبي العالية.
(وحديث ابن عمر في الصلاة) لم أجد (1) هذا الحديث فيما تتبعت من الكتب بل قول الترمذي المذكور يدل على أنه ليس فيه حديث ابن عمر، لأنه حصر السماع في ثلاثة أحاديث ليس فيها حديث ابن عمر (2).
(وحديث: القضاة ثلاثة)(3) نسبه الترمذي إلى علي رضي الله عنه ولكن الذي أخرجه المؤلف في "باب القاضي يخطئ"، فهو من حديث ابن بريدة عن أبيه، وليس فيه ذكر سماع قتادة عن أبي العالية، وكذلك أخرجه ابن ماجه، وليس فيه ذكر قتادة ولا أبي العاليةّ، وبالجملة فلم أجد هذا الحديث، ولا ذكر سماع قتادة عن أبي العالية في سنده فيما تتبعت من الكتب (4).
(وحديث ابن عباس: حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر) أخرج البخاري في "صحيحه"(5) في "باب الصلاة بعد الفجر"
(1) وترك ها هنا البياض في "شرح ابن رسلان". (ش).
(2)
قلت: الصواب "حديث عمر" بحذف ابن، كما أخرجه البخاري (581).
(3)
واحد في الجنة واثنان في النار، سيأتي في الأقضية، لكن ليس فيها طريق شعبة، وله طرق كثيرة جمعها ابن حجر في جزء مفرد. "ابن رسلان". وقال صاحب "المنهل" (2/ 250): حديث ابن عمر في الصلاة وحديث القضاة لم نقف عليهما من طريق قتادة عن أبي العالية، انتهى. (ش).
(4)
قلت: أخرجه وكيع في "أخبار القضاة"(1/ 18) من طريق روح بن عبادة، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة قال: سمعت رفيعًا أبا العالية
…
إلخ.
(5)
"صحيح البخاري"(581).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَذَكَرْتُ حَدِيثَ يَزِيدَ الدَّالَانِىِّ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَانْتَهَرَنِى اسْتِعْظَامًا لَهُ وَقَالَ: مَا لِيَزِيدَ الدَّالَانِىِّ يُدْخِلُ عَلَى أَصْحَابِ قَتَادَةَ؟ وَلَمْ يَعْبَأْ بِالْحَدِيثِ.
203 -
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِىُّ فِى آخَرِينَ قَالُوا:
===
هذا الحديث من طريق شعبة، وفيه تصريح بسماع قتادة من أبي العالية، وكذلك أخرج الترمذي (1) في "باب كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر" من طريق منصور، وفيه تصريح بالإخبار، ونقل العيني عن النسائي، وفيه تصريح بالتحديث.
(قال أبو داود: وذكرت حديث الدالاني لأحمد فانتهرني)، أي زجرني (استعظامًا له) لأجل ضعف يزيد، (فقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث).
قلت: هذا الذي قاله أبو داود من تضعيف يزيد مخالف لما تقدم من أن الإِمام أحمد، قال: يزيد لا بأس به.
وقال في "الجوهر النقي"(2): إنه سمع عن قتادة، وذهب ابن جرير الطبري إلى أنه لا وضوء إلَّا من نوم أو اضطجاع، واستدل بهذا الحديث وصححه، وقال: الدالاني لا ندفعه عن العدالة والأمانة، انتهى، ونقل البيهقي هذه العبارة من رواية أبي بكر بن داسة، وفيه تقديم وتأخير، وزيادة ونقص.
203 -
(حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين)، أي حال كونه في آخرين من الشيوخ، يعني حدثني هو وغيره من الشيوخ (قالوا:
(1)"سنن الترمذي"(183).
(2)
(1/ 121).
حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ،
===
ثنا بقية، عن الوضين بن عطاء)، الوضين بفتح أوله وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم نون، ابن عطاء بن كنانة، أبو عبد الله، أو أبو كنانة، الخزاعي الدمشقي.
قال أحمد بن حنبل وابن معين ودحيم: ثقة، وفي رواية عنهما: لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث، وقال الجوزجاني: واهي الحديث، وقال ابن قانع: ضعيف، وقال الآجري عن أبي داود: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الساجي: عنده حديث واحد منكر عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن علي حديث:"العينان وكاء السه"، قال الساجي: رأيت أبا داود أدخل هذا الحديث في كتاب "السنن"، ولا أراه ذكره فيه إلَّا وهو عنده صحيح.
