الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اتخذ الجاهليون طرقًا عديدة للتخلص من أذى الجن، ولا سيما من الخطفة والنظرة، أي خطفها للأطفال وإصابتهم بالعين. فهداهم تفكيرهم إلى تعليق بعض الأشياء على رأس الصبي، أو على لباسه مثل سن الثعلب، أو سن هرة، أو سن ذئب، أو تقطير شيء من السوائل في عينيه عند ولادته؛ لتنفير الجن عنه، وتسمى هذه الأمور المنفرة للجن باسم "النفرات". وقد يكون تعليق بقايا الحيوانات على الصبي من مخلفات العقيدة الطوطمية، لاعتقادهم بأن هذه الأجزاء ستخيف الجن، وتذكرهم بذلك الحيوان الذي يحتمي به الصبي1. وقد يلجئون في التحايل على الجن إلى تغيير اسم الصبي، وتسميته باسم حيوان صغير ينفر الجن منه.
وهناك أيضا قصص الغول والسعلاة، وهي من أشهر القصص الجاهلي المذكور عن الجن. ويرى اللغويون أن من معاني الغول التلوُّن والظهور بصور مختلفة، والاغتيال والتضليل في المفاوز والغدر بالإنسان. وأما السعالي "مفردها: السعلاة" فذكروا أنها سحرة الجن، وقيل: إن الغيلان جنس منها، وإن الغيلان هي إناث الشياطين، وإن السعالي أخبث الغيلان2.
1 جواد علي: 5/ 46-48.
2 جواد علي: 5/ 49-51.
عبادة الأصنام:
وعبد العرب الجاهليون الأصنام، وهي تماثيل أو صخور عرفت بتسميات شتى، تختلف باختلاف المادة التي صنعت منها. فما كان منها مصنوعا من الخشب أو الذهب أو الفضة على صورة إنسان فهي أصنام، وما كان منها مصنوعا من الحجر فهي أوثان. ونوع ثالث منها عبدوه وأطلقوا عليه اسم الأنصاب، والأنصاب نوع من "حجارة غُبْر منصوبة، كانوا يطوفون بها ويعترون عندها" يعترون: يقدمون لها العتيرة أي: الذبيحة، ويسمون الطواف بها:"الدوار"1، وقد تكون الأصنام على هيئة حيوان أو طير، أو على أشكال أخرى.
والعرب لم يعبدوا تلك الأصنام لمجرد كونها تماثيل أو حجارة، إنما لكونها تمثل في
1 ابن الكلبي: الأصنام، ص42-53.
نظرهم قوى عليا، هي فوق الطبيعة، ظنوا أنها كامنة فيها، كما أنها تمثل الأرواح التي تقدم معنا الحديث عنها، ومنها أرواح أسلافهم وأبطالهم ورجالهم الصالحين المتوفين، أو آلهة معينة، جعلوها رمزًا لها. وقد مرت معنا بعض الشواهد على ذلك، مثل إقامة بني قابيل تمثالا لجدهم، أو إقامتهم أيضا تماثيل لخمسة من أسلافهم الصالحين، صاروا يطوفون حولها تعظيمًا لهم. ومثل ما روي أن "اللات" في الطائف كانت تمثل رجلا من ثقيف، عبدوه عندما قال لهم عمرو بن لحي الخزاعي: إنه لم يمت إنما دخل الصخرة، وأمرهم بأن يبنوا عليها بنيانًا وأن يطوفوا حولها تعظيمًا له1، أو أنه قال لهم: إن ربكم دخل هذه الصخرة، ونصبها لهم ليعبدوها. وقد اعتقد الجاهليون أيضا، أن فيها وفي العزى شيطانين يكلمان الناس.
كان لكل قبيلة إلهها الخاص، وقد تشترك عدة قبائل في عبادة إله أكبر، ويظهر أن العرب قد اقتبسوا شيئا من معتقداتهم وعباداتهم وأصنامهم من الأمم المجاورة. فقد كان من أصنامهم ما هو قديم، نشأت عبادته في شبه جزيرة العرب، كالذي ذكرته عما روي من إقامة بني شيث بن آدم وبني قابيل بن آدم تماثيل لأسلافهم، كما كان منها ما هو دخيل عليهم جاءهم من خارج شبه الجزيرة، ولا سيما من الشعوب السامية في شمال بلادهم.
