الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروايات ما تقول: إن الأسرة اللخمية قد أعيدت إلى حكم الحيرة بشخص هذا الأمير. ومهما يكن من أمر، فإن نهاية المناذرة ونهاية الدولة الفارسية كانت على يد خالد بن الوليد، حينما شرعت الجيوش العربية الفاتحة في اقتحام دولة الفرس.
الغساسنة
مدخل
…
الغساسنة
يقول الأخباريون: إن أصل الغساسنة من اليمن، وإنهم ينتسبون إلى قبيلة الأزد، وإنهم خرجوا من اليمن حينما تصدع سد مأرب، ونزلوا على ماء في سهل تهامة يسمى "غسان" فنسبوا إليه، وإن الذي قادهم في هذا الخروج هو جدهم الأعلى عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء1، الذي ينتهي نسبه إلى ثعلبة بن مازن بن الأزد بن غوث، وإن أول ملوكهم هو "جفنة" ولذا فإنهم يعرفون باسم "آل جفنة" أيضا. ونحن ليس لدينا ما ينقض ولا ما يؤيد هذه الأقوال، إنما يستدل من الشعر الذي وصلنا من صدر الإسلام، أن مثل هذه الأقوال عن أصل الغساسنة كانت شائعة في الجاهلية القريبة من الإسلام وفي صدر الإسلام2، من مثل قول حسان بن ثابت الذي ينتمي إلى قبيلة الأزد:
فأما سألت فإنا معشر نجب
…
الأزد نسبتنا والماء غسان3
ويزعم الأخباريون أن الغساسنة حين قدموا إلى منطقة حوران والجولان وجدوا أن قبائل أخرى تسكنها وتعرف باسم الضجاعمة الذين أرجعهم النسابون إلى سليح بن حلوان من قضاعة. والمعلومات عن الضجاعمة غير متوفرة للمؤرخين، ويروي النسابون روايات مضطربة عن الذين تزعموهم. يقول الأخباريون: إن الحكم الذي أقامه الغساسنة في جهات الشام لم يأتهم عفوًا وبطريق سهل، إنما أخذوه بالقوة والحرب. فلما نزلوا المنطقة إلى جوار
1 قيل في تفسير لقب عمرو "مزيقياء": إنه كان يمزق كل يوم من سني ملكه حلتين لئلا يلبسهما أحد، أو لأن الأزد تمزقت في عهده كل ممزق عند هربهم من سيل العرم. وفي تفسير لقب عامر "ماء السماء" أن الأزد أصابها مخمصة فمناهم حتى أمطروا فقالوا: عامر لنا بدل من ماء السماء.
2 د. جواد علي: 4/ 119-120؛ المسعودي: مروج الذهب، 2/ 83.
3 أو كقوله مفتخرًا بالغساسنة والمناذرة:
كجفنة والقمقام عمرو بن عامر
…
وأولاد ماء المزن وابني محرق
وحارثة الغطريف أو كابن منذر
…
ومثل أبي قابوس رب الخورنق
سليح ضربت هذه عليهم الأتاوة لحساب الروم، وكان يتزعم الغساسنة آنذاك كبيرهم ثعلبة بن عمرو، فتحايل أخوه جذع على كبير سليح واغتاله، فوقعت الحرب بين القبيلتين، وكانت الغلبة للغساسنة وصار الملك إليهم. ويورد الأخباريون هذه القصة تفسيرًا لأصل المثل القائل:"خذ من جذع ما أعطاك". ويظهر أن الأخبار المروية عن فتك الغساسنة بالضجاعة مبالغ فيه؛ ذلك أنهم وإن فقدوا ملكهم، فإنهم لم يرتحلوا عن المنطقة، لا بل يروى أنهم أسهموا في مقاومة خالد بن الوليد في دومة الجندل، عندما تصدى المسلمون لفتح الشام1.
كما يروي الأخباريون أن الروم كانوا يفرضون نفوذهم على الضجاعمة، وأنهم قد أنابوهم عنهم في جمع الإتاوات من السكان، فلما ظهر الغساسنة عليهم وثقوا بقوتهم واستمالوهم ووطدوا صلاتهم بهم، واعترفوا لهم بالرئاسة على العرب في بلاد الشام ومدوهم بالمعونة، واتخذوا منهم مجنا يتقون به غزوات الأعراب التي كانت غالبًا ما كانت تغير على مراكز الحضارة البيزنطية، كما اتخذوا منهم حلفاء ضد أعدائهم الفرس في الشرق، وهكذا أصبح الغساسنة دولة تابعة للروم البيزنطيين.
ويختلف المؤرخون حول من هو أول ملك من ملوك الغساسنة؛ فبينما يقول بعضهم: إنه جفنة بن عمرو مزيقياء، يذكر المسعودي أنه الحارث بن عمرو مزيقياء. ويقرن المؤرخون بين جفنة وبين الإمبراطور أنسطاس الذي حكم بين 491-518م، ويقولون: إن هذا الإمبراطور قد ملَّكه على عرب الشام، فقتل ملوك قضاعة من سليح وبني جلق وغيرها، وبه سمي آل جفنة عمالًا للقياصرة على عرب الشام. فإذا صح زعمهم فيكون جفنة قد حكم بين نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الميلادي.
والواقع أن تاريخ الغساسنة غامض، وليس ثمة اتفاق في التواريخ العربية على عدد ملوكهم. فهناك من يقول: إنهم أحد عشر ملكًا، وآخرون يقولون: إنهم اثنان وثلاثون، والفرق كبير بين القولين. أما التواريخ البيزنطية فلا تهتم إلا بعلاقاتهم مع القسطنطينية، ولا يعرف على التحقيق، وبشيء من التفصيل سوى تاريخ خمسة من ملوكهم حكموا في
1 د. جواد علي: 4/ 123-124.