الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باليهود "70م" وتشتت شمل هؤلاء فدخل قسم كبير منهم بلاد العرب من جهة الشمال على الأغلب، بدليل أن عدة قبائل منهم كانت تقطن مدينة يثرب قبل الإسلام بقرون عديدة. ويعتقد أن ملوك حمير الذين غادروا اليمن إثر احتلال الأحباش لبلادهم، والتجئوا إلى يثرب قد تأثروا بالديانة اليهودية، غير أنه ليس من دليل ثابت على أنهم قد اعتنقوها، وإن كان هناك من يعتقد أن آخر ملوكهم "أسعد كامل" الملقب باسم "ذي نواس" قد اعتنقها، وهذا مشكوك فيه، بالرغم من أن حركة تبشيرية يهودية قوية قد رافقت حكمه، وأحرزت نجاحًا كبيرًا، فانتشرت اليهودية بشكل واسع في اليمن "في القرن السادس الميلادي" حتى قيل: إن 100 ألف من اليمنيين قد اعتنقوها. ويبدو أن ذلك كان كرد فعل لنشاط التغلغل المسيحي ولنشاط الضغط الاستعماري الروماني الذي يكمن وراءه.
الدور الحبشي
"525 - 575 م":
احتل الأحباش اليمن في عهد الملك ذي نواس الذي أصبح التنافس اليهودي المسيحي في عهده على أشد ما يكون. فقد بلغ التوتر منتهاه عندما أدرك العرب أن المسيحيين العرب كانوا واسطة لتسرب النفوذ الحبشي إلى البلاد، فاعتبر ذو نواس المسيحيين خونة، واتخذ من قتلهم غلامين يهوديين ذريعة لاضطهادهم والفتك بهم، فسار إليهم بجيش كبير ودخل مدينتهم نجران، وخيرهم بين ترك ديانتهم أو القتل، ولما أبوا إلا البقاء على دينهم أقام لهم مذبحة رهيبة وأحرق عددًا كبيرًا منهم ودفنهم في أخدود. وقد جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 1.
لم تمض حادثة الأخدود بسلام، فما أن أبلغ بها الإمبراطور البيزنطي "جوستين الأول" -وكانت يزنطة وريثة الحكم الروماني في الشرق تعتبر نفسها حامية المسيحية في هذه الجهات آنذاك- حتى اغتنم الفرصة لتحقيق مآرب دولته الاستعمارية في اليمن، وإضافة مراكزها التجارية البرية والبحرية إلى ما استولى عليه من مناطق كالبتراء وتدمر ومعان، التي أصبحت في ذلك الحين تحت سيطرة الروم المباشرة، فتكمل بذلك جميع حلقات السلسلة بضم الحلقة الناقصة منها، فكتب إلى نجاشي الحبشة - وكان الأحباش
1 البروج: 4-5، وما بعدهما من آيات.
أقرب إلى الأتباع منهم إلى حلفاء أو أصدقاء البيزنطيين- لتأديب ملك اليمن. فأرسل النجاشي 70 ألف مقاتل بقيادة القائد "أرياط" الذي ظل يقاتل الملك الحميري حتى انتصر عليه سنة 525م، واستولى على اليمن وقضى على استقلالها وسيادتها، وأذل حمير وقتل ثلث رجالها، وبعث إلى النجاشي بثلث نسائها سبايا، بينما رمى ذو نواس نفسه في البحر وانتحر، وكان آخر ملوك حمير.
حكم بعد أرياط أحد قواده "أبرهة" الذي قتل سلفه وانتزع القيادة منه، وما لبث الأحباش أن كشفوا القناع عن وجه استعماري مقيت، فحكموا حكمًا شديدًا ضج منه الناس ودام خمسين عاما. وقد استغلوا حكمهم لليمن في نشر الديانة المسيحية في جميع أرجاء الجزيرة العربية، جنوبيها وشماليها، وفي بسط سيطرتهم الاقتصادية عليها، لا سيما في ميدان التجارة، هذا الميدان الذي بدأ عرب الشمال في اقتحامه، وبدأت تجارتهم في النمو والازدهار، وأخذت قوافلهم التجارية ترتاد طرق التجارة العربية من الحجاز حتى بلاد الشام من جهة ومن الحجاز حتى اليمن من جهة ثانية، وأصبحت مكة والمدينة مركزين لهما أهمية عظيمة في النشاط التجاري، وإن يكن هذا النشاط قد اقتصر على داخل الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر.
وقد زاد الحجاز أهميةً كونُهُ المركز الديني لعرب شبه الجزيرة لوجود الكعبة، وهي أكبر مركز ديني وثني آنذاك، فأثار هذا كله حفيظة أبرهة الحبشي، ودفعه إلى منافسة التجارة الحجازية، ومجاراة مكة في أهميتها الدينية كوسيلة لاستقطاب النشاط التجاري الداخلي لعرب الجزيرة، وتركيزه في المدن اليمنية التي يسيطر عليها الأحباش. وهذا ما حدا به إلى بناء كاتدرائية عرفت باسم "الكليس" أو "القليس" -وهي كلمة محرفة من كلمة إيكليزيا اليونانية- في صنعاء، وبالغ في تزيينها وإتقانها، وقد نقشها بالذهب والفضة وصنوف الجواهر والزجاج والفسيفساء، وأخذ يسعى لجذب العرب إلى زيارتها والعزوف عن زيارة الكعبة.
لكن العرب أظهروا تعلقهم بالكعبة وكرههم للأحباش واحتقارهم للكليس، فقام اثنان من قبيلة فقيم ووضعوا أقذارًا فيها؛ الأمر الذي جعل أبرهة يتميز غضبًا وأقسم ليهدمن الكعبة، وسار بجيش إلى مكة لينفذ وعيده في العام الذي سمي بعام الفيل