(عن محفوظ بن علقمة) الحضرمي، أبو جنادة الحمصي، قال عثمان الدارمي عن ابن معين وعن دحيم: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن عبد الرحمن بن عائذ) بتحتانية ومعجمة، الثمالي، ويقال: الكندي، ويقال: اليحصبي، أبو عبد الله الحمصي، قال ابن منده: ذكره البخاري في الصحابة ولا يصح، قال ابن عساكر: لم يذكره البخاري في الصحابة في "التاريخ"، وذكره ابن سميع في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: حديثه عن علي مرسل، قال: ولم يدرك معاذًا، وقال الأزدي: ضعيف.
عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» . [جه 477، حم 1/ 111، ق 1/ 118، قط 1/ 161]
===
(عن علي بن أبي طالب (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكاء السه العينان) قال في "القاموس": الوكاء ككساء: رباط القربة وغيرها، وكل ما شد رأسه من وعاء وغيره وكاء، وفي "النهاية": جعل اليقظة للأست كالوكاء للقربة، كما أن الوكاء يمنع ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة يمنع الأست أن تحدث إلَّا باختيار، والسه حلقة الدبر، قال في "لسان العرب": قال الأزهري: السه من الحروف الناقصة، لأن أصلها سته بوزن فرس وجمعها أستاه كأفراس، فحذفت الهاء وعوض منها الهمزة، فقيل: أست، فإذا رددت إليها الهاء وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء انحذفت الهمزة التي جيء بها عوض الهاء، فتقول: سه بفتح السين.
ومعنى الحديث، أن الإنسان مهما كان مستيقظًا كانت أسته كالمشدودة الموكأ عليها، فإن العين كنَّى بها عن اليقظة، لأن النائم لا عين له تبصر، فإذا نام انحل وكاؤها، كنى بهذا اللفظ عن الحدث وخروج الريح، وهو من أحسن الكنايات وألطفها.
(فمن نام فليتوضأ) لأنه إذا نام انحل الوكاء، وزال اختياره، واسترخت مفاصله، فهذه الحالة مظنة خروج الحدث، فأقيم مقام الحدث، فعليه أن يتوضأ.
قال النووي (2): اختلف العلماء فيها على مذاهب:
(1) قال ابن العربي (1/ 103): الحديث لا يثبت، وفي سنده بقية وعنده مناكير، إلى آخر ماقال. (ش).
(2)
"شرح صحيح مسلم"(4/ 73)، وقال ابن العربي (1/ 104): فيه ثلاثة مذاهب: الاثنان مثل ما قاله النووي، والثالث الفرق بين القليل والكثير، وهو قول فقهاء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أحدها: أن النوم لا ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى، وسعيد بن المسيب، وأبي مجلز، وحميد الأعرج، وشعبة.
والثاني: أن النوم (1) ينقض الوضوء لكل حال، وهو مذهب الحسن البصري، والمزني، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وإسحاق بن راهويه، وهو قول غريب للشافعي.
والثالث: أن كثير النوم ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض بحال، وهذا مذهب الزهري، وربيعة، والأوزاعي، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
والرابع: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين، كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه، سواءً كان في الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض، وهذا مذهب أبي حنيفة، وداود، وهو قول للشافعي غريب.
والخامس: أنه لا ينقض إلَّا نوم الراكع والساجد، روي هذا عن أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى-.
والسادس: أنه لا ينقض إلَّا نوم الساجد، وروي أيضًا عن أحمد.
= الأمصار، ثم بسطه أشد البسط، وجعل الأحوال أحد عشر حالًا، وفي "الأنوار الساطعة"(ص 191) جعل النوم الناقض عند الشافعي [نوم] غير ممكن مقعدته، وعند مالك الثقيل، وعند أحمد اليسير من القائم والقاعد غير ناقض، والباقي كله ناقض. (ش).
(1)
لعموم حديث صفوان بن عسال صححه ابن خزيمة وغيره بلفظ: "إلَّا من بول وغائط ونوم"، انتهى."ابن رسلان". (ش).