الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حروب القحطانية فيما بينها
مدخل
…
1-
حروب القحطانية فيما بينها:
من هذه الحروب ما جرى بين الأوس والخزرج في يثرب، وقد أعطيت لمحة عنها في البحث الذي تحدثت فيه عن مدينة يثرب. وقد ذكرت أن الأسباب التي دعت إلى قيام الحرب بين القبيلتين العربيتين كانت سياسية واقتصادية، إذ كان لزعيم الخزرج مالك بن العجلان الفضل في انتصار عرب المدينة على اليهود، فأصبح له الذكر والشرف كما يقول صاحب الأغاني1، وتسنمت الخزرج مركز الصدارة في المدينة. ولما كانت الأوس قد وضعت يدها على أراضٍ أكثر خصبًا وغنًى من الأراضي التي احتلتها الخزرج، وأصبحت تسيطر على الوضع الاقتصادي ليثرب، لم تقبل أن تكون للخزرج هذه المنزلة دونها، وساءها أن يفتخر حليف للخزرج عليها، كما رأينا سابقا؛ فكان أن قتله رجل من الأوس، فوقعت معركة "سمير" بين القبيلتين.
وكان لليهود اليد الطولى في الدس والوقيعة بين القبيلتين العربيتين؛ لما حل بهم من خذلان أمام العرب. وقد حدثت بعد يوم سمير وقائع عديدة ذكرها المؤرخون2، منها أيام: حاطب وسرارة وفازع والربيع والبقيع والفجاران الأول والثاني وكعب وبعاث. وأما نتيجة التحكيم الذي جرى في أعقاب يوم "سمير" والذي قضى بأن تُدفع لمالك بن العجلان، عن حليفه الذي قتله سمير الأوسي، دية الصريح3، وإن كانت قد أرضت كلًّا من الأوس والخزرج، غير أن البغضاء والعداوة قد تمكنت في نفوس أبناء القبيلتين، فتجددت الحروب لأسباب مباشرة مختلفة بينهما في الأيام التالية التي دامت مائة سنة تقريبا وكان آخرها:
1 الأغاني: 3/ 886.
2 راجع عن هذه الحروب ابن الأثير: 1/ 403-418.
3 الأغاني: 3/ 887.
يوم بعاث:
الذي حدث قبل الهجرة بخمس سنوات، وكان سببه المباشر أن الأوس رأت بعد الأيام الطويلة السابقة أنها أضعف من الخزرج التي كانت لها الغلبة في معظمها، وأنها لم
تعد قادرة على الصمود أمام الخزرج التي اتجهت نيتها إلى الاستيلاء على ما في يد الأوس من أراض خصبة، فحاولت التحالف مع بني قريظة وبني النضير، فلم يكن من الخزرج إلا أن هددت القبيلتين اليهوديتين بالحرب إن هما استجابتا للأوس، فلم تلبثا أن أعلمتا الخزرج بوقوفهما على الحياد. لكن الخزرج لم تقنع بذلك بل طالبتهما برهائن تضمن عدم تحالفهما مع الأوس، فدفعتا إليها بأربعين غلاما وزعتهم في بيوت زعمائها1، ولما يئست الأوس من ضمان أسباب النصر، أوفدت إلى مكة وفدا في محاولة منها لاستعداء قريش على الخزرج، فلم يستجب القرشيون إلى طلبها حرصا على عدم التدخل في أمور من شأنها أن تمس سلامة علاقاتها التجارية مع الجوار.
غير أن الخزرج قد أقدمت على تصرف أهوج، عندما أسفر أحد زعمائها عن نيته في الاستيلاء على ما في أيدي قريظة والنضير من أراضٍ ودور، وأنذرهم بتسليمها أو قتل غلمانهم2، فأعطى بذلك المجال إلى تحالف تم بين القبيلتين اليهوديتين وبين الأوس، وبدأت حرب بين الطرفين، وأقدم زعماء الخزرج -عدا عبد الله بن أبي بن سلول- على قتل الرهائن اليهود. وحشد كل من الطرفين حلفاءهما من داخل المدينة ومن خارجها، إذ راسلت الأوس حلفاءها من بني مزينة، بينما رأت الخزرج أن تراسل حلفاءها من بني أشجع وبني جهينة، وانضم إليها بنو قينقاع من اليهود.
كانت الغلبة في اليوم الأول من القتال للخزرج، إنما لم يلبث الأوس أن مالوا على خصومهم يقتلونهم ويحرقون منازلهم ونخيلهم، بينما كان اليهود ينكلون بهم تنكيلا
1 أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص340-343.
2 ابن الأثير: 1/ 417: يقول ابن الأثير: "إن عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي قال لقومه بني بياضة: إن أباكم أنزلكم منزلة سوء، والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير أو أقتل رهنهم. وكانت منازل قريظة والنضير خير البقاع، فأرسل إلى قريظة والنضير: إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم، وإما أن نقتل الرهن، فهموا أن يخرجوا من ديارهم، فقال لهم كعب بن أسيد القرظي: يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلمان، ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتى يولد له مثل أحدهم، فأرسلوا إليهم: إنا لا ننتقل من ديارنا، فانظروا في رهننا فادفعوهم إلينا، فعدا عمرو بن النعمان على رهنهم فقتلهم، وخالفه عبد الله بن أبي سلول فقال: هذا بغي وإثم، ونهاه عن قتلهم وقتال قومه من الأوس، ولم يقتل هو ومن أطاعه أحدًا من الغلمان وأطلقوهم وحالفت حينئذ قريظة والنضير الأوس على الخزرج".