الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وياقوت الحموي، إذ تحدثوا عن الأمكنة التي كانت توجد فيها كل هذه المعادن بكثرة.
وقد تحدث المؤرخون عن وجود معدن ثمين هو "البقران" الذي يميز منه نوع يقال له: "المثلث" ذلك أن له وجهًا أحمر فوق عرق أبيض فوق عرق أسود، ويكثر وجوده بالقرب من صنعاء1. ولذلك فإن عرب اليمن قد اهتموا باستخراج هذه المعادن، وامتهن كثير منهم صناعة التعدين، وأهم ما كان يخرج من بين أيدي صناعهم السيوف التي أخذت شهرة صناعتها اليمنية تعم الآفاق، فإذا امتدح أحدهم سيفًا قال: إنه "كالسيف اليماني". ولا يضاهي هذه الصناعة شهرة سوى صناعة "البرد اليمنية" التي كانوا يستوردون مادتها الحريرية الخام من الهند وينسجونها في بلادهم.
ومن الصناعات التي اشتهر بها اليمنيون دبغ الجلود وصنع التروس والدروع السميكة منها. كما انفردوا بصناعة جعلوها احتكارًا لهم، لا يشاركهم فيها أحد، هي تحضير البخور واللبان والطيوب بحيث نسجوا حول تدارك موادها الأولية بعض الخرافات؛ كي يوفروا لأنفسهم الحماية من منافسة الأجانب في الحصول عليها، كمثل ما رواه المؤرخ اليوناني "هيرودوت" عن كيفية اجتناء البخور بحرق صمغ يسمى الميعة لتنفير الحيات الطائرة التي تأوي إلى أشجاره، وعن كيفية اجتناء القرفة التي زعموا أنها تنبت في بحيرة قليلة المياه تسرح حولها حيوانات كالخفافيش، تصيح صياحا هائلا وهي شديدة الأذى؛ مما يضطرهم إلى تغطية أبدانهم ووجوهم ما عدا الحدق بجلود الثيران والماعز لاتقاء أذاها، فنقل "هيرودوت" هذه الأوهام وكأنها حقيقة واقعة.
العمران وإنشاء المدن:
لقد دلت الاكتشافات الحديثة أن عرب الجنوب اليمني قد بنوا مدنا كثيرة، درست معالم معظمها، ولم تبق إلا أنقاض بعضها مثل: معين ومأرب ويثيل "براقش" وظفار وشبوة وغيرها، وقد ذكر شعراء العرب عشرات منها في أشعارهم، ووصفوا بعضها في قصائدهم وتغنوا بجمالها. ويبدو أن اليمنيين كانوا يبنون مدنهم على مرتفعات التماسًا للطافة الجو، وتحاشيًا لأخطار السيول، وفي الوقت نفسه ليحمي الأمراء الحضريون أنفسهم من
غارات البدو إذ كانوا يجعلون قصورهم على شكل قلاع حصينة شبيهة بقصور نبلاء القرون الوسطى في أوروبا "Chateaux forts".
كانت كل مدينة تحتوي على قصر أو عدة قصور، وعلى معابد فخمة بالإضافة إلى منازل السكان، كما يرى في مدينة مأرب التي كانت مستديرة الشكل قطرها نحو كيلومتر، وحولها سور له ثلاثة أبواب، وفي وسط المدينة آثار هيكل يسميه اليمنيون الآن "هيكل سليمان" وتحتوي أيضا على آثار قصور كثيرة أشهرها قصر سلحين الذي كان مقرًّا للملك، وقد شاهده الهمداني ويسمونه الآن "قصر بلقيس" وعلى مسيرة نصف ساعة من شمال شرقي المدينة أنقاض بناء عظيم يقال له:"حرم بلقيس" وهو أهليلجي الشكل، حوله سور له بابان شمالي وجنوبي، وعليه كتابة تشير إلى أنه كان هيكلًا لعبادة "ألمقة" الإله القومي لسبأ1.
ويشاهد في صنعاء آثار قصر غمدان الذي بناه الملك "اليشرح يحضب" من ملوك الدور الأول الحميري في القرن الأول للميلاد، والذي شاهد الهمداني أطلاله، وقال: إنها عبارة عن تل عظيم كالجبل، ويعد من أفخم قصور اليمن إذ قيل: إنه بني بالبورفير والجرانيت والمرمر، وكانت كل واجهة من واجهاته الأربع مبنية بحجارة يختلف لونها عن ألوان الأوجه الأخرى. ويروى أنه قد جعل عشرين طابقًا بين كل طابق وآخر عشرة أذرع.
ومن أهم قصور اليمن2: قصر ناعط العظيم، الذي يلي قصر غمدان شهرة. وهو في الحقيقة عبارة عن محفد، مؤلَّف من قصور عديدة تزيد على عشرين قصرا كبيرا، يحيط بها سور مبني بالصخر المنحوت. وأشهرها قصر المملكة الكبير، الذي كان يسمى قصر "يعرق" وليس هناك من قصر إلا وتحته صهريج للماء تجمع فيه مياه الأمطار التي تهطل على سطحه وهو يعتمد على أساطين فخمة، طول الواحدة منها نيف وعشرون ذراعًا ويكاد لا يحضنه رجلًا.
1 جورجي زيدان: تاريخ العرب قبل الإسلام، ص144.
2 منها أيضًا قصر تلفم وقصر ريدة وقصر صرواح.