ففي رواية لابن الكلبي أن أول من غيَّر دين إسماعيل "فنصب الأوثان، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وبحَّر البحيرة، وحمى الحامية" هو عمرو بن لحي الخزاعي، الذي كان يلي أمور مكة والكعبة بعد جرهم، إذ "مرض مرضًا شديدًا فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حَمَّة إن أتيتها برئت. فأتاها فاستحم بها فبرئ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة"2.
كانت الكعبة معبدا كبيرا يضم أكبر عدد من الأصنام والأوثان. فقد حطم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عند فتحه مكة، أكثر من ثلاثمائة صنم. ذلك أن قريشا قد نصبت في داخل الكعبة وحولها أصنام شتى القبائل العربية القريبة منها والبعيدة، لتجذبها إلى زيارة
1 ياقوت: معجم البلدان، مادة اللات، جواد علي: 5/ 93.
2 ابن الكلبي: ص8.
الكعبة، وإلى ارتياد الأسواق التي كانت تقام في موسم الحج، فتستفيد من ذلك فوائد اقتصادية ومعنوية. وكان أشهر أصنام المشركين أربعة: هبل واللات والعزى ومناة. وبينما لم يرد للأول ذكر في القرآن الكريم، ذكر الثلاثة الأخر وغيرها من آلهة الجاهليين مرارًا:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَاّتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى، إِنْ هِيَ إِلَاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان} 1. وقد جاءت هذه الآية تنديدًا بالكفار الذين جعلوا هذه الآلهة بنات الله، وأنهن يشفعن بالناس عنده. وكانت قريش تطوف الكعبة وتقول: "واللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، فإنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى"2.
ويظهر أن بعض الآلهة كانت تعبد منذ عهد نوح، كما جاء في قوله تعالى:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَاّ خَسَارًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا، وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 3. وقد تقدم معنا ما روي عن عبادة هذه الآلهة، منذ أن صنع بنو قابيل خمسة أصنام لخمسة من عظمائهم، ماتوا وكانوا يتسمون بهذه الأسماء.
هبل:
كان هبل أعظم الآلهة الوثنية في مكة، ويظهر أن عبادته كانت عامة في عرب الشمال، وكان موضعه داخل الكعبة، وهو مصنوع من عقيق أحمر على صورة إنسان، ويقال: إن أول من نصبه خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكان يقال له "هبل خزيمة". وكان مكسور الذراع الأيمن، فأبدله القرشيون ذراعًا من ذهب، وكانوا يطوفون حوله، ويستقسمون عنده بالأزلام، ويقدمون له الهدايا. روى ابن الكلبي أنه كان أمامه سبعة قِداح اثنان منها مكتوب على أحدهما "صريح" وعلى الثاني "ملصق"، فإذا شكوا في مولود أتوا إليه بهدية، ثم ضربوا بالقداح، فإن خرج "صريح" ألحقوا المولود بنسبهم، وإن خرج "ملصق" دفعوه. وكان على أحد قدحين آخرين كلمة
1 [النجم: 19-23] .
2 الأصنام، ص19.
3 [نوح: 21-23] .
"ناهي" وعلى الثاني "آمر"، فإذا أرادوا الإقدام على عمل أتوا واستقسموا، فإذا خرج "الآمر" فعلوا، وإن خرج "الناهي" أحجموا، وهكذا في أمور أخرى. وعند هبل ضرب عبد المطلب على ابنه عبد الله. ولما ظفرت قريش في معركة أحد، صاح أبو سفيان "اعل هبل" "أي: علا دينك"، فقالوا الرسول: "الله أعلى وأجل"1.
اللات:
صخرة مربعة أقيم عليها بناء في الطائف، وقد اعتبرتها ثقيف من أعظم المعبودات، وعظمتها قريش وجميع العرب. وكانت تعرف عندهم باسم "الربَّة" أي السيدة، وقد شبهها "هيرودوت" بإلهة الفلك uRANIA، وهي تقابل الأم الكبرى للآلهة، أو "عشتروت" عند الساميين الشماليين2. وكانوا يسمون أولادهم بأسماء منسوبة إليها مسبوقة بكلمة "وهب، تيم، زيد" مثل وهب اللات، تيم اللات، زيد اللات، بينما كانوا يسبقون أسماء الآلهة الأخرى بكلمة عبد كقولهم: عبد العزى، عبد يغوث، عبد مناف
…
إلخ.
وكان تحت صخرة اللات حفرة عرف باسم "غبغب" تحفظ فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم إليها. ويظهر من بيت ينسب إلى كعب بن مالك الأنصاري:
وننسى اللات والعُزَّى وودًّا
…
ونسلبها القلائد والسيوفا
أن الناس كانوا يعلقون القلائد والسيوف على الأصنام، ويقدمون إليها الحلي والثياب والنفائس، وما طاب في الأعين، كهدايا ونذور إليها3. فلما أسلمت ثقيف بعث الرسول صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة إليها، فهدمها وحرَّقها بالنار، واستولى على كل ما كان عندها4.
1 الأصنام: ص27-28.
2 بروكلمان: المصدر نفسه، ص26.
3 جواد علي: 5/ 93-95.
4 الأصنام: ص17.
العُزَّى:
وكانت أعظم الأصنام عند قريش بعد هبل، وربما نافسته، يزورونها ويهدون لها، ويتقربون عندها بالذبح، وكانت بوادٍ من نخلة الشامية يقال له "حُراض" بين مكة والعراق. أما أول من اتخذها فهو "ظالم بن أسعد" فبنى عليها بيتا، وحمت لها قريش شعبًا من الوادي. وزعم العرب أن العزى شيطانة تأتي ثلاث سَمُرات1 ببطن نخلة، وأن أصواتًا كانت تخرج من داخل بيتها يسمعها المتعبدون. وكان العرب إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة، لم يحلوا حتى يأتوا العزى فيطوفوا بها ويحلوا عندها، ويعكفوا عندها يومًا. وفي كتاب الأصنام رواية طريفة عن قيام خالد بن الوليد بهدم بيتها وتحطيمها، وقطع السمرات الثلاث التي قيل: إنها كانت تحيط ببيتها2.
مناة:
وكانت معروفة في مكة، وقد شاعت عبادتها بين قبائل هذيل وخزاعة، وكان مكانها عند ساحل البحر بين المدينة ومكة، تعظمها القبائل الساكنة في تلك الجهات، ولا سيما الأوس والخزرج، إذا كانتا تخصانها بالتعظيم، كخاصة ثقيف للات وقريش للعزى، فإذا حجوا إلى مكة، عادوا إلى مناة، ليحلقوا شعرهم عندها. وربما اعتبرت مناة إلهة القضاء والقدر، أو ما يقابل الحظ المخلص عند الإغريق. وأما تحطيم صنمها، فكان في السنة الثامنة للهجرة عندما سار الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فأرسل علي بن أبي طالب للقيام بهذه المهمة، فهدمها وأخذ ما كان لها، ومن ذلك سيفان روي أن الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الغساسنة كان قد أهداهما إليها، ويقال: إن ذا الفقار سيف علي أحدهما3.
ومن أبرز الأصنام التي عبدها العرب من أقدم العصور:
ود:
وقد اتخذته "كلب" بدومة الجندل. ويروي ابن الكلبي أن أول من آمن به وعبده
1 السمرات مفردها سمرة: شجر من العضاة وليس في العضاة أجود خشبًا منه.
2 الأصنام: 24-25.
3 الأصنام: 14-15.
-عندما أرسله عمرو بن لحي من شط جدة، وأمر بأن تدعى العرب إلى عبادته وهي في موسم الحج- عوف بن عذرة من كلب، إذ نصبه في دومة الجندل، وجعل ابنه عامرًا سادنًا له، ولم يزل بنوه يسدنونه حتى ظهر الإسلام، ولما كانت غزوة تبوك أُرسل خالد بن الوليد لهدمه، فحالت بنو عبدود وبنو عامر دون ذلك، فقاتلهم خالد حتى قتلهم وهدمه وكسره، وكان فيمن قتل آنذاك حسان بن مصاد ابن عم الأكيدر صاحب دومة الجندل.
ويصفه ابن الكلبي فيقول: "كأن تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال، قد دُبر "نقش" عليه حُلتان، متزر بحلة، مرتدٍ بأخرى، عليه سيف قد تقلده وتنكب قوسًا، وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة "جعبة" فيها نبل" ومن طريف ما روى ابن الكلبي أن رجلا يسمى حارثة الأجداري كان يهدي اللبن إلى الصنم، ويرسله مع ابنه مالك، وينقل عن مالك قوله:"كان أبي يبعثني باللبن إليه فيقول: اسقه إلهك، فأشربه"1.
وابن الكلبي يجعل عمرو بن لحي الخزاعي بطل عبادة الأصنام، فهو يدفع بهذا الصنم أو ذاك إلى هذه القبيلة أو تلك؛ لتعبده. ويظهر أن هذا الأمر كان معروفًا عنه عند ظهور الإسلام، إذ روي عن الرسول قوله:"رفعت لي النار فرأيت عمرًا رجلًا قصيرًا أحمر أزرق يجر قصبه في النار. قلت من هذا؟ قيل: عمرو بن لحي، أول من بحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان"2. وكان من هذه الأوثان:
سواع:
الذي دفع به عمرو إلى رجل من هذيل، يقال له الحارث بن تميم، ينتسب إلى مدركة بن إلياس، فجعله في أرض يقال لها رهاط من بطن نخلة، وتعبَّده من يليه من مضر. وحينما أجابته مذحج دفع إلى رجل منها:
يغوث:
فوضع بأكمة في اليمن يقال لها مذحج، وتعبدته مذحج ومن والاها، وأجابته هَمْدان فدفع إلى رجل منها:
1 الأصنام، 10، 54-56.
2 الأصنام، ص58.
يعوق:
فوضع في قرية يقال لها خَيْوان، وتعبدته همدان ومن والاها من أرض اليمن. وأجابته حمير، فدفع إلى رجل منها:
نسرًا: فوضع في مكان من أرض سبأ يقال له "بَلْخع" وتعبدته حمير ومن والاها، وظلوا يعبدونه حتى هودهم ذو نواس1.
وإلى جانب هذه الآلهة، هناك آلهة أخرى أقل أهمية مثل:
الفَلْس:
وكان لطيء تعبده وتهدي إليه، وتَعتِر عنده، ومكانه وسط جبلهم أجأ. ويظهر أنه كان عبارة عن صخرة سوداء منتصبة، وكأنها تمثال إنسان، وكان له سادن من بني بولان، وفي اعتقادهم أنه لا يأتيه خائف إلا أمن عنده، ولا يطرد أحد طريدة فيلجأ بها إليه إلا تركت له. وكان لطيء أصنام أخرى مثل:"اليَعْبوب" وهو صنم لجديلة طيء، و"باجر".
وهناك أصنام أخرى تَعبَّد لها العرب منها: "الأقيصر" لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان، و"سعد" لبني مالك وكان صخرة طويلة بساحل جدة، و"نهم" لمزينة، و"سعير" لعَنَزَة، و"ذو الخلصة" وكان لباهلة وبجيلة وأزد السراة وهوازن. ومن الأصنام ما اعتقد الجاهليون أنها كانت بشرًا، فمسخها الله حجرًا مثل صنمي:
إساف ونائلة:
ويروى أنهما كانا رجلًا وامرأة من جرهم قد تحابا، ثم قصدا مكة للحج فدخلا الكعبة، فوجدا غفلة من الناس وخلوة في البيت، ففجرا بها، فمسخا حجرين، فأخرجا ووضعا موضعهما؛ ليعتبر بهما الناس، فعبدا بمرور الزمن، عبدتهما خزاعة وقريش، ومن حج البيت من العرب2.
وقد ذكرت الآيات الكريمة أن مما آمن به الجاهليون "الجبت والطاغوت": {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
1 الأصنام، ص55-58.
2 الأصنام: ص9.